أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائي
السنة 27 - صـ 732

جلسة 17 من أكتوبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار محمد عادل مرزوق نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ يعيش رشدى، ومحمد وهبة، وأحمد موسى، وأحمد طاهر خليل.

(167)
الطعن رقم 502 لسنة 46 القضائية

(1) محكمة الموضوع. "سلطتها فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى. سلطتها فى تقدير الدليل" إثبات بوجه عام. شهادة".
حق محكمة الموضوع فى استخلاص الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى وطرح ما يخالفها. ما دام استخلاصها سائغا.
وزن أقوال الشهود. موضوعى.
(2) مواد مخدرة. مأمورو الضبط القضائى. نيابة عامة. "سلطتها فى تحريك الدعوى". دعوى جنائية. "قيود تحريكها".
حق مأمورى الضبط القضائى والنيابة فى اتخاذ كافة إجراءات الضبط والتحقيق فى جرائم القانون رقم 182 لسنة 1960 لا يتوقف على صدور إذن من مدير الجمارك.
(3) مأمور الضبط القضائى. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". إثبات. "بوجه عام".
متى يحق لمأمور الضبط القضائى القبض على المتهم وتفتيشه. بغير إذن من سلطة التحقيق. المادة 34 إجراءات قبل تعديلها بالقانون 37 لسنة 1972.
حق مأمور الضبط القضائى فى تقدير الدلائل التى تبيح له القبض والتفتيش. خضوعه فى ذلك لرقابة سلطة التحقيق وإشراف محكمة الموضوع.
(4) مواد مخدرة. قصد جنائى. إثبات. "بوجه عام".
تقدير إحراز المخدر بقصد الاتجار. موضوعى. ما دام سائغا.
1 - لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تعرض عما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ومن سلطتها وزن أقوال الشهود وتقديرها التقدير الذى تطمئن إليه وهى متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها.
2 - لما كان القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 قد خلا من كل قيد على حرية النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية عن أى من الجرائم الواردة به وهى جرائم مستقلة ومتميزة بعناصرها القانونية عن جرائم التهريب الجمركى المنصوص عليها فى القانون رقم 66 لسنة 1963، وكان الأصل المقرر بمقتضى المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية أن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها فى هذا الشأن مطلق لا يرد عليه القيد إلا باستثناء من نص الشارع فإن قيام مأمورى الضبط القضائى باتخاذ إجراءات التحرى والمراقبة والقبض على الطاعنين وتفتيشهما وضبط ما يحرزونه من جوهر الحشيش وقيام النيابة العامة بمباشرة التحقيق فى الواقعة ورفع الدعوى الجنائية بشأنها لا يتوقف على صدور إذن من مدير الجمارك، ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان فى الإجراءات لعدم الحصول على طلب كتابى من مدير عام الجمارك أو من ينيبه قبل مباشرة إجراءات الضبط والتفتيش يكون غير ذى سند من القانون.
3 - لمأمور الضبط القضائى وفقا للمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية قبل تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 - أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه فى حالات عددها الشارع حصرا فى هذه المادة ومنها الجنايات وأن يفتشه فى هذه الحالة بغير إذن من سلطة التحقيق طبقا للمادة 46 منه وبغير حاجة إلى أن تكون الجناية متلبسا بها، وتقدير هذه الدلائل التى تسوغ لمأمور الضبط القضائى القبض والتفتيش ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائى على أن يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع.
4 - لما كان الحكم قد عرض إلى قصد الطاعنين من إحراز المخدر المضبوط بقوله: "وترى المحكمة من ظروف الواقعة أن إحراز المتهمين لمخدر الحشيش كان بقصد الاتجار وذلك لما ثبت من كبر حجم كمية المخدر المضبوط مع كل منهما ولأنه لم يثبت من الأوراق أن أحدا سلمهما هذه المخدرات لحسابه ولم يقررا بذلك وليست الكمية المضبوطة مع أى منهما ترشح لاعتبار الإحراز بقصد التعاطى أو الاستعمال الشخصى لكبر حجمها سالف البيان الأمر الذى تطمئن معه المحكمة تمام الاطمئنان بأن إحراز المتهمين لهذا المخدر كان بقصد الاتجار للأسباب السابق ذكرها" وكان إحراز المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها، وكان الحكم قد دلل على هذا القصد تدليلا سائغا، مما يضحى معه النعى على الحكم فى هذا الصدد غير مقبول.


