مجلس الدولة - المكتب الفني لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثانية والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1996 إلى آخر فبراير سنة 1997) - صـ 443

(44)
جلسة 18 من يناير سنة 1997

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة المستشارين: منصور حسن علي غربي، وأبو بكر محمد رضوان، وغبريال جاد عبد الملاك، وسعيد أحمد برغش نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3714 لسنة 42 قضائية عليا

دعوى - إثبات في الدعوى - سلطة المحكمة في الاستعانة بأهل الخبرة.
إذ كان موضوع النزاع في دعوى قضائية يتطلب الفصل في مسألة فنية فإن ذلك لا يعني خروج تلك المسألة عن ولاية القضاء وعدم اختصاصه بها، وإنما يعني اللجوء إلى أهل الخبرة فيما تدق فيه الخبرة - ما لم تسعفه أوراق الدعوى بذاتها في بيان وجه الحق في تلك المسألة الفنية - القول بغير ذلك يعني وجود خصومة بلا قاض بما يشكل صورة من صور إنكار العدالة - تطبيق.


إجراءات الطعن

في يوم الأحد الموافق 5/ 5/ 1996 أودع الأستاذ ........ المحامي بصفته وكيلا عن الطاعن - قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد بجدولها برقم 3714 لسنة 42 ق، في القرار الصادر من مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس بجلسة 7/ 4/ 1996 في الدعوى رقم 5 لسنة 1995، والقاضي بمجازاة الطاعن بالعزل من الوظيفة، مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، وفي الموضوع بإلغائه، بما يترتب على ذلك من آثار.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 16/ 5/ 1996.
وقدمت هيئة مفوضي الدولة تقريراً بالرأي القانوني في الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً, وفي الموضوع بتعديل الجزاء الموقع على الطاعن بما يتناسب مع ما هو ثابت في حقه.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 28/ 8/ 1996، وتأجل نظره لجلسة 27/ 11/ 1996، ثم أجل لجلسة 29/ 9/ 1996، وفيها قررت الدائرة إصدار الحكم بجلسة 23/ 10/ 1996 مع التصريح بالاطلاع ومذكرات في أسبوعين. وفي هذا الأجل قدمت جامعة قناة السويس مذكرة طلبت في ختامها رفض الطعن، كما قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته.
وبجلسة 23/ 10/ 1996 قررت دائرة الفحص إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره جلسة 9/ 11/ 1996.
وقد تم نظر الطعن بالجلسة المحددة، وفيها قدم الطاعن مذكرة صمم فيها على طلباته، وقررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة 18/ 1/ 1997 مع مذكرات لمن يشاء خلال ثلاثة أسابيع. وفي هذا الأجل قدم الطاعن مذكرتين صمم فيهما على طلباته. وقد صدر الحكم بجلسة اليوم، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق, وسماع الإيضاحات، وبعد المداولة.
من حيث إن قرار مجلس التأديب المطعون فيه صدر بجلسة 7/ 4/ 1996 وأن تقرير الطعن فيه قد أودع قلم كتاب المحكمة بتاريخ 5/ 5/ 1996، فمن ثم يكون الطعن قد أقيم بمراعاة المواعيد القانونية المقررة.
ومن حيث إن الطعن قد استوفى - فضلاً عما تقدم - بقية أوضاعه الشكلية، فمن ثم يتعين قبوله شكلا.
ومن حيث إنه بالنسبة للموضوع فإن وقائعه تخلص - حسبما يبين من الأوراق في أن اللجنة العلمية الدائمة للمحاسبة والمراجعة قد قدمت تقريرها عن الأبحاث المقدمة من الدكتور/................. المدرس بقسم المحاسبة والمراجعة بكلية التجارة ببور سعيد "الطاعن" والمتقدم للحصول على اللقب العلمي لوظيفة أستاذ مساعد، متضمنا أن المدرس المذكور قد تقدم بستة أبحاث، ثبت أن ثلاثة منها مترجمة حرفيا من المراجع والدوريات الأجنبية دون أن يشير إلى أنها مترجمة، وأن اللجنة العلمية رأت إخطار رئيس الجامعة بالتقرير.
