مجلس الدولة - المكتب الفنى - مجموعة المبادىء القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الخامسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1969 إلى منتصف فبراير سنة 1970) - صـ 185

(30)
جلسة أول فبراير سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد مختار العزبى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة محمد طاهر عبد الحميد وسليمان محمود جاد ومحمد فهمى طاهر ومحمد بهجت عتيبة المستشارين.

القضية رقم 1234 لسنة 9 القضائية

رجال القضاء والنيابة العامة - اختصاص - دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض - القضاء الإداري - اختصاص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض دون غيرها بالفصل في الطلبات التي يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة - شرط هذا الاختصاص - أن يكون الطلب متعلقا بشان قاضى ولو زالت عنه هذه الصفة وقت تقديم طلبه وان يكون متعلقا بالحقوق الأصلية لرجال القضاء - الدعوى التي تتعلق بعمل ليس من شئون القضاء يظل الاختصاص بها معقودا للقضاء الإداري.
أن المشرع وأن لم يشترط لاختصاص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض أن يكون الطالب وقت تقديم طلبه من رجال القضاء العاملين وإنما يكفى أن يكون الطلب متعلقا بشأن قاض ولو زالت عنه هذه الصفة وقت تقديم طلبه إلا أن المشرع قصد أن يكون الطلب متعلقا بالحقوق الأصلية لرجال القضاء، ولفظ "المكافآت" الوارد في النص أنما يعنى مكافأة نهاية الخدمة في حالة ما إذا لم يكن القاضي مستحقا لمعاش كما أن عبارة "التعويض" ليست مطلقة وإنما هي مخصصة بأنها "الناشئة عن كل ما تقدم" أي الناشئة عن القرارات الإدارية المعيبة المتعلقة بالحقوق الأصلية لرجال القضاء ولما كانت الدعوى الراهنة تتعلق بمكافأة المدعى أو تعويضه عن عمله في اللجان المشكلة لتعديل القانون التجاري البحري وليس هذا العمل من شئون القضاة، وبالتالي لا يعتبر العوض عنه من حقوقهم الأصلية، فان الفصل فيها لا يدخل في اختصاص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض بل يظل معقودا للقضاء الإداري.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة، تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعى، أقام الدعوى رقم 999 لسنة 12 القضائية ضد رياسة مجلس الوزراء ووزارة العدل بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 3 من يولية سنة 1958 وطلب في هذه العريضة "الحكم على مجلس الوزراء ووزارة العدل بإلزامهما متضامنين بدفع مبلغ ثلاثة آلاف جنيه والمصاريف وإتعاب المحاماة" وتوجز أسانيد دعواه في أنه أخطر في 7 من مارس سنة 1935 بقرار مجلس الوزراء الصادر في 27 من فبراير سنة 1935 بتعيينه عضوا في لجنة تعديل القانون البحري المصري ، فواظب على حضور الجلسات الأسبوعية لهذه اللجنة وكان يضع لها الأبحاث القانونية لأنه كان العضو المتخصص في الشرائع البحرية ويجيد بضع لغات أجنبية تساعد على التفاهم مع أعضاء اللجنة الأجانب كما قام بإعداد التقارير باللغتين العربية والفرنسية عن المعاهدات البحرية التي طلب إلى مصر الانضمام إليها وتعدل تشكيل هذه اللجنة مرارا ولكنه ظل العضو الوحيد الباقي بها إلى أنتهت من وضع التشريع، وأضاف أنه كان من رجال القضاء المختلط لحين الغائه عام 1949 وقد استمر محتفظا بعضوية اللجنة بعد إلغاء القضاء المختلط كما أضاف أن وزارة العدل أصدرت في 7 من أبريل سنة 1951 قرارا بتشكيل لجنتين أحداهما عامة والأخرى فرعية مهمتهما مراجعة مشروع القانون واحتفظت له الوزارة بعضوية كل من هاتين اللجنتين ثم اصدرت في 14 من يونية سنة 1951 قرارا آخر بتشكيل لجنة أخرى مهمتها ترجمة مشروع قانون التجارة البحري ومذكرته إلى العربية واسندت له رياسة هذه اللجنة وقد قام بترجمة المشروع الجديد للقانون البحري وكان يقوم بالإشراف على شئون النفقات المالية للجنة ثم انتهى إلى القول بانه - بعد أحالة المشروع إلى مجلس