أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 527

جلسة 23 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد عادل مرزوق، وأحمد فؤاد جنينة، ويعيش رشدى، ومحمد وهبة.

(117)
الطعن رقم 211 لسنة 46 القضائية

(1) مأمورو الضبط القضائى. "اختصاصهم" استدلالات. مواد مخدرة.
كل إجراء يقوم به مأمور الضبط القضائى فى الكشف عن الجريمة. صحيح. ما لم يتدخل بفعله فى خلق الجريمة أو التحريض عليها. وطالما بقيت إرادة الجانى حرة.
(2) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تجزئة أقوال الشاهد". إثبات. "شهادة". حق محكمة الموضوع فى تجزئة أقوال الشاهد.
ورود الشهادة على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها. غير لازم. كفاية أن تؤدى إليها باستنتاج سائغ.
(3) إثبات. "بوجه عام". مواد مخدرة. جريمة. "أركانها". حكم "تسبيبه. تسبيب غير معيب". قصد جنائى.
عدم اشتراط تحدث المحكمة استقلالا عن العلم بكنه الجوهر المخدر. كفاية إيراد الوقائع والظروف الدالة على توفره.
1 - إن مهمة مأمور الضبط القضائى - بمقتضى المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبها، ومن ثم فإن كل إجراء يقوم به فى هذا السبيل يعتبر صحيحا منتجا لأثره ما دام لم يتدخل بفعله فى خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها، وطالما بقيت إرادة الجانى حرة غير معدومة، ومن ثم فلا تثريب على مأمور الضبط فى أن يصطنع فى تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسكن لمقصوده فى الكشف عن الجريمة ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة. وإذ كان الحكم قد أوضح - فى حدود سلطته التقديرية - ردا على الدفع بأن جلب المخدر تم بتحريض رجال الشرطة أن الدور الذى لعبه ضابط الشرطة لم يتجاوز نقل المعلومات الخاصة بموعد إبحار المركب بشحنة المخدر ووصوله وبعلامات التسليم والتسلم توصلا للكشف عن الجريمة التى وقعت بمحض إرادة الطاعنين واختيارهم، فإن منعاهم على الحكم فى خصوص رفضه هذا الدفع يكون فى غير محله.
2 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى، وأنه لا يشترط فى شهادة كل شاهد أن تكون دالة بذاتها على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها، وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله هذا الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها.
3 - من المقرر أن المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالا عن العلم بكنه الجوهر المخدر طالما أوردت فى حمكها أوردت فى حكمها من الوقائع والظروف ما يكفى فى الدلالة على توافره بما لا يخرج عن موجب الافتضاء العقلى والمنطقى.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين وآخرين - حكم ببراءتهم - بـأنهم بدائرة قسم الدخيلة محافظة الإسكندرية (أولا) جلبوا إلى أراضى جمهورية مصر العربية جوهرا مخدرا (أفيونا) دون الحصول على ترحيص كتابى بذلك من الجهة الإدارية المختصة (ثانيا) وهم من الأجانب دخلوا أراضى جمهورية مصر العربية دون الحصول على جواز سفر سارى المفعول صادر من سلطات بلدته المختصة (ثالثا) بصفتهم سالفة الذكر دخلوا أراضى جمهورية مصر العربية دون الحصول على تأشيرة من الجهة المختصة (رابعا) بصفتهم المذكورة دخلوا أراضى جمهورية مصر العربية من غير الأماكن التى حددها وزير الداخلية وبغير إذن من الموظف المختص. