أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 685

جلسة 3 من أكتوبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار حسن على المغربي، نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد فؤاد جنينة، ويعيش رشدى، وأحمد طاهر خليل، ومحمد وجدى عبد الصمد.

(154)
الطعن رقم 448 لسنة 46 القضائية

(1) تبديد. خيانة أمانة. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام".
تقدير حصول التبديد. فى جريمة خيانة الأمانة. موضوعي.
(2) إثبات. "بوجه عام". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل".
كون الدليل صريحا دالا بذاته على الواقعة المراد إثباتها. غير لازم. كفاية استخلاص ثبوتها استنتاجا من الظروف والقرائن. مثال.
(3) إثبات. "بوجه عام".
الأدلة فى المواد الجنائية متساندة.
(4) دفاع. "الإخلال بحق الدفاع. ما لا يوفره". محكمة الموضوع. نظرها الدعوى والحكم فيها. "تحقيق. التحقيق بمعرفة المحكمة".
عدم التزام المحكمة بإجابة طلب تحقيق أبدى لأول مرة بمذكرة قدمت بعد قفل باب المرافعة ولو كانت قد صرحت بتقديمها.
(5) دفوع. "الدفع بشيوع التهمة". حكم. " تسبيبه. تسبيب غير معيب.
الدفع بشيوع التهمة.لا يستأهل ردا خاصا.
1 - من المقرر أن لمحكمة الموضوع مطلق الحرية فى تكوين عقيدتها فى حصول التبديد وأن تستدل على ذلك بأى عنصر من عناصر الدعوى وأن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤديا عقلا إلى النتيجة التى انتهت إليها.
2 - لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحا دالا بنفسه على الواقعة المراد إثباتها، بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من الوقائع التى ثبت لديه والقرائن التى استخلصها بطريق الاستنتاج والاستقراء وترتيب النتائج على المقدمات، أن الطاعن وقد اؤتمن على الأشياء موضوع الاتهام وكانت له الهيمنة التامة عليها من حيث إدخالها إلى المخازن وإخراجها منها والاحتفاظ بمفاتيح تلك المخازن وأن العبث بتلك الأشياء لم يكن نتيجة إهمال منه أو بعيدا عن بصره وعلمه، وأنه قد استقر فى يقينها حصول التبديد من جانب الطاعن بأن تصرف فى المنقولات التى أثبت الجرد عدم وجودها طرف المالك وذلك أخذا بأقوال الشهود الذين اطمأنت المحكمة إلى أقوالهم وبما جاء بمحضر الجرد وما أورته المعاينة التى أجرتها المحكمة. لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن من جدل موضوعى فى شأن تقدير المحكمة لأدلة الدعوى لا يكون له محل إذ لا شأن لمحكمة النقض به.
3 - إن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها وحدة مؤدية إلى ما قصد الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمه واطمئنانها إلى ما انتهت إليه.
4 - متى أمرت المحكمة بإقفال باب المرافعة فى الدعوى وحجزتها للحكم فهى بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذى يبديه المتهم فى مذكرته التى يقدمها فى فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدمها بتصريح منها أو يغير تصريح ما دام هو لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى.
