أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
السنة 27 - صـ 581

جلسة 31 من مايو سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفة نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ حسن علي المغربي، ومحمد صلاح الدين الرشيدي، وقصدي إسكندر عزت، ومحمد صفوت القاضي.

(128)
الطعن رقم 248 لسنة 46 القضائية

(1) إثبات. "خبرة". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل".
حق المحكمة في الإعراض عن طلب الدفاع، إذا كانت الواقعة قد وضحت لديها، أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى. بشرط بيان العلة.
(2) دفاع. محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". إثبات. "بوجه عام".
تقدير الوقائع التي يستدل منها على قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها. موضوعي. متى كانت الوقائع مؤدية إلى هذه النتيجة.
(3) إثبات. "شهود". محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. أسباب الطعن. "ما لا يقبل منها".
وزن أقوال الشهود مرجعه محكمة الموضوع. تعويلها على أقوال شاهد معين. إطراح جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها - النعي على ذلك جدل موضوعي. لا يقبل أمام النقض.
1 - من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى مع بيان العلة.
2 - أن تقدير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بلا معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليه.
3 - أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد، فإن مفاد ذلك إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود واقتنعت بها، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما يستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن في قضية رقم 3118 لسنة 1973 مركز سوهاج المقيدة بالجدول الكلي برقم 440 لسنة 1973 بأنه في يوم 23 من أغسطس سنة 1973 بدائرة مركز سوهاج محافظتها: ضرب ........ بعصا على رأسه فأحدث به الإصابة الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية. ولم يقصد من ذلك قتلا، ولكن الضرب أفضى إلى موته. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمحاكمته بالمادة 236/ 1 من قانون العقوبات. فقرر ذلك، وادعى...... وشهرته......... - والد المجني عليه - مدنيا بمبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت قبل المتهم. ومحكمة جنايات سوهاج قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بمعاقبة المتهم بالسجن لمدة خمس سنوات والزامه أن يؤدي للمدعي بالحقوق المدنية مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت والمصروفات المدنية وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض. وقدم الاستاذ ...... المحامي عنه تقريرا بالأسباب موقعا عليه منه.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجريمة الضرب المفضي إلى الموت قد شابه اخلال بحق الدفاع وقصور في التسبيب، ذلك بأن الدفاع كان قد تمسك بأنه عندما توقع الكشف الطبي على المجني عليه اثر نقله إلى المستشفى عقب الحادث تبين أنه مصاب بمجرد جرح رضي بالجدارية اليسرى وقد استكشفت العظام تحته فوجدت سليمة مما لا تصح من بعد مساءلته عن الإصابة التي أدت إلى الوفاة والتي شخصها الطبيب الشرعي في تقريره بأنها كسر في الجمجمة أحدثت نزيفا دمويا خارج الأم الجافية ضغط على سطح الفص الأيسر للمخ، طالما أن هذه الإصابة لم يكن لها وجود برأس المجني عليه حتى دخوله المستشفى والكشف عليه فيها ولازم ذلك أن تقتصر مسئولية الطاعن - بفرض صحة الواقعة - على مجرد الضرب البسيط، بيد أن المحكمة لم تحقق هذا الدفاع عن طريق المختص فنيا بلوغا لغاية الأمر فيه على الرغم من جوهريته، خاصة وأن الطبيب الشرعي كان قد ذكر في تقريره أن تلك الإصابة كان من شأنها أن تمنع المجني عليه من التكلم في حين أن الشهود قد أجمعوا على أنه كان يتكلم فعلا وأن حالته كانت حسنة مما كان يتعين على المحكمة أن تستجلى أمر هذا الذي أثاره الدفاع ولكنها لم تفعل وردت عليه ردا قاصرا هذا إلى أن الطاعن كان قد دفع بأنه كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه لأن المجني عليه تعدى وأحدث به إصابة في ذراعه أثبتها وكيل النيابة المحقق فالتفتت المحكمة عن هذا الدفاع بمقولة أنه لم يثبت لديها أن المجني عليه كان قد اعتدى على الطاعن دون أن تعني ببحث سبب غصابة هذا الأخير ومن الذي أحدثها به، وأخيرا فإن الدفاع عن الطاعن كان قد جرح شهود الإثبات لصلتهم بالمجني عليه ولم يرد الحكم على ذلك مع أهميته، وكل ذلك يعيب الحكم بما يوجب نقضه.
