أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 27 - صـ 588

جلسة 30 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمد عبد المنعم حمزاوي، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى محمود الأسيوطي، وعادل مرزوق، وأحمد جنينة، ومحمد وهبه.

(124)
الطعن رقم 241 لسنة 46 القضائية

(1 و2) إثبات "بوجه عام" قرائن. قوة الأمر المقضي. "تزوير". الأوراق العرفية". شيك بدون رصيد.
(1) قبول الدفع بقوة الأمر المقضي به رهن بوحدة الخصوم والموضوع والسبب.
إختلاف جريمة إصدار شيك بدون رصيد عن جريمة تزويره واستعماله. القضاء بالبراءة في التهمة الأولى لتزوير الشيك لا يحوز قوة الأمر المقضي به بالنسبة للثانية.
تقدير الدليل في دعوى لا يحوز قوة الأمر المقضي به في دعوى أخرى.
(2) الأدلة في المواد الجنائية متساندة.
1 - لما كانت قوة الشيء المقضي به مشروطة باتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين، وكانت دعوى إصدار شيك بدون رصيد قائم وقابل للسحب تختلف موضوعيا وسببا عن دعوى تزويرالشيك واستعماله مع العلم بتزويره. فإن الحكم الصادر في الدعوى الاولى لا يحوز قوة الشيء المقضي به بالنسبة للدعوى الثانية. ولا يغير من ذلك أن ورقة الشيك التي اتخذت دليلا على تهمة إصدار شيك بدون رصيد هي بذاتها أساس تهمتي تزوير الشيك واستعماله، ذلك أن تلك الورقة لا تخرج عن كونها دليل من أدلة الإثبات في الجريمة المنصوص عليها في المادة 237 عقوبات وأن تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى، ومن ثم فإن قضاء محكمة برد وبطلان الشيك بقالة تزويره وببراءة المطعون ضده من جريمة إعطائه بدون رصيد لا يلزم المحكمة التي نظرت جريمتي تزوير الشيك واستعماله، ولها أن تتصدى هي لواقعتي التزوير والاستعمال لتقدر بنفسها مدى صحة التزوير من عدمه.
2 - الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون منها عقيدة القاضي بحيث اذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهى إليه.


