مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الثالث (من يونيه سنة 2001 إلى آخر سبتمبر 2001) - صــ 2821

(329)
جلسة 2 من سبتمبر سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ عادل محمود ذكى فرغلى نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ على فكرى حسن صالح، وحسين كمال أبو زيد شلال، وأسامة محمود عبد العزيز محرم، وعبد المنعم أحمد عامر نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2205 لسنة 43 القضائية

دعوى - الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - دعوى البطلان الاصلية - طبيعتها - شروطها.
المحكمة الإدارية فيما وسد لها من اختصاص هى القوامة على إنزال حكم القانون وإرساء مبادئه وقواعده بما لا معقب عليها فى ذلك وبما لا سبيل معه إلى نسبة الخطأ الجسيم لها الذى يهوى بقضائها إلى درك البطلان إلا أن يكون هذا الخطأ بينا غير مستور وثمرة غلط فاضح ينبئ فى وضوح عن ذاته إذ أن الأصل فيما تستظهره المحكمة الإدارية العليا من حكم القانون أن يكون هو صحيح الرأى فى هذه الحكم بما لا معقب علهيا فيه بحسبانها تستوى على القمة فى مد ارج التنظيم القضائى لمحاكم مجلس الدولة والخطأ فى هذه الحالة ان لم يكن كاشفا بذاته عن أمره بما لا مجال فيه إلى خلاف بين وجهات النظر المعقولة لا يستوى ذريعة الاستنهاض دعوى البطلان الأصلية وإهدار قضاء المحكمة الإدارية العليا. تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الخميس الموافق 27/ 2/ 1997 أقام الأستاذ .......... المحامى بصفته وكيلا عن السيد ............. دعوى البطلان الأصلية الماثلة فى الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) بجلسة 30/ 1/ 96 فى الطعن رقم 2668 لسنة 39 ق. ع والقاضى بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه وبإلزام الطاعن المصروفات طالبا الحكم ببطلان الحكم المشار إليه وبإعادة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا للفصل فيه مجددا من دائرة أخرى مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلا ورفضها موضوعا مع إلزام المدعى المصروفات.
ونظرت الدعوى أمام الدائرة الثالثة (موضوع) إلى أن قررت إحالتها إلى الدائرة الثانية (موضوع) التى قررت إحالتها إلى هذه الدائرة للاختصاص وتدوول نظرها أمامها على النحو المثبت بمحاضر الجلسات إلى أن قررت بجلسة 27/ 5/ 2001 إصدار الحكم بجلسة اليوم وبها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث إن الدعوى استوفت سائر أوضاعها الشكلية
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن المدعى كان قد أقام الدعوى رقم 8644/ 45 ق بإيداع صحيفتها قلم كتاب محكمة القضاء الإدارى بتاريخ 25/ 9/ 91 للحكم له بوقف تنفيذ ثم بإلغاء القرار رقم 702/ 91 فيما تضمنه من إنهاء خدمته بهيئة الشرطة وإحالته إلى المعاش مع ما يترتب على ذلك من آثار أهمها أحقيته فى البقاء فى الخدمة برتبة لواء لمدة ثلاث سنوات اعتبارا من 2/ 8/ 91 مع إلزام الجهة الإدارية المصروفات وقال المدعى شرحا لدعواه انه يستشف من دأب الإدارة على ملاحقته بقرارات غير مشروعة قضى بإلغائها أن القرار المطعون فيه جاء مشوبا بعيب انعدام السبب والانحراف بالسلطة وبجلسة 22/ 3/ 93 أصدرت محكمة القضاء الإدارى حكمها برفض الدعوى استنادا إلى أن قانون هيئة الشرطه رقم 109 لسنة 71 جعل الترقية إلى رتبة اللواء والاستبقاء فيها