مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الأول (من أول 15 أكتوبر سنة 2000 إلى آخر فبراير سنة 2001) - صـ 653

(78)
جلسة 28من يناير سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ د.عادل محمود ذكى فرغلى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ على فكرى حسن صالح، وأسامة محمود عبد العزيز محرم، عبد المنعم أحمد عامر، وسعيد سيد أحمد نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1908 لسنة 39 القضائية

عاملون بالقطاع العام - تأديب - مسئولية أمناء المخازن وأرباب العهد.
إن المشرع قد افترض الخطأ من جانب أمناء المخازن وأرباب العهد رغبة منه فى إسباغ أكبر قدر من الحماية على الأموال التى يؤتمن عليها أمناء المخازن وأرباب العهد ونظراً لخطورة ما قدره المشرع فى هذا الشأن يتعين لكى يصدق على أحد الأمناء أنه صاحب عهدة أن يكون له السيطرة الكاملة على عهدته وأن تكفل النظم السائدة المحافظة على هذه العهدة وعدم المساس بها بحيث إذا ما كانت النظم المعمول بها تحول بين صاحب العهدة وبين السيطرة على عهدته أو لا تتوافر معها وسائل المحافظة على هذه العهدة - مؤدى ذلك - الأمين لا يكون مسؤولا عن العجز فى تلك العهدة - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الاثنين الموافق 27/ 12/ 1993 أودع الأستاذ ............ المحامى نائبا عن الأستاذ .......... بصفته وكيلا عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقرير طعن قيد بجدولها تحت رقم 1908لسنة 39 ق. ع فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها بجلسة 19/ 1/ 1993 فى الطعن رقم 220 لسنة 24 ق.
وطلب الطاعن - للأسباب الواردة بتقرير الطعن - الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من قبول الطعن شكلا بالنسبة للتحميل والحافز والقضاء مجددا برفض الطعن رقم 220 لسنة 24 ق مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى.
وقد تم إعلان تقرير الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى مسببا ارتأت فيه الحكم بوقف طلب تنفيذ الحكم المطعون فيه وإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى فيه بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا بالنسبة للشق الخاص بقرار التحميل وإلغاء الحكم المطعون فيه بالنسبة للشق الخاص بقرار الخصم من الحافز وتعديل الحكم المطعون فيه إلى رفض طلب إلغاء قرار الخصم من الحافز.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بهذه المحكمة جلسة 19/ 6/ 1996 وتداولت نظره على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وبجلسة 19/ 2/ 1997 قررت إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا - الدائرة الثالثة موضوع، وحددت لنظره أمامها جلسة 22/ 4/ 1997 وقد نظرت الدائرة الأخيرة الطعن على الوجه المبين بمحاضر الجلسات وأثناء المرافعة أمامها ثبت لها بجلسة 29/ 7/ 1997 وفاة المطعون ضده بتاريخ 5/ 5/ 1994 من واقع شهادة الوفاة المودعة بالملف بالجلسة سالفة الذكر وبجلسة 4/ 9/ 1997 قضت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) بانقطاع سير الخصومة فى الطعن.
وفى 27/ 12/ 1999 أعلنت الشركة الطاعنة ورثة المطعون ضده بتقرير الطعن فى الحكم مثار النزاع وبذلك استأنف الطعن سيره فى مواجهة هؤلاء الورثة الذين حضروا جلسة 24/ 1/ 1999 أمام هذه المحكمة (الدائرة الخامسة) والتى تداولت نظر الطعن حتى قررت بجلسة 22/ 10/ 2000 إحالته إلى الدائرة السابعة/ موضوع بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص وإذ أحيل الطعن إلى هذه الدائرة قررت بجلسة 3/ 12/ 2000 إصدار الحكم فيه بجلسة اليوم فصدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - فى أن مورث المطعون ضدهم كان قد أقام الطعن رقم 220 لسنة 24 ق بإيداع صحيفته قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة التربية والتعليم وملحقاتها طلب فى ختامها الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بالغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاته بخصم خمسة عشر يوما والحافز الإدارى من راتبه وتحميله مبلغ 3775.584 جنيها وما يترتب على ذلك من آثار.
