أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائي
السنة 27 - صـ 597

جلسة 6 من يونيه سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمود كامل عطيفه نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ مصطفى محمود الأسيوطي، وعادل محمد مرزوق، ومحمد وهبه، وأحمد موسى.

(132)
الطعن رقم 260 لسنة 46 القضائية

(3،2،1) إثبات. "خبرة". "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
(1) تقدير القوة التدليلية. لتقدير الخبير. حق المحكمة الموضوع. لمحكمة الموضوع. أن تجزم بما لم يجزم به الخبير.
(2) كفاية كون الأدلة فى مجموعها. مؤدية إلى اكتمال اقتناع المحكمة منها. ومنتجة فيها انتهت إليه.
(3) استخلاص الصورة الصحية لواقعة الدعوى. مرجعه لمحكمة الموضوع. مادام سائغا.
(4) جريمة. "أركانها". قصد جنائي. إسقاط حبلى عمدا. إجهاض انتهاء الحمل قبل الأوان. عمدا. تتحقق به جريمة إسقاط إمرأة حامل. ولو ظل الحمل فى رحمها. لوفاتها(1).
(5) إثبات. "اعتراف". اعتراف.محكمة الموضوع."سلطتها فى تقدير الدليل".
الأخذ بأقوال متهم فى حق نفسه. وفى حق غيره من المتهمين. مرده اطمئنان محكمة الموضوع.
1 - الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلة لتقرير الخبير المقدم فى الدعوى والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات، كما أن لها أن تجزم بما لم يجز به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها.
2 - من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هى واقع الحال فى الدعوى المطروحة.
3 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق.
4 - من المقرر أن الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، ومتى تم ذلك فإن أركان هذه الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل فى رحم الحامل بسبب وفاتها وليس فى استعمال القانون لفظ "الإسقاط" ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم، فى مثل هذه الحالة ركن من أركان الجريمة، ذلك بأن يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع افترض بقاء الأم على قيد الحياة ولذلك استخدم لفظ الإسقاط، ولكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى انتهت حالة الحمل قبل الأوان، ولو ظل الحمل الرحم بسبب وفاة الحامل، لما كان ذلك، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل.
5 - لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها،
وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بإقرار المتهم بعد أن اطمأن إليه،
فإن ما يثيره الطاعن فى أسباب طعنه ينحل إلى جدل موضوعى حول سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الادلة القائمة فى الدعوى مما لا شأن لمحكمة النقض به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما فى يوم 8 من أغسطس سنة 1976 بدائرة مركز كفر الشيخ محافظة كفر الشيخ (المتهم الأول) (أولا) أحدث عمدا ومع سبق الإصرار..... الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية ولم يكن يقصد من ذلك قتلها ولكن تلك الإصابات أفضت إلى موتها.
(ثانيا) أسقط عمدا إمرأة حبلى هى المجنى عليها سالفة الذكر بإعطائها أدوية وباستعمال وسائل مؤدية إلى ذلك بأن حقنها ببعض العقاقير وأدخل فى رحمها جسما صلبا بقصد إجهاضها مما نشأ عنه إنهاء حالة الحمل. (المتهم الثاني) (أولا) اشترك بطريق التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى ارتكاب الجريمة موضوع التهمة الأولى بأن أخذ إلية المجنى عليها وحرضه واتفق معه على أن يتولى إجهاضها مستعملا ما يراه من وسائل مؤدية لهذا الغرض فقام المتهم الأول بذلك على النحو المبين بوصف والتى أودت بحياتها فوقعت الجريمة بناء على التحريض والاتفاق وتلك المساعدة - ثانيا - اشترك بطريقى التحريض والاتفاق والمساعدة مع المتهم الأول فى ارتكاب الجريمة موضوع التهمة الثانية بأن اقتاد المجنى عليها إلى منزله وحرصه واتفق معه على إسقاطها فقام المتهم الأول بذلك على النحو السابق بيانه فوقعت الجريمة بناء على ذلك التحريض والاتفاق وتلك المساعدة. وطلبت إلى مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 40 /1 - 2 - 3 - و41 و236/1 - 2 و261 من قانون العقوبات. وادعى..... (شقيق المجنى عليها) مدنيا بمبلغ 250 ج قبل المتهمين متضامنين على سبيل التعويض المؤقت. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضوريا عملا بمواد الإتهام والمواد 17 و32 و55 و56 من قانون العقوبات (الأول) بمعاقبة المتهم بالحبس مع الشغل لمدة سنة واحدة عن التهمتين المستندتين إليه (ثانيا) ومعاقبة المتهم الثانى بالحبس مع الشغل ستة شهور عن التهمتين وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من اليوم على أن يكون الإيقاف شاملا لكافة الآثار الجنائية والعقوبات التبعية (ثالثا) بإلزام المتهمين بأن يدفعا للمدعى بالحق المدنى متضامنين مبلغ خمسين جنيها والمصاريف المدنية المناسبة ومبلغ عشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض وقدم المحامى عن الطاعن الثانى تقريرا بالأسباب موقعا عليه منه ولم يقدم الطاعن الأول أسبابا لطعنه.


