مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادىء القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشرة - العدد الأول (من أول اكتوبر سنة 1969 إلى منتصف فبراير سنة 1970) - صـ 140

(23)
جلسة 17 من يناير سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد شلبى يوسف رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذه يوسف إبراهيم الشناوى ومحمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية. المستشارين.

القضية رقم 440 لسنة 11 القضائية

(أ) - عقد ادارى. "عقد التزام المرفق العام".
أن القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزام المرافق العامة قد وضع لتنظيم العلاقة بين السلطة مانحة الالتزام والملتزم في شأن ادارة المرفق العام الذي يعهد إلى الملتزم بالمشاركة في تسييره على أساس أن عقد الالتزام يمنح لمدد طويلة نسبيا وليس لمدد قصيرة - أساس ذلك.
(ب) - ترخيص "الترخيص المؤقت باستغلال مرفق النقل العام للركاب بالسيارات".
أن المشرع قد فرق بين عقد التزام المرفق العام وبين الترخيص المؤقت في الشروط والأحكام المنطبقة على كل منهما - التراخيص المؤقته تخضع للشروط التى يحددها وزير المواصلات عدم سريان أحكام القانون رقم 29 لسنة 1947 بالتزام المرافق العام عليها إذا خلت من نصوص صريحة توجب تطبيق أحكامه عليها.
1 - يبين من مراجعة القانون رقم 29 لسنة 1947 بالتزام المرافق العامة أنه وضع لتنظيم العلاقة بين السلطة مانحة الالتزام والملتزم في شأن ادارة المرفق العام الذي يعهد إلى الملتزم بالمشاركة في تسييره على أساس أن عقد الالتزام يمنح لمدد طويلة نسبيا وليس لمدد قصيرة، وآية ذلك أن المادة الثالثة من القانون تنص على ما يأتى "لا يجوز أن تتجاوز حصة الملتزم السنوية في صافى أرباح استغلال المرفق العام عشرة في المائة من رأس المال الموظف والمرخص له من مانح الالتزام، وذلك بعد خصم مقابل استغلال رأس المال، وما زاد على ذلك من صافى الأرباح يستخدم أولا في تكوين احتياطي خاص للسنوات التى تقل فيها الأرباح عن 10 ونصف وتقف زيادة هذا الاحتياطي حتى بلغ ما يوازى 10% من رأس المال، ويستخدم ما يبقى من هذا الزائد في تحسين وتوسيع المرفق العام أو في خفض الأسعار حسبما يرى مانح الالتزام"، فهذا النص يفترض أن الالتزام لا يمنح إلا لمدد طويلة نسبيا تعد بالسنوات، ذلك لأن الفقرة الأولى منه نصت على إلا تحصل نسبة الربح إلا بعد خصم مقابل استهلاك رأس المال، وقضت الفقرة الثانية بأن ما زاد على الأرباح عن تلك النسبة يستخدم في تكوين احتياطي للسنوات التى تقل فيها نسبة الأرباح عن 10%، ويضاف إلى ذلك أيضا أن الزيادة التى تجنب من أرباح الملتزم لا تمنح إلى جهة الادارة مانحة الالتزام، وإنما تخصص باعتبارها قد استقطعت من أرباح الملتزم لمواجهة الخسارة أو النقص في الربح الذي يصيب الملتزم في بعض سنوات الاستغلال، أو تستخدم في تحسين وتوسيع المرفق العام، وليس من شك في أن هذه الأحكام كلها مستحيلة التطبيق على التراخيص التى قد تمنح لاستغلال بعض المرافق العامة، لأنها مؤقته بطبيعتها وتمنح لآجال قصيرة، وغير قابلة للتحديد ويحق لجهة الادارة مانحة الترخيص الغاؤها في أى وقت، طبقا لصريح نصوصها ومن ثم فلا تسرى عليها أحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 المشار إليه لأنها مقصورة التطبيق على عقود التزام المرافق العامة دون غيرها.
2 - أن المشرع فرق بين عقد التزام المرفق العام وبين الترخيص المؤقت في الشروط والأحكام المنطبقة على كل منهما، فقد اخضع عقد الالتزام فيما يتعلق بالأرباح التى يحققها الملتزم إلى الأحكام المضمنة في القانون رقم 129 لسنة 1947، بينما أخضع التراخيص المؤقتة التى قد تمنحها جهة الادارة إذا ما تعذر منح الاستغلال عن طريق الالتزام للشروط التى يحددها وزير المواصلات، وإذا كان القانونان المشار إليهما لا ينطبقان على خطوط أتوبيس مدينة القاهرة وانما يسريان على خطوط اتوبيس الأقاليم وحدها، غير أنهما يكشفان بوضوح وجلاء عن أن المشرع نفسه يفرق بين عقد الالتزام وبين الترخيص المؤقت في شأن أحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزام المرافق العامة لا يسرى على التراخيص المؤقتة إذا خلت من نصوص صريحة توجب تطبيق أحكامه عليها.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة تتحصل، حسبما يبين من أوراق الطعن، في أن محافظة القاهرة أقامت الدعوى رقم 41 لسنة 17 القضائية ضد السيد/ حسين الراعي بعريضة أودعتها سكرتيرية محكمة القضاء الإداري بتاريخ 7 من أكتوبر سنة 1962، طالبة الحكم بإلزام المدعى عليه بأن يؤدى إليها مبلغ 20 مليم و6701جنيه وفوائده القانونية، وقالت شرحا لدعواها أنها عهدت إلى المدعى عليه بتشغيل الخط رقم 26 من خطوط أتوبيس مدينة القاهرة، بموجب ترخيص مؤقت لمدة ستة أشهر تنتهى في 31 من ديسمبر سنة 1952 وامتد العمل بالترخيص لمدة ستة أشهر أخرى انتهت في 30 من يونية سنة 1953، وقد طالبت المحافظة المدعى عليه بتقديم ميزانية وحسابات الاستغلال والأرباح والخسائر الخاصة بإيرادات الخط المذكور حتى تتمكن من تطبيق الأحكام التى تضمنتها المادة الثالثة من القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة، والتى تقضى بأنه لا يجوز أن تتجاوز حصة الملتزم السنوية من صافى أرباح استغلال المرفق العام 10% من قيمة رأس المال الموظف، ولما أمتنع المدعى عليه من تقديم تلك الدفاتر والمستندات قدرت المحافظة أرباحه الصافية بنسبة 20% من اجمالى الايرادات خلال مدة الاستغلال على الوجه الآتى: 70.مليم و24068 جنيه أيراد الفترة من 9/ 5 حتى ديسمبر سنة 1952 ويضاف إليها مبلغ 030مليم و20242جنيه عن الفترة من يناير حتى يونية سنة 1953 فبلغ مجموع الايراد 100مليم و44210جنيه فيكون الأرباح الصافية هي 020مليم و88420 جنيه بنسبة 20% من أجمالى الايراد، يستنزل منها 000مليم و2141جنيه أرباح بواقع 10% من رأس المال الموظف، فتكون الأرباح الزائدة عن 10% هي مبلغ 020مليم و6701جنيه، ونظرا لأن المدعى عليه أمتنع عن سداد هذا المبلغ عند مطالبته به فقد أقامت المحافظة الدعوى لإلزامه بدفعه وبدفع فوائده بواقع 4% من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تمام السداد.
وقد قدم المدعى عليه مذكرة إلى مفوض الدولة في 12 من يونية سنة 1963 طلب فيها أعلان شركة المنيا والبحيرة شريكته المتضامنة في عقد تشغيل الخط موضوع النزاع ووعد بأن يقدم دفاعه في الدعوى غير انه لم يقدم أى دفاع.
ومن حيث أنه بجلسة 7 من فبراير سنة 1965 حكمت محكمة القضاء الادارى يرفض طلبات المحافظة المدعية والزمتها بالمصروفات وبمبلغ ثلاثة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة. وأقامت المحكمة قضاءها على أن القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزامات المرافق العامة إنما وضع لتنظيم العلاقة بين السلطة مانحة الالتزام وبين الملتزم، فلا تسرى أحكامه إلا على التزامات المرافق العامة التى تمنح لمدد طويلة، ولا تنطبق على حالة التراخيص التى تمنح لمدة قصيرة، وإذا لم يتضمن الترخيص المؤقت الذي بموجبه استغل المدعى خط السيارات رقم 26، نصا يلزمه بأن يؤدى إلى البلدية ما زاد من صافى أرباحه عن 10% منها، ولم يحل الترخيص إلى القانون المشار إليه فمن ثم فان الدعوى تكون على غير أساس حقيقة بالرفض.
ومن حيث أن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه حين فرق بين الترخيص المؤقت وعقد الالتزام في مجال الحقوق التي تتمتع بها جهة الادارة مانحة الالتزام تجاه المرخص له أو الملتزم والمضمنة القانون المشار إليه، ففى كلا الحالتين تنطبق أحكام القانون، وما دام الترخيص المؤقت منح في ظل ذلك القانون، فتسرى عليه أحكامه ومنها نص المادة الثالثة الذى لا يجيز أن تزيد حصة الملتزم في صافى الأرباح عن 10% ولو لم يتضمن الترخيص المؤقت نصا من هذا القبيل، لأن حالة الضرورة هي التى أملت على جهة الادارة منح الاستغلال بترخيص بدلا من عقد الالتزام، أما موضوع التراخيص ونظامها وأحكامها فهى ذات موضوع عقد الالتزام مهما قصرت مدة الترخيص، ومن ثم يخضع المرخص له لذات الأحكام التى يخضع لها الملتزم.
ومن حيث انه يتضح مما تقدم أن مثار المنازعة في الطعن، تنحصر فيما إذا كانت أحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزام المرافق العامة تسرى على الترخيص المؤقت الذي منح للمطعون ضده كما تذهب إلى ذلك الطاعنة، أم أنه لا ينطبق عليه كما ذهب إلى ذلك الحكم المطعون فيه.
ومن حيث أنه يبين من مراجعة القانون المشار إليه أنه وضع لتنظيم العلاقة بين السلطة مانحة الالتزام والملتزم في شأن ادارة المرفق العام الذى يعهد إلى الملتزم بالمشاركة في تسييره على أساس أن عقد الالتزام يمنح لمدد طويلة نسبيا وليس لمدد قصيرة، وآية ذلك أن المادة الثالثة من القانون تنص على ما يأتى "لا يجوز أن تتجاوز حصة الملتزم السنوية في صافى أرباح استغلال المرفق العام عشرة في المائة من رأس المال الموظف والمرخص به من مانح الالتزام، وذلك بعد خصم مقابل استغلال رأس المال وما زاد على ذلك من صافى الأرباح يستخدم أولا في تكوين احتياطي خاص للسنوات التي تقل فيها الأرباح عن 10 وتقف زيادة هذا الاحتياطي متى بلغ ما يوازى 10% من رأس المال ويستخدم ما يبقى من هذا الزائد في تحسين وتوسيع المرفق العام أو في خفض الأسعار حسبما يرى مانح الالتزام"، فهذا النص يفترض أن الالتزام لا يمنح إلا لمدد طويلة نسبيا تعد بالسنوات، ذلك لأن الفقرة الأولى منه نصت على إلا تحسب نسبة الربح إلا بعد خصم مقابل استهلاك رأس المال، وقضت الفقرة الثانية بأن ما زاد من الأرباح عن تلك النسبة يستخدم في تكوين أحتياطى للسنوات التى تقل فيها نسبة الأرباح عن 10%، ويضاف إلى ذلك أيضا أن الزيادة التى تجنب من أرباح الملتزم لا تمنح إلى جهة الادارة مانحة الالتزام، وانما تخصص، باعتبارها قد استقطعت من أرباح الملتزم، لمواجهة الخسارة أو النقص في الربح الذى قد يصيب الملتزم في بعض سنوات الاستغلال، أو تستخدم في تحسين وتوسيع المرفق العام، وليس من شك في أن هذه الأحكام كلها مستحيلة التطبيق على التراخيص التى قد تمنح لاستغلال بعض المرافق العامة، لأنها مؤقتة بطبيعتها وتمنح لآجال قصيرة، وغير قابلة للتجديد ويحق لجهة الإدارة مانحة الترخيص الغاؤها في أى وقت، طبقا لصريح نصوصها ومن ثم فلا تسرى عليها أحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 المشار إليه لأنها مقصورة التطبيق على عقود التزام المرافق العامة دون غيرها. ومن حيث أن التفرقة في الأحكام المنطبقة على كل من عقود التزام المرافق العامة والتراخيص المؤقتة، ولو أن كليهما خاص باستغلال المرافق العامة، هو أمر عرفه المشرع ووضع في شأن نصوصا صريحة في القوانين الخاصة بالنقل العام للركاب بالسيارات، وآية ذلك أن المشرع أصدر القانون رقم 106 لسنة 1950 في شأن النقل العام