بالاختيار المطلق وذلك وفقا للمادتين 19، 71 من القانون المشار إليه وأن الإدارة لا تلتزم عند ممارستها لسلطتها التقديرية فى هذا المجال بتقديم أية مبررات طالما أن القانون لم يحدد لها ضوابط معينة أو قواعد تلتزم بها عند ممارستها لهذه السلطة وأن رقابة القضاء للسبب فى مثل هذه الحالات لا تثور إلا إذا تضمن القرار أسبابا محددة وأن خلو القرار المطعون فيه من الأسباب يقتضى افتراض قيامه على الأسباب المبررة له ما دامت الأوراق قد أجدبت من دليل على انحراف الجهة الإدارية بسلطتها ولم يلق هذا القضاء قبولا لدى المدعى فأقام الطعن رقم 2668/ 39 ق. ع طالبا الحكم بوقف تنفيذ ثم بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بإلغاء القرار رقم 702/ 91 سالف الذكر وبجلسة 30/ 1/ 96 أصدرت الحكمة حكمها بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع برفضه وألزمت الطاعن المصروفات وشيدت المحكمة قضائها على أن القرار المطعون فيه قد أنهى خدمة الطاعن اعتباراً من 2/ 8/ 91 بعد قضائه مدة سنتين فى رتبة لواء اعتبارا من 2/ 8/ 89 وذلك وفقا لحكم المادة (71) من القانون رقم 109 لسنة 71 المشار إليه التى توجب إنهاء خدمة اللواء بقوة القانون بمضى سنتين على ترقيته إلى تلك الرتبة ومن ثم فإن هذا القرار يكون مشروعا وقائما على السبب المحدد له بالنص إلا وهو مضى المدة سالفة الذكر وأضافت المحكمة انه إذا كانت صلاحية الطاعن وجدارته للترقية لرتبة لواء ثابتة من واقع ملف خدمته وتاريخه الوظيفة والحكم الصادر له فى الدعوى رقم 432 لسنة 44 ق فإن ذلك لا ينطوى حكما على دليل قاطع بأنه الأصلح والأجدر والأقدر الذى كان يتعين على وزير الداخلية اختياره لمد خدمته لمدة ثلاث سنوات لان الوزير يختار ألا صلح من بين الصالحين والأجدر والأقدر من بين الأكفاء القادرين وأن استناد دفاع الإدارة إلى عدم الصلاحية كأساس لرأى المجلس الأعلى للشرطة بجلسة 28/ 7/ 91 بعدم مد خدمة الطاعن وأن كان يلصق هذا السبب برأى المجلس الأعلى للشرطة فإنه لا يلصقه بقرار الوزير ولذلك فإن عدم تقديم الجهة الإدارية بتقارير الأجهزة التابعة للوزارة والتى استعان بها المجلس الأعلى للشرطة فيما انتهى إليه من رأى بشأن الطاعن لا يمكن أن يستخلص منه بذاته دليلا على انه ألا صلح الذى كان يتعين اختياره لمد الخدمة وأن ذلك لا يؤثر فى صحة القرار المطعون فيه.
ومن حيث إن المدعى بدعوى البطلان الأصلية الماثلة ينعى على الحكم المطعون فيه انه جاء معتلا بخطأ جسيم بين غير مستور قوامه هدم الأصول المؤصلة فى القضاء الإدارى وذلك للأسباب التالية:
أولا: مخالفا وإهدار أصول الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية وقواعد الإثبات الإدارى إذ تسلب الحكم المطعون فيه من رقابة مشروعية القرارات الإدارية بأن أعطى جهة الإدارة الحق فى كل حالة لم يلزمها المشرع بتسبيب قراراتها أن تمتنع عن إبداء تلك الأسباب ورتب على ذلك صحة قراراتها حملا على قرينة الصحة المفترضة فى القرار الإدارى وانه أطلق بذلك لجهة الإدارة مكنة التحلل من الرقابة على مشروعية قراراتها والإفلات من تبعة مخالفاتها للقانون كما أن الحكم المطعون فيه هدم المبادئ التى جرى عليها القضاء الإدارى فى مجال الإثبات الإدارى والمستقر على نقل عبء الإثبات إلى عاتق الجهة الإدارية متى نفى المدعى أو قدم دليلا أو شاهدا على عدم صحة السبب المبدى لتلتزم ببيان السبب الذى قام عليه القرار محل طلب الإلغاء.