المحكمة

من حيث إن الطاعن الأول - ...... وإن كان قد قرر بالطعن فى الميعاد إلا أنه لم يقدم أسبابا لطعنه ومن ثم يكون غير مقبول شكلا. وحيث إن الطعن المقدم من الطاعن الآخر - ..... - قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بالاشتراك مع المحكوم عليه الأول فى جريمتى إحداث جرح أفضى إلى الموت وإسقاط امرأة حبلى قد شانه قصور فى التسبيب وفساد فى الإستدلال، ذلك بأنه اعتمد فى الإدانة على تقرير الطبيب الشرعى مع أنه لم يقطع بسبب وفاة المجنى عليها ولا يغير من ذلك استطراده إلى القول بأنه من الممكن أن تعزى الوفاة إلى إجهاض جنائى ما دام قد ساقه على سبيل الاحتمال لا الجزم، وإذ قطع الحكم فى ذلك فإنه يكون
تصدى لمسألة فنية بحت دون الاستعانة برأى أهل الخبرة، فضلا عن أن المقدمات التى أوردها التقرير عن خلو الأحشاء من مادة سامة أو مجهضة وسلامة المبيض والرحم من الآثار الإصابية ووجود الجسم الأصفر للحمل بالمبيض الأيمن لا تؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها من إجهاض المجنى عليها وإنما تدل على أنها - إن كانت حاملا - فإنها لم تجهض والشروع فى الإجهاض غير معاقب عليه. كما لا يسوغ تعويل الحكم على الأقوال المستندة للطاعن فى محضر الضبط أو للمتهم الأول فى تحقيق النيابة مع عدم مطابقتها للحقيقة والواقع.
وحيث إن الحكم المطعون فيه بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجريمتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة مردودة إلى أصلها الصحيح مستمدة من أقوال الشهود وإقرار المتهم الأول بالتحقيقات وما جاء بتقرير الصفة التشريحية، وهى أدلة تؤدى إلى ما رتب عليها. لما كان ذلك، وكان الأصل أن لمحكمة الموضوع كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلة لتقرير الخبير المقدم فى الدعوى والفصل فيما يوجه إليه من اعتراضات، كما أن لها أن تجزم بما لم يجز به الخبير فى تقريره متى كانت وقائع الدعوى قد أيدت ذلك عندها وأكدته لديها، وكان من المقرر أنه لا يلزم أن تكون الأدلة التى اعتمد عليها الحكم بحيث ينبئ كل دليل منها ويقطع فى كل جزئية من جزئيات الدعوى إذ الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه - كما هى واقع الحال فى الدعوى المطروحة - فإن النعى على الحكم فى خصوص اعتماده على التقرير الطبى الشرعى بقالة انه بنى على الاحتمال لا القطع بسبب وفاة المجنى عليها وتناقضت مقدماته مع النتيجة التى انتهى إليها يكون غير سديد. ولما كان من المقرر أن لمحكمة الموضوع أن تستخلص من جماع الأدلة والعناصر المطروحة أمامها على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تطرح ما يخالفها من صور أخرى لم تقتنع بصحتها ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، وإذ كان الحكم المطعون فيه قد استخلص بأسباب سائغة من جماع أدلة الثبوت التى أوردها أن المجنى عليها قد أجهضت فعلا، وكان من المقرر أن الإسقاط هو تعمد إنهاء حالة الحمل قبل الأوان، ومتى تم ذلك فإن أركان هذه الجريمة تتوافر ولو ظل الحمل فى رحم الحامل بسبب وفاتها وليس فى استعمال القانون لفظ "الإسقاط" ما يفيد أن خروج الحمل من الرحم، فى مثل هذه الحالة ـ ركن من أركان الجريمة، ذلك بأن يستفاد من نصوص قانون العقوبات المتعلقة بجريمة الإسقاط أن المشرع افترض بقاء الأم على قيد الحياة ولذلك استخدم لفظ الإسقاط، ولكن ذلك لا ينفى قيام الجريمة متى انتهت حالة الحمل قبل الأوان، ولو ظل الحمل الرحم بسبب وفاة الحامل، لما كان ذلك، فان ما يثيره الطاعن فى هذا الخصوص لا يكون له محل. ولما كان لمحكمة الموضوع أن تأخذ بأقوال متهم فى حق نفسه وفى حق غيره من المتهمين وإن عدل عنها بعد ذلك ما دامت قد اطمأنت إليها، وكان الحكم المطعون فيه قد أخذ بإقرار المتهم بعد أن اطمأن إليه، فإن ما يثيره الطاعن فى أسباب طعنه ينحل إلى جدل موضوعى حول سلطة محكمة الموضوع فى تقدير الأدلة القائمة فى الدعوى مما لا شأن لمحكمة النقض به. لما كان ما تقدم، فإن الطعن يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.


(1) نفس المبدأ منشور بالسنة 21 صـ 1250.