أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 27 - صـ 574

جلسة 31 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن علي المغربي، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وفاروق محمود سيف النصر، ومحمد صفوت القاضي.

(127)
الطعن رقم 247 لسنة 46 القضائية

(1، 2) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره".
(1) عدم التزام المحكمة بتتبع مناحي دفاع المتهم والرد عليها استقلالا. ما دام ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على هذا الدفاع.
(2) حق محكمة الموضوع في استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها. أساسه. أن يكون استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الدعوى.
(3) قصد القتل. محكمة الموضوع "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "إثبات بوجه عام".
قصد القتل أمر خفي، لا يدرك بالحس الظاهر. يستخلصه قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
(4) نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل منها". طعن. "المصلحة في الطعن". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". ظروف مشددة - قتل عمد. إقتران.
النعي بعدم توافر ظرف الاقتران. لا جدوى منه، ما دامت العقوبة التي نص عليها الحكم تدخل في الحدود المقررة لأي من جريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار محل الاتهام مجردة عن الظرف المشار إليه.
1 - ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعنين من وجود تناقض بين الدليلين ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع - إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص ولا محل له.
2 - من المقررأن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق.
3 - لما كان قصد القتل أمرا خفيا لا يدرك بالحس الظاهر، وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى، والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية.
4 - لما كان الطاعنون لا ينازعون فيما أثبته الحكم من توافر ظرف سبق الإصرار في جريمتي القتل اللتين دينوا بها، وكانت العقوبة التي أوقعها عليهم بعد تطبيق المادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة بالنسبة للطاعن الأول والأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة بالنسبة للطاعنين الثاني والثالث - تدخل في الحدود المقررة لأي من جريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرف الاقتران، فإنه لا يكون لهم مصلحة فيما أثاروه من تخلف هذا الظرف.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين في قضية الجناية رقم 3090 لسنة 1973 المقيدة بالجدول الكلي برقم 413 لسنة 1973 بأنهم في يوم 13 سبتمبر سنة 1973 بدائرة مركز المنشأة محافظة سوهاج: المتهمون جميعا قتلوا السيد.... عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض أسلحة نارية معمرة حملوها وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه عدة أعيرة نارية من أسلحتهم قاصدين قتله فحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هي أنهم في الزمان والمكان سسالفي الذكر: قتلوا...... (وصحة اسمه......) عمدا مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتله وأعدوا لهذا الغرض الأسلحة النارية سالفة الذكر وما أن ظفروا به حتى أطلقوا عليه عدة أعيرة نارية قاصدين قتله فحدثت به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته. (المتهم الأول أيضا) أحرز سلاحا ناريا لا يجوز الترخيص به (مدفع رشاش). (2) أحرز ذخيرة (طلقات) مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر. (المتهمون الثاني والثالث) (1) أحرزوا سلاحين ناريين مششخنين (بندقيتين) في غير الأحوال المصرح بها قانونا. (2) أحرزا ذخائر مما تستعمل في السلاحين سالفي الذكر دون أن يكون مرخصا لهما بحيازتهما أو إحرازهما، وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهم طبقا للمواد 230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات والمواد 1 و6 و26/ 2 - 4 من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والبند (ب) من القسم الأول والثاني من الجدول رقم 3 الملحق. فقرر ذلك في 2 مارس سنة 1974، وادعى...... (والد المجني عليهما) مدنيا بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهمين متضامنين، ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادتين 17 و32 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم الأول بالأشغال الشاقة المؤبدة ومعاقبة كل من المتهمين الثاني والثالث بالأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة وبالزامهم متضامنين أن يدفعوا للمدعي بالحقوق المدنية قرشا صاغا واحدا على سبيل التعويض المؤقت والمصاريف المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهم في هذا الحكم بطريق النقض. وقدم كل من الأستاذين...... و...... المحامين عنهم تقريرا بأسباب الطعن في 22 من ديسمبر سنة 1974 و22 يناير سنة 1975 وموقع على كل منهما من محاميه.


