مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2573

(302)
جلسة 4 من أغسطس سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ إسماعيل صديق راشد نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ فريد نزيه تناغو، ومحمد عادل حسيب، ويسرى هاشم الشيخ، ود. عبد الفتاح عبد الحليم عبد البر نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 7160 لسنة 44 القضائية

عاملون مدنيون - التكليف - الطبيعة القانونية للتكليف - تكليف المهندسين.
القانون رقم 54 لسنة 1976 بشأن تكليف المهندسين أجاز المشرع - لاعتبارات وظروف معينة - لأجهزة الحكومة والقطاع العام أن تستوفى إجتياجاتها من المهندسين خريجى الجماعات المصرية فور تخرجهم وذلك بتكليفهم بالعمل لديها، ويحظر على المهندسين المكلفين وفقاً لأحكام القانون رقم 54 لسنة 1976 الإمتناع عن تأدية أعمال وظائفهم لمدة ست سنوات كاملة من تاريخ تسلمهم العمل أو الإنقطاع عن العمل قبل هذه المدة ومن المسلم به أن التكليف أداة إستثنائية للتعيين فى الوظائف العامة لا يتوقف على رضاء الشخص أو قبوله. و من المسلم به كذلك أن الإستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع فى تفسيره وأن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 22/ 7/ 1998 أودعت هيئة النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة تقرير الطعن الماثل فى الحكم الصادر عن المحكمة التأديبية لوزارة التعليم وملحقاتها بجلسة 25/ 5/ 1998 فى الدعوى رقم 59 لسنة 39ق المقامة من النيابة الادارية ضد المطعون ضده والقاضى بمجازاته بالفصل من الخدمة.
وطلبت النيابة الإدارية - للأسباب الواردة بعريضة الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه ومجازاته المطعون ضده عن المخالفة الأولى المنسوبة إليه بالجزاء المناسب.
وأعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضده بتاريخ 4/ 8/ 1998.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 11/ 10/ 2000 وبجلسة 11/ 4/ 2001 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لنظره بجلسة 12/ 5/ 2001، ونظرت المحكمة الطعن بهذه الجلسة وبالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضر الجلسات وبجلسة 26/ 5/ 2001 قررت الحكم فى الطعن بجلسة 9/ 6/ 2001 ومد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم. وبها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن قد أقيم فى الميعاد القانونى واستوفى أوضاعه الشكلية ومن حيث إن عناصر النزاع تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن النيابة الإدارية أقامت الدعوى رقم 59 لسنة 39ق بإيداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها، متضمنة تقريرا بإتهام/ .........، مهندس بهيئة الأبنية التعليمية - فرع بنى سويف - بالدرجة الثالثة لأنه خلال المدة من 18/ 12/ 1995 وحتى تاريخ صدور الحكم.
1 - إنقطع عن عمله فى غير حدود الأجازات والأحوال المصرح بها قانونا بالمخالفة لأحكام قانون التكليف.
2 - حصل على مبلغ 53.29 جنيها راتبه عن شهر ديسمبر سنة 1995 رغم إنقطاعه وطلبت النيابة الإدارية محاكمته تأديبيا طبقا للمواد الواردة بتقرير الإتهام.
وبجلسة 25/ 5/ 1998 أصدرت المحكمة حكمها المطعون فيه.
وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بالنسبة للمخالفة الثانية وهى حصول المحال على مبلغ 53.29 جنيه قيمة راتبه عن شهر ديسمبر 1995 رغم إنقطاعه، فإن الثابت من الأوراق أنه سدد كل المبالغ التى صرفت له بالزيادة من الهيئة وليس لديه أى مطلوبات مالية، ومن ثم يتعين الحكم ببراءته من هذه المخالفة.
