مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2347

(276)
جلسة 1 من يوليو سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود ذكى فرغلى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ على فكرى حسن صالح، وحسن كمال أبو زيد شلال، وأسامة محمود عبد العزيز محرم، وعبد المنعم أحمد عامر نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1937 لسنة 44 القضائية

( أ ) عاملون بالقطاع العام - تأديب - القرار التأديبى - رقابة القضاء.
القرار التأديبى يجب أن يقوم على سبب يبرره بحيث يقوم على حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الإدارة بتوقيع الجزاء - رقابة لصحة هذه الحالة بحدها الطبيعى فى التحقق مما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً، فإذا كانت منتزعة من غير اصول أو كان تكييف الوقائع غير صحيح كان القرار فاقداً ركن السب ووقع مخالفاً للقانون - تطبيق.
(ب) نقابات - حقوق وحريات - حرية المرشح فى التعبير عن رأيه كما يتفق والصالح العام.
- حرية الكلمة والتعبير عن الرأى هى من الحريات الأساسية التى كفلها الدستور لكافة المواطنين يمارسونها فى إطار من القانون الذى يختلف مداه ضيقا واتساعا باختلاف مواقعهم وأحوالهم ومن ذلك أن العامل النقابى - بخلاف زميله العامل العادى - يحتم عليه موقعه أن يعرض السلبيات والمشاكل ويقدم المقترحات اللازمة لحلها تحقيقا للهدف الذى تم اختياره من أجله ومن ثم يحق له وهو فى مرحله الترشيح أن يعلن عما يفيد العامة بتلك المشاكل والمقترحات من خلال المنشورات أو المناظرات التى تؤكد جديته فى ترشيح نفسه وتقنع زملاءه بانتخابه وفى سبيل ذلك فلا جناح عليه أن يطرح تساؤلات أو يبدى انتقادات للمظاهر السلبية التى يراها طالما لم يجاوز حد النقد البناء للسلبيات بقصد البحث عن وسائل علاجها تحقيقا للصالح العام - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 19/ 1/ 1998 أودع الأستاذ/ .......... المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1937 لسنة 44ق. ع فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها بجلسة 21/ 11/ 1997 فى الطعن رقم 126 لسنة 31ق والذى قضى بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 1178 لسنة 1996 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم عشرة أيام من أجره مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن وللأسباب المبينة به - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به وتأييد الجزاء المطعون فيه مع تحميل المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً برفض الطعن التأديبى وما يترتب على ذلك من آثار.
وجرى تداول الطعن أمام الدائرة الخامسة بالمحكمة الإدارية العليا على النحو الثابت بمحاضر جلساتها فحصا وموضوعا حتى قررت إحالته إلى هذه الدائرة للاختصاص طبقا لقرار المستشار رئيس مجلس الدولة الصادر فى هذا الشأن.
وبجلسة 1/ 4/ 2001 قررت هذه المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسة اليوم، وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر الإجراءات الشكلية.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تخلص حسبما يبين من الأوراق - فى أن المطعون ضده - كان قد أقام الطعن رقم 126 لسنة 31ق بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التأديبية لرئاسة الجمهورية وملحقاتها بتاريخ 1/ 3/ 1997 طالبا فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الجزاء المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شرحا لطعنه أنه فى 21/ 12/ 1996 أصدر رئيس مجلس إدارة شركة حلوان للصناعات الهندسية القرار رقم 1178 لسنة 1996 متضمنا مجازاته بخصم عشرة أيام من أجره لما نسب إليه من قيامه أثناء اجراء الانتخابات بالشركة بإصدار منشور انتخابى وتوزيعه على العاملين بمناسبة ترشيحه فيه إثارة لغضب العاملين بالشركة وتأليب شعورهم، وقد أخطر بهذا القرار فى 29/ 1/ 1997، ونعى الطاعن على القرار مخالفته لاحكام القانون لأن المخالفة المنسوبة إليه ما هى إلا صورة من صور النشاط النقابى المشروع، وإن مجازاة الطاعن على هذا النوع من النشاط فيه مصادرة لحقه الدستورى فى الترشيح والانتخاب، فضلا عن أن المنشور محل المخالفة لم يتضمن ما يثير غضب العاملين أو يؤلب مشاعرهم بالاضافة إلى عدم اختصاص الشركة المطعون ضدها بمسألة الطاعن أو توقيع جزاء عليه بحسبان أن المختص بذلك هو النقابة.
وخلص من ذلك كله إلى طلب الحكم له بما سلف بيانه من طلبات.
