مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2285

(268)
جلسة 23 من يونيه سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد أمين المهدى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الاساتذة/ د. فاروق عبد البر، وأحمد عبد الفتاح حسن، وأحمد عبد الحميد عبود، وأحمد محمد المقاول نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4753 لسنة 44 القضائية

آثار - عرض الآثار فى الخارج - السلطة المختصة - مخالفة ذلك.
قانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983 - المشرع اعتبر الآثار من الأموال العامة عدا ما كان وقفاً - نصوص القانون اشتملت على بيان بالتصرفات التى أجاز المشرع أن ترد على الآثار استثناءً - الموافقة على عرض بعض الآثار فى الخارج معقود الاختصاص فى شأنه لرئيس الجمهورية - شرط ذلك - اتباع الأوضاع والشروط والإجراءات القانونية مخالفة ذلك - قيام المسئولية إدارياً ومدنياً وجنائياً باعتبارها مسئولية شخصية تجاه شعب بأسره - العائد المالى ليس ولا يجب أن يكون هو وجه المصلحة العامة فى عرض الآثار فى الخارج - لا يصح أن تأكل مصر بآثارها - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الثلاثاء الموافق 28/ 4/ 1998 أودعت الاستاذة ........... المحامية بصفتها وكيلة عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا، تقريراً بالطعن قيد بجدولها برقم 4753 لسنة 44 ق. ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى الدعوى رقم 8052 لسنة 47 ق بجلسة 28/ 2/ 1998، الذى قضى بإلغاء القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات. وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن، أن تأمر دائرة فحص الطعون بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم المطعون فيه، وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى وإلزام المطعون ضدهم ا لمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجات التقاضى مع حفظ كافة حقوق المجلس الأعلى للآثار الأخرى.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو المبين بالأوراق. وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً، ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وعين لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 3/ 4/ 2000 وتدوول نظره على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 21/ 8/ 2000 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى هذه المحكمة حيث نظرته على النحو الثابت بمحاضر الجلسات، وبجلسة 13/ 1/ 2001 قررت إصدار الحكم بجلسة 14/ 4/ 2001، وبها قررت إرجاء النطق بالحكم لجلسة 12/ 5/ 2001 ثم إلى جلسة 16/ 6/ 2001 ثم إلى جلسة 23/ 6/ 2001 لاتمام المداولة قانوناً وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتلمة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل فى أن المطعون ضدهم أقاموا الدعوى رقم 8052 لسنة 47ق بإيداع عريضتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 19/ 8/ 1993 بهدف الحكم بقبولها شكلاً وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار مجلس إدارة الهيئة العامة للآثار المصرية الصادر بتاريخ 8/ 3/ 1993 وبتاريخ 26/ 5/ 1993 بالموافقة على تسليم 72 قطعة آثار من الآثار المصرية الفريدة التى يخشى عليها من التلف لعرضها بسبع مدن باليابان وفى الموضوع بإلغاء هذا القرار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات، وذلك على سند من أن مجلس إدارة الهيئة العامة للآثار المصرية قرر بجلستيه المعقودتين فى 8/ 3/ 1993 و 26/ 5/ 1993 الموافقة على تسليم 72 قطعة مصرية لشركتى إعلانات يابانيتين (توى ودايكو) لعرضها بصالات المحالات التجارية خلال تنقلها فى سبع مدن يابانية تحت اسم (معرض ملكات مصر) لمدة تزيد على أربعة عشر شهراً اعتباراً من 1/ 1/ 1994 وذلك بقصد ترويج السلع التى تبيعها تلك المحلات وذلك مقابل مبلغ مليون وسبعمائة وخمسين ألف دولار امريكي. ونعى المدعون على القرار المطعون فيه مخالفته للقانون لصدوره من غير مختص، إذ أن عرض الآثار بالخارج يكون طبقاً لنص المادة (10) من قانون حماية الآثار رقم 117 لسنة 1983 بقرار من رئيس الجمهورية، كما أن هذه المادة حظرت عرض الآثار الفريدة التى يخشى عليها من التلف، ولما كانت القطع الأثرية التى تقرر تسليمها لشركتى الإعلانات (توى واديكو) فريدة ويخشى عليها من التلف، فلا يجوز عرضها بالخارج. فضلاً عن أن الآثار سوف تسلم للشركتين وليست لدولة أو لجهة علمية معترف بها. كما أن هذا القرار لم يستهدف المصلحة العامة، لأن المصلحة العامة هى فى حماية هذه الآثار من أى خطر يهددها وألا تكون محلاً للإيجار أو الدعاية التجارية والعرض فى المحلات. وطلبت الجهة الإدارية فى معرض دفاعها فى الدعوى الحكم أولاً: بعدم قبول الدعوى لعدم وجود قرار إدارى نهائى ولعدم وجود مصلحة شخصية مباشرة للمدعيين، ثانياً: برفض الدعوى بشقيها العاجل والموضوعى.
