مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2587

(304)
جلسة 5 من أغسطس سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق على عبد القادر نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ سعيد أحمد حسين برغش، ومحمود اسماعيل رسلان، وبخيت محمد إسماعيل، ومحمد عبد الحميد أبو الفتوح نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1156 لسنة 44 القضائية

- نيابة إدارية - أعضاؤها - دعوى الصلاحية. (هيئات قضائية).
القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1989 - قرار رئيس هيئة النيابة رقم 136 لسنة 1994 بالتعليمات العامة لتنظيم العمل الفنى بالنيابة الإدارية.
دعوى الصلاحية فى حقيقتها دعوى أهلية يراعى عند الفصل فيها الاعتداد بالعناصر المختلفة المتصلة بهذا التقييم حتى ما كان منها متعلقاً بحقبة ماضية، إذ يقلب النظر فى الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته وما استقر فى شأنها بطريق التواتر ماضيا وحاضرا، ذلك أن عمل عضو الهيئات القضائية عموماً لا يقاس بغيره من الموظفين العموميين ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية، وإنما يتعين أن يكون مقياس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزماً، نأياً بالعمل القضائى أن تحيطه الشبهات أو تكتتفه مواطن الريب التى تلقى بظلال قائمة على نزاهته، وتتضاءل معها الثقة فى القائمين عليها - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق 11/ 12/ 1997 أودع الاستاذ ........... المحامى بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة، تقرير الطعن الماثل، فى قرار مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية الصادر بجلسة 13/ 10/ 1997 فى دعوى الصلاحية رقم 1 لسنة 1997 - والذى قضى: بنقل الطاعن إلى وظيفة غير قضائية.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بالتقرير - الحكم: -
أولاً: بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية المشار إليها.
ثانياً: بإلغاء القرار المطعون فيه وما ترتب عليه من آثار، وبرفض دعوى الصلاحية.
وقد أعلن تقرير الطعن إلى المطعون ضدهما بتاريخ 20/ 12/ 1997.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم: بقبول الطعن شكلا، وبرفضه موضوعا.
وتدوول الطعن بجلسات المرافعة على النحو الثابت بالمحاضر، إلى أن قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر، وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه لدى النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الايضاحات، وبعد المداولة قانونا.
من حيث إن الطعن قد استوفى سائر أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً، ومن ثم يكون مقبولا شكلا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتلخص - حسبما يبين من الأوراق - فى أنه بموجب تقرير اتهام صادر من رئيس هيئة النيابة الإدارية ضد الطاعن بصفته نائب رئيس تلك الهيئة، أحيل الأخير إلى مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية بدعوى الصلاحية رقم 1 لسنة 1997، وقد تضمن التقرير أن المذكور خلال المدة من 1990 حتى 1996 خرج على مقتضى الواجب الوظيفى وسلك مسلكا لا يتفق والاحترام الواجب لوظيفته وزاول عملا تجارياً، وذلك بأن: -
1 - قام بالاتجار فى الأدوات الصحية.
2 - استولى على مبلغ عشرين ألف جنيه المملوك لزوج شقيقته المدعو ......... بعد أن قام بسحبه من رصيد الاخير ببنك مصر - فرع ايزيس بالأسكندرية، وذلك بموجب التوكيل المصرفى الصادر إليه بتاريخ 22/ 8/ 1990.
3 - استولى على مبلغ عشرة آلاف جنيه المسلم إليه نقدا من ......... للانفاق على أسرته حال غيابه خارج البلاد.
4 - أصدر بموجب التوكيل المصرفى الصادر إليه من .......... شيكا لا يقابله رصيد بحساب الاخير ببنك مصر فرع ايزيس بالاسكندرية (الشيك رقم 50621 المؤرخ 14/ 12/ 1991) بمبلغ - 29700 جنيه الصادر لأمر..........
5 - أجرى تزويرا بالشيك رقم 50621 المشار إليه، وذلك بأن قام بطمس توقيعه عليه بعد أن - رفض البنك صرفه للمستفيد عند تقديمه إليه فى المرة الأولى لعدم وجود رصيد يقابله بالحساب المحسوب عليه.
6 - ضمن الخطاب المرسل إلى السيد/ مدير إدارة التفتيش بتاريخ 20/ 10/ 1996 تعقيبا على كتاب استدعائه لسماع أقواله بشأن ما نسب إليه بالتحقيق رقم 2 لسنة 1996 أعضاء عبارات انطوت على اهانة و تهديد السيد نائب رئيس الهيئة عضو إدارة التفتيش المكلف بإجراء التحقيق.
