أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 27 - صـ 537

جلسة 24 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار حسن علي المغربي نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ قصدي إسكندر عزت، وفاروق محمود سيف النصر، وإسماعيل محمود حفيظ، وأحمد طاهر خليل.

(118)
الطعن رقم 156 لسنة 46 القضائية

إثبات "بوجه عام" محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل" . حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
كفاية الشك في إسناد التهمة إلى المتهم سندا للبراءة. متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة. مثال. في إحراز مخدرات.
1 - من المقرر أنه يكفى أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدانه ما دام الظاهر أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب تحمله.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضده بأنه بدائرة قسم بولاق محافظة الجيزة أحرز جوهرا مخدرا (حشيشا) بقصد التعاطي والاستعمال الشخصي دون أن يرخص له بذلك بموجب تذكرة طبية وفي غير الأحوال المصرح بها قانونا، وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته طبقا للقيد والوصف الواردين بتقرير الاتهام فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الجيزة قضت في الدعوى حضوريا ببراءة المتهم ومصادرة المخدر المضبوط. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضده من تهمة إحراز مخدر بقصد التعاطي قد شابه فساد في الاستدلال وخطأ الإسناد، ذلك بأن المحكمة عولت على دفاعه بأن السترة التي عثر بها على المخدر ليست له وإنما لأحد المتشاجرين معه وسوت بين ما إذا كان مرتديا لها أو حاملا إياها عند دخوله على المحقق، واتخذت مما أثبته المحقق من أنها وإن كانت تتسع للمطعون ضده إلا أن بها بعض الضيق - دليلا في نفي نسبتها إليه مع أن السعة في الملبس والضيق فيه قد يرجع إلى اختيار الشخص لما يناسبه ولا يدل بذاته على انتقاء نسبته إليه، وذهبت إلى أنه من غير المنطقي أن يتوجه المطعون ضده إلى قسم الشرطة للإبلاغ عن جريمة إتلاف سيارته وهو يحمل مخدرا مع أن الثابت بالأوراق أنه اقتيد قسرا بمعرفة شرطة النجدة إلى القسم، كما تساندت إلى تعارض روايات شهود الاثبات فيما نقلوه عنه من اعتراف بإحراز المخدر مع أن ما جاء بأقوالهم من اختلاف لا يشكل تضاربا مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث أن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى، وحصل عناصرها وما سبق عليها من أدلة، خلص إلى القضاء ببراءة المتهم - المطعون ضده - بأن قال ما نصه "وحيث إن المحكمة بعد استعراضها لظروف الدعوى ووقائعها لا تطمئن إلى الاتهام القائم فيها بل يساورها الشك فيه أخذا بالأسباب الآتية
أولا: لقد أبدى المتهم منذ فجر التحقيق معه دفاعا حاصله أن السترة التي عثر في جيبها على المخدر لا تخصه وإنما تخص أحد الجناة الذين اعتدوا عليه وجاء هو لشكايتهم ولم يقسط هذا الدفاع قدرة من التحقيق بلوغا لغاية القصد فيه، ومن ثم فقد أضحى هذا الدفاع راسخا ليس في التحقيقات ما يكذبه وعلى ذلك فلا يمكن إسناد تهمة إحراز المخدر المضبوط بجيب هذه السترة للمتهم - يستوي في ذلك أن يكون المتهم قد جاء إلى المحقق يرتدي السترة السالفة أو يحملها على ذراعه ما دام أنها لا تخصه ولا يعلم عما يحويه جيبها.
(ثانيا) يساند دفاع المتهم ويرشح لصدقه في يقين المحكمة - أن السيد وكيل النيابة المحقق قد ناظر السترة على المتهم فألقاها تضيق إلى حد ما عن مقاسه وأنه لا يعقل في حساب العقل والمنطق لو أن السترة تخص المتهم أن يفد المتهم طائعا مختارا إلى ديوان الشرطة ليبلغ عن جريمة وهو يحمل في جيب سترته جسم جريمة أخرى - كل أولئك يثير شك المحكمة وريبتها في ملكية المتهم السترة المضبوطة. (ثالثا) لا عبرة بعد ذلك لما عز إلى المتهم من اعتراف طالما أن الأخير قد أنكره في تحقيقات النيابة وطالما أن شهوده قد تضاربوا في ماهيته إذ بينما ذهب أولهما وثانيهما للقول بأن المتهم قد اعترف باحراز المخدر بقصد التعاطي إذ بثالثهما يتجه للقول بأن المتهم قد اعتبر ضبط المخدر خطأ لن يتكرر. وحيث أنه لمجموع ما تقدم كانت التهمة المسندة إلى المتهم محل شك المحكمة وعدم اطمئنانها مما يتعين معه القضاء ببراءته " لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى أن يتشكك القاضي في صحة إسناد التهمة إلى المتهم كي يقضي له بالبراءة إذ ملاك الأمر كله يرجع إلى وجدانه ما دام الظاهر أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة وأقام قضاءه على أسباب تحمله.
لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى وعرض لأدلة الثبوت فيها بما يكشف عن تمحصيه لها والأحاطة بظروفها وبأدلة الاتهام فيها، خلص إلى أن التهمة الموجهة إلى المطعون ضده محل شك للأسباب التي أوردها وهي أسباب سائغة تؤدي إلى النتيجة التي انتهى إليها. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد أطمأنت إلى صدق دفاع المطعون ضده وصحة تصويره لواقعة أن السترة التي عثر بها على المخدر ليست مملوكة له وأنها لأحد المتشاجرين معه، واستدلت على ذلك بما اثبته وكيل النيابة المحقق من ضيقها إلى حد ما عن مقاس المطعون ضده، فإن ما تثيره الطاعنة من منازعة في هذا الصدد لا يعدو أن يكون جدلاموضوعيا في مسألة واقعية تملك محكمة الموضوع التقدير فيها بلا معقب عليها من محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم قد أطرح أقوال شهود الاثبات في شأن ما عزوه إلى المطعون ضده من اعتراف باحراز المخدر - بما ساقه من اضطراب وقع بينهم فيما نقلوه عنه، وكان لما استظهره الحكم مأخذه الصحيح من الأوراق فإن منعي الطاعنة على الحكم في هذا المنحي - ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل وهو ما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه أو مصادرة عقيدتها في شأنه أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان يبين من الاطلاع على المفردات المضمومة أن ما حصله الحكم في خصوص حضور المطعون ضده إلى قسم الشرطة للتبليغ عن المتشاجرين معه - له صداه في الاوراق فإن ما تثيره الطاعنة في هذا الشأن من دعوى الخطأ في الاسناد لا يعدو أن يكون مجادلة لتجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقضة الصورة التي ارتسمت في وجدان قاضي الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم. فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.