مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة والأربعون - الجزء الأول (من أول 15 أكتوبر سنة 2000 إلى آخر فبراير سنة 2001) - صـ 743

(87)
جلسة 30من يناير سنة 2001

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ جمال السيد دحروج نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ كمال زكى عبد الرحمن اللمعى، ومحمود إبراهيم عطا الله، وسالم عبد الهادى محروس جمعة، ومنير صدقى يوسف خليل نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3047 لسنة44 القضائية

( أ ) اختصاص - ما يخرج عن اختصاص محاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى.
توزيع ولاية القضاء بين جهتى العادى والإدارى من المسائل الوثيقة الصلة بأسس النظام القضائى - مؤدى ذلك - قواعد الاختصاص من النظام العام - يتعين التصدى له حتى ولو أغفل ذوو الشأن الدفع به وذلك قبل التصدى للفصل فى أى دفع شكلى أو موضوعى أو الفصل فى موضوع النزاع من باب أولى - تطبيق.
(ب) عقد - عقد خاص - عقد اشتراك الهاتف - ينعقد الاختصاص بالفصل فى المنازعات الناشئة عنه لجهة القضاء العادى.
قضاء المحكمة الدستورية العليا والمحكمة الإدارية العليا جريا على أن العلاقة بين المرافق العامة الاقتصادية وبين المتعاقدين بها هى علاقة عقدية تخضع لأحكام القانون الخاص - أساس ذلك - تلك الأحكام تتفق مع طبيعة المرافق المذكورة ومع الأسس التجارية التى تسير عليها - فضلا عن - أن معيار العقد الإدارى هو أن تكون الإدارة بوصفها سلطة عامة طرفاً فيه وأن يتصل بمرفق عام وأن يأخذ بأسلوب القانون العام - عقد اشتراك الهاتف (التليفون) ليس له صله بتسيير المرفق أو تنظيمه - أثر ذلك - هذا العقد يخضع للأصل المقرر فى شأن العقود المدنية وتنتفى عنه مقومات العقد الإدارى - مؤدى ذلك - اختصاص محاكم القضاء العادى بكل ما يصدر عن الجهة الإدارية بصدد تنفيذ هذا العقد - تطبيق.
(ج) دعوى - الطعن فى الأحكام - طبيعة الطعن أمام المحكمة الإدارية العليا - سلطتها فى التعقيب على الأحكام.
المحكمة الإدارية العليا تملك أن تنزل حكم القانون بصورة موحدة فى مسألة الاختصاص غير مقيدة بحكم صادر من محكمة أدنى حتى ولو كان نهائياً أساس ذلك - أن هذه المحكمة هى نهاية المطاف فى نظام التدرج القضائى ولها سلطة التعقيب على الأحكام بحرية القول بغير ذلك - يجعل حكم محكمة القضاء الإدارى يعلو على حكم المحكمة الإدارية العليا وهى نتيجة لا يمكن تقبلها - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 25/ 2/ 1978 أودعت الأستاذة ........ نائبا عن الأستاذ ........ المحامى عضو الإدارة القانونية بالهيئة الطاعنة بصفتها وكيلا عن الطاعن تقرير الماثل قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا طعنا على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالمنصورة بجلسة 27/ 12/ 1997 فى الدعوى رقم 127 لسنة 17 ق والذى قضى بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى المصروفات - وطلب الطاعن للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجددا برفض دعوى المطعون ضده وإلزامه بالمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة عن الدرجتين.
