أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 27 - صـ 501

جلسة 17 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ فاروق محمود سيف النصر، وإسماعيل محمود حفيظ، ومحمد صفوت القاضي، وأحمد طاهر خليل.

(112)
الطعن رقم 192 لسنة 46 القضائية

(1) إجراءات المحاكمة. دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". أسباب الطعن ما لا يقبل منها.
النعي على المحكمة قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها. غير مقبول.
(3،2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". نقض. أسباب الطعن "ما لا يقبل منها" إثبات. "أوراق رسمية".
(2) عدم جواز مجادلة محكمة الموضوع. في استخلاص الصورة الصحيحة للواقعة. كما ارتسمت في وجدانها.
(3) للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية. طالما كان سائغا في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة.
1 - لما كان البين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الثالث لم يطلب إلى المحكمة تحقيقا معينا في صدد ما ادعاه من وجوده وقت الحادث بقسم.... فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلب منها.
2 - لما كان الواضح من مساق الحكم أن ما قاله في هذا الصدد - من أن رد المستشفى لا يفيد وجود المتهم بها قد عني الحكم به - على ما يبين من مدوناته - عدم وجوده بها وقت وقوع الحادث، فإن المنعي عليه في هذا الخصوص بدعوى الخطأ في الإسناد لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل لدى محكمة النقض.
3 - العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتناع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليه دليلا لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، كما أن من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها. وكان ما ذكره الحكم بشأن قرب المسافة بين مكان الحادث ومستشفى طنطا - له مأخذه الصحيح من الأوراق فيما أبداه الدفاع من المدعي بالحق المدني في هذا الصدد بجلسة المحاكمة، وكانت هذه الواقعة مطروحة على بساط البحث بالجلسة ولم ينازع فيها الطاعن الرابع، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت عليها ما دام قد اطمأنت إليها.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهم بدائرة مركز طنطا محافظة الغربية (أولا) ضربوا.... عمدا مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على ضرب كل من يعترضهم في إقامة البناء المبين بالتحقيقات على الأرض المتنازع عليها وأعدوا لذلك آلات راضه وحادة (عصا غليظة وبلطة) وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه ضربا بها فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يقصدوا من ذلك قتله ولكن الضرب أفضى إلى موته (ثانيا) ضربوا.... عمدا مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على ضرب كل من يعترضهم في إقامة البناء المبين بالتحقيقات على الأرض المتنازع عليها وأعدوا لذلك آلات راضة وأخرى حادة (عصا غليظة وبلطة) وما أن ظفروا به حتى انهالوا عليه ضربا بها فأحدثوا به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبي الشرعي والتي تخلفت لديه من جراء بعضها عاهة مستديمة يستحيل برؤها هي إعاقة نهاية ثني المرفق الأيسر وإعاقة ثني الأصابع الأنسية لليد اليسرى. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم بالمادتين 236/ 1 - 2 و240/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك، وادعت ........ - زوجة المجني عليه - مدنيا عن نفسها وبصفتها قبل المتهمين متضامنين بمبلغ ثلاثة آلاف جنيه على سبيل التعويض. ومحكمة جنايات طنطا قضت حضوريا عملا بالمادة 236/ 1 و2 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهمين بالسجن لمدة ثلاث سنوات وإلزامهم متضامنين بأن يدفعوا للمدعية بالحقوق المدنية عن نفسها وبصفتها وصية على قصر المرحوم...... مبلغ ألف وخمسمائة جنيه والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