وبجلسة 22/ 1/ 1994 قضت محكمة القضاء الإدارى فى الشق العاجل من الدعوى برفض الدفع بعدم قبول الدعوى لانتفاء المصلحة ولانتفاء القرار الإدارى، وبقبول الدعوى شكلاً، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار وذلك على النحو المبين بالأسباب، وألزمت هيئة الآثار المصرية مصروفات هذا الطلب وأمرت بإحالة الدعوى إلى هيئة مفوضى الدولة لإعداد تقرير بالرأى القانونى فى طلب الإلغاء.
وإذ لم يلق هذا الحكم قبولاً لدى الجهة الإدارية فقد طعنت فيه أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعنين رقمى 349 و 1640 لسنة 40 ق. ع التى قضت فيهما بجلسة 3/ 12/ 1994 بقبول الطعنين شكلاً ورفضهما موضوعاً وألزمت المجلس الأعلى للآثار ووزارة الثقافة المصروفات.
وقد نظرت محكمة القضاء الإدارى الشق الموضوعى من الدعوى، وبجلسة 28/ 2/ 1998 قضت بإلغاء القرار المطعون فيه، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الجهة الإدارية المصروفات. وشيدت المحكمة قضاءها على أساس أن المستفاد من الأوراق أن شركتى (توى ودايكو) للإعلان قد تقدمتا عن طريق الحكومة اليابانية بطلب إلى هيئة الآثار المصرية لإقامة معرض للآثار المصرية فى سبع مدن يابانية تحت اسم (ملكات مصر القديمة) وذلك كوسيلة لتوريج منتجات المحلات التى تقوم بعرض تلك الآثار، وبالفعل وافق مجلس إدارة هيئة الآثار المصرية بجلستى 8/ 3، 26/ 5/ 1993 على إقامة معرض ملكات مصر القديمة بسبع مدن يابانية خلال الفترة من يناير 1994 حتى أول مارس 1995، ثم أبرمت هيئة الآثار المصرية مع محافظة طوكيو والشركتين المذكورتين العقد الخاص بذلك، وذلك مقابل مليون وسبعمائة ألف دولار أمريكي، وعلى ذلك فإن هذا العقد هو فى حقيقته عقد إيجار لقطع الآثار المصرية التى تم الاتفاق على إرسالها إلى اليابان وهو مالا يجوز قانوناً ويعتبر تصرفاً لم يرد عليه نص يجيزه مما يجعل القرار المطعون فيه مخالفاً للقانون.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه، إذ أنه من المستقر عليه جواز الانتفاع بالمال العام بموجب ترخيص من الجهة الإدارية، وأن الموافقة على عرض تلك الآثار هى بمثابة الترخيص فى استغلال المال العام؛ حيث صدرت الموافقة بقرار رئيس مجلس الوزراء رقم 65 لسنة 1994 بتاريخ 4/ 1/ 1994 مفوضاً فى ذلك من رئيس الجمهورية وطبقاً للقانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أنه بناء على الطلب المقدم من شركتى (توى ودايكو) بشأن اقامة معرض للآثار المصرية تحت اسم "ملكات