الدولة - قابل السيدين وزير العدل ووكيل وارتها مرارا مطالبا بإتعابه عن الأعمال التي قام بها وكانا يعدانه بالوفاء بها بمجرد حصول الوزارة على اعتماد في الميزانية لأعمال لجان التشريع ولما لم يتم الوفاء اضطر إلى أقامة هذه الدعوى. وقد قسمت الوزارة - في ردها على الدعوى - المدة التى عمل فيها المدعى بلجان التشريع إلى ثلاث فترات، الأولى من مارس سنة 1935 إلى أول ديسمبر سنة 1944 والثانية من أول ديسمبر سنة 1944 حتى سنة 1949 والثالثة من سنة 1949 حتى مارس سنة 1953 وطلبت - عن الفترة الأولى، الحكم "أصليا برفض الدعوى واحتياطيا بسقوطها" تأسيسا على أنه لا توجد أية قاعدة تنظيمية أو أي قرار فردى يقرر استحقاق المدعى مكافأة عن هذه الفترة وبالنسبة إلى الفترة الثانية طلبت الوزارة الحكم "بسقوط الدعوى لمضى أكثر من خمس سنوات" وقالت الوزارة أن هذه الفترة تبدأ من تاريخ العمل بقرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من مارس سنة 1945 بتنظيم صرف المكافآت لاعضاء لجان التشريع حتى أحالة المدعى على المعاش واسست الوزارة طلبها عن هذه الفترة، على أن المدعى لم يطلب هذه المكافأة خلال خمس سنوات وبالنسبة إلى الفترة الأخيرة قالت الوزارة أن المدعى لم يكن خلالها في الخدمة وطلبت بالنسبة إليها، الحكم "أصليا بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى واحتياطيا بسقوطها"تأسيسا على أن المدعى لم يكن في هذه الفترة موظفا - بالنسبة إلى الطلب الأصلي - وعلى أن ما يطالب به لا يخرج عن كونه مرتبا أضافيا فهو يتقادم بانقضاء خمس سنوات - بالنسبة إلى الطلب الاحتياطى. وبجلسة أول يولية سنة 1963 قضت محكمة القضاء الادارى "برفض الدعوى مع الزام المدعى بالمصروفات" وقضت في أسباب الحكم برفض الدفع بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى بالنسبة إلى الفترة الأخيرة التى لم يكن فيها المدعى موظفا تأسيسا على أن مطالبة المدعى بمكافأة عن هذه الفترة لا تؤثر على طبيعة علاقته بالحكومة وأقامت قضاءها برفض الدعوى على أن قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من مارس سنة 1945 في شأن تنظيم مكافآت العاملين في لجان التشريع قد عمل به اعتبارا من أول ديسمبر سنة 1945 ومن ثم لا يفيد المدعى من هذا القرار عن الفترة السابقة على ذلك التاريخ وعلى أن ما يطالب به عن الفترة من أول ديسمبر سنة 1944 حتى سنة 1949 قد سقط بالتقادم الخمسى وأخيرا على ما يطالب به عن الفترة الأخيرة من سنة 1949 حتى 3 من مارس سنة 1953 قد سقط بانقضاء أكثر من ثلاث سنوات أعمالا لأحكام المادة 180 من القانون المدنى التى تقضى بسقوط دعوى التعويض عن الاثراء بلا سبب بمضي ثلاث سنوات.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن المدعى لا يطلب الحكم بمرتب أو أجر، وأنما يطلب أتعابا عن عمله بلجان التشريع، والأتعاب هي تعويض لا يسقط الحق في المطالبة به بالتقادم الخمسى بل بالتقادم الطويل وعلى أن ميزانية كل وزارة تتضمن أعتمادات لمواجهة هذه المطالبات وما يماثلها وهي اعتمادات المصروفات غير المنظورة، وذلك لمواجهة تنفيذ الأحكام أو المفاجآت التى لم تكن في الحسبان وعلى انه لا وجه لرجوع المحكمة إلى قرار مجلس الوزراء الصادر في 24 من مارس سنة 1945 في شأن الأتعاب المطلوبة عن الفترة السابقة على تاريخ العمل به التى بدأت قبل صدوره بأحد عشر عاما، كما يقوم الطعن على أنه لا وجه للقول بسقوط حق المدعى في المطالبة بإتعابه كاملة طالما أن القانون الذي اشترك في أعداد مشروعه، لم يصدر بعد، إذا لا يبدأ ميعاد سقوط هذه الإتعاب إلا من تاريخ صدور هذا القانون ومع فقد ثابر على المطالبة بإتعابه ، حسبما يبين - كما يقول - من صور كتبه المسجلة التي طالب فيها بإتعابه ومن صورتي كتابية المسجلين المؤرخين 24 من أغسطس و11 من نوفمبر سنة 1952 وكذلك كتابه المؤرخ 12 من نوفمبر سنة 1953 المرافقة لتقرير الطعن، وان الثابت من الإيصالات المرفقة بها، أنها أرسلت إلى وزارة العدل.