المحكمة

حيث إن الطاعنين ينعون على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانهم بجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية قتل أخرى قد شابه قصور في التسبيب وفساد في الاستدلال وخطأ في تطبيق القانون، ذلك بأنه عول في قضائه علي الدليلين القولي والفني مع ما بينهما من تناقض في شأن موقف الجناه من المجني عليهما واتجاه الإطلاق وعدد الإصابات ومواضعها وما أسفرت عنه المعاينة من وجود ظرفين فارغين لطلقتين فحسب - ولم يعن الحكم برفع هذا التعارض ولم يعرض له إيرادا وردا، كما أن دفاع الطاعنين قام على أن المجني عليهما لم يقتلا حيث وجدت جثتاهما بدليل خلو مكان الحادثة من الدماء التي يتحنم وجودها لو صح تصوير شهود الإثبات مما يهدر أقوالهم بيد أن الحكم اطرح هذا الدفاع بما لا يسوغ رفضه، هذا إلى أنه لم يدلل على توافر نية القتل لديهم تدليلا كافيا، ودانهم بجناية القتل المقترن رغم عدم توافر ظرف الاقتران مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجناية القتل العمد مع سبق الإصرار المقترن بجناية قتل أخرى التي دان الطاعنين بهما وأقام عليهما في حقهم أدلة مستمدة من أقوال شهود الإثبات والتقرير الطبي الشرعي والمعاينة وهي أدلة سائغة تؤدي إلى ما رتبه الحكم عليها لما كان ذلك، وكانت أقوال شهود الإثبات كما أوردها الحكم - والتي لا ينازع الطاعنون في أن لها سندها من الأوراق - قد أوردت أن الطاعنين استعملوا في القتل مدفعا رشاشا وبندقيتين "ميزر" وأنهم كانوا في مواجهة المجني عليهما وإلى اليمين قليلا وقت إطلاق النار عليهما وهما في مواجهتهم متقهقرين بظهريهما إلى الخلف، وأن الإطلاق كان على مسافة تتراوح بين الأربعة والسبعة أمتار وكانت هذه الأقوال كما حصلها الحكم لا تتعارض بل تتلاءم مع ما نقله عن تقرير الصفة التشريحية الذي أثبت أن إصابات المجني عليه الأول.... بالبطن والاليه اليسرى حدثت من عيار ناري معمر بمقذوف مفرد يطلق في الراجح من سلاح ناري من نوع ذي سرعة عالية أو متوسطة قد جاوزت مسافة الاطلاق مدى الاطلاق القريب وهو ما يقدر عادة بأكثر من نصف متر وأن اتجاه الاطلاق من الأمام واليمين للخلف واليسار في الوضع الطبيعي للجسم وكان الضارب في مواجهة المجني عليه وعلى يمينه، وأن إصابات المجني عليه الثاني......... بالساعد الأيسر والأرنبة اليسرى وأعلى الفخذين من الممكن أن تحدث من إطلاق عيارين ناريين معمر بمقذوف مفرد أطلقا من سلاح ناري ذي سرعة عالية أو متوسطة وأن تعذر تحديد اتجاه العيار الذي أصاب الساعد الأيسر - لأن الساعد عضو متحرك - بيد أن اتجاة إطلاق العيار الثاني الذي أصاب الأرنبة اليسرى وأعلى الفخذين من اليسار إلى اليمين وفي مستوى أفقي تقريبا في الوضع الطبيعي القائم للجسم وجاوزت مسافة الإطلاق مدى الإطلاق القريب. كما أن إصاباته من الممكن أن تحدث من عيار ناري واحد لو أن إصابة الساعد الأيسر كانت في مسار العيار الناري الذي أصاب الأرنبة وأعلى الفخذين - وكان الضارب - لحظة إصابته بالعيار الناري - في مواجهته وعلى يمينه، لما كان ذلك، وكان لا تعارض أيضا بين ما قرره الشهود من أن الطاعنين أطلقوا النار من أسلحتهم دفعة واحدة - دون تحديد لعدد الطلقات - وبين ما أثبته الدليل الفني من إصابة المجني عليه الأول بعيار ناري واحد وإصابة الثاني بعيارين أو عيار واحد - إذ ليس بلازم أن يتخلف عن إطلاق كل عيار إصابة لاحتمال عدم إصابة الهدف من كل عيار أطلق، كما أن العثور على ظرفين فارغين لطلقتين فحسب في مكان الحادث لا يؤذن بقيام التعارض بين الدليلين القولي والفني - إذ ليس بلازم بالضرورة تعدد الأظرف الفارغة في مكان الحادث مع نوعية الأسلحة المستعملة في ارتكابه طالما أن الشهود لم يحددوا عدد الأعيرة التي أطلقت منها، ولاحتمال عدم الدقة في البحث بمكان الحادث عن باقي الطلقات الفارغة - إن تعددت. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه - على ما سلف قد خلا مما يظاهر دعوى الخلاف بين الدليلين القولي والفني، وكان ليس بلازم أن يورد الحكم ما أثاره الدفاع عن الطاعنين من وجود تناقض بين الدليلين ما دام أن ما أورده في مدوناته يتضمن الرد على ذلك الدفاع - إذ المحكمة لا تلتزم بمتابعة المتهم في مناحي دفاعه المختلفة والرد عليها على استقلال طالما أن الرد يستفاد من أدلة الثبوت التي أوردها الحكم، ومن ثم يضحى ما يثيره الطاعنون في هذا الخصوص ولا محل له. لما كان ذلك، وكانت المحكمة قد عرضت لما ساقه الطاعنون من دفاع مؤداه أن المجني عليهما لم يقتلا حيث وجدت جثتاهما بدليل خلو المعاينة من وجود دماء في مكانها مما يهدر أقوال شهود الإثبات، وأطرحته - مما يسوغ رفضه - أخذا بأقوال شهود الرؤية التي اطمأنت إليها، وبالحقيقة المادية الثابته بالمعاينة التي دلت على وجود ظرفين لطلقتين بمكان الحادث اثبت الدليل الفني أنهما من طراز لي انفيلد 303 و- من البوصة مطلقين في وقت يتفق وتاريخ الحادث ومن الممكن حدوث إصابات المجني عليهما منهما. لما كان ذلك، وكان من المقرر إن الأصل أن من حق محكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدي إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفه من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة في العقل والمنطق ولها أصلها في الأوراق - كما هو الحال في الدعوى المطروحة - فإن النعي على الحكم في هذا الصدد يكون غير سديد. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمرا خفيا لا يدرك بالحس الظاهر وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التي يأتيها الجاني وتنم عما يضمره في نفسه، فإن استخلاص هذه النية من عناصر الدعوى موكول إلى قاضي الموضوع في حدود سلطته التقديرية، ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل بقوله "وحيث أن نية القتل ثابتة في حق المتهمين من استعمال أسلحة نارية قاتلة بطبيعتها ومن تعمد تصويب الأعيرة النارية في مقتل من المجني عليهما - بطنيهما - الأمر الذي تستبين منه المحكمة انهم ما استهدفوا من الفعل الجنائي إلا إزهاق روح المجني عليهما" وإذ كان ما أورده الحكم من ذلك كافيا وسائغا في التدليل على ثبوت نية القتل لدى الطاعنين، فإنه لا محل للنعي عليه في هذا الخصوص. لما كان ذلك، وكان الطاعنون لا ينازعون فيما أثبته الحكم من توافر ظرف سبق الإصرار في جريمتي القتل اللتين دينوا بهما، وكانت العقوبة التي أوقعها عليهم - بعد تطبيق المادتين 32/ 2 و17 من قانون العقوبات - وهي الأشغال الشاقة المؤبدة بالنسبة للطاعن الأول والأشغال الشاقة لمدة خمس عشرة سنة بالنسبة للطاعنين الثاني والثالث - تدخل في الحدود المقررة لأي من جريمتي القتل العمد مع سبق الإصرار مجردة من ظرف الاقتران، فإنه لا يكون لهم مصلحة فيما أثاراه من تخلف هذا الظرف، لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.