مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2525

(298)
جلسة 29 من يوليه سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ عادل محمود ذكى فرغلى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ على فكرى حسن صالح، وحسن كمال أبو زيد شلال، وأسامة محمود عبد العزيز محرم، وعبد المنعم أحمد عامر نواب رئيس مجلس الدولة.

طعون أرقام 3904، 5374 لسنة 41 القضائية و5353 لسنة 43 القضائية

- عاملون مدنيون. تأديب - واجب الإبلاغ عن المخالفات - حدوده.
- الإبلاغ عن المخالفات التى تصل إلى علم أى من العاملين بالدولة أمر مكفول بل هو واجب عليه توخيا للمصلحة العامة فإذا كانت تمس الرؤساء يتعين عند قيامه بهذا الإبلاغ الا تخرج عن مقتضيات الوظيفة من توقير الرؤساء واحترامهم وأن يكون القصد من الإبلاغ الكشف عن المخالفات المبلغ عنها توصلاً إلى ضبطها لا مدفوعا بشهوة الإضرار بالزملاء أو الرؤساء والكيد لهم والطعن فى نزاهتهم على غير أساس من الواقع وعلى الموظف أن يلتزم فى شكواه الحدود القانونية التى تقتضيها ضرورة الدفاع الشرعى دون أن يجاوز ذلك إلى ما فيه تحد إلى رؤسائه أو تطاول عليهم أو مساس أو تشهير بهم - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الثلاثاء الموافق 14/ 5/ 1996 أودع الأستاذ ....... المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن فى الطعن الأول قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 3904/ 42ق.ع فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المالية وملحقاتها بجلسة 25/ 3/ 96 فى الطعن رقم 329/ 24ق المقام من/ .......... ضد رئيس مجلس إدارة بنك مصر والذى قضى بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه والاكتفاء بمجازاة الطاعن بخصم يوم واحد من أجره.
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة به الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه تضمنه من إلغاء قرار الجزاء الصادر من البنك فى التحقيق رقم 11 لسنة 90 والحكم بمجازاة المطعون ضده بخصم خمسة أيام من مرتبه وفقا للمخالفة 31 من لائحة جزاءات العاملين بالبنك بعد تعديلها الحاصل فى 15/ 9/ 87.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وفى يوم السبت الموافق 20/ 7/ 96 أودع الأستاذ/ .......... المحامى نائباً عن الأستاذ/ ...... المحامى بصفته وكيلا عن السيد ............ قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 5374/ 42ق فى الحكم المشار إليه الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المالية وملحقاتها.
وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه مع إلغاء سائر الآثار المترتبة عليه بكافة أنواعها مع حفظ حقه فى التعويض وإلزام البنك المطعون ضده بالمصروفات وأتعاب المحاماة عن درجتى التقاضى.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على الوجه المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعنين ارتأت فيه الحكم بقبولهما شكلا ورفضهما موضوعا.
وفى يوم الأحد الموافق 20/ 7/ 97 أودع الأستاذ/ .......... المحامى بصفته وكيلا عن/ ......... قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 5353/ 43ق. ع فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة المالية وملحقاتها بجلسة 13/ 5/ 96 فى الطعن رقم 300/ 26ق المقام من/ ........... ضد رئيس مجلس إدارة بنك مصر والنيابة الإدارية والذى قضى بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً.
وطلب الطاعن للأسباب المبينة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء قرار الجزاء الصادر من البنك المطعون ضده مع ما يترتب على ذلك من آثار مع إلزام البنك المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة مع كافة حقوق الطاعن فى التعويض.
وتم إعلان تقرير الطعن إلى الطعن ضده على الوجه المبين بالاوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى إرتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وجرى تداول الطعون الثلاثة أمام الدائرة الخامسة بالمحكمة الإدارية العليا على النحو المبين بمحاضر الجلسات حيث قررت بجلسة 26/ 9/ 2000 ضم الطعنين رقمى 5353/ 43ق.ع 5374/ 32ق.ع إلى الطعن رقم 3904/ 42 ق.ع وبجلسة 3/ 12/ 2000 قررت احالة الطعون الثلاثة إلى هذه الدائرة للاختصاص تنفيذا لقرار المستشار رئيس مجلس الدولة الصادر فى هذا الشأن.