الوقائع

إتهمت النيابة العامة الطاعنين بأنهما بدائرة قسم الميناء محافظة الإسكندرية جلبا ومجهول إلى أراضى جمهورية مصر العربية جوهرا مخدرا (حشيشا) دون الحصول على ترخيص كتابى بذلك من الجهة الإدارية المختصة، وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهما إلى محكمة الجنايات لمعاقبتهما بالمواد 1 و2 و3 و33/أ و36 و42 من القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966 والبند رقم 12 من الجدول رقم 1 الملحق. فقرر ذلك، ومحكمة جنايات الإسكندرية قضت حضوريا عملا بالمواد 1 و2 و7 و34 أ و36 و42 من القانون سالف الذكر والمادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة كل من المتهمين بالأشغال الشاقة لمدة عشر سنين وتغريم كل منهما ثلاثة آلاف جنيه ومصادرة المواد المخدرة المضبوطة باعتبار أنهما أحرزا بقصد الاتجار جوهرا مخدرا (حشيشا) فى غير الأحوال المصرح بها قانونا: فطعن المحكوم عليهما فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعنين بجريمة إحراز جوهر مخدر بقصد الاتجار قد شابه قصور فى التسبيب وبطلان فى الإجراءات وانطوى على خطأ فى تطبيق القانون وفساد فى الاستدلال، ذلك بأنه استخلص واقعة الدعوى بما لا يطابق الحقيقة وعول على أقوال شهود الإثبات مع أنها غير سائغة عقلا ومنطقا، وقد أثار دفاع الطاعنين بطلان إجراءات الضبط والقبض والتفتيش التى أجراها رجال شرطة وحدة مكافحة التهريب بميناء الإسكندرية إذ تمت دون الحصول على طلب كتابى من مدير عام الجمارك أو من ينيبه إعمالا للمادة 124 من القانون رقم 66 لسنة 1963، ودون إذن من النيابة العامة مع عدم قيام حالة التلبس بالجريمة أو توافر دلائل كافية قبل أطرح هذا الدفاع بما لا ينفق مع الواقع والقانون، كما انتهى إلى اعتبار إحراز الطاعنين للمخدر بقصد الاتجار دون أن يورد تدليلا سائغا أو كافيا على توافر هذا القصد.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أنه بينما كان...... و...... الشرطيان السريان بوحدة مكافحة التهريب بميناء الإسكندرية يمران داخل الدائرة الجمركية فى ليلة الحادث علما من مصدر سرى أن بعض أفراد شرطة حرس البواخر يزمعون تهريب ممنوعات وهم فى طريقهم بها إلى الباب رقم 6 جمارك، فبادرا بإبلاغ رئيس نقطة الباب المذكور وأعدا كمينا بجواره، وإذ جاء الطاعنان - الشرطيان بحرس البواخر - يبغيان الخروج استوقفهما رئيس النقطة للاستفسار عما قد يكون معهما من ممنوعات فلما أجابه الطاعن الأول بوجود كمية من السجاير معه وارتأى رئيس النقطة اصطحابهما إلى داخل مقرها، أسرع الطاعن الثانى بالقرار إلى داخل الدائرة الجمركية فتبعه الشرطيان السريان، وقام رئيس النقطة بتفتيش الطاعن الأول فوجد تحت ملابسه لفافتين بهما 2.382 كيلو جراما من مادة الحشيش، أما الطاعن الآخر فإنه عند ما لحق به الشرطيان أخرج من ملابسه لفافة كبيره ألقى بها على الأرض فإلتقطها الشرطى .... وأثر اقتياده إلى مقر النقطة عاد وأخرج لفافتين أخريين وأسقطهما على الأرض فالتقطهما الشرطى المذكور وتبين أن بهذه اللفافات الثلاث 1.790 كيلوا جراما من الحشيش. وأورد الحكم على ثبوت هذه الوقعة فى حق الطاعنين أدلة سائغة مستمدة من أقوال شهود الإثبات ومن تقرير التحليل. لما كان ذلك، وكان لمحكمة الموضوع أن تستخلص من أقوال الشهود وسائر العناصر المطروحة على بساط البحث الصورة الصحيحة لواقعة الدعوى حسبما يؤدى إليه اقتناعها وأن تعرض عما يخالفها من صور أخرى ما دام استخلاصها سائغا مستندا إلى أدلة مقبولة فى العقل والمنطق ولها أصلها فى الأوراق، ومن سلطتها وزن أقوال الشهود وتقديرها التقدير الذى تطمئن إليه، وهى متى أخذت بشهادة شاهد فإن ذلك يفيد أنها أطرحت جميع الاعتبارات التى ساقها الدفاع لحملها على عدم الأخذ بها، ومن ثم فإن نعى الطاعنين فى هذا الوجه ينحل إلى جدل موضوعى فى أدلة الثبوت التى عولت عليها محكمة الموضوع وهو ما لا تسوغ إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد دان الطاعنين بجريمة إحراز مادة مخدرة بقصد الاتجار وأوقع عليهما العقوبة بمقتضى أحكام القانون رقم 182 لسنة 1960 المعدل بالقانون رقم 40 لسنة 1966، وقد خلا هذا القانون من كل قيد على حرية النيابة العامة فى رفع الدعوى الجنائية عن أى من الجرائم الواردة به، وهى جرائم مستقلة ومتميزة بعناصرها القانونية عن جرائم التهريب الجمركى المنصوص عليها فى القانون رقم 66 لسنة 1963، وكان الأصل المقرر بمقضى المادة الأولى من قانون الإجراءات الجنائية أن النيابة العامة تختص دون غيرها برفع الدعوى الجنائية ومباشرتها طبقا للقانون وأن اختصاصها فى هذا الشأن مطلق لا يرد عليه القيد إلا باستثناء من نص الشارع، فإن قيام مأمورى الضبط القضائى باتخاذ إجراءات التحرى والمراقبة والقبض على الطاعنين وتفتيشهما وضبط ما يحرزانه من جوهر الحشيش وقيام النيابة العامة بمباشرة التحقيق فى الواقعة ورفع الدعوى الجنائية بشأنها لا يتوقف على صدور إذن من مدير الجمارك ومن ثم فإن ما ينعاه الطاعنان على الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان فى الإجراءات لعدم الحصول على طلب كتابى من مدير عام الجمارك أو من ينيبه قبل مباشرة إجراءات الضبط والتفتيش يكون غير ذى سند من القانون لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد عرض لدفاع الطاعنين ببطلان إجراءات القبض والتفتيش لحصولها بغير إذن النيابة العامة وفى غير الحالات المسوغة لها وأطرحه استناد إلى ما أثبته فى مدوناته من أن الطاعن الأول أقر لرئيس نقطة الباب 6 جمارك حال خروجه منه بوجود مهربات معه مما جعل مأمور الضبط القضائى حيال جريمة متلبس بها فيحق له القبض عليه وتفتيشه، وأن الطاعن الآخر وضع نفسه موضع الريب والظنون عندما حاول الهرب أثر ضبط زميله ثم تخلى بإرادته الحرة عن المخدر على الوجه سابق البيان فتكون الجريمة متلبسا بها، فإن هذا الذى انتهى إليه الحكم سديد فى القانون ذلك بأنه لمأمور الضبط القضائى وفقا للمادة 34 من قانون الإجراءات الجنائية - قبل تعديلها بالقانون رقم 37 لسنة 1972 - أن يأمر بالقبض على المتهم الحاضر الذى توجد دلائل كافية على اتهامه فى حالات عددها الشارع حصرا فى هذه المادة ومنها الجنايات وأن يفتشه فى هذه الحالة بغير إذن من سلطة التحقيق طبقا للمادة 46 منه وبغير حاجة إلى أن تكون الجناية متلبسا بها، وتقدير هذه الدلائل التى تسوغ لمأمور الضبط القضائى القبض والتفتبش ومبلغ كفايتها يكون بداءة لرجل الضبط القضائى على أن يكون تقديره هذا خاضعا لرقابة سلطة التحقيق تحت إشراف محكمة الموضوع. ولما كان الحكم المطعون فيه قد استخلص فى منطق سليم كفاية الأدلة التى ارتكن إليها رجال الضبط القضائى فى القبض والتفتيش، فإن النعى عليه فى هذا الصدد بالقصور أو الخطأ فى تطبيق القانون يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكان الحكم قد عرض إلى قصد الطاعنين من إحراز المخدر المضبوط بقوله: "وترى المحكمة من ظروف الواقعة أن إحراز المتهمين لمخدر الحشيش كان بقصد الاتجار وذلك لما ثبت من كبر حجم كمية المخدر المضبوط مع كل منهما ولأنه لم يثبت من الأوراق أن أحدا سلمهما هذه المخدرات لحسابه ولم يقررا بذلك وليست الكمية المضبوطة مع أى منهما ترشح لاعتبار الإحراز بقصد التعاطى أو الاستعمال الشخصى لكبر حجمها سالف البيان الأمر الذى تطمئن معه المحكمة تمام الاطمئنان بأن إحراز المتهمين لهذا المخدر كان بقصد الاتجار للأسباب السابق ذكرها". وكان إحراز المخدر بقصد الاتجار واقعة مادية يستقل قاضى الموضوع بحرية التقدير فيها طالما أنه يقيمها على ما ينتجها، وكان الحكم قد دلل على هذا القصد تدليلا سائغا، مما يضحى معه النعى على الحكم فى هذا الصدد غير مقبول. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.