وطلب رئيس هيئة النيابة الإدارية محاكمته بالمواد 16، 29 من قرار رئيس الهيئة رقم 136لسنة 1994 باصدار التعليمات العامة بتنظيم العمل الفنى بالنيابة الإدارية ز، 38 مكرر/ 3 - 39، 40 من القانون رقم 117 لسنة 1958 المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1989 بشأن - تنظيم هيئة النيابة الإدارية.
وبجلسة 13/ 10/ 1997 أصدر المجلس القرار المطعون فيه بنقل الطاعن إلى وظيفة غير قضائية، وذلك تأسيسا على أن ما أسند للمذكور فى شأن قيامه بالاتجار فى الأدوات الصحية سواء كان ذلك فى فترة سابقة جوزى عنها بالانذار، أو استمراره فى مزاولة هذا النوع من النشاط التجارى على نحو يتعارض مع مقتضيات وظيفته، ويخل اخلالا خطيرا بكرامتها على نحو ما هو ثابت بمذكرة إدارة التفتيش بالنيابة فى التحقيق رقم 2 لسنة 1996 أعضاء المؤرخة 5/ 10/ 1996: أو فيما أسند إليه من استيلاء على مبالغ من حساب جارى زوج شقيقته.......، واتهام الاخير له بخيانة الامانة، وأيضا اصداره شيكا بمبلغ - 29700 جنيه لامر....... لا يقابله رصيد، ولجوء الاخير إلى الادعاء المباشر ضده، وصدور أحكام جنائية ضده عنها، وما نسب إليه من طمس توقيعه على هذا الشيك وانتهاء الامر إلى صدور حكم ببراءته من ذلك الاتهام، وأيا كان وجه الرأى فى هذا الحكم أو فى واقعة طمس التوقيع، كل هذه الأمور تشكل طريقا ثابتا فى مظاهر سلوكه المختلفة، إذ لم يتهيب عوامل الانتقاص من كرامة وظيفته بعد إذ داخلتها مآخذ لا يطمأن معها إلى الالتزام بقيمها الرفيعة، فضلا عن أن يضمين خطابه المرسل إلى مدير التفتيش فى 30/ 10/ 1996 عبارات انطوت على اهانة وتهديد لعضو إدارة التفتيش المحقق، وهذه العبارات وان كانت تكشف عن مدى العلاقة بينه وبين المحقق وما وصلت إليه من سوء، إلا أنها فى ذات الوقت تمثل خروجا عن أدب الخطاب بمالا يجوز لمثله أن يتردى فيه.
ومن حيث إن الطعن قد شيد على أسباب حاصلها:
أولاً: بطلان القرار المطعون فيه لصدوره بناء على إجراءات باطلة، لان عرض أمر الطاعن على مجس التأديب (بهيئة مجلس صلاحية) جرى من رئيس هيئة النيابة الإدارية وليس من وزير العدل، أى أن دعوى الصلاحية مقامة من غير مختص، وذلك بالمخالفة لاحكام المادة 28 مكررا من القانون رقم 117 لسنة 1958.
ثانياً: الخطأ فى تطبيق القانون، وذلك لتحلل القرار المطعون فيه من التثبت من صحة - الاتهامات المسنوبة إلى الطاعن، بمقولة أن بحثه فى أمر صلاحيته وجدارته للبقاء فى وظيفته لا يحتاج ولا يستلزم ثبوت تلك التهم، وقد اكتفى مجلس التأديب بتواتر واقعات هذه التهم على ألالسنة بما يقر معه فى اعتقاده صحتها، بزعم أن استلزام ثبوتها وقف على مجال التأديب دون الصلاحية، فضلا عن اعتبار شكوى الشاكى وأحاديث أصحابه من تجار الادوات الصحية الذين توافقوا على الاساءة إلى الطاعن. دليلا معتبرا يمكن الارتكان إليه فى نبذ الطاعن واقصائه عن وظيفته، فى حين أن التهم المسندة إليه لا تصلح بذاتها سببا لعدم الصلاحية.
ثالثاً: افتقاد القرار المطعون فيه السبب الصحيح من الواقع والقانون، ذلك أن التهم المسندة إلى الطاعن لا أساس لها من الصحة، إذا أنها وليدة كذب واختلاف مفضوح، حيث لم يسبق إدانته بممارسة التجارة، كما لم يثبت أن له محلا لتجارة الادوات الصحية باسمه، ولم تصدر أية أحكام جنائية بادانته، ولم يستول على شئ من مال الشاكى، فضلا عن أن ما قاله فى شأن المحقق ورد فى معرض بيان موجبات تنحيته عن التحقيق معه لما بينهما من خصومات قديمة.