وقال الطاعن شرحا لطعنه أنه يشغل وظيفة مراجع حزم بالدرجة الرابعة بمخازن شركة الأزياء الحديثة ويقوم بعمله على خير وجه وخلال الفترة من منتصف شهر نوفمبر 1984 حتى منتصف شهر مارس 1985 افتقدت الشركة عدد22بالة أقمشة فوجهت إليه وآخرون الاتهام باختلاسها والبالغ ثمنها 22.653.508 جنيها وقامت بإبلاغ النيابة العامة التى أجرت تحقيقات وقدمتهم للمحاكمة فى القضية رقم 278 لسنة 1988 جنايات الدرب الأحمر أمام محكمة جنايات أمن الدولة العليا، والتى أصدرت حكمها بجلسة 28/ 5/ 1989 ببراءة المتهمين مما اسند إليهم، غير أن الشركة قامت بإصدار القرار المطعون فيه والذى جاء مخالفا لحكم القانون بفقدانه ركن السبب حيث جاء بأسباب الحكم الصادر بالبراءة أن طريقة أداء المخازن والإشراف عليها تتسم بالتسبيب أخذا مما حوته الأوراق من أن بالات الأقمشة تترك فى الطرقات دون رقابة مما يجعل يد الأمناء غير بالغة حدا يكفى للسيطرة عليها لحمايتها من أى يد أخرى تمتد إليه، ولما كان ذلك فإن الخطأ ليس خطأ العاملين بالمخازن وإنما خطأ الشركة.
وبجلسة 19/ 1/ 1993 أصدرت المحكمة التأديبية الحكم المطعون فيه والذى قضى بالآتى:
أولاً: عدم قبول الطعن شكلا فى الشق الخاص بمجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يوما من راتبه لرفعه بعد الميعاد.
ثانياً: بقبول الطعن شكلا فى الشق الخاص بتحميل الطاعن مبلغ 3775.584 وكذلك فى الشق الخاص بحرمانه من الحافز الادارى عن شهر يناير سنة 1990 وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فى هذين الشقين مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ويقوم الطعن الماثل على أسباب حاصلها:
أولاً: مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون:
1 - أن المطعون ضده هو أحد أمناء المخازن، وأن مسئوليته تقوم على أساس الخطأ المفترض وليست على أساس المسئولية الواردة فى القانون المدنى، وإن إهمال المطعون ضده مع زملائه بالمخزن هو الذى أدى إلى وجود هذا العجز مما حدا بالشركة إلى تحميله بقيمته معهم إعمالا لحكم المادة 68 من قانون العمل رقم 137 لسنة 1981، والمادة 78/ 4 من قانون نظام العاملين بالقطاع العام رقم 48 لسنة 1978 وأنه لا يمكن لصاحب العهدة دفع مسئوليته عن الفقد أو التلف إلا بإثبات القوة القاهرة، كحدوث سرقة أو حريق أو عوارض أخرى خارجة عن إرادته ولم يثبت المطعون ضده أن العجز كان بسبب القوة القاهرة.
2 - أن الحكم المطعون فيه قام بتقطيع أوصال المنازعة إلى ثلاثة أجزاء الأول خاص بالجزاء والثانى خاص بالتحميل والثالث خاص بالحوافز رغم أنها مرتبطة ارتباطا لا يقبل التجزئة.
ثانياً: القصور فى التسبيب:
1 - أن الحكم اعتمد فى قضائه بالنسبة لإلغاء قرار التحميل على البراءة الجنائية وإن حكم محكمة الجنايات إنما يقوم على الشك وعدم كفاية الأدلة وأن هذا لا يرفع الشبهة نهائيا عن العامل ولا يحول دون محاكمته تأديبيا.