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 1 و2 و3 و33/ أ و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم واحد من الجدول رقم واحد المرافق، والمواد 1 و2 و4 و45 من القانون رقم 89 لسنة 1960. فقرر ذلك. ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام بمعاقبة كل من المتهمين (الطاعنين) بالأشغال الشاقة المؤبدة وتغريم كل منهم عشرة آلاف جنيه مع مصادرة الجواهر المخدرة المضبوطة والمركب التركى جيهانجير وذلك عما أسند إليهم. فطعن المحكوم عليهم فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه أنه إذ دان الطاعنين بجريمة جلب جوهر مخدر قد انطوى على خطأ فى تطبيق القانون وقصوروتناقض فى التسبيب، فضلا عما من فساد فى الاستدلال. ذلك بأن الطاعنين دفعوا ببطلان الاجراءات برمتها - استنادا إلى عناصر جديدة استظهرها الحكم نفسه - لوقوع الفعل بناء على تحريض من رجال الشرطة. كما دفعوا ببطلان أمرالتفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة، وببطلان التفتيش لأنه تم فى غيبة الضابط المأذزن بإجرائه مع أن الأمر به مقصور عليه - هو ومن يعاونه من رجال الضبط القضائى - مما مفاده أن المقصود هو معاونة المأذون فى تنفيذ الأمر، ولكن الحكم رد على هذه الدفوع كلها بما لا يتفق مع صحيح القانون ولا يصلح ردا. ثم أنه اعتمد فى الإدانة على أقوال الضابط الذى أجرى التفتيش، مع أنه طرح أقواله بالنسبة لسائر المتهمين الذين قضى ببراءتهم، وحجته فى ذلك داحضه - هى قيامه بتقسيم الدعوى إلى مرحلتين منفصلتين - ولا قيمة لما صرح به فى هذا الصدد من أن تلك الاقوال التى اعتمد عليها قد تأيدت بشهادة رجال البحرية، إذ أن هؤلاء لم يشاهدوا واقعة نقل المخدر. هذا إلى أنه لم يدلل على توافر علم الطاعنين الأخيرين - بحارا المركب المقول باستخدامه فى هذا النقل - بحقيقة ذلك الجوهر، وعلى أنهما قد قصدا أن يدخلا فى ارتكاب جريمة جلبه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما محصله أن الطاعنين - وهم من الأتراك - جلبوا من تركيا على ظهر مركب كمية من جوهر مخدر الأفيون، دخلوا بها جوف المياه الاقليمية لجمهورية مصر العربية بقصد طرحها للتداول، وبناء على الأمر الذى أصدرته النيابة العامة بتفتيش المركب - عند وصوله إلى المنطقة المحددة لتسليم المخدر داخل تلك المياه - استقل أحد ضباط الشرطة مركبا للصيد بصحبة نفر من زملائه، بعد ارتدائهم جميعا ملابس الصيادين، وتبادلوا علامات مع المركب التركى أفرغ على أثرها الطاعنون الأربعة شحنه المخدر فى مركب الصيد بعد ترابط المركبين بالحبال - وهى عبارة عن أربعة عشر جوالا من القماش وكيس من البلاستيك وخمس حقائب - ثم أبلغت إحدى قطع القوات البحرية لاسلكيا لضبط المركب التركى بركابها الطاعنين فتم ذلك. وقد أخذت خمس عينات من تلك الشحنة ثبت من تحليلها أنها من جوهر الأفيون. وبعد أن أورد الحكم على ثبوت هذه الواقعة أدلة مستمدة من أقوال رجال الشرطة وصاحب مركب الصيد والضابطين البحريين اللذين كلفا بضبط المركب التركى ونتيجة تحليل العينات، عرض للدفع ببطلان الإحراءات لوقوع الفعل بناء على تحريض من رجال الشرطة وأطرحه بقوله "أما القول بأن هناك تحريضا صوريا..