الوقائع

أقام المدعي بالحقوق المدنية دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة جنح الرمل الجزئية بدائرة قسم الرمل بوصف أنه (أولا) أبلغ كذبا ومع سوء القصد ضده بما هو مدون بعريضة الدعوى. (ثانيا) ارتكب تزويرا في محرر عرفي على النحو المبين بعريضة الدعوى. (ثالثا) استعمل الورقة المزورة سالفة الذكر مع علمة بتزويرها وطلب معاقبته بالمادتين 215 و305 من قانون العقوبات وإلزامه أن يدفع له مبلغ 200 ج على سبيل التعويض، والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بمادتي الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات بحبس المتهم ثلاثة أشهر مع الشغل وكفالة خمسة جنيهات لوقف التنفيذ وإلزامه بأن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية خمسين جنيها على سبيل التعويض، فاستأنف المحكوم عليه، ومحكمة الإسكتدرية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفي الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة الجنائية لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم على أن يكون الإيقاف شاملا لكافة الآثار الجنائية المترتبة على الحكم. فيما قضى به في الدعوى المدنية. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجرائم البلاغ الكاذب والتزوير في محرر عرفي واستعماله مع العلم بتزويره وبإلزامه بدفع تعويض للمدعي بالحقوق المدنية (المطعون ضده) قد شابه خطأ في تطبيق القانون ذلك بأنه كان قد حكم في الجنحة رقم 4390 سنة 1970 إستئناف شرق إسكندرية ببراءة المطعون ضده من تهمة إصدار شيك بدون رصيد تأسيسا على أن هذا الشيك مزور، وذهب الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه إلى أن ذلك الحكم القاضي بالبراءة قد حاز قوة الشيء المقضي به فيما يختص بتزوير الشيك وحجبت المحكمة بذلك نفسها عن إعادة النظر في واقعة التزوير وعن تحصيل أدلة الدعوى إثباتا ونفيا لدى بحثها تهمتي تزوير الشيك واستعماله وتهمة البلاغ الكاذب وعن التعرض لدفاع الطاعن إيرادا له وردا عليه مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما مفاده أن المدعي بالحقوق المدنية (المطعون ضده) أقام الدعوى بالطريق المباشر ضد الطاعن بجرائم البلاغ الكاذب والتزوير في محرر عرفي واستعماله وقال بيانا لها أنه قام نزاع بينه وبين الطاعن على تنفيذ عقد مقاولة بياض عمارة يملكها الطاعن وأنذره بالتوقف عن العمل إن لم يبادر بسداد قيمة ما تم إنجازه من أعمال المقاولة الأمر الذي أثار حفيظته وحفزه على الكيد له والانتقام منه فاستدرجه إلى منزله وسلمه مبلغ 51 ج من حساب المقاولة وقدم له ورقة موهما إياه أنها ايصال باستلام هذا المبلغ فوقع عليها بحسن نية غير أنه تبين له فيما بعد أنها شيك مسحوب على أحد المصارف وأبلغ ضده بجريمة إصدار شيك بدون رصيد حوكم عنها في القضية رقم 7986 سنة 1969 جنح الرمل، وقضى فيها ابتدائيا بإدانته، فلما استأنفه قضى ببراءته تأسيسا على أن الشيك مزور عليه. ثم راح الحكم يقيم قضاءه بادانة الطاعن على قوله "وحيث إنه لما كان الثابت للمحكمة من مطالعة الأوراق وما جاء بالحكم المستأنف أن المتهم استوقع المدعي بالحق المدني على شيك بعد أن أوهمه بأنه إيصال باستلام مبلغ 51 ج وأن المتهم انتهز فرصة جهل المدعي بالحق المدني القراءة والكتابة وتمكن في غفلة منه من استصدار حكم غيابي قضى بحبسه شهرا واحدا مع الشغل، إلا أن المحكمة الاستئنافية وبعد أن أجرت تحقيقات في الواقعة قضت برد وبطلان هذا الشيك وبالغاء الحكم الغيابي المعارض فيه وببراءة المدعي بالحق المدني من التهمة الموجهة إليه، ولما كانت هذه الواقعة ثابتة ثبوتا أكيدا ضد المتهم استنادا إلى ما اطمأنت إليه هذه المحكمة من شهادة المدعي بالحق المدني التي أدلى بها في جلسة المحاكمة وما استخلصته منها المحكمة من صدق رواية واتهام المدعي بالحق المدني، إذ لا يعقل مطلقا أن يحرز للمدعي شيكا في الوقت الذي أنذره فيه الأول بأنه قد توقف عن العمل حتى يسدد له المتهم ما تبقى عليه من قيمة المقاولة بالإضافة إلى ما بان للمحكمة من مظهر المدعي الذي لا يعقل معه أن يكون له رصيد في البنك وفي الوقت الذي يجهل فيه القراءة والكتابة، ولما كان هذا النظر قد