مصر القديمة" بسبع مدن يابانية، وافق مجلس إدارة هيئة الآثار المصرية بجلستى 8/ 3و 26/ 5/ 1993 على إقامة معرض "ملكات مصر القديمة" ببعض المدن اليابانية خلال الفترة من يناير سنة 1994 حتى أول مارس سنة 1995، ثم أبرمت الهيئة مع محافظة طوكيو والشركتين المذكورتين بتاريخ 26/ 8/ 1993 عقداً نص فى التمهيد على أنه "بناء على موافقة مجلس إدارة الهيئة بجلسة 26/ 5/ 1993 والمعتمد محضرها من السيد وزير الثقافة على إقامة معرض للآثار المصرية باسم - ملكات مصر القديمة - للعرض فى سبع مدن يابانية فى المدة من يناير سنة 1994 حتى 1 من مارس سنة 1995، وإذ تلاقى رضاء الطرفين فقد تم الاتفاق بينهما على ما يلي........" وقد ورد فى المادة الرابعة عشرة منه "على ألا يصير هذا الاتفاق نافذاً إلا بعد صدور قرار من السلطة المختصة بالترخيص بعرض الآثار محل الاتفاقية فى الخارج: اليابان. ثم صدر قرار رئيس مجلس الوزراء رقم 65 لسنة 1994 بتاريخ 4/ 1/ 1994 ونشر بالجريدة الرسمية فى العدد 6 فى 10 من فبراير سنة 1994 متضمنا بديباجته الإشارة إلى الدستور وقانون حماية الآثار الصادر بالقانون رقم 117 لسنة 1983 وقرار رئيس الجمهورية رقم 2828 لسنة 1971 بإنشاء هيئة الآثار المصرية وقرار رئيس الجمهورية رقم 390 لسنة 1993 بالتفويض فى بعض الاختصاصات وإلى ما عرضه وزير الثقافة، ناصا فى مادته الأولى على الموافقة على عرض اثنتين وسبعين قطعة أثرية من المتحف المصرى والموضحة بالكشوف المرفقة بمعرض "ملكات مصر القديمة" فى سبع مدن يابانية (طوكيو/ سينداى/ نيجاتا/ سابورو/ أوزاكا، فوكاكا/ تاجويا) خلال الفترة من 15/ 1/ 1994 إلى 15/ 3/ 1995 بما فى ذلك مدة الإعداد والتغليف والشحن والنقل. وتضمنت المادة الثانية من ذات القرار تحمل الجانب اليابانى جميع النفقات المتعلقة بالمعرض والمصروفات والتأمين والنقل وأن تتولى هيئة الآثار المصرية اتخاذ الإجراءات التنفيذية اللازمة لنقل القطع الأثرية المشار إليه فى المادة السابقة تمهيداً لعرضها وإعادتها مع اتخاذ كافة الضمانات اللازمة لصيانتها وإعادتها سالمة، وقد انطوت الكشوف المرفقة بالقرار المشار إليه على قائمة بالقطع المقترحة لمعرض "ملكات مصر القديمة" فى اليابان سنة 1994، مبيناً بها وصفها ورقم الأثر والمادة والعصر والمصدر والمقاييس والقيمة التأمينية لكل أثر بالدولار الأمريكي.
ومن حيث إن قاضى المشروعية هو الأمين على حقيق التزام جهات الإدارة بأحكام التشريعات والنزول على صحيح مقتضياتها إعلاء لسيادة القانون وصوناً لها.
