أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 27 - صـ 510

جلسة 23 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفه نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ عادل مرزوق، وأحمد فؤاد جنينة، ومحمد وهبة، وأحمد موسى.

(114)
الطعن رقم 201 لسنة 46 القضائية

1 - قصد جنائي. مواد مخدرة. حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
متى يتحقق القصد الجنائي في جريمة إحراز مخدر؟
عدم التزام المحكمة بالتحدث استقلالا عن العلم بالجوهر المخدر. ما دام ما أوردته في حكمها يكفي للدلالة عليه.
2 - إثبات. "اعتراف". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
حق محكمة الموضوع في الأخذ بالاعتراف في أي دور من أدوار التحقيق. ولو عدل عنه بعد ذلك.
3 - إجراءات. "إجراءات التحقيق". إثبات "بوجه عام "مواد مخدرة.
إجراءات التحريز. تنظيمية. عدم ترتب البطلان على مخالفتها.
4 - إثبات "بوجه عام".
العبرة في المواد الجنائية بالحقائق. الصرف لا بالاحتمالات والفروض.
5 - مسئولية جنائية. "الإعفاء منها". مواد مخدرة.
مناط الإعفاء من المسئولية وفقا للمادة 48 من قانون المخدرات.
6 - محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". إثبات "بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
حق المحكمة في الإعراض عن الدفاع أو طلبات التحقيق غير المنتجة. متى وضحت لديها الواقعة. بشرط بيان العلة.
1 - القصد الجنائي في جريمة إحراز وحيازة المخدر يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانونا، والمحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالا عن هذا الركن متى كان ما أوردته في مدونات حكمها كافيا للدلالة على أن المتهم كان عالما بأن ما يحرزه مخدر.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع.
3 - من المقرر أن إجراءات التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلانا. بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل.
4 - العبرة في المواد الجنائية بالحقائق الصرف لا بالاحتمالات والفروض.
5 - تناقض الطاعن في تحديد شخص من تسلم منه المخدر لا يخوله الإفادة بموجب الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من قانون المخدرات لما هو مقرر من أن القانون يشترط في مقابل الفسحة التي منحها للجاني في الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من ضبط باقي الجناة مرتكبي الجريمة.
6 - من المقرر وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن للمحكمة إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين علة عدم إجابة هذا الطلب.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة قسم النزهة محافظة القاهرة (أولا) جلب جوهرا مخدرا "حشيشا" إلى جمهورية مصر العربية دون الحصول على ترخيص كتابي بذلك من الجهة الإدارية المختصة. (ثانيا) شرع في تهريب البضائع الموضحة بالتحقيقات مخالفا بذلك النظم المعمول بها في شأن البضائع الممنوعة. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته طبقا للمواد 1/ 1 و2 و3 و33/ 1 و42 من القانون رقم لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند 12 من الجدول رقم 1 المرفق والمواد 5 و13و 28 و30 و121 و122 و124 من القانون رقم 66 لسنة 1963 والمادة 32 من قانون العقوبات. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات القاهرة قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وبتغريمه عشرة آلاف جنيه ومصادرة المخدر المضبوط وألزمته بأن يؤدي لمصلحة الجمارك مبلغ مائتي جنيه على سبيل التعويض. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمتي جلب المخدر والشروع في التهريب قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وانطوى على بطلان في الإجراءات وإخلال بحق الدفاع، ذلك بأنه دفع بانتفاء علمه بالمخدر المضبوط في حقيبة الآلة الموسيقية التي كانت معه إلا أن المحكمة لم ترد على هذا الدفاع بما يفنده، وعولت على اعترافه في التحقيقات مع عدوله عنه أمامها. هذا إلى أنها أخلت بشفوية المرافعة إذ لم تجبه إلى طلب سماع أقوال شاهدي الإثبات......... ورفضت طلبه سؤال..... في لبنان بطريق الإنابة القضائية بدعوى عدم جديته مع أنه لو أقر بتسليمه الحقيبة للطاعن دون علمه بما تحويه من مخدر لا تنفى عنه القصد الجنائي واستفاد بموجب الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من قانون المخدرات بإخباره عن أحد الجناة في الجريمة. كما عدلت المحكمة عن المضي في إجراءات تحقيق دفاعه بانتفاء صلته بحرز الحقيبة التي ضبط المخدر فيها إذ أمرت بإحضارها لمعاينتها ثم عادت وفصلت في الدعوى دون تنفيذ ذلك ولم تبين علة هذا العدول، وكل ذلك يعيب حكمها المطعون فيه بما يوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمتي جلب المخدر والشروع في التهريب التين دين الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما في حقه أدلة لها معينها الصحيح من الأوراق مستمدة من اعتراف الطاعن في التحقيقات ومن تقرير التحليل ووزن المخدر وهي أدلة تؤدي إلى ما رتب عليها، حصل اعتراف الطاعن في التحقيقات بما مؤداه أنه اشترى كيلو جرامين من مخدر الحشيش من