ومن حيث أن المدعى قدم مذكرة - بجلسة 7 من أبريل سنة 1966 قال فيها أنه لا يسوغ للحكومة أن تدفع دعواه بتقادم حقه لانها تعلم انه لم يحصل على أتعابه ولانها خصم شريف بالاضافة إلى التشريع الذى شارك في اعداد مشروعه لم يصدر بعد ومن ثم فان المهمة التى اضطلع بها ما زالت - في نظره - قائمة وستظل كذلك حتى يصدر التشريع وبذات الجلسة، قدمت الحكومة مذكرة دفعت فيها بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري ينظر الدعوى وباختصاص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض بنظرها، تأسيسا على أن المدعى من رجال القضاء السابقين إذ عمل به فترة يسيرة عقب إلغاء المحاكم المختلطة - وذلك أعمالا لإحكام قانون السلطة القضائية ثم قدم المدعى مذكرة ختامية ردد فيها دفاعه الذى سبق أن أبداه.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه سليم فيما انتهى إليه من رفض الدعوى للأسباب التى استند إليها والتى تأخذ بها هذه المحكمة وبها الغنية عن الرد على أوجه الطعن، وتضيف إليها فيما يتعلق بالدفع بعدم اختصاص القضاء الادارى بنظر الدعوى تأسيسا على أن المدعى من رجال القضاء السابقين، وهو الدفع الذى أبدى لأول مرة أمام هذه المحكمة - أن المادة 90 من القانون رقم 43 لسنة 1965 في شأن السلطة القضائية تنص على أن "تختص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض - دون غيرها - بالفصل في كافة الطلبات التى يقدمها رجال القضاء والنيابة العامة بإلغاء القرارات الوزارية المتعلقة بأي شأن من شئونهم... كما تختص الدائرة المذكورة - دون غيرها - بالفصل في الطلبات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لهم أو لورثتهم وتختص أيضا بالفصل في طلبات التعويض الناشئة عن كل ما تقدم".... وقد كانت المادة 90 من قانون السلطة القضائية السابق رقم 56 لسنة 1959 تنص على أحكام مماثلة للأحكام المتقدمة وكذلك كانت المادة 23 من قانون نظام القضاء رقم 147 لسنة 1949 معدلة بالقانون رقم 240 لسنة 1955 تقضى باختصاص محكمة النقض بهيئة جمعية عمومية - دون غيرها - بالفصل في المنازعات الخاصة بالمرتبات والمعاشات والمكافآت المستحقة لرجال القضاء والنيابة العامة أو لورثتهم. ويتبين من استعراض هذه النصوص أن المشرع وأن لم يشترط لاختصاص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض أن يكون الطالب وقت تقديم طلبه من رجال القضاء العاملين وإنما يكفى أن يكون الطلب متعلقا بشأن قاض ولو زالت عنه هذه الصفة وقت تقديم طلبه إلا أن المشرع قصد أن يكون الطلب متعلقا بالحقوق الأصلية لرجال القضاء ، ولفظ "المكافآت" الوارد في النص أنما يعنى مكافأة نهاية الخدمة في حالة ما إذا لم يكن القاضي مستحقا لمعاش كما أن عبارة "التعويض" ليست مطلقة وإنما هي مخصصة بأنها "الناشئة عن كل ما تقدم" أى الناشئة عن القرارات الادارية المعيبة المتعلقة بالحقوق الأصلية لرجال القضاء ولما كان الدعوى الراهنة تتعلق بمكافأة المدعى أو تعويضه عن عمله في اللجان المشكلة لتعديل القانون التجارى البحرى وليس هذا العمل من شئون القضاة، وبالتالى لا يعتبر العوض عنه من حقوقهم الأصلية ، فان الفصل فيها لا يدخل في اختصاص دائرة المواد المدنية والتجارية بمحكمة النقض بل يظل معقودا للقضاء الادارى. كما تضيف اليها أن صور الخطابات التي قال المدعى أنه أرسل أصولها إلى وزارة العدل في غضون سنتي 1952،1953 يطالبها فيها بإتعابه - هذه الخطابات قد جحدتها وزارة العدل وليس ثمة دليل يؤيد المدعى في أن صور الخطابات المقدمة منه بالعبارات التى وردت بها، هي التى أرسلت أصولها إلى الوزارة المذكورة.
ومن حيث أنه على مقتضى ما تقدم يتعين القضاء برفض الطعن مع إلزام الطاعن بمصروفاته..

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ، وبرفضه موضوعا، وألزمت الطاعن بمصروفاته.