2 - أن ما جاء بالحكم المطعون فيه من عدم تحقق سيطرة المطعون ضده الكاملة على العهدة يخالف الواقع حيث إن مخزن الحراير عهدة المطعون ضده وآخرين يقع داخل مجمع مخازن لكفاية بضائع الشركة ويستقل بحيز مكانى محدود متحقق فيه السيطرة الكاملة على العاملين به.
ومن حيث إن الشركة الطاعنة تطلب إلغاء الحكم المطعون فيه فى شقه الثانى فيما قضى به من قبول الطعن شكلا بالنسبة للتحميل والحافز والقضاء مجددا برفض الطعن رقم 220 لسنة24 ق مع إلزام المطعون ضده بالمصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أن المشرع قد افترض الخطأ من جانب أمناء المخازن وأرباب العُهد رغبة منه فى إسباغ أكبر قدر من الحماية على الأموال التى يؤتمن عليها أمناء المخازن وأرباب العُهد ونظرا لخطورة ما قدره المشرع فى هذا الشأن يتعين لكى يصدق على أحد الأمناء أنه صاحب عهدة أن يكون له السيطرة الكاملة على عهدته وأن تكفل النظم السائدة المحافظة على هذه العهدة وعدم المساس بها بحيث إذا ما كانت النظم المعمول بها تحول بين صاحب العهدة وبين السيطرة على عهدته أولا تتوافر معها وسائل المحافظة على هذه العهدة فإن الأمين لا يكون مسئولا عن العجز فى تلك العهدة.
وحيث إن الثابت بالأوراق خاصة أسباب الحكم الصادر من محكمة جنايات أمن الدولة فى الجناية رقم 278 لسنة 88 ببراءة المطعون ضده وآخرين مما نسب إليهم من اختلاس عدد 22 بالة قماش أنه تبين للمحكمة من استقرائها لأوراق الدعوى وأدلة الثبوت فيها أن الشكوك والريبة قد أحاطت بها وأن الأدلة على ارتكاب المتهمين المسندة إليهم جاءت قاصرة عن بلوغ أحد الكفاية المقنع لاطمئنان المحكمة وذلك لما يلي:
أولا: شهادة مراقب الأمن بالشركة وهو بطبيعة عمله المسئول عن مراقبة السرقات التى تحدث من داخل المخازن فقد شهد بأن الاتهام الذى وجه للمتهمين باختلاسهم البالات المبلغ بفقدها يشاركهم فيه رجال الصادر وإن الآخرين قد ينفردوا بهذا دون مشاركة المتهمين فى ذلك الجرم، ذلك وأخذا من شهادته أن رجال الصادر يمكثون فى العمل بعد انصراف أمناء المخازن وأنهم قد يخرجوا البضائع دون استطاعة الأمن من مراقبة ذلك بتكرار رقم البالة كما وأن المفاتيح الخاصة بالمخازن تترك وفى مكنة وأى من رجال الأمن أو من سواهم من أمناء الصادر - أن يصلوا إليها بل ويستعملوها فى غيبة المتهمين وفى غفلة منهم.
ثانياً: إن الملاحظ من استقراء الأوراق أن طريقة إدارة المخازن والإشراف عليها تتسم بالتسيب وذلك أخذا مما حوته الأوراق من أن بالات الأقمشة تترك فى الطرقات ودون رقابة عليها مما يجعل يد الأمناء غير بالغة حدا يكفى للسيطرة عليها أو لحمايتها من أى يد أخرى تمتد إليها وتسلب منها ما تشاء، فضلا عن أن إخراج هذا العدد الكبير من مخازن الشركة دون أن ينتبه أحد من مسئوليها عن هذا العجز ينبئ عن سوء إدارة أصحاب الجهاز الإدارى والإشرافى على تلك الشركة.