ثانيا: انعدام ولاية المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه فى العدول عن المبادئ المستقرة التى اطردت عليها أحكام المحكمة الإدارية العليا بغير رجوع إلى الدائرة الخاصة المشكلة طبقا للمادة (54 مكررا) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 72 ذلك أن صدور الحكم المطعون فيه بالمخالفة للمبادئ المستقرة فى قضاء المحكمة الإدارية العليا على النحو سالفا البيان يتضمن استقلال المحكمة التى أصدرته بالعدول بالمخالفة لصريح نص المادة (54 مكررا) المشار إليها على التفصيل الوارد بالسبب الأول من أسباب الطعن وهو ما يبطل الحكم المطعون فيه.
ثالثا: بطلان الحكم المطعون فيه الخطأ الجسيم بإطراحه السبب المبدى من الجهة الإدارية للقرار المطعون فيه والتماسه سببا لم تقل به تلك الجهة ذلك أن جهة الإدارة وهى بصدد إيضاح السبب الذى استندت إليه فى قراراها المطعون فيه قدمت محضر المجلس الأعلى للشرطة المعتمد من وزير الداخلية والمتضمن التوصية بعدم التجديد للطاعن بزعم أن التقارير أجمعت على عدم صلاحيته وجدارته لمد خدمته وبطلب المحكمة من الجهة الإدارية تقديم التقارير المشار إليها امتنعت عن تقديمها وهى فى حقيقة الأمر عجزت عن تقديمها لعدم وجودها أصلا وقد اطرح الحكم المطعون فيه السبب الذى أعلنت الجهة الإدارية استنادها إليه فى قرارها المطعون فيه واعتبر أن اعتماد الوزير لتوصية المجلس المشار إليها لا يعنى موافقته أو ارتكانه إلى الأسباب التى قامت عليها تلك التوصية ونسب الحكم للوزير إصداره القرار حملا على أسباب أخرى لم يفصح عنها.
رابعا: إهدار الحكم المطعون فيه حجية الأحكام الانتهائية السابقة التى قطعت بصلاحية وجدارة الطاعن للترقيه لرتبة اللواء وبالاستمرار فى الخدمة.
خامسا: الفساد الواضح لسبب طرح الحكم المطعون فيه نعى الطاعن على القرار المطعون فيه بإساءة استعمال السلطة والانحراف بها إذ نفى الحكم هذا العيب عن القرار رغم جميع الأدلة والشواهد التى تقطع بتحققه وهو مذهب يتعامى عن الحقائق الثابتة التى تؤكد أن كل القرارات غير المشروعة التى صدرت بحقه كانت سلسلة واحدة متصلة ومتتابعة الحلقات وفى ذلك إهدار لسبب جوهرى من أسباب الطعن فى القرارات الإدارية مما يصمم الحكم المطعون فيه بعوار جسيم ينحدر به إلى هوة الانعدام.
ومن حيث إنه قد أضحى مسلما أن الحكم القضائى متى صدر صحيحا يظل منتجا لأثاره ويمتنع بحث أسباب العوار التى قد تلحقه إلا عن طريق التظلم منه بطرق الطعن القانونية ولا سبيل لإهدار هذه الأحكام عن طريق دعوى البطلان الأهلية إلا إذا تجرد الحكم من أركانه الأساسية بحيث يشوبه عيب جوهرى جسيم يفقده كيانه ويزعزع أركانه ويحول دون اعتباره موجودا فلا يستنفد القاضى سلطته فيه ولا يرتب الحكم حجيته ولا يرد عليه التصحيح لان المعدوم لا يمكن بعثه إلى الحياة ومن ثم فإن الطعن بدعوى البطلان الأصلية فى الأحكام الصادرة بصفة انتهائية يجب أن يقف عند الحالات التى تنطوى على عيب جسيم وتمثل إهدار للعدالة يفقد فيها الحكم وظيفته وذلك حتى لا تتخذ دعوى البطلان الأصلية وسيلة للالتفاف حول حجية الأحكام للمساس بها أو النيل منها.