تأيد بما جاء بحيثيات الحكم المستأنف الذي انتهى قضاؤه إلى حكم نهائي له حجيته المطلقة وبعد أن أصبح نهائيا من أن الشيك محل الاتهام الأول ما هو إلا ورقة مزورة على المدعى بالحق المدني لا سيما وأن جميع معاملات الطرفين كانت لا تتم إلا بواسطة إيصارت عرفية كان يصدرها المدعى بالحق المدني للمتهم عند قبضه لأية منه، وإذا ما كان ذلك، وقد اطمأنت المحكمة إلى صحة الاتهام على نحو ما سلف بيانه. ولما كان المتهم قد أبلغ كذبا بواقعة إصدار الشيك المزور ضد المدعى المدني وتمكن من استصدار حكم غيابي ضده تأيد في المعارضة قضى بحبسه شهرا واحدا مع الشغل، ولما كان هذا الفعل المنسوب إلى المتهم هو في حقيقته إبلاغ كاذب ضد المدعى مع سوء القصد، وقد ثبت ارتكاب المتهم الأمر الذي يضحى معه الاتهام برمته والمسند إلى المتهم وقد ثبت ثبوتا افيا مقنعا لإدانته مما يستوجب عقابه وفق مواد الاتهام وعملا بنص المادة عقوبات". كما يبين من الاطلاع على الحكم المطعون فيه أنه مع أخذه بأسباب الحكم الابتدائي أضاف إليها قوله: "وحيث إن الثابت أن محكمة الجنح المستأنفة قضت في الجنحة رقم 7986 سنة 1969 الرمل (رقم 4390 سنة 1970 استئناف شرق إسكندرية) المتهم فيها...... (المدعى المدني في هذه الدعوى) بجلسة 9/ 1/ 1971 برد وبطلان الشيك موضوع الاتهام لتزويره وبإلغاء الحكم المستأنف وببراءة المتهم وجاء بأسباب ذلك الحكم. وتكون الواقعة الصحيحة هي أن المتهم ما وقع على الورقة المتضمنة شيكا عليه لصالح المجني عليه (المتهم في الدعوى الحالية) إلا على أنها مخالصة بالمبلغ الذي قبضه ومن ثم يكون الشيك في الحقيقة مزورا تزويرا معنويا بتغيير مضمونه من مخالثة بمبلغ إلى شيك ومن ثم يتعين الحكم برده وبطلانه". وبعد أن أورد الحكم المطعون فيه ما تقدم نقلا عن الحكم في القضية المضمومة انتهى إلى تأييد إدانة الطاعن بقوله "ومن ثم تكون التهم المسندة إلى المتهم ثابتة في حقه من تبليغه كذبا من أن المدعى بالحق المدني سلمه شيكا لا يقابله رصيد قائم وقابل للسحب مع علمه وقت التبليغ أن هذه الواقعة غير صحيحة لأن الشيك في حقيقته مزور تزويرا معنويا بتغيير مضمونه من مخالصة إلى شيك كما أنه ارتكب تزويرا في المحرر العرفي سالف الذكر "الشيك" على النحو المتقدم واستعمله بأن تقدم به بهذا الإبلاغ في الجنحة رقم 7986 سنة 1969 الرمل ومن ثم تعين تأييد الحكم المستأنف". لما كان ذلك، وكانت قوة الشيء المقضي به مشروطة باتحاد الخصوم والموضوع والسبب في الدعويين وكانت دعوى إصدار شيك بدون رصيد قائم وقابل للسحب تختلف موضوعيا وسببا عن دعوى تزويرالشيك واستعماله مع العلم بتزويره - موضوع الدعوى محل الطعن - فانه يمتنع بحجية الامر المقضي به ولا يغير من ذلك أن ورقة الشيك التي اتخذت دليلا على تهمة إصدار شيك بدون رصيد في الدعوى السابقة هي بذاتها أساس تهمتي التزوير والاستعمال في هذه الدعوى ذلك أن تلك الورقة لا تخرج عن كونها دليلا من أدلة الإثبات في الجريمة المنصوص عليها في المادة 237 عقوبات. لما كان ذلك، وكان تقدير الدليل في دعوى لا ينسحب أثره إلى دعوى أخرى لأن قوة الأمر المقضي للحكم في منطوقه دون الأدلة المقدمة في الدعوى فإن قضاء المحكمة السابق برد وبطلان الشيك بقالة تزويره وببراءة المطعون ضده من جريمة إعطائه بدون رصيد لا يلزم المحكمة التي نظرت جريمتي تزوير الشيك واستعماله ولها أن تتصدى هي لواقعتي التزوير والاستعمال لتقدر بنفسها مدى صحة التزوير من عدمه - ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه قد عول - فيما عول عليه - في إدانة الطاعن على ما وقر في ذهن المحكمة خطأ من أن الحكم الصادر في تهمة إصدار الشيك بدون رصيد برد وبطلان الشيك لتزويره يحوز قوة الأمر المقضي به في الدعوى مثار الطعن فإنه يكون قد أخطأ في تطبيق القانون ولا يرفع هذا العوار ما أورده الحكم من أدلة أخرى إذ الأدلة في المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون منها عقيدة القاضي بحيث إذا سقط أحدها أو استبعد تعذر التعرف على مبلغ الأثر الذي كان لهذا الدليل الباطل في الرأي الذي انتهى إليه - لما كان ما تقدم فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه والإحالة بغير حاجة إلى بحث أوجه الطعن.