رابعاً: الخطأ فى تحصيل الواقعات والقصور فى التسبيب، حيث زخر القرار المطعون فيه بالثغرات القاطعة بفساد ما انتهى إليه لصدوره عن مقدمات فاسدة واقعات غير صحيحة كما صدر هذا القرار مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة والانحراف بها، وذلك بقصد الإساءة - الاضرار بالطاعن.
ومن حيث إن المادة/ 38 مكررا - 3 من القانون رقم 177 لسنة 1958 باعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية المعدل بالقانون رقم 12 لسنة 1989 تنص على أنه (يعرض وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من رئيس هيئة النيابة الإدارية على مجلس التأديب المشار إليه من المادة/ 40 من هذا القانون أمر عضو النيابة الذى يحصل على تقريرين متواليين بدرجة أقل من المتوسط أو يتوافر فى شأنه أى سبب من أسباب عدم الصلاحية لشغل الوظيفة غير الاسباب الصحية، ويقوم المجلس بفحص حالة عضو النيابة فإذا تبين صحة التقارير الخاصة به أو توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية أصدر المجلس قراره مشتملا على الأسباب التى بنى عليها إما بقبول الطلب واحالة عضو النيابة إلى المعاش أو نقله إلى وظيفة غير قضائية. وإما برفض الطلب، ويطبق فى شأن هذا الطلب حكم المادة/ 39 من هذا القانون....). وتنص المادة/ 39 من ذات القانون على أنه (......وتقام الدعوى التأديبية من وزير العدل بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية، ولا يقدم هذا الطلب إلا بناء على تحقيق جنائى أو بناء على تحقيق إدارى يتولاه أحد نواب الرئيس أو الوكلاء العامين الأولين يندبه وزير العدل بالنسبة إلى نواب الرئيس والوكلاء العاملين الأولين والوكلاء العامين، أما باقى الأعضاء فيتولى التحقيق معهم وكيل عام على الاقل من إدارة التفتيش يندبه رئيس الهيئة، وترفع الدعوى التأديبية بصحيفة تشتمل على التهمة والادلة المؤيدة لها وتعلن للعضو .... ويحضر العضو بشخصه أمام المجلس وله أن يقدم دفاعه كتابة وأن ينيب فى الدفاع عنه أحد أعضاء النيابة الإدارية .....).
وتنص المادة/ 16 من التعليمات العامة بتنظيم العمل الفنى بالنيابة الإدارية الصادرة بقرار رئيس هيئة النيابة الإدارية رقم 136 لسنة 1994 على أنه (يجب على أعضاء النيابة جميعا العناية المبالغة بمظهرهم...... والالتزام بالسلوك القويم، والنأى عن مواطن الشبهة، الابتعاد قدر الطاقة عن أن يكونوا أطرافا فى خصومة، وأن يصونوا كرامة وظيفتهم فلا يجعلوها عرضة لما يشينها ولا يتخذون منها وسيلة للاعنات بالافراد أو النيل منهم، أو لقضاء مصالح شخصية لهم أو لذويهم أو معارفهم حفاظا على سمعتهم وهيبة الهيئة التى ينتمون إليه)، وتنص المادة/ 39 من تلك التعليمات على أنه (لا يجوز لعضو النيابة القيام بأى عمل تجارى، أو الاشتراك فى الجمعيات التعاونية كرؤساء أو أعضاء فى مجالس إدارتها، كما لا يجوز له القيام بأى عمل لا يتفق ومقتضيات وظيفته أو يمس استقلالها أو هيبتها وكرامتها).