وقد أعلن تقرير الطعن على النحو الثابت بالأوراق، وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكل، ورفضه موضوعا وإلزام الطاعن بصفته المصروفات وتدوول نظر الطعن أمام الدائرة الأولى بفحص الطعون ثم أحيل إلى الدائرة الثالثة فحص طعون على النحو الثابت بمحاضر جلساتها وبجلسة 5/ 7/ 2000 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وحددت لنظره بجلسة 29/ 8/ 2000 وتم نظر الطعن أمام هذه المحكمة بالجلسة المشار إليها والجلسات التالية وبجلسة 14/ 11/ 2000 قررت المحكمة إصدار الحكم بجلسة اليوم 30/ 1/ 2001 وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إنه بتاريخ 24/ 10/ 1994، أقام المطعون ضده الدعوى رقم 127 لسنة 17 ق، أمام محكمة القضاء الإدارى دائرة المنصورة طلبا الحكم بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ وإلغاء قرار الهيئة العامة للمواصلات السلكية واللاسلكية بقطع الحرارة عن الهاتف (التليفون) رقم 51 ميت ناجى الخاص به مع ما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وقد تداولت المحكمة نظر الدعوى إلى أن حكمت بجلسة 19/ 4/ 1995 بقبول الدعوى شكلا وفى الشق العاجل بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وما يترتب على ذلك من آثار، وبجلسة 17/ 12/ 1997 حكمت المحكمة فى موضوع الدعوى بإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار وألزمت المدعى المصروفات، وأسست المحكمة قضاءها على أنه عن الدفع المبدى من الحاضر عن الهيئة بعدم اختصاص المحكمة ولائيا بنظر الدعوى، فإن المحكمة سبق أن قضت بجلسة 19/ 4/ 1995 بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه، ومن ثم فإنه هذا القضاء يفيد قضاء الاختصاص بنظر الدعوى الماثلة وقد حاز حجية الأمر المقضى بعدم الطعن عليه ومن ثم لا يجوز إثارة هذا الدفع عند الفصل فى موضوع الدعوى لأن فيه مساس بحجية الحكم السابق مما يتعين معه رفض هذا الدفع - وعن الموضوع استطردت المحكمة بعد استعراض نص المادة 147 من القانون المدنى والمادة 377 من ذات القانون ونص البند الثانى فقرة أولى من العقد المبرم بين المدعى والهيئة على أن عقد اشتراك التليفون كغيره من عقود القانون الخاص التى تنظيم العلاقة بين المرافق الاقتصادية وبين المنتفعين بخدماتها وهو عقد يرتب لأطرافه التزامات وحقوقا متبادلة ومن هذه الالتزامات التزام المشترك بأداء نفقات التركيب وقيمة الاشتراك طبقا لما تقرره الهيئة وأن هذا الالتزام كغيره من الضرائب والرسوم المستحقة للدولة تتقادم بمضى ثلاث سنوات من تاريخ الاستحقاق، والثابت من الأوراق أن المدعى قد سدد كافة النفقات والرسوم المقررة لتركيب التليفون رقم (51) الخاص بقرية ميت ناجى مركز ميت غمر وذلك عند تركيبه فى عام 1987 ويقوم بسداد الاشتراكات السنوية المقررة وكافة فواتير استعمال التليفون بصفة منتظمة، ولم تطالبه الهيئة المدعى عليا بأية رسوم أو قيمة مقايسة أخرى لتركيب هذا التليفون بخلاف النفقات والرسوم التى دفعها عند التركيب فإن المدعى يكون قد أوفى بالتزاماته المقررة فى هذا الشأن، ومن ثم يكون القرار المطعون فيه بقطع الحرارة عن التليفون الخاص به، قد صدر على خلاف حكم القانون مما يتعين الحكم بإلغائه مع ما يترتب على ذلك من آثار أخصها توصيل الحرارة إلى التليفون المذكور.
وإذ لم ترتض الهيئة الطاعنة الحكم المشار إليه أقامت طعنها الماثل على أسباب حاصلها مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وذلك لعدم اختصاص المحكمة بنظر النزاع لكون عقد تركيب التليفون من العقود المدنية، فضلا عن أن المحكمة قد قضت بسقوط الحق بالتقادم دون أن يدفع الخصوم بذلك ودون مناقشة مدة التقادم، أن المبالغ المطالب بها هى مقابل تعديل المقايسة بعد أن قام بتعديل مسار خط التليفون دون الرجوع إليه، وأن الأمر كان يقتضى الرجوع لمكتب الخبراء لإجراء معانية على الطبيعة لتقصى حقيقة الأمر.
ومن حيث إن المستقر عليه فى قضاء هذه المحكمة أن توزيع ولاية القضاء بين جهتيه العادى والإدارى من المسائل الوثيقة الصلة بأسس النظام القضائى بسطت قواعده وشرعت مواده ابتغاء تحقيق أغراض ومصالح عامة لذلك كانت قواعد الاختصاص المحددة لولاية جهتى القضاء العادى والإدارى من النظام العام ومن ثم تعين على القضاء بحسبانه أمينا على النظام العام أن يتصدى له من تلقاء ذاته حتى ولو أغفل ذوو الشأن عن الدفع وذلك قبل أن يتصدى للفصل فى أى دفع شكلى أو موضوعى ومن باب أولى من قبل تصديه بالفصل فى موضوع النزاع إذ لا يستمد القضاء ولاية الفصل فى موضوع النزاع وفيما يتفرع عنه من دفوع شكلية وموضوعية إلا من إسناد ولاية الفصل فى الموضوع إليه بمقتضى الدستور وقد جرى قضاء المحكمة الدستورية العليا - وقضاء هذه المحكمة - على أن العلاقة بين المرافق العامة والاقتصادية وبين المنتفعين بها هى علاقة عقدية تخضع لأحكام القانون الخاص إذ أنه فضلا عن أن تلك الأحكام تتفق مع طبيعة المرافق المذكورة ومع الأسس التجارية التى تسير عليها - فإنه يتعين لاعتبار العقد إداريا أن تكون الإدارة بوصفها سلطة عامة طرفا فيه وأن يتسم بالطابع المميز للعقود الإدارية من حيث اتصاله بمرفق عام وأخذه بأسلوب القانون العام فيما يتضمنه من شروط غير مألوفة فى القانون الخاص وهذه المقومات والخصائص لا تتوافر فى العقود التى تحكم العلاقة بين المرفق الاقتصادى وبين المنتفعين به وخاصة إذا كان القائم عليه ليس جهة إدارية تعمل بوصفها سلطة عامة.