فإن دور المقدم.. كما هو واضح من الأوراق كان مجرد دور من ينقل عن الغير، إن هو إلا مجرد مبلغ ينقل معلومات ميعاد ابحار المركب حاملة شحنة المخدرات وميعاد وصولها إلى المياه الإقليمية المصرية وعلامات التسليم والاستلام ينقل كل ذلك إلى أفراد العصابة الموجودين بأرض جمهورية مصر العربية ليعملوا على استلام الشحنة وتوزيعها على باقى التجار ومن ثم فليس لعمله أو لأعماله تحريض صورى على ارتكاب جناية جلب المخدر.. وأيا كان الأمر فإن المتهمين الأربعة السابق ذكرهم والثابت لدى المحكمة إدانتهم قد شحنوا المركب بشحنة مخدرات الأفيون تلك فى تركيا بمحض إرادتهم وحر اختيارهم واستقلوا المركب وأحدهم مالكها وصاحبها وثانيهم قبطانها وثالثهم ورابعهم بحارة عليها استقلوا المركب المذكورة عن خالص اختيار وحر إرادة جالبين المخدر بقصد طرحه وتداوله بين الناس هنا وداخلين به وبخالص أنفسهم المياه الإقليمية المصرية لم يسقهم إلى هذا إلا أرجلهم وخالص إرادتهم وحر اختيارهم". لما كان ذلك وكان من مهمة مأمور الضبط القضائى - بمقتضى المادة 21 من قانون الإجراءات الجنائية - الكشف عن الجرائم والتوصل إلى معاقبة مرتكبها، فكل إجراء يقوم به فى هذا السبيل يعتبر صحيحا منتجا لأثره ما دام لم يتدخل بفعله فى خلق الجريمة أو التحريض على مقارفتها وطالما بقيت إرادة الجانى حرة غير معدومة، ومن ثم فلا تثريب على مأمور الضبط فى أن يصطنع فى تلك الحدود من الوسائل البارعة ما يسكن لمقصوده فى الكشف عن الجريمة ولا يتصادم مع أخلاق الجماعة. وإذ كان الحكم قد أوضح - فى حدود سلطته التقديرية - ردا على الدفع سالف البيان أن الدور الذى لعبه ضابط الشرطة لم يتجاوز نقل المعلومات الخاصة بموعد إبحار المركب بشحنة المخدر ووصوله وبعلامات التسليم والتسلم توصلا للكشف عن الجريمة التى وقعت بمحض إرادة الطاعنين واختيارهم، فإن منعاهم على الحكم فى خصوص رفضه هذا الدفع يكون فى غير محله لما كان ذلك وكان الحكم قد رد على الدفع ببطلان أمر التفتيش لصدوره عن جريمة مستقبلة - بقوله "إن العبرة ليست بما تنتهى إليه النيابة العامة من وصف التهمة كما أنه ليس بذات إعتبار أن تنتهى المحكمة بعد محاكمتها إلى تبرئة ساحة أحد المتهمين. إذا كان هذا وكان محضر اللواء.... المؤرخ 8/ 6/ 1972 فى الساعة الواحدة والنصف صباحا والذى رفع للنائب العام شارحا فيه كل الوقائع الواردة به وطالبا فى نهاية محضره بضبط المركب التركى وأصحابها وطاقمها ومن يتواجد معهم عند وصولهم إلى النقطة المحددة لتسليم الأفيون داخل المياه الإقليمية المصرية الخ. إذا كانت هذه الوقائع تشكل جناية إتفاق جنائى على جلب المخدر إلى أراضى جمهورية مصر العربية وقد وقع بعضها فعلا فى القطر المصرى. إذ كما ورد فى هذا المحضر أنه قد تم الإتفاق فعلا بين أفراد العصابة المصريين وبين التركيين.... وسافر.... فعلا إلى تركيا على أن يظل...... موجودا هنا وتم تنفيذ هذا الاتفاق فعلا إذ شحنت المركب التركى بالمخدرات وأبحرت فعلا من تركيا فى الساعات الأولى من صباح يوم 6/ 6/ 1972 - إذا كان هذا كله فإنه مما يشكل جناية إتفاق جنائى على جلب المخدر وقع فى القطر المصرى ومن ثم يكون إذن النيابة العامة السالف ذكره وعملا بالفقرة أولا من المادة 2 عقوبات هو فى صحيح القانون" وإذ كان هذا الذى رد به الحكم من تضمن المحضر المشار إليه فيه أن ثمة جريمة إتفاق جنائى على جلب مخدر قد وقع بعضها فى القطر بالفعل من قبل أن يصدر أمر التفتيش بناء على هذا المحضر، إنما يتفق مع صحيح القانون ويكفى فى الرد على الدفع ببطلان الأمر بدعوى صدوره عن جريمة مستقبله، فإنه لا يضير الحكم - من بعد - أن يكون قد اشتمل من قبيل التزيد على تقرير قانونى خاطئ بشأن الوقت الذى وقعت فيه جريمة الجلب. لما كان ذلك وكان الحكم قد أورد فى رده على الدفع ببطلان