وبالنسبة للمخالفة الأولى، فإن المحال غير مكلف ولا يخضع لقانون التكليف رقم 54 لسنة 1976 حيث ثبت أنه معين بالقرار رقم 131 لسنة 1995 بالمسابقة رقم 1 لسنة 1995 المعلن عنها من الهيئة العامة للأبنية التعليمية والمسابقة رقم 504 لسنة 1994 وليس فى الأوراق ما يثبت أنه مكلف وخاضع لأحكام قانون التكليف المشار إليه والثابت من الأوراق أن المحال إنقطع عن عمله دون إذن وفى غير الأحوال المرخص بها قانونا إعتبارا من 18/ 12/ 1995 وحتى الآن الأمر الذى يعد إخلالا منه بواجبات الوظيفة، ويتعين مجازاته بأحد العقوبات المنصوص عليها فى المادة 80 من القانون رقم 47 لسنة 1978 بمراعاة أن المحال عازف عن الوظيفة ولا يرغب فى العودة إلى العمل.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف القانون ولذلك تطعن النيابة الإدارية عليه للأسباب الآتية:
أولا: الخطأ فى تطبيق القانون وتأويله لأن قانون التكليف رقم 54 لسنة 1976 قد حظر على المهندسين بالحكومة والقطاع العام الإمتناع عن تأدية أعمال وظائفهم لمدة ستة سنوات من تاريخ إستلام العمل، ويتعين قضاء هذه المدة كاملة فى الوظيفة بممارسة عملها فعلا، وإذا إنقطع المهندس عن العمل فإن تلك المدة تتوقف ويشكل الإنقطاع مخالفة تأديبية تستوجب العقاب، دون أن ينال من ذلك ما أورده الحكم الطعين من أن تعيين المذكور كان بمقتضى مسابقة، من ثم فلا يمكن إعتباره مكلفا، لأنه مادام إستلم عمله، يلتزم بعدم الإمتاع عنه لمدة ست سنوات كاملة.
ثانيا: عدم ملاءمة توقيع عقوبة الفصل على المهندس المكلف، لأن تلك العقوبة تمكنه من التخلف عن أداء واجب التكليف، ومن ثم يتعين توقيع جزاء مناسب من بين الجزاءات الأخرى غير الفصل من الخدمة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق أن هيئة الأبينة التعليمية أبلغت بكتابها رقم 100 المؤرخ 11/ 3/ 1996 النيابة الإدارية بشأن إنقطاع/ ......... المهندس المكلف بهيئة الأبنية التعليمية عن عمله إعتباراً من 18/ 12/ 1995 وذلك بدون مبرر قانونى، وكذلك تقاضيه مبلغ 53.29 جنيه قيمة راتبه عن أربعة عشر يوما من شهر ديسمبر 1995 رغم إنقطاعه عن العمل.
وقد أجرت النيابة الإدارية تحقيقا فى الموضوع فى القضية رقم 182 لسنة 1996 بنى سويف وخلصت النيابة الإدارية من تحقيقها بأن نسبت إلى المطعون ضده المخالفتين الواردتين بتقرير الإتهام، وطلبت محاكمته عنها تأديبيا وأصدرت المحكمة التأديبية حكمها المطعون فيه.
ومن حيث إن مقطع النزاع فى الطعن الماثل يدور حول ما إذا كان المطعون ضده الذى عين فى هيئة الأبنية التعليمية بناء على مسابقة أعلنت عنها الهيئة، يخضع لأحكام القانون رقم 54 لسنة 1976 بشأن تكليف المهندسين من عدمه.
ومن حيث إن القانون رقم 54 لسنة 1976 المشار إليه قد نص فى المادة الأولى منه على أن "لأجهزة الحكومة وشركات القطاع العام أن تستوفى إحتاجاتها من المهندسين خريجى الجامعات المصرية فور تخرجهم.......".
وتنص المادة الثالثة من ذات القانون على أن "يحظر على المهندسين المشار إليهم بالمادة الأولى الإمتناع عن تأدية أعمال وظائفهم لمدة ست سنوات تبدأ من تاريخ تسلمهم العمل.......... ويسرى الحكم المتقدم على المتقدمين للتعيين والمكلفين بأجهزة الحكومة والقطاع العام.
ومن حيث إن المستفاد من هذه النصوص أن المشرع لإعتبارات وظروف معينة قد خول لأجهزة الحكومة والقطاع العام أن تستوفى إحتياجاتها من المهندسين خريجى الجامعات المصرية فور تخرجهم وذلك بتكليفهم بالعمل لديها، ويحظر على الهندسين المكلفين وفقا لأحكام القانون رقم 54 لسنة 1976 الإمتناع عن العمل قبل إكتمال هذه المدة.
ومن المسلم به أن التكليف أداة إستثنائية للتعيين فى الوظائف العامة، ولا يتوقف على رضاء الشخص أو قبوله، وبهذه المثابة فهو يمثل قيدا على الحرية الشخصية، وهو نظام مؤقت تدعو إليه الحاجة لمواجهة بعض الضرورات لسد حاجة المرافق العامة لبعض فئات من العاملين.