ومن حيث إن الثابت من أوراق الطعن الماثل أن عقد اشتراك الهاتف (التليفون) موضوع النزاع أبرم بين الهيئة الطاعنة والمطعون ضده للإفادة من خدمات المرفق الذى تشرف عليه وبغرض تحقيق منفعة خاصة للمشترك تتمثل فى توصيل خط الهاتف (التليفون) وليس لهذا العقد صلة بتسيير المرفق أو تنظيمه بغية احتياجاته، ومن ثم فإن هذه العقد يخضع لأصل المقرر فى شأن العقود المدنية التى تنظم العلاقة بين المرافق الاقتصادية وبين المنتفعين بخدماتها ويندرج فى نطاق روابط القانون الخاص وتنتفى عنه مقومات العقد الإدارى ولما كانت المنازعة بين المطعون ضده وبين الهيئة الطاعنة والمتعلقة بفصل الحرارة عن الهاتف الخاص به - متفرعة عن عقد تركيب الهاتف (التليفون) سالف الذكر - وهو ليس عقدا إداريا وإنما هو من عقود القانون الخاص - وبالتالى فإن ما يصدر عنه الجهة الإدارية وهى بصدد تنفيذه لا يعد من قبيل القرارات الإدارية التى يختص بها مجلس الدولة سواء فى نطاق دعوى الإلغاء أو دعوى القضاء الكامل وفقا لأحكام المادة العاشرة من قانون مجلس الدولة الصادر بالقانون رقم 47 لسنة 1972، ويدخل فى اختصاص محاكم القضاء العادى وفقا لنص المادة 15 من قانون السلطة القضائية الصادر بالقانون رقم 46 لسنة 1972، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه خلاف ذلك فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون متعينا الحكم بإلغائه والحكم بعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة بهيئة قضاء إدارى بنظر النزاع وإحالته بحالته إلى محكمة المنصورة الابتدائية للاختصاص بنظره فى الجلسة التى تحددها تلك المحكمة ويخطر بها الخصوم إعمالا لحكم المادة 110 من قانون المرافعات.
ومن حيث إنه يتعين الإشارة أيضا إلى أن المحكمة الإدارية العليا - وبما لها من سلطة التعقيب على الأحكام تملك أن تنزل حكم القانون بصورة موحدة فى مسألة الاختصاص غير مقيدة بحكم صادر من محكمة أدنى، إذ لو كان سائغا إلزام المحكمة الادارية العليا بمقتضى هذا الحكم نزولا على نهائيته أن كانت الحقيقة القانونية فيه، وكان مؤدى ذلك أن تغل يد المحكمة الإدارية العليا عن إعمال ولايتها فى التعقيب على الحكم بحريتها وباعتبارها نهاية المطاف فى محاكم مجلس الدولة وهذا الأمر بطبيعته أمر غير قابل للاختلاف بالنسبة إلى شقى المنازعة لتعلقها بمسألة أساسية واحدة غير قابلة للنقاش وهى مسألة الاختصاص الولائى لمجلس الدولة - وإلا كانت النتيجة أن يعلو حكم محكمة القضاء الإدارى على حكم المحكمة الإدارية العليا - وهى خاتمة المطاف فى نظام التدرج القضائى لمجرد أن الحكم الأول كان نهائيا لتأهيل ذوى الشأن فى الطعن وهى نتيجة لا يمكن تقبلها بحال من الأحوال، خاصة أن الاختصاص الولائى يتعلق بالنظام العام ويجوز إثارته فى أية حالة تكون عليها الدعوى، وعلى المحكمة أن تقضى به من تلقاء نفسها حتى ولو لم يثره أحد الخصوم.
ومن حيث إن الحكم بعدم الاختصاص غير منه النزاع فإنه يتعين إبقاء الفصل فى المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبعدم اختصاص محاكم مجلس الدولة ولائيا بنظر الدعوى وإحالتها بحالتها إلى محكمة المنصورة الابتدائية للاختصاص بنظرها بجلسة تحددها المحكمة ويخطر بها الخصوم وأبقت الفصل فى المصروفات.


فى ذات المبادئ المبادئ السابقة - الطعن رقم 3045 لسنة 44 قضائية عليا بذات الجلسة (30/ 1/ 2001) وكذلك الطعن رقم 3046 لسنة 44 ق.ع جلسة 20/ 2/ 2001.