وبجلسة 3/ 6/ 2001 قررت هذه المحكمة إصدار الحكم فى الطعون الثلاثة بجلسة اليوم وفيها صدر هذا الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعون الثلاثة قد استوفت سائر الأوضاع الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة بالنسبة للطعنين الأول والثانى تتحصل فى أن ........... كان قد أقام الطعن رقم 329/ 26ق بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة المالية وملحقاتها فى 19/ 9/ 90 طلب فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الجزاء الصادر بخصم خمسه أيام من راتبه بناء على التحقيق الإدارى رقم 11/ 90 مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وذكر شرحاً لطعنه أنه قد أجرى معه تحقيق إدارى لما نسب إليه من الخروج عن حدود اللياقة مع الرؤساء وبتاريخ 15/ 7/ 90 أخطر بمجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه لإرتكابه مخالفة الإدعاء الكاذب على الرؤساء والزملاء وقد تظلم من هذا القرار ناعيا عليه البطلان لمخالفته الواقع حيث أنه لم يدع كذباً على رؤسائه وزملائه وإنما أحاط إدارته بما يقع فى العمل من مخالفات فضلاً عن إنه قد تمت مواجهته لدى التحقيق معه بتهمة الخروج عن حدود اللياقه وليس الإدعاء الكاذب وبالتالى يكون قرار الجزاء قد وقع دون أن يسبقه تحقيق صحيح مما يترتب عليه بطلانه لأن لكل من المخالفتين النص الخاص بها فى لائحة جزاءات البنك.
وبجلسة 25/ 3/ 96 أصدرت المحكمة التأديبية الحكم المطعون فى والذى قضى بقبول الطاعن شكلاً وفى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه والإكتفاء بمجازاته بخصم يوم وحد من أجره.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن ما ثبت فى حق الطاعن من تقديم مذكرتين إلى نائب رئيس مجلس إدارة البنك بشأن طلب ترقيته لوظيفة مراقب مراجعة حسابات تضمنتها عبارات تعد خروجا منه على حدود اللياقة مع الرؤساء وترتب عليه إحالته إلى التحقيق واقتراح مجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه إعمالا لحكم المادة 41 من لائحة الجزاءات إلا أنه بالعرض على المدير العام إقتراح على رئيس مجلس الإدارة الموافقة على خصم خمسة أيام من المرتب تطبيق للمادة 51 من ذات اللائحة الخاصة بالادعاء كذبا على الرؤساء لأن الجزاء المقرر طبقا للمادة 41 هو خصم أجر يوم واحد فقط وبناء على ذلك صدر القرار المطعون فيه مما يعد معه مخالفة للسبب الحقيقى الثابت فى حق الطاعن بموجب التحقيق الإدارى وهو الخروج عن حدود اللياقه مع الرؤساء والمقرر لها عقوبة الخصم يوما واحداً من الأجر فى المدة الأولى طبقا للمادة 41 المشار إليها وبالتالى يتعين إلغاء هذا القرار والاكتفاء بمجازاة الطاعن بخصم يوم واحد من أجره.
ويقوم الطعن الأول على الحكم والمرفوع من رئيس مجلس إدارة بنك مصر على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه لأنه بعد أن ثبت لدى المحكمة خروج الطاعن عن حدود اللياقة المعاقب عليها بالمادة 41 من لائحة جزاءات البنك بخصم خمسة أيام من المرتب ألغت القرار المطعون فيه على أساس أن الجزاء المقرر بالمادة المذكورة هو خصم يوم واحد فقط دون الإلتفات إلى سبق تعديلها إعتباراً من 15/ 9/ 87 قبل وقوع المخالفة محل هذا القرار لتكون خصم خمسة أيام فقط ومن ثم يكون الجزاء قائماً على سند من الواقع والقانون خلافا لما ذهب إليه الحكم المطعون فيه.