ومن المسلم به كذلك أن الإستثناء لا يقاس عليه ولا يتوسع فى تفسيره، وأن الضرورة يجب أن تقدر بقدرها.
وقد لجأ المشرع المصرى إلى إصدار قوانين بتكليف بعض الفئات، وأول هذه القوانين القانون رقم 296 لسنة 1956 فى شأن تكليف المهندسين، وتلاه صدور قوانين تكليف أخرى، مثل القانون رقم 67 لسنة 1961 بشأن تكليف خريجى المعهد الصحى، والقانون رقم 183 لسنة 1961 بشأن تكليف الأطباء والصيادلة وأطباء الأسنان، والقانون الحالى لتكليف المهندسين هو القانون رقم 54 لسنة 1976 المشار إليه.
والواضح من مطالعة أحكام قوانين التكليف المشار إليها، أن التكليف أداة للتعيين فى الوظائف، يتم بقرار إدارى يتضمن إسناد المركز القانونى الخاص بالوظيفة إلى المكلف بجميع إلتزاماتها ومزاياها، ولا يتم التكليف بقوة القانون لمجرد توافر شروطة فى بعض الأشخاص، بل لابد من صدور قرار بإسناد مركز التكليف إلى الشخص من السلطة التى تملكه شرعا، ولا يعتبر الشخص مكلفا ما لم يصدر قرار التكليف بذلك نم الوزير المختص، وهو ما يتفق وطبيعة التكليف كأداه إستثنائية لتعيين من تدعو الحاجة إليهم لمواجهة الضرورات.
وبناء على ما تقدم، فإذا ما سلكت الجهة الإدارية الطرق العادية للتعيين فى الوظائف العامة، فلا يجوز بحال إعتبار من عين فى وظيفة بطريق منها، مكلفا يخضع لأحكام التكليف بقواعده الإستثنائية.
ومن حيث إنه لما كان ما تقدم، وكان الثابت من الأوراق أن هيئة الأبنية التعليمية قد أعلنت عن حاجتها لشغل الوظائف الشاغرة بها بالمسابقة رقم 1 لسنة 1996 بهدف إختيار أفضل المتقدمين للتعيين فى هذه الوظائف، وتقدم المطعون ضده لتلك المسابقة وتم تعيينه بهيئة الأبنية التعليمية بوظيفة مهندس فإن الجهة الإدارة تكون بذلك قد التفت - بما لها من سلطة تقديرية فى هذا الشأن - عن إعمال أحكام قانون التكليف رقم 54 لسنة 1976 وآثرت شغل الوظائف الشاغرة بها عن طريق التعيين بالمسابقة المعلن عنها، ومن ثم فلا سند لإعمال أحكام قانون التكليف على المطعون ضده إذا إنقطع عن العمل بالهيئة المذكورة، ويتعين لذلك الرجوع إلى القواعد العامة الواردة بقانون العاملين المدنيين بالدولة رقم 47 لسنة 1978 فى شأن مساءلته عن هذا الإنقطاع عن العمل.
ومن حيث إنه بالإضافة إلى ما تقدم، فقد خلت الأوراق مما يفيد صدور قرار بتكليف المطعون ضده للعمل بالهيئة سالفة الذكر، والثابت أنه تقدم بمحض إختياره للمسابقة التى أعلنتها لشغل وظائفها ولا يجوز والحالة هذه - إلزامه بالعمل لديها مدة ست سنوات لا ينقطع عن العمل خلالها تطبيقا لأحكام قانون التكليف المشار إليه.
ومن حيث إنه عن مخالفة الانقطاع المنسوبة إلى المطعون ضده، فإنها ثابتة فى حقه من الأوراق والتحقيقات وبما قرره وكيله الذى حضر أمام المحكمة التأديبية واعترف بالمخالفة المنسبة إليه وكراهيته للوظيفة وعدم رغبته فى العودة إلى العمل وإذ ذهب الحكم المطعون فيه إلى مجازاته بالفصل من الخدمة، فإنه يكون قد أقام قضاءه على أساس صحيح من الوقائع والقانون، ويكون الطعن عليه قد جاء على غير سند ويتعين رفضه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.