ومؤدى ما تقدم من نصوص، أن دعوى الصلاحية تعرض على مجلس تأديب أعضاء النيابة الإدارية بجميع درجاتهم بواسطة وزير العدل من تلقاء نفسه أو بناء على طلب من رئيس هيئة النيابة الإدارية، وتقام هذه الدعاوى ضد عضو النيابة الذى يتوافر فى شأنه أى من أسباب عدم الصلاحية لشغل الوظيفة عدا الاسباب الصحية، وأن تلك الاسباب ليست محددة على سبيل الحصر فى قانون تنظيم النيابة الإدارية، ويقوم مجلس التأديب بالفصل فى دعوى الصلاحية - بعد اجراء التحقيق الإدارى وفقا لاحكام المادة/ 39 من القانون المشار إليه - وذلك بفحص حالة العضو، فإذا تبين للمجلس توافر سبب من أسباب عدم الصلاحية، أصدر قراره متضمنا الأسباب التى شيد عليها، اما بقبول الطلب واحالة العضو إلى المعاش، أو نقله إلى وظيفة غير قضائية، واما برفض الطلب. وقد أوجبت التعليمات العامة بتنظيم العمل الفنى بالنيابة الإدارية على أعضاء النيابة الالتزام بالسلوك القويم، والنأى بأنفسهم عن مواطن الشبهة، وألا يكونوا أطرافا فى خصومة، وألا يتخذوا من وظائفهم وسيلة لقضاء مصالحهم الشخصية، وذلك حفاظا على سمعتهم وهيبة الهيئة التى ينتمون إليها، كما حظرت هذه التعليمات على عضو النيابة القيام بأى عمل تجارى، أو أى عمل لا يتفق ومقتضيات وظيفته، أو يمس استقالها أو هيبتها وكرامتها.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أنه لا يشترط لمؤاخذة الموظف تأديبيا عما يقع منه خارج نطاق الوظيفة أن يكون ذلك منطويا على انحراف فى طبعه، وخلقه على وجه تؤثر تأثيرا مباشرا فى كيان وظيفته واعتبارها، بل يكفى أن يصدر منه ما يمكن أن يعتبر مناقضا ومتعارضا مع الثقة، وما تتطلبه من بعد عن مواطن الشبهات والريب، وكل ما يمس الامانة والنزاهة، فكل فعل يصدر من الموظف خارج نطاق وظيفته ينطوى على سلوك معيب يمس كرامته ويمس كرامة المرفق الذى يعمل به بطريق غير مباشر يحاسب عنه تأديبيا، إذ المناط فى تأثير تصرفات العامل الشخصية خارج نطاق الوظيفة هو بمدى انعكاس تلك التصرفات على الوظيفة العامة وتأثرها بها.
كما أن المستقر عليه أن دعوى الصلاحية لا تقوم فى الاصل على تهمة محددة جرى اسنادها للمحال وانما تقييم حالته على ضوء الشروط التى يتطلبها المشرع فيمن يتولى الوظيفة القضائية، ومن بينها أن يكون محمود السيرة حسن السمعة، وهو شرط لا ينفك عنه بل يلازمه دوماً ما بقى قائما بأعبائها بحيث إذا انتفت صلاحيته للاستمرار فيها تعين بقرار من مجلس الصلاحية إقصاءه عنها، سواء باحالته إلى المعاش أو بنقله إلى وظيفة غير قضائية، عملا بما تقضى به المادة 38 مكرر 3 من القانون رقم 117 لسنة 1959، وليس لازما أن تكون عناصر الواقعة الواحدة مؤيدة فى كل جزئياتها بالادلة المثبتة لها، وانما يجوز لمجلس الصلاحية أن يؤسس قراره على ما تولد لديه من انطباع عن أفعال أتاها المحال وتناقلتها ألسنة الناس فى محيط اجتماعى معين، واستقر فى جدانها كحقيقة تنال من اعتباره وتزعزع الثقة فيه، وبالتالى تضحى دعوى الصلاحية فى حقيقتها دعوى أهلية يراعى عند الفصل فيها الاعتداد بالعناصر المختلفة المتصلة بهذا التقييم حتى ما كان منها متعلقا بحقبة ماضية. إذ يقلب النظر فى الصورة المتكاملة لسمعته وسيرته وما استقر فى شأنها بطريق التواتر ماضيا وحاضرا، ذلك أن عمل عضو الهيئات القضائية عموما لا يقاس بغيره من الموظفين العموميين، ولا هو يؤاخذ بالضوابط المعمول بها فى شأن واجباتهم الوظيفية، وانما يتعين أن - يكون مقياس سلوكه أكثر صرامة وأشد حزما، نأياً بالعمل القضائى أن تحيطه الشبهات أو تكتنفه مواطن الريب التى تلقى بظلال قاتمة على نزاهته، وتتضاءل معها الثقة فى القائمين عليها خاصة إذا انزلق إلى أفعال كان ينبغى أن يتجبنها صوناً لهيبة الوظيفة القضائية وتوقياً للتعريض بها.