من حيث إن الطاعنين الأول والثاني وإن كانا قد قررا بالطعن في الميعاد إلا أنهما لم يقدما أسبابا لطعنهما ومن ثم يكون طعنهما غير مقبول شكلا.
وحيث إن الطعن المقدم من الطاعنين الثالث والرابع قد استوفى الشكل المقرر في القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين الثالث والرابع بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شايع قصور في التسبيب وانطوى على خطأ في الإسناد، ذلك بأن الطاعن الثالث أنكر إرتكابه الحادث وقرر أنه لم يكن موجودا وقت حصوله بل كان بالقاهرة حيث قدم أوراق تطوعه للدفاع المدني لقسم الزيتون وقدم تدليلا على ذلك صورة شمسية من الطلب المقدم منه في هذا الشأن - بيد أن الحكم أطرح هذا الدفاع ولم يحققه بلوغا إلى وجه الحق فيه، كما قام دفاع الطاعن الرابع على أنه كان بمستشفى طنطا مع زوجته المريضة يوم الحادث وأخذت له شخصيا صورة أشعة لصدره - وقد استعلمت الينابة من المستشفى فجاء الرد بصحة دفاعه - غير أن الحكم ذهب إلى أن رد المستشفى لا يفيد وجود المتهم بها بما يخالف الثابت به، كما تصور الحكم إمكان وجود الطاعن الرابع بالمستشفى يوم الواقعة وارتكابه الحادث لقرب المسافة بين مكانه ومستشفى طنطا وركن إلى ما جاء على لسان المدافع عن المدعي بالحق المدني في هذا الشأن مع أنه لا يكفي لدحض دفاعه الذي تأيد برد المستشفى وهي جهة رسمية أفادت بوجوده بها يوم الحادث - مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان الطاعنين الثالث والرابع بها، وأقام عليها في حقهما أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليهما، عرض لما أثاره الطاعن الثالث بشأن وجوده بمكان الحادث وأطرحه في قوله "كما أن ما قرره المتهم الثالث من عدم وجوده بالبلدة يوم وقوع الحادث وجوده بقسم الزيتون ليقدم أوراق تطوعه للدفاع المدني وتقديمه الصورة الشمسية للتدليل بها على ذلك - هو أمر لا تأخذ به المحكمة لأنه فضلا عن أنها صورة شمسية فإنه لم يقم من الأوراق أنه هو الذي قدمها بنفسه يوم وقوع الحادث في تمام الساعة التاسعة صباحا... "لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على محضر جلسة المحاكمة أن الطاعن الثالث لم يطلب إلى المحكمة تحقيقا معينا في صدد ما ادعاه من وجوده وقت الحادث بقسم الزيتون، فليس له من بعد أن ينعى عليها قعودها عن إجراء تحقيق لم يطلبه منها. لما كان ذلك، وكان الحكم قد تناول بعد ذلك ما أثاره الطاعن الرابع من أنه كان بمستشفى طنطا وقت الحادث، ورد عليه بما يفنده بقوله "كما أن قول المتهم الأخير بأنه كان متعينا لذهابه للمستشفى الجامعي بطنطا وأنه لذلك لم يوقع على دفتر الحضور بالجمعية التي يعمل بها - هو قول يسانده أيضا دليل من الأوراق سوى رد مستشفى طنطا وهو لا يفيد وجود المتهم المذكور بها، علاوة على أن بلده سيطاس لا تبعد عن طنطا سوى بضعة كيلو مترات ويستغرق الانتقال إليها دقائق على الأكثر" وكان الثابت من الاطلاع على المفردات المضمومة أن كتابي مستشفى طنطا المؤرخين 2،9 يناير سنة 1972 وأن أشار إلى حضور الطاعن الرابع إليها يوم الحادث وأخذه صورة أشعة له، وإلى أن مواعيد العمل بالمستشفى تبدأ بقطع التذاكر من الساعة الثامنة إلى العاشرة صباحا ثم يجري بعدها الكشف بالأشعة حتى ينتهي العمل الساعة الواحدة مساء، إلا أنه ليس فيهما ما يفيد على وجه القطع أن الطاعن الرابع كان بالمستشفى "وقت وقوع الحادث. وإذ كان ذلك، وكان الواضح من مساق الحكم أن ما قاله في هذا الصدد - من أن رد المستشفى لا يفيد وجود المتهم بها قد عني الحكم به - على ما يبين من مدوناته - عدم وجوده بها وقت وقوع الحادث، فإن النعي عليه في هذا الخصوص بدعوى الخطأ في الإسناد لا يعدو أن يكون محاولة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي إرتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما يقبل لدى محكمة النقض. لما كان ذلك، وكانت العبرة في المحاكمات الجنائية هي باقتتاع قاضي الموضوع بناء على الأدلة المطروحة عليه بإدانة المتهم أو ببراءته، فلا يصح مطالبته بالأخذ بدليل معين فقد جعل القانون من سلطته أن يزن قوة الإثبات وأن يأخذ من أي بينة أو قرينة يرتاح إليها دليلا لحكمه إلا إذا قيده القانون بدليل معين ينص عليه، وكان من المقرر أن للمحكمة أن تلتفت عن دليل النفي ولو حملته أوراق رسمية ما دام يصح في العقل أن يكون غير ملتئم مع الحقيقة التي اطمأنت إليها. وكان ما ذكره الحكم بشأن قرب المسافة بين مكان الحادث ومستشفى طنطا - له مأخذه الصحيح من الأوراق فيما أبداه الدفاع من المدعي بالحق المدني في هذا الصدد بجلسة المحاكمة، وكانت هذه الواقعة مطروحة على بساط البحث بالجلسة ولم ينازع فيها الطاعن الرابع، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عولت عليها ما دام قد اطمأنت إليها، ومن ثم فإن ما يثيره الطاعن الرابع في هذا الشأن لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا حول تقدير المحكمة لأدلة الدعوى ومصادرة لها في عقيدتها مما لا يجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.