أما بالنسبة للطعن الثانى على ذات الحكم المرفوع من/ .......... فيقوم على أسباب حاصلها الخطأ فى تطبيق القانون لأنه يؤثم التظلم رغم أنه صورة من صور الشكوى المقررة كحق دستورى لكل مواطن كما أنه أقر جزاء الخصم من مرتب الطاعن لما نسب إليه من الإدعاء الكاذب على الرؤساء رغم أنه لم يتم التحقيق معه فى هذا الإتهام فضلا عن عدم توافر مفهوم الخروج عن حدود اللياقة مع الرؤساء فيما أورده الطاعن بمذكراته من بيان المخالفات التى تقع بالبنك فى مجال صرف الحوافز والمكافآت والترقيات وهذه المخالفات مدعمة بالمستندات التى لم ينكرها البنك والمطعون ضده الأمر الذى ينتفى معه الخطأ فى جانب الطاعن.
وأما بالنسبة للطعن الثالث رقم 5353/ 43ق.ع المقام من.......... فتخلص عناصره فى أنه سبق أن أقام الطعن التأديبيى رقم 300/ 76ق بإيداع عريضته قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم طالباً فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الجزاء المطعون فيه مع إلزام البنك المطعون ضده المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة.
وقال شرحا لطعنه أنه بتاريخ 29/ 2/ 92 أخطره البنك بكتاب تضمن أنه بالإشارة إلى التحقيق م3/ 2 قررت الإدارة العليا بالبنك بتاريخ 23/ 3/ 92 مجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه لارتكابه مخالفة الخروج عن حدود اللياقة مع الرؤساء فتظلم من هذا الجزاء بتاريخ 15/ 4/ 92 ولما لم يتلق رداً على تظلمه أقام طعنه ناعيا على القرار المطعون فيه أنه لم يسبقه أى تحقيق وأنه كان قد طلب إلى سلطة التحقيق إحالته إلى النيابة الإدارية لما تتمتع به من حيدة واستقلال نظرا لوجود منازعات قضائية وإدارية عديدة بينه وبين البنك كما أن إدارة البنك لم تخطره بالحضور للتحقيق إخطارا قانونياً فضلا عن عدم قيام هذا القرار على سبب يبرره قانوناً.
وبجلسة 13/ 5/ 96 أصدرت المحكمة التأديبية الحكم لمطعون فيه والذى قضى بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس أن الثابت من مطالعة الشكاوى المقدمة من الطاعن إلى كل من محافظ البنك المركزى المصرى ورئيس مجلس إدارة بنك مصر والمرسل صورتها إلى العديد من الجهات المعنية بالدولة أن الطاعن ضمن هذه الشكاوى عبارات غير لائقة تمثل تشهيرا وتعريضا بمدير عام شئون العاملين بالبنك حيث أسند إليه أنه أدخل الغش والتدليس على الجهات المعنية وأنه إصطنع قرار نقله إلى فرع قصر النيل منزليا بعرضه على زوجته وهى من العاملين بالبنك وأن هذا القرار بالتواطؤ بين مدير عام شئون العاملين ومدير المراجعة ومراقب مراجعة حسابات معاملات الفروع الأمر الذى تعد معه هذه الشكاوى تطاولا على الرؤساء وإساءة إليهم حتى وإن أوردها الطاعن فى معرض تضرره من قرار نقله إلى فرع قصر النيل.