ومن حيث إن آثار مصر القديمة الضاربة فى جذور التاريخ تشهد على عراقة هذا الوطن، وعبقرية الإنسان، وعظمة المكان، وهى بهذه المثابة لا تعد فحسب تراثاً إنسانياً وحضارياً وفنياً عريقاً لشعب مصر على مر العصور، وإنما تراثاً عالمياً للإنسانية جمعاء يستوجب حمايته، لذا حرص المشرع على إصدار قانون حماية الآثار الصادرة بالقانون رقم 117 لسنة 1983، كاشفاً عن صادق الرغبة فى تقرير الحماية لآثار مصر. وقد أقام المشرع من هيئة الآثار ومن بعدها المجلس الأعلى للآثار، الجهة المنوط بها الحفاظ على الآثار (م/ 29)، ومن البديهى ألا يكون من نيط به حماية الأثر والمكلف بالحفاظ عليه من كل عابث به أو معتد عليه، فاعلاً أو مشاركاً أو مساهماً أو آذناً بأى شئ من ذلك أو متسامحاً أو مفرطاً فيه، وإلا كان مخلاً بالأمانة التى عهدت إليه مقصراً فى الإلتزام الملقى عليه. كما اعتبر المشرع الآثار من الأموال العامة عدا ما كان وقفاً، ولا يجوز تملكها أو حيازتها أو التصرف فيها إلا فى الأحوال وبالشروط المنصوص عليها فى القانون (م/ 6). وتعبير التصرف على نحو ما هو مستقر عليه يشمل عناصر الملكية ومنها الاستعمال والاستغلال، وقد اشتملت نصوص القانون على بيان بالتصرفات التى أجاز المشرع أن ترد على الآثار، استثناءً، انحصرت فى جواز تبادل بعض الآثار المنقولة مع الدول أو المتاحف أو المعاهد العلمية والأجنبية، وجواز عرضها بالخارج بشروط معينة (م/ 10)، وجواز قيام الهيئة بتقرير مكافأة لبعثات الحفائر العلمية الأجنبية المتميزة إذا أدت أعمالاًَ جليلة بأن تمنح بعض من الآثار المنقولة التى اكتشفتها البعثة لمتحف آثار تعينه البعثة لتعرض فيه باسمها متى كانت مماثلة لقطع أخرى أخرجت من ذات الحفائر من حيث المادة والنوع والصفة الدلالة التاريخية والفنية (م/ 35). ولما كانت أحكام القانون تدور بأوامره ونواهيه بما يتعين الإلتزام بها والنزول على مقتضياتها، وكانت المادة (10) من قانون حماية الآثار المشار إليه يجرى نصها على أنه "............ يجوز بقرار رئيس الجمهورية - تحقيقاً للمصلحة العامة - ولمدة محددة عرض بعض الآثار في الخارج، ولا يسرى هذا الحكم على الآثار التى يحددها مجلس إدارة الهيئة سواء لكونها من الآثار الفريدة أو التى يخشى عليها من التلف". وكان المستفاد من هذا النص أن الموافقة على عرض بعض الآثار فى الخارج معقود الاختصاص فى شأنه لرئيس الجمهورية وفقاً لما يقدره من دواعى المصلحة العامة واعتباراتها على أن يكون العرض لمدة محددة، ولا يسرى ذلك على الآثار الفريدة أو التى يخشى عليها من التلف، التى ائتمن المشرع مجلس إدارة الهيئة وناط به وحده دون سواه تحديدها، باعتبار أن الهيئة هى الجهة القوامة على حماية الآثار والأمينة عليها، وبحسبان أن الآثار بصفة عامة بطبيعتها فريدة، وأن كل أثر فى حد ذاته منفرد ومتفرد، وأنه لا يوجد أثر واحد يشابه الآخر أو يماثله تماماً، وأن لكل أثر قيمته الفنية والتاريخية والعلمية، بيد أن ثمة آثارا لها قيمة أكبر من غيرها. كما أنه من نافلة القول أن كل الآثار بحكم قدمها مما يخشى عليها من التلف، لذا حرص المشرع أن يكون أمر تقدير هذا الشأن منوطاً بمجلس إدارة الهيئة والجهات الفنية بها تمارسه فى إطار من الأسس والأصول العلمية والفنية، وهو تقدير فى مسائل فنية يئول الأمر فيها للمتخصصين والخبراء فى هذا المجال شريطة تغيى المصلحة العامة دائماً، والتى