وبتاريخ 28/ 5/ 1994 قرر رئيس جامعة قناة السويس إحالة الطاعن إلى التحقيق، حيث تم التحقيق معه بمعرفة أحد أساتذة كلية الحقوق جامعة المنصورة, وانتهى التحقيق إلى اقتراح بإحالة الطاعن إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس، لمساءلته تأديبيا عما نسب إليه من سرقة علمية بالنسبة إلى الأبحاث الثلاثة التي تضمنها تقرير اللجنة العلمية الدائمة، وبتاريخ 19/ 9/ 1975 صدر قرار رئيس الجامعة بإحالة الطاعن إلى مجلس التأديب، حيث جرت محاكمته على النحو المبين بمحاضر جلسات هذا المجلس.
وبجلسة 7/ 4/ 1996 صدر قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة قناة السويس بمجازاة الطاعن بالعزل من الوظيفة مع الاحتفاظ بالمعاش أو المكافأة. وأقام المجلس قراره على أساس ثبوت احتواء البحوث الثلاثة على ترجمة صفحات كاملة من بحوث أجنبية، دون الإشارة إليها بالنسبة للبحثين الثاني والثالث، بما يشكل في حق الطاعن مخالفة عدم الأمانة العلمية.
ونعى تقرير الطعن على قرار مجلس التأديب المطعون فيه البطلان لمخالفة القانون على أساس أنه لا ولاية للجنة العلمية في المطالبة بمحاسبة الطالب عن أبحاث استبعدتها من التقييم بما يبطل قرارها برفع الأمر إلى رئيس الجامعة، لأن عميد الكلية وحده هو المختص بالإبلاغ عن مخالفات أعضاء هيئة التدريس، وأن مجلس الكلية قد قرر حفظ الموضوع، كما أنه لا سند لما نسبته اللجنة العلمية إلى الطاعن من سرقة علمية، وأن مجلس التأديب قد تصدى لمسألة فنية بحتة تخرج عن ولايته، ولم يوفر للطاعن حق الدفاع.
ومن حيث إنه ليس من شك أنه إذا كان موضوع النزاع في دعوى قضائية يتطلب الفصل في مسألة فنية، فإن ذلك لا يعنى خروج تلك المسألة عن ولاية القضاء وعدم اختصاصه بها، وإنما يعني اللجوء إلى أهل الخبرة فيما تدق فيه الخبرة، ما لم تسعفه أوراق الدعوى بذاتها في بيان وجه الحق في تلك المسألة الفنية. والقول بغير ذلك يعني وجود خصومة بلا قاض بما يشكل صورة من صور إنكار العدالة.
ومن حيث إنه لا جدال في أن موضوع المنازعة هو من المسائل الفنية التي يدق الفصل فيها على غير المتخصص، إلا أنه لا جدال أيضاً في أن أعلى الجهات تخصصاً في الفصل فيها هو اللجنة العلمية الدائمة للمحاسبة والمراجعة.
ومن حيث إن الثابت من تقرير اللجنة العلمية أن بعض ما ورد بأبحاث الطاعن الثلاث مترجم حرفيا من مراجع أجنبية، وأنه قد أشار إلى مراجع البحث الأول دون الثاني والثالث، وكان الثابت من أوراق التحقيق أن الطاعن لم ينكر النقل من تلك المراجع مقرراً أنه قد أشار إليها.
ومن حيث إنه متى كان ما تقدم، وكان الثابت أنه ليس ثمة إشارة واضحة في البحثين الثاني والثالث إلى الأبحاث العلمية الأجنبية التي نقل منها، فمن ثم تطمئن المحكمة إلى سلامة ما جاء بتقرير اللجنة العلمية الدائمة بشأن واقعة قيام الطاعن بتضمين بحثين مقدمين منه للترقية لترجمة حرفية لبعض أبحاث علمية أجنبية دون إشارة إليها.
ومن حيث إن ما ثبت في حق الطاعن مما تقدم يمثل مساسا بأمانته العلمية، ويشكل جريمة تأديبية تسنوجب مجازاته، بما لا مطعن معه على قرار مجلس التأديب فيما تضمنه من ثبوت المخالفة في حق الطاعن وفي مجازاته عنها، إلا أنه لما كان تقدير الجزاء ومناسبته للمخالفة المرتكبة يمثل عنصرا من عناصر شرعية هذا الجزاء، وكان الثابت - رغم جسامة المخالفة - أن الطاعن يشغل أول درجات سلم أعضاء هيئة التدريس. وأنه مشهود له بحسن الخلق، فمن ثم فإن قرار مجلس التأديب الطعين بمجازاة الطاعن بالعزل من الوظيفة يمثل إفراطا في العقاب بلغ به إلى منتهاه، ويشكل غلوا في الجزاء من شأنه أن يخرجه من دائرة المشروعية، ويدخله في دائرة مخالفة القانون، بما يستوجب القضاء بإلغائه، ومجازاته بالجزاء المناسب والذي تقدره المحكمة باللوم مع تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى مدة سنتين.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا, وفي الموضوع بالغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه، وبمجازاة الطاعن باللوم مع تأخير التعيين في الوظيفة الأعلى مدة سنتين.