شخص لا يعرفه بلبنان لقاء مائتي ليرة أخفى المخدر في حقيبة الآلة الموسيقية وجلبه للاتجار به في القاهرة، ثم استدل على علمه بماهية ما تحويه تلك الحقيبة من مخدر من إعترافه واضطرابه عند تفتيشها ومن تناقضه في الدفاع إذ ادعى المرض العقلي ولما ثبت عدم صحته، ذكر أنه تسلم الحقيبة من..... في لبنان ليسلمها إليه في القاهرة ثم عاد وقرر بأن..... هو الذي سلمه هذه الحقيبة. لما كان ذلك، وكان القصد الجنائي في جريمة إحراز وحيازة المخدر يتوافر بتحقق الحيازة المادية وعلم الجاني بأن ما يحرزه هو من المواد المخدرة الممنوعة قانونا، وكانت المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالا عن هذا الركن متى كان ما أوردته في مدونات حكمها كافيا في الدلالة على أن المتهم كان عالما بأن ما يحرزه مخدر. وكان ما أورده الحكم مما تقدم بيانه كافيا في الدلالة على أن الطاعن كان عالما بوجود المادة المخدرة التي ضبطت معه وبكنهها مما يسوغ به إطراح دفاعه، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع سلطة مطلقة في الأخذ باعتراف المتهم في أي دور من أدوار التحقيق وإن عدل عنه بعد ذلك متى اطمأنت إلى صحته ومطابقته للحقيقة والواقع - كما هو الحال في هذه الدعوى - فإن ما يثيره الطاعن في هذا الشأن لا يكون له محل إذ هو لا يعدو أن يكون جدلا موضوعيا في تقدير الدليل مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من الاطلاع على محاضر جلسات المحاكمة أن المحكمة سمعت أقوال شاهدي الإثبات...... بجلسة 12/ 10/ 1972 في حضور الطاعن والمدافع عنه، ثم حضر الشاهد الثاني مرة أخرى بجلسة 26/ 1/ 1974 ولم يحضر الشاهد الأول وفي هذه الجلسة اكتفى الدفاع والنيابة بسماع أقوال الشاهد الحاضر الذي سئل فقرر بأنه لا يذكر شيئا عن واقعة الدعوى وأحال إلى أقواله بالتحقيقات، وكان الحكم المطعون فيه - فوق ذلك - قد أسس قضاءه بإدانة الطاعن على الاعتراف وحده دون أقوال شاهدي الإثبات، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص بدعوى الإخلال بشفوية المرافعة أو الإخلال بحق الدفاع لا يكون له أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أن إجراءت التحريز إنما قصد بها تنظيم العمل للمحافظة على الدليل خشية توهينه ولم يرتب القانون على مخالفتها بطلانا، بل ترك الأمر في ذلك إلى اطمئنان المحكمة إلى سلامة الدليل، وكان مفاد ما أورده الحكم هو أن المحكمة اطمأنت إلى أن الحقيبة المحرزة هي التي ضبط المخدر بها ولم تتغير أو تمتد إليها يد العبث، فإنه لا جناح على المحكمة - بعد ذلك - إن هي أعرضت عن طلب سماع أقوال.... الذي نقل هذا الحرز ما دامت الواقعة قد وضحت لديها، إذ المحكمة - من بعد - غير ملزمة بتعقب المتهم في كل جزئية يثيرها. أما تعييب الحكم لعدم إجابته طلب الطاعن سماع أقوال......... بلبنان بقالة أنه لو أقر بتسليمه الحقيبة إلى الطاعن دون علمه بما تحويه من مخدر لانتفى عنه القصد الجنائي واستفاد بموجب الإعفاء القانوني المقرر للجاني في الإخبار عن أحد الجناة، فإنه لما كانت العبرة في المواد الجنائية هي بالحقائق الصرف لا بالاحتمالات والفروض، وكان الحكم المطعون فيه - على ما تقدم البيان - قد أقام الأدلة السائغة على علم الطاعن بكنه المادة المخدرة المخفاة في الحقيبة المضبوطة معه، كما أن تناقض الطاعن في تحديد شخص من تسلم منه المخدر لا يخوله الإفادة بموجب الإعفاء المنصوص عليه في المادة 48 من قانون المخدرات لما هو مقرر من أن القانون يشترط في مقابل الفسحة التي منحها للجاني في الإخبار أن يكون إخباره هو الذي مكن السلطات من ضبط باقي الجناة مرتكبي الجريمة، فلا تثريب على الحكم - بعد ذلك - إن هو التفت عن سماع أقوال..... بلبنان لكونه غير منتج. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أن للمحكمة إذا كانت قد وضحت لديها الواقعة أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى أن تعرض عن ذلك بشرط أن تبين علة عدم إجابة هذا الطلب، وكان الحكم قد عرض لدفاع الطاعن بانتفاء صلته بحرز الحقيبة التي ضبط بها المخدر ورد عليه بقوله "أما عما أثاره الدفاع حول الحرز الذي به الحقيبة الخاصة بالآلة الموسيقية التي عثر عليها بقلبها السحري فإن المحكمة لا تجد فيه ما يثير الشك في هذا الحرز بعد أن قامت المحكمة باستحضار هذا الحرز وعليه البطاقة الخاصة بشركة الطيران والرحلة التي قام بها المتهم ورقم القضية الحالية، وفضته وتبين وصفه وصورة المتهم الملصقة بالحقيبة من الداخل وفقا لما ثبت بمحضر الضبط وما جاء على لسان المتهم في هذا الشأن وكذلك بعد أن قامت المحكمة بالاطلاع على دفتر الوديعة وسؤال...... مأمور الوديعة حيث ثبت لها أن هذا الحرز لم يرسل فور الضبط مع حرز المخدر وظل بالوديعة بعض الوقت إلى أن طلبته النيابة وسلم بعد ذلك مختوما بختم مأمور الوديعة..... إلى مندوب الشرطة..... بتاريخ 12/ 10/ 1971 ثم أعيد الحرز وأعيد استلامه، كل ذلك يفسر أمر هذا الحرز ولا يدع مجالا للشك في صحة ما أتخذ بشأنه من إجراءات ولا تجد المحكمة بشأنه ما يثير ثمة شك حوله" فإن هذا حسبه ليستقيم قضاؤه وينحسر عنه قالة القصور في بيان علة العدول عن المضي في تحقيق دفاع الطاعن في هذا الخصوص. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.