يتمثل فى هذا الصدد فى الحفاظ على شموخ الآثار وتحقيق توعية الأغيار بعظمة تاريخ وحضارة مصر. ومتى كان ما تقدم وكان نص القانون واضحاً محدد العبارة جلى المعنى فى جواز عرض بعض الآثار فى الخارج حيث أحكم المشرع تنظيم هذا الشأن بوجوب إتباع الأوضاع والشروط والإجراءات القانونية التى لا ينبغى أن يحيد عنها القرار الصادر فى هذا الصدد، الأمر الذى لا معدى معه - إزاء وضوح النص - من وجوب الإلتزام بحكمه والنزول على مقتضاه، فلا يسوغ الامتناع عن تطبيقه وتفسيره بما يفرغه من مضمونه أياً ما كانت الاعتبارات التى تحدو إلى ذلك. ومع ذلك، ومن قبله ومن بعده، تقوم مسئولية ومساءلة الجهة المؤتمنة قانوناً على حماية الآثار، فلا يكفى فى ذلك مقولة التأمين عليها إذا ذلك قول داحض فلا تقدر قيمة الأثر بمال، أيا كان مقداره، وإنما تقوم صدقاً وحقاً مسئولية كل من يساهم فى إقرار شئ من ذلك، إجازة وحفظاً وتسجيلاً وما إلى ذلك من إجراءات لعل أهمها وأخصها دقة وصف كل قطعة من الآثار وصفاً نافياً لكل جهالة كاشف بيقين عن ماهية الأثر، كل ذلك فضلاً عن تمام تصويره بمختلف آلات التصوير التى تكشف ظاهر الآثر وباطنه على سواء، حتى لا يكون محلا لعبث أو موضعاً لتطاول بالانتقاص منه أو استبداله، فكل ذلك لا يمثل خطأ وحسب بل خطيئة فى أسفل مدارجها ويكون من تسول له نفسه فعل أو الإسهام أو الإهمال فى شئ من ذلك، محلاً لها ومستحقاً وفاقاً للجزاء المقررة عنها إداريا ومدنياً وجنائيا باعتبار المسئولية هى مسئولية شخصية تجاه الشعب بأسره فيما هو من ثروته القومية وما يمثل تاريخه وشخصيته.
ومن حيث إن مقطع النزاع الماثل فى حقيقته إنما ينصب على القرار الصادر بالموافقة على عرض بعض الآثار فى بعض المدن اليابانية، بحسبان أن موافقة مجلس إدارة هيئة الآثار بتاريخى 8/ 3/ 1993، 26/ 5/ 1993 فى هذا الشأن، و ما جرى من اتفاق على اساسها بين الهيئة والجانب اليابانى لا يعدو أن يكون صحيح الأمر فى شأنها، أنها محض مراحل وإجراءات تمهيدية لا تثمر قطوفاً ولا تؤتى أكلاً إلا بإجازتها من صاحب الاختصاص فى ذلك وهو رئيس الجمهورية على نحو ما تطلبه القانون، ويكون ذلك بقرار بالموافقة على عرض هذه الآثار فى الخارج وهو القرار الذى يحمل بذاته قوته التنفيذية الواجبة التطبيق، فإليه تنصرف الخصومة وتتحدد بنطاقه،فعليه، وعلي ما سبقه من إجراءات هي واقعاً وقانوناً جزء من المنازعة الإدارية، يبسط قاضى المشروعية عليها رقابته ويقول فيها كلمة القانون.
ومن حيث إن قضاء الإلغاء هو بالأساس قضاء مشروعية، وذلك من جهة تسليط رقابة القاضى الإدارى على القرارات الإدارية المطعون فيها استظهاراً لمدى انضباطها داخل أطر المشروعية الحاكمة، وذلك بوزنها بميزان القانون ومقتضى الشرعية التى تتمثل فيها المصلحة العامة ويتحقق بها استقرار النظام العام، فيلغيها القاضى الإدارى إن تلمس مجاوزة القرار لإحدى تلك الأطر إما لمخالفة أحكام القانون أو تجاوز ما يتعين استواء تصرفات الإدارة على هدى من الشرعية، وإما لانحرافه عن جادة المصلحة العامة التى هى، ويتعين أن تكون دائماً، أساس عمل الإدارة والهدف من تدخلها، أو إستهدافه غاية من غايات المصلحة العامة تكون أدنى فى أوليات الرعاية ومدارجها من غايات تعلو ومصالح تسمو فتبتغى. وإذ كان ذلك وكان الثابت من الأوراق فى ضوء ظروف وأوضاع القرار المطعون فيه أنه صدر من رئيس مجلس الوزراء مفوضاً فى ذلك من رئيس الجمهورية بعرض بعض الآثار فى بعض المدن اليابانية بقصد تحقيق الدعاية السياحية لمصر وآثارها حسبما ذكرته الجهة الإدارية، حيث جرى الاتفاق مع شركتين يابانيتين للإعلانات لعرض هذه الآثار فى بعض المدن اليابانية وذلك مقابل مبلغ مليون وأربعمائة وخمسين ألف دولار أمريكى، وبافتراض أن السلطة المختصة قد رأت فى ذلك تحقيق مصلحة عامة، فإن هناك مصلحة عامة أحق بالتغليب تتمثل فى وجوب أن يكون عرض آثار مصر القديمة والتى تشهد عراقة هذا الوطن وتاريخه وعظمته وشموخه فى المكان اللائق بها الأمر الذى يتأبى معه عرضها فى مكان غير مناسب أو ملائم لما تستحقه هذه الآثار من تقدير واحترام مهما كان العائد المالى الذى قد يدره هذا العرض. فليس العائد المالى، ولا يجب أن يكون، هو وجه المصلحة العامة فى عرض الآثار فى الخارج على نحو ما يجيزه استثناء نص المادة (10) من قانون حماية الآثار المشار إليه؛ إذ لا يصح بحال أن تأكل مصر بآثارها، فوجه المصلحة العامة - ويهيمن عليها قاضى المشروعية الذى يقول فى شأنها قول الحق وكلمة القانون - التى تتغيا فى أمر جواز عرض بعض الآثار بالخارج والمعنية بهذا النص وفقاً لصحيح الفهم القانونى على نحو ما تكشف عنه بيقين المذكرة الإيضاحية للقانون باعتبار الآثار ثروة قومية وتراثاً إنسانياً، هو مخصص لزوماً بحكم القانون، بأن يكون محققاً - فى أن واحد - لمصلحة قومية مع الحفاظ على شموخ الآثار وصونها والذى يتأبى معه أن يكون العائد أيا كان ومهما بلغ، أساس إجازة العرض بالخارج أو الترخيص به أو أن يكون العائد المالى هو الحافز أو الدافع الأساسى باتخاذ شئ من ذلك؛ فقومية الثروة تتداعى قيوداً وتخصيصاً لوجه المصلحة العامة التى يتعين أن يدور فى فلكها، فلا يخرج عليها أو ينفلت من إسارها ويتطاول خارج حدودها، الترخيص بعرض الآثار المصرية فى الخارج الأمر الذى يستدعى معه فى هذا المجال كل الحرص وكل التدقيق من جميع الأجهزة المؤتمنة على هذه الثروة القومية على القيام بصحيح التزاماتها فى هذا المضمار.
وفى ضوء ما تقدم جميعه، ومتى كان الثابت أن قرار الموافقة على عرض بعض الآثار المصرية القديمة فى بعض المدني اليابانية، قد خلا من بيان جوهرى يتعلق بمكان العرض داخل المدن التى حددها، وكان مكان العرض وضرورة كونه لائقاً ومناسباً صدقاً وحقاً لتلقى جزء من ثروة مصر القومية، فإن هذا القصور فى البيان يتداعى بأثره على مشروعية القرار حيث تستوعب المشروعية وجه المصلحة العامة القومية فتندمجان فى نسيج قواعد أمرة تخضع لها الأجهزة الفنية والجهات الإدارية ثم تهيمن، من بعد ذلك على الأمر كله، مقتضيات المشروعية التى لها حفظتها وحماتها، ويتحقق كامل هذه المقتضيات متى توافر اليقين بالحفاظ على شموخ الأثر وكونه مصوناً يتوفر له كامل التقدير وكل الرعاية، فإذا تخلف شئ من ذلك، كانت الإجازة معيبة، حق عليها الإلغاء، وإذ تتلاقى محصلة الحكم الماثل مع النتيجة التى انتهى الحكم المطعون فيه وإن جانبه الصواب فى إدراك كنه القرار محل الرقابة القضائية، فإن هذه المحكمة تكتفى بأن تحل صحيح تكييفها لحقيق المنازعة وللأسباب التى يقوم عليها صحيح القضاء محل ما ورد بالحكم المطعون فيه فى هذا الشأن.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم مصروفاته.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا، وألزمت الجهة الادارية المصروفات.