ومن حيث إن المحكمة الإدارية العليا فيما وسد لها من اختصاص هى القوامة على إنزال حكم القانون وإرساء مبادئه وقواعده بما لا معقب عليها فى ذلك وبما لا سبيل معه إلى نسبة الخطأ الجسيم لها الذى يهوى بقضائها إلى درك البطلان إلا أن يكون هذا الخطأ بينا غير مستور وثمرة غلط فاضح ينبئ فى وضوح عن ذاته إذ انه الأصل فيما تستظهره المحكمة الإدارية العليا من حكم القانون أن يكون هو صحيح الرأى فى هذا الحكم بما لا معقب عليها بحسبانها تستوى على القمة فى مدارج التنظيم القضائى لمحاكم مجلس الدولة والخطأ فى هذه الحالة أن لم يكن كاشفا بذاته عن أمره بما لا مجال فيه إلى خلاف بين وجهات النظر المعقولة لا يستوى ذريعة الاستنهاض دعوى البطلان الأصلية وإهدار قضاء المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث انه لا يتوافر فيما استثاره المدعى جميعا من أسباب الطعن بدعوى البطلان الأصلية على الحكم الطعين ما ينحدر بهذا الحكم إلى هاوية البطلان: إذ لا يعدو الأمر حد الخلاف فى الرأى الذى أبان الحكم قواعده ومببراته فيما رجح لديه وإذا استندت هذه الدعوى إلى أسباب موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تفسير القانون وتأويله بحسبان تلك الأسباب لا تمثل إهدارا للعدالة ولا تعيب الحكم على نحو ينحدر به إلى درجة الانعدام فضلا عن أن القول بانعدام ولاية المحكمة التى أصدرت الحكم المطعون فيه فى العدول عن المبادئ المستقرة التى اطردت عليها أحكام المحكمة الإدارية فيه فى العدول عن المبادئ المستقرة التى اطردت عليها أحكام المحكمة الإدارية العليا بغير رجوع إلى الدائرة الخاصة المشكلة طبقا لنص المادة (54/ مكررا) من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 72 وذلك تأسيسا على أن الحكم المطعون فيه أهدر الرقابة على مشروعية القرارات الإدارية وقواعد الأثبات الإدارى بأن أعطى جهة الإدارة الحق فى كل حالة لم يلزمها المشرع بتسبيب قراراتها أن تمتنع عن ابداء تلك الأسباب ورتب على ذلك صحة قراراتها حملا على قرينه الصحة المفترضه فى القرار الإدارى وأن الحكم المطعون فيه هدم بذلك المبادئ المستقره فى مجال الإثبات الإدارى والتى تقضى بنقل عبء الإثبات إلى عاتق الجهة الإدارية متى اثبت المدعى عدم صحة السبب المبدى من الجهة الإدارية لتلتزم ببيان السبب الذى قام عليه القرار محل طلب الإلغاء هذا القول لا يفضى إلى بطلان الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان الأصلية باعتبار انه يتناول أيضا سببا موضوعيا يتعلق بسلطة المحكمة فى تكوين عقيدتها من واقع ما يقدم أمامها من مستندات وذلك كله فى إطار هيمنتها على المنازعة الإدارية وصولا إلى وجه الحق فيها ولا يمثل ذلك عدولا عن قضاء مستقر مما يستوجب الإحالة إلى الدائرة المنصوص عليها فى المادة (54/ مكررا) المشار إليها.
ومن حيث إنه بناء على ما تقدم فإن الأسباب التى قامت عليها دعوى البطلان الأصلية الماثلة ليس من شأنها أيا كان وجه الحق فيها أن تناول من سلامة الحكم المطعون فيه على نحو ينطوى على إهدار للعدالة أو انحدار بهذا الحكم إلى درك الانعدام الأمر الذى لا يسوغ معه للمدعى أن يتخذ من هذه الدعوى سبيلا للالتفاف على حجية الأحكام وبناء على ذلك فان دعواه المطروحة والحال هذه تكون قائمة على غير أساس سليم من القانون خليقة بالرفض.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول دعوى البطلان الاصلية شكلا ورفضها موضوعا وألزمت المدعى المصروفات.