ومن حيث إن مبنى الطعن على هذا الحكم هو مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه والقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال لأنه لم يتم التحقيق معه قبل توقيع الجزاء كما تم نقله من وظيفته نقلا تعسفيا وقد اعتبر الحكم المطعون فيه مخاطبة الطاعن للجهات المعنية تضررا من نقله تشهيرا برؤسائه مما يعد قيدا على حق الشكوى الذى كفله الدستور فضلا عن إمتناع البنك عن إحالته إلى النيابة الإدارية للتحقيق معه بشأن ما نسب إلهى والذى لا يعد من قبيل التطاولبمعنى السب ولاشتم كما أن الشخص الذى إتهم الطاعن بالتطاول عليه ليس مديراً عاماً لشئون العاملين بالبنك وإنما هو متعاقد مع البنك بعد خروجه من الخدمة كمدير لشؤون العاملين بالإضافة إلى إلتفات الحكم المطعون فيه عن أوجه دفاع الطاعن المتعددة الواردة بالمستندات المقدمة منه أمام محكمة أول درجة وخلص الطاعن من ذلك كله إلى طلب الحكم له بما سلف بيانه من طلبات.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن الإبلاغ عن المخالفات التى تصل إلى علم أى من العاملين بالدولة أمر مكفول بل هو واجب توخيا للمصلحة العامة فإذا كانت تمس الرؤساء يتعين عند قيامه بهذا الإبلاغ الا يخرج عن مقتضيات الوظيفة من توقيع الرؤساء واحترامهم وأن يكون القصد من الإبلاغ الكشف عن المخالفات المبلغ عنها توصلا إلى ضبطها لا مدفوعا بشهوة الإضرار بالزملاء أو الرؤساء والكيد لهم والطعن فى نزاهتهم على غير أساس من الواقع وعلى الموظف العام أن يلزم فى شكواه الحدود القانونية التى تقتضيها ضرورة الدفاع الشرعى دون أن يجاوز ذلك إلى ما فيه تحد لرؤسائه أو تطاول عليهم أو مساس أو تشهير بهم يضاف إلى ذلك أن حق الشكوى يكلفه القانون ويحميه الدستور ولممارسة هذا الحق شروط وأوضاع فى مقدمتها أن تكون للسلطة المختصة التى تملك رفع الظلم ورد الحق إلى أصحابه فإذا وجهت الشكوى إلى غير الجهات الرئاسية المختصة أو إندفعت فى عبارات خارجة تكيل الاتهامات بغير دليل فإنها تكون قد ضلت سبيلها وأخطأت هدفها وفقدت سندها المشروع وانقلبت إلى فعل شائن وتصرف معيب.
ومن حيث إن الثابت من أوراق التحقيق الإدارى رقم 11/ 90 الذى أجراه البنك والصادر بناء عليه الجزاء محل الطعن التأديبى رقم 329/ 26 ق أن الطاعن أقر بما نسب إليه من تضمين مذكراته المرفوعة إلى شئون العاملين بشأن طلب ترقيته إلى الوظيفة الأعلى تلك العبارات "الترقية تتم لذوى الوساطات والمحسوبيات وأصحاب القرارات لبعض كبار العاملين كما ذكر أن أحد رؤسائه مريض برض عقلى والآخر غير أمين والثالث مقل فى العلم والخبرة وأن هناك تواطؤ بين رؤسائه لمحاولة الإضرار به وقد علل الطاعن تلك العبارات بأنها ليست سوى وقائع ثابتة.
ومن حيث إن هذه العبارات تنطوى على الإساءة إلى الرؤساء والتطاول عليهم بما يخرج بها عن حد الشكوى الجائز قانونا ويندرج تحت المسئولية التأديبية بإعتباره خروجا من الطاعن عن حد اللياقة مع الرؤساء وهى المخالفة رقم 41 من لائحة جزاءات العاملين بالبنك المقررة لمن يرتكبها لأول مرة خصم خمسة أيام من المرتب بعد تعديلها بموافقة مجلس إدارة البنك بجلسته المنعقدة فى 15/ 9/ 87 ومن ثم يكون القرار الصادر بمجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من مرتبة قائما على سببه المبرر به قانونا ويضحى الطعن على هذا القرار بغير سند خليقا بالرفض.