وبجلسة 29/ 11/ 1997 أصدرت المحكمة التأديبية الحكم المطعون فيه والذى قضى بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه رقم 1178 لسنة 1996 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم عشرة أيام من أجره مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وأقامت المحكمة قضاءها - بعد استعراض نص المادتين 82و 84 من القانون رقم 48 لسنة 1978 بنظام العاملين بالقطاع العام المتضمن تحديد الجزاءات والسلطة المختصة بتوقيعها - على أساس أن الطاعن يشغل وظيفة من الدرجة الأولى ومن ثم يكون قرار رئيس مجلس إدارة الشركة بمجازاته بخصم عشرة أيام من أجره مخالفا لأحكام القانون لصدوره من غير مختص لأن المختص فى هذه الحالة إنما هو مجلس الإدارة طبقا للأحكام الواردة بنص المادتين السابقتين مما يتعين معه القضاء بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ويقوم الطعن على أسباب حاصلها مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه لأن أحكام القانون رقم 48 لسنة 1978 بنظام العاملين بالقطاع العام التى استندت إليها المحكمة فيما قضت به لا تسرى على حالة المطعون ضده باعتباره من العاملين بشركة حلون للصناعات الهندسية التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربى الذين تنظم شئونهم الوظيفية بما فيها التأديب لائحة خاصة صدرت بالقرار الوزارى رقم 124 لسنة 1995 استنادا إلى القانون رقم 6 لسنة 1984 الخاص بإنشاء الهيئة القومية للانتاج الحربى ومن ثم تكون أحكام هذه الواجبة التطبيق على الطعن الماثل وبالتالى يتعين القضاء بإلغاء الحكم المطعون فيه لمخالفته أحكام القانون.
ومن حيث إنه لما كان الثابت بالأوراق أن المطعون ضده من العاملين شاغلى الدرجة الأولى بشركة حلوان للصناعات الهندسية وهى إحدى الشركات التابعة للهيئة القومية للإنتاج الحربى المنشأة بالقانون رقم 6 لسنة 1984 والذى تقضى المادة 8 منه باختصاص مجلس إدارة الهيئة بوضع اللوائح الداخلية للهيئة وشركاتها دون التقيد بالنظم واللوائح المعمول بها فى الحكومة والهيئات العامة والقطاع العام وتنفيذاً لذلك صدر قرار وزير الدولة للانتاج الحربى رقم 124 لسنة 1995 بسريان أحكام لوائح نظم العاملين المرفقة لهذا القرار على العاملين بالهيئة المذكورة والشركات التابعة لها اعتباراً من 1/ 7/ 1995.
ومن حيث إن المادة 127/ 3 من لائحة العاملين الصادر بالقرار المشار إليه تنص - تحت عنوان الجزاءات والسلطات - على أن: -
الجزاءات: 1 - ...............2 - .................3 - يجازى العاملون من غير شاغلى الوظائف العليا بالجزاءات الآتية:
(أ)................(ب).................(ج) الخصم من الأجر لمدة لا تجاوز شهرين فى السنة.
كما تنص المادة 128/ 3 من هذه اللائحة على أنه: لرئيس مجلس إدارة الشركة أن يجازى المخالفين من العاملين التابعين له من غير شاغلى الوظائف العليا بالجزاءات المحددة بالبنود من (أ)، (ب) من الفقرة 3 من المادة السابقة (127)........... وبالتالى تكون أحكام هذه اللائحة هى الواجبة التطبيق على المطعون ضده ومنها أنه لرئيس مجلس إدارة الشركة سلطة توقيع جزاء الخصم من الأجر لمدة لا تجاوز شهرين فى السنة على العاملين التابعين له من غير شاغلى الوظائف العليا أى شاغلى وظائف الدرجة الأولى فما دونها الأمر الذى يضحى معه قرار رئيس مجلس إدارة الشركة الطاعنة بمجازاة المطعون ضده - وهو من العاملين التابعين له ويشغل الدرجة الأولى - بخصم عشرة أيام من مرتبة صادرا ممن يملك إصداره وفى نطاق السلطة المخولة له قانونا بما لا مطعن عليه فى هذا الخصوص.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه - وقد ذهب إلى خلاف ذلك - وقضى بإلغاء هذا القرار على سند من القول بصدوره من غير مختص بإصداره مخالفا لأحكام القانون متعينا والحالة هذه إلغاؤه فى هذا الخصوص.
ومن حيث إن الطعن صالح للفصل فيه حيث أبدى كل من الطرفين ما لديه من أوجه دفاع ودفوع فإن المحكمة تتصدى للفصل فى الطعن الماثل حسبما جرى عليه قضاؤها فى هذا الشأن.
ومن حيث إنه لما كان المطعون ضده (الطاعن فى الطعن التأديبى) يطلب إلغاء القرار رقم 1178 لسنة 1996 فيما تضمنه من مجازاته بخصم عشرة أيام من أجره مع ما يترتب على ذلك من آثار، - وإذ كان الثابت أن هذا القرار قد صدر فى 21/ 12/ 1996 ولم يخطر به الطاعن إلا فى 29/ 1/ 1997 حسبما قرر بعريضة دعواه ولم تنكر عليه الجهة الإدارية - وأقام طعنه بتاريخ 1/ 3/ 1997 فإنه يكون مقبولا شكلا.