وحيث أنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن حصل واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة الضرب المفضي إلى الموت التي دان بها الطاعن وأورد على ثبوتها في حقه أدلة سائغة مستمدة من أقوال الشهود وما ثبت من تقرير الصفة التشريحية، عرض لما دفع به الطاعن من عدم مسئوليته عن الإصابة التي أدت إلى وفاة المجني عليه لأنها لم ترد في تقرير طبيب المستشفى ورد عليه بقوله. وحيث أنه بالنسبة لما جاء في أوراق علاج المجني عليه بمستشفى سوهاج العام من أن إصابته كانت عبارة عن جرح رضي بمؤخر الجدارية اليسرى وأنه اجريت له عملية استكشاف ووجدت العظام سليمة لا يتعارض مع ما جاء بتقرير الصفة التشريحية من وجود كسر شرخي بالجمجمة أظهره التشريح ولم يظهره الكشف الظاهري الذي توقع على المجني عليه بالمستشفى أو عملية الاستكشاف التي أجريت له، هذا فضلا عن أن الثابت مما تقدم جمعيه ومن أقوال الشهود أن أحدا غير المتهم لم يضرب المجني عليه أو يحدث إصابته برأسه مما يقطع بأن تلك الإصابة قد أحدثها ضربة المتهم. ولما كان من المقرر أنه وإن كان القانون قد أوجب على محكمة الموضوع سماع ما يبديه المتهم من أوجه الدفاع وتحقيقه إلا أنه متى كانت الواقعة قد وضحت لديها أو كان الأمر المطلوب تحقيقه غير منتج في الدعوى فلها أن تعرض عن ذلك مع بيان العلة، وكان مفاد ما أورده الحكم أن المحكمة قد فطنت إلى ما أثاره الدفاع ومحصته فتبينت أن تقرير طبيب مستشفى سوهاج العام وتقرير الطبيب الشرعي قد اتحدا في موضع إصابة المجني عليه برأسه ووصفها وقطعا بأنه لم تكن توجد برأس المجني عليه سوى تلك الإصابة وحدها غاية الأمر أن الطبيب الشرعي قد أضاف إلى وصفها الوراد في تقرير طبيب المستشفى ما كشف له التشريح من وجود كسر تحتها في عظام الجمجمة واستخلصت المحكمة في منطق سليم واستدلال سائغ أن ذلك الكسر لم يكن قد ظهر لطبيب المستشفى من واقع الكشف الظاهري وما إجراء من عملية إستكشاف وأوضحه التشريح مستندة في ذلك إلى دليل فني وهو تقرير الصفة النشريحية مما لم تجد معه المحكمة من بعد داعيا للتحقيق الذي طلب الدفاع إجرائه فإن النعي على الحكم في هذا الشأن لا يكون له محل، لما كان ذلك وكان الحكم قد عرض لما ذهب إليه الدفاع من أن الطاعن كان في حالة دفاع شرعي عن نفسه مردود بأنه ليس هناك من دليل على أن المجني قد اعتدى عليه أو حاول الاعتداء عليه بل العكس من ذلك فالثابت من إجماع الشهود أن المتهم هو الذي ابتدر المجني عليه وعاجله بضربة من عصاه وإذا كانت هناك إصابة بسيطة بكوع المتهم فلم يثبت أنها نتيجة اعتداء وقع عليه من المجني عليه ومن ثم فليس للمتهم أن يحتمي وراء الدفاع الشرعي "ولما كان من المقرر أن تقرير الوقائع التي يستنتج منها قيام حالة الدفاع الشرعي أو انتفاؤها متعلق بموضوع الدعوى للمحكمة الفصل فيه بلا معقب متى كانت الوقائع مؤدية إلى النتيجة التي رتبت عليه وكان الحكم قد أثبت بالأدلة السائغة التي أوردها إن المجني عليه لم يكن قد اعتدى أو حاول الاعتداء على المتهم الذي ابتدره بالاعتداء عليه بعصاه وأن إصابة هذا الأخير لم تكن نتيجة اعتداء وقع عليه من المجني عليه فإن ما خلص إليه الحكم فيما تقدم تنتفي به حالة الدفاع الشرعي كما هي معرفة به في القانون ويكون النعي على الحكم في هذا الصدد في غير محله، لما كان ذلك وكان من المقرر أن وزن أقوال الشهود وتقدير الظروف التي يؤدون فيها الشهادة متروك لتقدير محكمة الموضوع ومتى أخذت بشهادة شاهد فإن مفاد ذلك إطراحها جميع الاعتبارات التي ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها وكانت المحكمة قد اطمأنت إلى أقوال الشهود واقتنعت بها، فإن النعي على الحكم في هذا الخصوص ينحل إلى جدل موضوعي في تقدير الدليل مما تستقل به محكمة الموضوع ولا تجوز مجادلتها فيه ولا مصادرة عقيدتها بشأنه أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن النعي يكون برمته مستوجبا للرفض.