ولا يغير من ذلك القول بأن التحقيق تم مع المطعون ضده فيما نسب إليه من مخالفة الخروج عن حدود اللياقة مع الرؤساء المعاقب عليها بالمادة 41 المشار إليها فى حين أن رئيس مجلس إدارة البنك قرر مجازاة الطاعن بخصم أجر خمسة أيام تطبيقا للمادة 51 من لائحة الجزاءات والخاصة بالإدعاء كذباً على الرؤساء والزملاء وهى المخالفة التى لم يسبقها تحقيق مع المطعون ضده فهذا القول مردود بأن العبرة فى تسبيب القرارات الإدارية والتأديبية هى وجود السبب فى الواقع وهو ما يتوافر بشأن قرار الجزاء المطعون فيه حيث ثبت خروج الطاعن عن حد اللياقة مع الرؤساء المبرر لمجازاته بخصم خمسة أيام من مرتبه طبقاً للمادة 41 من لائحة الجزاءات بعد تعديلها بقرار مجلس إدارة البنك فى 15/ 9/ 87 على النحو السالف بيانه وفضلا عن ذلك فإن التطاول والاساءة إلى الرؤساء لا يعدو أن يكون من قبيل الإدعاء كذبا عليهم لأنه ينسب غليهم أموراً شائنه وفى الوقت ذاته لا يقوم عليها دليل.
كما لا ينال مما تقدم قول الطاعن فى الطعن الثانى بأنه أورد فى مذكراته حقائق ولا تعتبر من قبيل الإساءة أو التطاول على الرؤساء فهذا القول مردود بأن المقرر فى قضاء هذه المحكمة أنه ولئن كان للموظف أن يتظلم إلى رؤسائه معبراً عما يعانيه أو يتصوره ظلما لحق به إلا أنه يشترط أن يحدد الوقائع وأن ينقد الأوضاع بصفة موضوعية بناءة مقترحا بحسب وجهة نظره وخبرته ما يراه من أساليب للإصلاح ورفع مستوى الخدمات والإنتاج شريطة ألا يلجأ إلى أسلوب ينطوى على إمتهان أو تجريح للرؤساء ولاشك أن عبارة المطعون ضده الواردة بمذكرته سالفة الذكر والتى أكدها لدى التحقيق معه عن المراقب الذى يرأسه بأنه مريض بمرض عقلى مزمن وأن تعليمه ضحل وخبرته محدودة وأن مدير الإدارة غير أمين من وجة نظر البنك تلك العبارات لا تعتبر بحال من قبيل النقد الموضوعى الذى يستهدف الإصلاح وإنما تدل على إمتهان وتجريح للرؤساء وهو من الأفعال الموضحة قانوناً.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه بالطعنين الأول والثانى غير هذا المذهب وقضى بإلغاء القرار المطعون فيه والاكتفاء بمجازاة الطاعن بخصم يوم واحد من أجره فإنه يكون مخالفا لأحكام القانون خليقا بالإلغاء والقضاء برفض الطعن التأديبى رقم 329/ 26ق الصادر بشأن ذلك الحكم.
ومن حيث إنه بالنسبة للطعن الثالث المقام من .......... ضد بنك مصر فلما كان الثابت بالأوراق أن الطاعن أرسل شكوى إلى رئيس مجلس إدارة بنك مصر كما أرسل صوراً منها إلى محافظ البنك المركزى وكذلك العديد من الجهات المعنية بالدولة مثل رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزير الإقتصاد ورئيس مجلس الشعب وغيرها من الجهات التى لا تعتبر من السلطة المختصة أصلا بنظر هذه الشكوى فضلا عن تضمنها لعبارات تنطوى على الإساءة إلى رؤسائه والمساس بسمعتهم كقوله فى معرض تضرره من قرار نقله أن مدير عام شئون العاملين إصطنع هذا القرار منزليا بعرضه على زوجته وهى من العاملين بالبنك وأنه أدخل الغش والتدليس على الجهات المختلفة رداً على شكاوى الطاعن إليها وأن هذا القرار صدر بالتواطؤ بين مدير عام شئون العاملين ومدير عام المراجعة ومراقب مراجعة حسابات معاملات الفروع وهذه العبارات تجاوز حق الشكوى المباح وتدرج فى عداد الأفعال الموضحة قانوناً على نحو ما قام به البنك المطعون ضده من مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من مرتبه بتاريخ 23/ 3/ 92 لخروجه عن حدود اللياقة مع الرؤساء طبقا لحكم المادة 41 من لائحة الجزاءات ومن ثم يكون هذا القرار قائما على سببه المبرر له واقعا وقانونا ويضحى الطعن عليه بغير سند خليقا بالرفض.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه هذا المذهب وقضى بما تقدم فإنه يكون قد أصاب وجه الحق فى قضائه ويضحى الطعن فيه بغير سند متعينا رفضه.