ومن حيث إنه عن الموضوع ولما كان قضاء هذه المحكمة قد جرى على أن القرار التأديبى يجب أن يقوم على سبب يبرره بحيث يقوم على حالة واقعية أو قانونية تسوغ تدخل جهة الإدارة بتوقيع الجزاء، وأن رقابة القضاء لصحة الحالة الواقعة أو القانونية تجد حدها الطبيعى فى التحقق مما إذا كانت النتيجة مستخلصه استخلاصا سائغاً من أصول تنتجها ماديا وقانونيا، فإذا كانت منتزعة من غير أصل أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها غير صحيح كان القرار فاقداً لركن هو ركن السبب ووقع مخالفا للقانون.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن القرار المطعون فيه بمجازاة الطاعن (المطعون ضده، قد استند إلى قيامه بإصدار منشور وتوزيعه على العاملين بالشركة متضمنا ثمانى أسئلة بها نقد للائحة العاملين وصندوق التكافل بالشركة وسياسة الدولة مما قد يؤدى إلى إثارة غضب العاملين وتأليب شعورهم.
ومن حيث إنه مما لا شك فيه أن حرية الكلمة والتعبير عن الرأى هى من الحريات الأساسية التى كفلها الدستور لكافة المواطنين يمارسونها فى إطار من القانون الذى يختلف مداه ضيقا واتساعا باختلاف مواقعهم وأحوالهم ومن ذلك أن العامل النقابى - بخلاف زميله العامل العادى - يحتم عليه موقعه أن يعرض السلبيات والمشاكل ويقدم المقترحات اللازمة لحلها تحقيقا للهدف الذى تم اختياره من أجله ومن ثم يحق له وهو فى مرحله الترشيح أن يعلن عما يفيد العامة بتلك المشاكل والمقترحات من خلال المنشورات أو المناظرات التى تؤكد جديته فى ترشيح نفسه وتقنع زملاءه بانتخابه، وفى سبيل ذلك فلا جناح عليه أن يطرح تساؤلات أو يبدى انتقادات للمظاهر السلبية التى يراها طالما لم يجاوز حد النقد البناء للسلبيات بقصد البحث عن وسائل علاجها تحقيقاً للصالح العام.
ومن حيث إنه بالاطلاع على المنشور الذى أعده المطعون ضده تحت عنوان "الانتخابات" وما يريده العمال وذلك بمناسبة ترشيحه لعضوية اللجنة النقابية بالشركة يبين أنه طرح تساؤلات عامة تدور حول ما يراه من سلبيات فى بعض أحكام لائحة العاملين وصندوق التكافل بالشركة وارتفاع الأسعار ونقص الأجور مطالباً العاملين - خاصة التشكيل النقابى - أن يكون لهم رأى فى وضع تشريعاتهم ومراقيتها دون أن يوجه انتقادا لأشخاص معينين من المسئولين سواء فى الشركة أو خارجها ومن ثم لا يتأتى القول بأن من شأن إصدار هذا المنشور إثارة غضب العاملين وتأليب مشاعرهم لأنهم يعلمون حقيقة ما يستهدفه مصدرة وكان الأحرى بالجهه الإدارية ـ إن بدا لها خلاف ذلك أن ترفع هذا المنشور لا أن توقع الجزاء المطعون فيه لمجرد احتمال أن يؤدى إصداره إلى إثارة غضب العاملين أو تأليب مشاعرهم كما أفصحت عن ذلك فى معرض بيان سبب إصدار قرار الجزاء المطعون فيه دون أن تؤيد هذا الاحتمال بواقعة مادية تفيد حدوث إثارة أو محاولة من قبل العاملين بالشركة.
ومن حيث إنه قد بأن مما تقدم أن المدعى قد استعمل حقه المشروع بحسبانه أحد المشرحين لعضوية اللجنة النقابية للشركة والتى تستوجب أن يكون لكل مرشح موقف محدد من الأحداث والظروف المحيطة وبرنامج ناجح يتم على أساسه اختبار قدرته على تمثيل العمال فى اللجنة النقابية، ومن ثم فلا مسوغ للشركة أن تمنعه من التعبير عن نفسه بأبسط وسائل التعبير بمقولة احتمال أن يؤدى إعلان المنشور إلى تأليب العاملين على الإدارة، وهو احتمال لا يمكن أن يثور إلا فى مفهوم بعض المسئولين الذين لا يدركون للديمقراطية من معنى سوى تحقيق السيطرة الكاملة على العاملين ومجازاة من تسول له نفسه فى التعبير عن تفكيره أو الإفصاح عن وجهة نظره فيما يحيط به من أوضاع وظيفية الأمر الذى يجعل القرار المطعون فيه قائما على غير أساس سليم من القانون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث إن الحكم المطعون وقد انتهى إلى ذاته النتيجة وإن كان استنادا إلى أسباب أخرى فإنه يكون قد أصاب الحق فيما انتهى إليه ويكون الطعن بإلغائه قائما على غير أساس سليم من القانون خليقا بالرفض.
ومن حيث إن الشركة الطاعنة قد خسرت الطعن فتلتزم بمصروفاته عملا بنص المادة (184) مرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، ورفضه موضوعا.