ثالثا: أن فى سلوك الشركة قبل هؤلاء المتهمين وإعادتهم إلى أعمالهم ما ينبئ عن أن قناعة المسئولين فيها لم تصل إلى حد يدينهم وأن الشكوك التى ساورت المحكمة فى أن هؤلاء المتهمين ليسوا هم مرتكبى هذه الجريمة وأن المحكمة قد أطمأنت إلى أقوال المتهمين التى ظاهرتها أقوال مسئولى الأمن فى الشركة لا تطمئن مع هذه الأقوال أن تدينهم وفقا لما رأت سلطة الاتهام ولا يسعها إلا أن تلفظ الدليل المستمد من أقوال شهود الإثبات، ولما تقدم فإن التهمة المسندة إلى المتهمين تكون محل شك ويتعين تبرئتهم منها.
ومن حيث إنه يستخلص مما تقدم أن المطعون ضده لم يكن رب عهدة بالمعنى الاصطلاحى لأرباب العهد الذى أوضحته المحكمة الإدارية العليا على النحو السالف بيانه ومقتضاه أن رب العهدة ينبغى أن يكون مسيطرا على عهدته مستقلا بالأمانة على مفاتيحها بحيث يعتبر حائزاً لها حيازة فعلية تضمن كفالته لها وبالتالى مسئوليته عما يحدث لها أو يفقد منها مسئولية قائمة على واقع الحال وحقيقة الأمر فى حين أن المطعون ضده فى الطعن الماثل كان حائزا للمخزن الذى فقدت منه البالات - حيازة مشتركة لا تكفل له السيطرة على ما بعهدته سيطرة مانعة، ولا تضمن كفالته إياها وبالتالى لا ينبغى أن يسأل باعتباره رب عهدة بالمعنى الذى عناه الشارع فى لائحة المخازن لعدم قدرته على السيطرة على تلك البالات، ويكون القرار الصادر بتحميله قيمتها غير قائم على سند سليم من القانون خليقا بالإلغاء.
ومن حيث إنه بالنسبة لما قضى به الحكم المطعون فيه من إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من خصم الحافز الإدارى للمطعون ضده عن شهر يناير سنة 1990 فلما كان الثابت بالأوراق أن مناط صرف هذا الحافز طبقا للائحة صرف الحوافز بالشركة الطاعنة أن لا يكون العامل قد وقع عليه أى جزاء وإذ تبين أن المطعون ضده قد جوزى بخصم خمسة عشر يوما من راتبه تنفيذا للقرار المطعون فيه والذى تأيد فى هذا الشق منه بعد أن قضى بعدم قبول الطعن عليه شكلا ولم يطعن عليه ومن ثم فقد تخلف فى حق المطعون ضده مناط استحقاق هذا الحافز ويكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بخلاف ذلك قائما على غير سند سليم من القانون خليقا بالإلغاء فيما قضى به من إلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من خصم الحافز الإدارى من مرتب المطعون ضده عن شهر يناير 1990، وأما ما قضى به الحكم المطعون فيه من إلغاء هذا القرار فيما تضمنه من تحميل المطعون ضده بمبلغ 3775.584 جنيها فإنه يتفق والتطبيق السليم لأحكام القانون يضحى الطعن عليه فى هذا الشق منه يعتبر سند خليقا بالرفض الأمر الذى يتعين معه تعديل الحكم المطعون فيه ليكون بقبول الطعن شكلا فى الشق الخاص بتحميل الطاعن بمبلغ 3775.584 وكذلك الشق الخاص بحرمانه من الحافز الإدارى عن شهر يناير سنة 1990 وفى الموضوع بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل المطعون ضده بمبلغ 377.584جنيها ورفض الطعن على هذا القرار فيما عدا ذلك مع ما يترتب على ذلك من آثار.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بتعديل الحكم المطعون فيه ليكون على الوجه التالى:
أولاً: بعدم قبول الطعن التأديبى شكلا فيما يتعلق بقرار مجازاة مورث المطعون ضدهم وحرمانه من حافز شهر يناير سنة 1990.
ثانياً: بإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تحميل مورث المطعون ضدهم بمبلغ 3775.584 جنيهاً وذلك على النحو المبين بالأسباب.