ولا يغير من ذلك ما آثاره الطاعن بطعنه من أنه لم يتم التحقيق معه قبل توقيع الجزاء محل الطعن عليه لان الثابت بالأوراق أن إدارة التحقيقات بالبنك إستدعته للتحقيق معه فيما نسب إليه فى هذا الصدد إلا أنه رفض طالبا إحالته إلى النيابة الإدارية وبالتالى فقد فوت على نفسه فرصة الدفاع عنه كما استقر على ذلك قضاء هذه المحكمة إذ لا وجه لإجبار الجهة الإدارية على إحالة التحقيق للنيابة الإدارية طالما كانت هذه الجهة تملك سلطة التحقيق قانونا كما هو الحال بالنسبة للطاعن مما يتعين معه الالتفات عما آثاره فى هذا الخصوص.
كما لا ينال من الحكم المطعون فيه ما آثاره الطاعن بطعنه (الثالث) من أن مدير شئون العاملين قد انتهت خدمته فى 30/ 6/ 90 قبل تقديم الشكوى محل الجزاء المطعون فيه وبالتالى إنعدمت صفته فهذا القول مردود عليه بأن إساءة الطاعن لم تقتصر على مدير شئون العاملين السابق بل شملت كذلك مدير عام المراجعة ومراقب حسابات معاملات الفرع إذ نسب إليهم التواطؤ مع مدير شئون العاملين فى إصطناع قرار النقل المتظلم منه فضلا عن أنه إذا كانت مقتضيات الوظيفة العامة تفرض الطاعة والاحترام للرؤساء أثناء خدمتهم فإن القيم والمبادئ الدينية والاخلاقية الواجب مراعاتها تقتضى كذلك ألا ينال الموظفين الأخرين بالإساءة والتشهير سواء كانوا موظفين سابقين أم من أحاد الناس وعامتهم.
ولا وجه لما يثيره الطاعن من أن الحكم المطعون فيه لم يتعرض للمستندات والأسانيد التى أوردها بمذكراته فهذا القول مردود عليه بما استقرت عليه أحكام هذه المحكمة من أنه يكفى أن تورد المحكمة الواقعية والحجج القانونية التى استند إليها الخصوم فى ثنايا أسباب الحكم التى تكلفت بالرد عليه كما يكفى لسلامة الحكم أن يكون مقاما على أسباب تستقيم معه ولا يلزم أن يتعقب حجج الخصوم فى جميع مناحى أقوالهم إستقلالا ثم يفندها تفصيلا الواحدة تلو الاخرى مادام ظهر للمحكمة أن الحجج المقدمة لا تهدف إلى تضليلها عن الغاية التى تستهدفها وهى الوصول إلى الحقيقة.
وإذا كان الحكم المطعون فيه قد إستعرض وقائع النزاع وأسانيد الطاعن واستعرض ما عقبت به جهة الإدارة على الطعن التأديبى وقام بتطبيق النصوص المتعلقة بالنزاع على الوقائع المطروحة أمام المحكمة وخلص إلى النتيجة التى إنتهى إليها فلا يكون ثمة قصور فى التسبيب يؤدى إلى بطلان الحكم.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة أولا - بقبول الطعن رقم 3904 لسنة 42ق.ع شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبقبول الطعن التأديبى شكلا ورفضه موضوعا. ثانياً: بقبول الطينين رقمى 5374 لسنة 42 ق. ع، 5353 لسنة 43 ق. ع شكلا ورفضهما موضوعا.