للركاب بالسيارات نصت المادة الثانية منه على أن يسبق صدور القانون بعقد الالتزام إجراء مزايدة عامة وأوجبت المادة الثالثة أن ينص في وثيقة الالتزام على أن يؤدى الملتزم اتاوة لا تقل عن 4% من اجمالى الايرادات، واجازت المادة الرابعة لوزير المواصلات منح تراخيص بالاستغلال إذا ما تعذر منح الالتزام، ونصت المادة السادسة على انه يجب ان يشتمل الترخيص المشار إليه في المادتين السابقتين على شروط مطابقة للشروط التى تحصل المزايدة على أساسها في حالة الالتزام وان يؤدى عن كل سيارة مرخصة اتاوة مقدارها 2% من اجمالى ايرادها، ثم صدر القانون رقم 699 لسنة 1954 بشأن النقل العام للركاب بالسيارات والغى القانون رقم 106 سنة 1950 المشار إليه وحل محله، وكانت التفرقة فيه بين الأحكام المنطبقة على كل من عقد الالتزام والترخيص المؤقت اظهر، فقد أوجبت المادة الثانية أن يصدر قانون بعقد الالتزام وإلا يمنح الالتزام إلا بعد فترة يحددها وزير المواصلات لا تجاوز السنة، ويكون استغلال النقل طوال المدة السابقة على منح الالتزام والسير في تنفيذه بطريق الترخيص وتضمنت المادة الثالثة انه يجب أن تتضمن وثيقة الالتزام أن يؤدى الملتزم للحكومة علاوة على رسوم الترخيص اتاوة سنوية قدرها 30% من صافى أرباحه السنوية الزائدة على 5% من رأس المال الموظف والمرخص به، وما زاد على 10% من رأس المال الموظف تجرى عليه أحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 ونصت المادة السادسة على أنه يجوز لوزير المواصلات، إذا تعذر استمرار الالتزام في خط أو منطقة أن يمنح الاستغلال فيها بطريق الترخيص إلى أن يصبح طريق الالتزام ممكنا، ونصت المادة السابعة على أن يحدد وزير المواصلات شروط الترخيص المشار إليه في المادتين الثانية والسادسة، على أن تكون مطابقة بقدر الإمكان لشروط المزايدة أو الممارسة الخاصة بالالتزام.
ومن حيث أنه يتضح من استقراء هذه الأحكام أن المشرع فرق بين عقد التزام المرفق العام وبين الترخيص المؤقت في الشروط والأحكام المنطبقة على كل منهما، فقد اخضع عقد الالتزام فيما يتعلق بالأرباح التي يحققها الملتزم إلى الأحكام المضمنة في القانون رقم 129 لسنة 1947، بينما أخضع التراخيص المؤقتة التى قد تمنحها جهة الإدارة إذا ما تعذر منح الاستغلال عن طريق الالتزام للشروط التى يحددها وزير المواصلات، وإذا كان القانونان المشار إليهما لا ينطبقان على خطوط أتوبيس مدينة القاهرة وإنما يسريان على خطوط أتوبيس الأقاليم وحدها، غير أنهما يكشفان بوضوح وجلاء عن أن المشرع نفسه يفرق بين عقد الالتزام وبين الترخيص المؤقت في شأن الأحكام المنطبقة علي كل منهما،وهذا يؤكد ما سبق ذكره من أحكام القانون رقم 129 لسنة 1947 بالتزام المرافق العامة لا يسرى على التراخيص المؤقتة إذا خلت من نصوص صريحة توجب تطبيق أحكامه عليها.
ومن حيث أنه لما كان سند المطعون ضده في استغلال الخط 26 من خطوط أتوبيس مدينة القاهرة، هو ترخيصا مؤقتا خلا من الشروط التي تجيز لجهة الإدارة مانحة الترخيص مطالبته بما زاد من أرباحه الصافية عن 10% والتي تحيل إلى القانون رقم 129 لسنة 1947 المشار إليه، فمن ثم فان دعوى محافظة القاهرة تكون على غير أساس سليم من القانون، ويكون الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض دعواها قد أصاب الحق في قضائه، ويتعين لذلك الحكم بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا مع إلزام الطاعنة بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا وألزمت الطاعنة بالمصروفات.