5 - إن الدفع بشيوع التهمة من الدفوع التى لا تستأهل من المحكمة ردا خاصا إذ فى قضائها باذانة الطاعن استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردتها فى حكمها ما يفيد إطراحها له.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 15 يناير سنة 1972 بدائرة قسم الموسكى بدد الأشياء المبينة الوصف والقيمة بالمحضر والمملوكة.... وآخرين أضرارا بهم وكانت الأشياء سالفة الذكر قد سلمت له بصفته وكيلا عن.... لحراستها فاختلسها لنفسه. وطلبت معاقبته بالمادة 341 من قانون العقوبات. وادعت شركة...... مدنيا قبل المتهم بمبلغ 247 و500 على سبيل التعويض. ومحكمة جنح الموسكى الجزائية قضت حضوريا عملا بمادة الاتهام بحبس المتهم سنة مع الشغل وكفالة ثلاثين جنيها لوقف التنفيذ وإلزامه أن يدفع للمدعية بالحقوق المدنية مبلغ مائة وخمسين جنيها على سبيل التعويض. واستأنف ومحكمة القاهرة الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئناف شكلا وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف وأمرت بوقف تنفيذ العقوبة لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

من حيث إن ما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجريمة التبديد قد شابه خطأ فى تطبيق القانون وفساد فى الاستدلال وانطوى على قصور فى التسبيب وإخلال بحق الدفاع، ذلك أن الحكم دان الطاعن باختلاس العجز الذى ظهر فى عهدته لكونه المشرف على عملية إيداع البضاعة وسحبها من المخازن ولأنه لم يقدم الدليل على وقوع إهمال أدى إلى وجود هذا العجز مع أن مجرد العجز وقيام الطاعن بالإشراف لا يوفر فى حقه قيام جريمة الاختلاس بأركانها القانونية وأنه لا يجوز إدانة الطاعن لعدم إثباته الإهمال الذى أدى إلى هذا العجز، كما عول الحكم على المعاينة التى أجرتها محكمة أول درجة لموقع عمل الطاعن مع أن دفاع الطاعن بمذكرته التى قدمها لمحكمة ثانى درجة قام على أنه طاعن فى السن وضعيف البصر وطلب عرضه على الطبيب الشرعى أو إجراء تجربة شخصية له فى هذا الشأن غير أن المحكمة لم تستجب لطلبات الطاعن أو ترد عليها، كما أثار الطاعن فى دفاعه أن لجنة الجرد لم تكن فى حيدة وأجرت عملها فى غيبته وأخيرا دفع الطاعن بشيوع التهمة لتردد العمال على المخازن وقيام الخفراء بالحراسة ليلا وطلب الطاعن اجراء معاينة وقت العمل وأن آخرين لديهم مفاتيح المخازن غير التى يحتفظ بها ولم تعن المحكمة بالرد على هذا الدفاع أو تورده فى حكمها كل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية لجريمة التبديد التى دان الطاعن بها وأورد على ثبوتها فى حقه أدلة سائغة تؤدى إلى ما انتهى إليه عرض إلى دفاع الطاعن بعدم توافر أركان الجريمة ورد عليه بقوله "وحيث إنه لما كان الثابت من أقوال الشهود - المبلغ وأعضاء لجنة الجرد - والمستندات المقدمة من الشركة المدعية بالحق المدنى أن المتهم بصفته أمينا للمخازن لدى الشركة قد تسلم تلك البضائع على سبيل الوكالة وأنه بجردها تبين وجود عجز بعهدته بلغت 247 ج و500 م وأن المتهم هو الذى يحتفظ بالمفاتيح معه ويتم العمل تحت إشرافه ويمكنه مراقبة ذلك ومشاهدة من يدخل أو يخرج من مكان جلوسه وذلك حسبما ثبت من معاينة المحكمة لتلك المخازن فإنه وقد ثبت ذلك وأن المتهم كان يقوم بعمله على النحو آنف الذكر دون أن يظهر للمحكمة ما يقنعها بأن إهمالا منه كان يقع أثناء تأديته أعماله وآية ذلك قيامه بذلك منذ عام 1966 حتى عام 1970 بإنتباه وإشراف كامل على عهدته توضحه محاضر الجرد السابقة من أن العهدة وجدت مطابقة مما يدل على أن الإهمال ليس طابعه وبالتالى لا يقبل منه القول بعد ذلك عند اكتشاف العجز من أن ذلك راجع إلى إهمال منه ما دام لم يستقر فى وجدان المحكمة شيء من ذلك، ثم إنه والحال كذلك فإنه من جماع ما سلف يكون الثابت أن المتهم قد تصرف فى تلك البضائع المسلمة إليه على سبيل الأمانة وانصرفت نيته إلى حيازته عليها من حيازة ناقصة إلى حيازة كاملة فإنه مما تقدم أركان جريمة خيانة الأمانة على نحو ما هى معرفة به فى القانون ويتعين معاقبة المتهم عملا بالمادة 304
/ 2 أ. ج". لما كان ذلك، وكان من المقرر أن لمحكمة الموضوع مطلق الحرية فى تكوين عقيدتها فى حصول التبديد وأن تستدل على ذلك بأى عنصر من عناصر الدعوى وأن تستنبط من الوقائع والقرائن ما تراه مؤديا عقلا إلى النتيجة التى انتهت إليها كما أنه لا يشترط فى الدليل أن يكون صريحا دالا بنفسه على الواقعة المزاد إثباتها، بل يكفى أن يكون استخلاص ثبوتها عن طريق الاستنتاج مما تكشف للمحكمة من الظروف والقرائن وترتيب النتائج على المقدمات، ولما كان الحكم المطعون فيه قد اقتنع من الوقائع التى ثبت لديه والقرائن التى استخلصها بطريق الاستنتاج والاستقراء وترتيب النتائج على المقدمات، أن الطاعن وقد اؤتمن على الأشياء موضوع الاتهام وكانت له الهيمنة التامة عليها من حيث إدخالها إلى المخازن وإخراجها منها والاحتفاظ بمفاتيح تلك المخازن وأن العيث بتلك الأشياء لم يكن نتيجة إهمال منه أو بعيدا عن بصره وعلمه، وأنه قد استقر فى يقينها حصول التبديد من جانب الطاعن بأن تصرف فى المنقولات التى أثبت الجرد عدم وجودها تصرف المالك وذلك أخذا بأقوال الشهود الذين اطمأنت المحكمة إلى أقوالهم وبما جاء بمحضر الجرد وما أورته المعاينة التى أجرتها المحكمة، لما كان ذلك، فإن ما يثيره الطاعن من جدل موضوعى فى شأن تقدير المحكمة لأدلة الدعوى لا يكون له محل إذ لا شأن لمحكمة النقض به، أما ما يثيره الطاعن بشأن تعويل بل الحكم على المعاينة التى أجرتها محكمة أول درجة فمردود بما هو مقرر من إن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يكمل بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى فلا ينظر إلى دليل بعينه لمناقشته على حدة دون باقى الأدلة بل يكفى أن تكون الأدلة فى مجموعها كوحدة مؤدية إلى ما قصد الحكم منها ومنتجة فى اكتمال اقتناع المحكمة واطمئنانها إلى ما انتهت إليه، لما كان ذلك، وكان من المقرر أن المحكمة متى أمرت المحكمة بإقفال باب المرافعة فى الدعوى وحجزها للحكم فهى بعد لا تكون ملزمة بإجابة طلب التحقيق الذى يبديه المتهم فى مذكرته التى يقدمها فى فترة حجز القضية للحكم أو الرد عليه سواء قدمها بتصريح منها أو يغير تصريح ما دام هو لم يطلب ذلك بجلسة المحاكمة وقبل إقفال باب المرافعة فى الدعوى وكان البين من مطالعة محضر جلسة المحاكمة أمام المحكمة الاستئنافية أن الطاعن لم يطلب عرضه على الطبيب الشرعى لتحديد قوة إبصاره أو إجراء تجربة بمعرفة المحكمة شخصيا فى هذا الصدد أو معاينة المخازن وقت العمل فإنه على فرض أنه أبدى هذه الطلبات فى المذكرة التى صرحت له المحكمة بتقديمها فلا تثريب عليها إذا هى لم يستجب لهذه الطلبات أو ترد عليها ويكون منعى الطاعن فى هذا الخصوص فى غير محله هذا فضلا عن أن طلب إجراء المعاينة أو تجربة الرؤية لا يتجه مباشرة إلى نفى الفعل المكون للجريمة ولا إثبات استحالة الواقعة كما استقرت فى يقين المحكمة بل كان مقصودا به إثارة الشبهة فى الدليل الذى اطمأنت إليه، ومن ثم فإن المحكمة لا تلتزم بإجابته، لما كان ذلك، وكان ما يثيره الطاعن بصدد دفعه بشيوع التهمة فمردود بما هو مقرر من إن هذا الدفع هو من الدفوع التى لا تستأهل من المحكمة ردا خاصا إذ فى قضائها بإدانة الطاعن استنادا إلى أدلة الثبوت التى أوردتها فى حكمها ما يفيد إطراحها له. لما كان ما يقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس ويتعين رفضه.