التفتيش لأنه تم فى غيبة الضابط المأذون باجرائه ما يلى "وحيث أنه للرد على هذا الدفع يجدر الرجوع إلى نص إذن رئيس النيابة بالبدب فنجده يقول نصا بعد الديباجة وما تلاها: نأذن للسيد اللواء...... ومن يعاونه من رجال الضبط القضائى ..... إذا كان الأمر كذلك وكانت الواو هنا تفيد المغايرة ومن ثم فقد كان الندب منصبا أصلا ومباشرة على اللواء... ومن يعاونه من رجال الضبط القضائى ومن ضمنهم المقدم ....... فإن هذا الأخير يستمد ندبه أصلا ومباشرة من إذن رئيس النيابة المذكور وإذا وضح هذا فإن القول بأن المقدم..... إذ باشر ضبط المركب التركى ومن بها من المتهمين الأربعة وتفتيشهم دون إشراف من اللواء.. المندوب الأصلى قد وقع على خلاف القانون هو قول غير سديد وغير سليم". وإذ كان هذا الذى أورده الحكم يتفق والتفسيرالسليم لعبارات أمر التفتيش التى خولت كلا من الضابط المذكور به ومن يعاونه من رجال الضبط القضائى سلطة إجرائه، فإن ما تأوله الطاعنون من تلك العبارات - بخلاف ذلك - لا يكون سديدا لما كان ذلك وكان البين من مدونات الحكم المطعون فيه أنه وإن اطرح أقوال الضابط الذى أجرى التفتيش - لانعدام الثقة فيها وعدم الاطمئنان إليها فى مرحلتين أولاهما أثناء وجوده فى تركيا وانفراده فى تلك المرحلة بالشهادة بروايات منقولة، والأخرى منذ استلامه المضبوطات من وكيل النيابة المحقق بغير تحريز مما سمح بحصول عبث فيها بعد ذلك - الأمر الذى رتب عليه قضاءه ببراءة سائر المتهمين فى الدعوى، إلا أنه اعتمد على أقواله فى خصوص قيام الطاعنين بجلب شحنة المخدر إلى جوف المياه الإقليمية وبإفراغها فى مركب الصيد، لما صرح به من أسباب اطمئنانه التى تتحصل فى أن هذه الأقوال إنما صدرت عن رؤية وتأيدت بواقعة الضبط المادية وبشهادة الضابطين البحريين وصاحب مركب الصيد. وإذ كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تجزئ شهادة الشاهد فتأخذ منها بما تطمئن إليه وتطرح ما عداه لتعلق ذلك بسلطتها فى تقدير أدلة الدعوى، وأنه لا يشترط فى شهادة كل شاهد أن تكون دالة بذاتها على الحقيقة المراد إثباتها بأكملها، وبجميع تفاصيلها على وجه دقيق، بل يكفى أن يكون من شأن تلك الشهادة أن تؤدى إلى هذه الحقيقة باستنتاج سائغ تجريه محكمة الموضوع يتلاءم به ما قاله هذا الشاهد بالقدر الذى رواه مع عناصر الإثبات الأخرى المطروحة أمامها، فإن ما يعيبه الطاعنون على الحكم بشأن تجزئة أقوال الضابط المشار إليه وعدم مشاهدة الضابطين البحريين واقعة نقل المخدر يكون على غير أساس. لما كان ذلك، وكان الثابت من الوقائع التى أوردها الحكم أن الطاعنين - صاحب المركب وقبطانها وبحاراها - قد شحنوها فى تركيا بمخدر الأفيون وحضروا بها خصيصا من بلدهم هذه إلى جوف المياه الإقليمية وأفرغوا حمولتها - هم الأربعة - فى مركب الصيد، فضلا عن أنهم - جميعا - لم يعللوا وجودهم داخل تلك المياه بعلة معقولة. وكان من المقرر أن المحكمة غير مكلفة بالتحدث استقلالا عن العلم بكنه الجوهر المخدر طالما أوردت فى حمكها أوردت فى حكمها من الوقائع والظروف ما يكفى فى الدلالة على توافره بما لا يخرج عن موجب الافتضاء العقلى والمنطقى - كما هى الحال فى الدعوى الماثلة - فإنه لا يكون ثمة محل لما ينعاه الطاعنان الأخيران - بحارا المركب - وعلى الحكم بقالة قصوره فى التدليل على توافر علمهما بحقيقة ذلك الجوهر، وعلى أنهما قد قصدا أن يدخلا فى ارتكاب جريمة جلبه. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.