ومن حيث إنه فى ضوء ما تقدم، وكان الثابت بالاوراق أنه سبق وأن قدمت شكوى ضد الطاعن م زوج شقيقته .............. تفيد بأن المذكور يقوم بالاتجار فى الادوات الصحية، وتوجهه بسيارة إلى ليبيا لنقل هذه الادوات عامى 91 - 1992، كما قام بتزوير شيك بمبلغ 29700 جينه مسحوبا على بنك مصر فرع ايزيس بيولكلى بالاسكندرية لا يقابله رصيد قابل للسحب للمدعو .............، وعليه قامت هيئة الرقابة الإدارية بالتحريات فى هذا الشأن - بناء على طلب رئيس هيئة النيابة الإدارية - وقدمت تقريرها رقم 4306 المؤرخ 5/ 11/ 1995، والذى يفيد أن المشكو فى حقه (الطاعن) يزاول عملية الاتجار فى الادوات الصحية بالمحل الكائن 2 شارع جابر عبد المعطى الغزالى ببولكلى، وأن المحل يمارس نشاطه على فترتين صباحا ومساءاً، وأن الشاكى متزوج شقيقة المشكو فى حقه وبينهما خلافات وقضايا منظورة أمام المحاكم، ومن ثم قامت إدارة التفتيش بالهيئة باعداد مذكرة فى الفحص رقم 250 لسنة 1995، والتى انتهت فيها إلى الرأى باحالة المذكور للتحقيق فيما نسب إليه، حيث وافق وزير العدل على ذلك بكتابه رقم 190 المورخ 14/ 3/ 1996، وعليه أجرى التحقيق رقم 2 لسنة 1996، والذى أسفر عن الآتى: -
1 - إن الطاعن مستمر فى ممارسة الاتجار فى الأدوات الصحية، واتساع رقعة نشاطه فى هذا المجال بما يدين مسلكه، لما فى ذلك من اخلال بمقتضيات وظيفته، رغم سابقة صدور القرار رقم 66 لسنة 1987 بتاريخ 12/ 4/ 1987 بمجازاته بعقوبة الانذار عن هذا الفعل.
2 - إن الطاعن قد خان الامانة باستيلائه على مبلغ عشرين ألف جنيه من حساب زوج شقيقته ببنك مصر فرع ايزيس ببولكلى، ومبلغ عشرة آلاف جنيه أخرى كان قد أنقدها اياه للانفاق على أولاده حال غيابه بالخارج.
3 - اشترك الطاعن مع المدعو ........... فى الحصول على بعض الأدوات الصحية من ........... .بالاجل. ونقلها إلى ليبيا عام 1991 عن طريق سيارة نقل كان يرافقها لبيعها هناك، وإعادة شراء بعض المنتجات المصرية العادة بيعها بمصر بقصد تحقيق ربح من فرق سعر العملة فى الدولتين، وقد اختلفا على الحدود، مما عرض نفسه لما يحط من قدره وقدر وظيفته القضائية التى يشغلها.
4 - أصدر الشيك رقم 50621 فى 14/ 12/ 1991 بمبلغ 29700 جنيه لأمر ........... من حساب زوج شقيقته بالبنك المذكور دون أن يقابله رصيد، مما عرض صاحب الحساب لاتهام فى الجنحة رقم 2596 لسنة 1994 العامرية، وبما دعاه هو الاخر إلى اتهامه (الطاعن) بخيانة الامانة فى الجنحة المباشرة رقم 8673 لسنة 1995 الدخيلة، حيث قام الاخير بسداد قيمة الشيك، الامر الذى يدين مسلكه عن هذا التصرف.
وقد خلصت مذكرة التحقيق إلى الرأى لدى الموافقة بعرض أمر ا لطاعن على لجنة الصلاحية، حيث وافق وزير العدل على ذلك بكتابة رقم 705 المؤرخ 5/ 12/ 1996، وعليه أقيمت دعوى الصلاحية رقم 1 لسنة 1997، والتى صدر فيها قرار مجلس التأديب بجلسته المنعقدة فى 13/ 10/ 1997 بنقل المذكور إلى وظيفة غير قضائية، وذلك استنادا إلى الاسباب المبينة سلفا.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم، أن ما نسب إلى الطاعن جاء صحيحا وثابتا فى حقه، سيما وأن الأوراق قد أجدبت مما يدحض ما نسب إليه، كما أن ما أجرى معه من تحقيقات، واقامة دعوى الصلاحية - محل الطعن - ضده جاء وفقا للاوضاع والإجراءات التى نظمها القانون، فضلا عن أن القول بأن القرار المطعون فيه صدر مشوبا بعيب اساءة استعمال السلطة لم يقم عليه دليل من الأوراق، الامر الذى يضحى معه هذا القرار قد صادف حكم القانون فى صحيحه، مما يتعين الحكم برفض الطعن.
هذا ولا وجه للقضاء بالمصروفات عملا بحكم المادة 40 مكررا/ 1 من القانون رقم 177 لسنة 1958 الآنف الذكر.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا.