أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائي
السنة 27 - صـ 848

جلسة 7 من نوفمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار حسن المغربى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ يعيش رشدى، ومحمد وهبة، وأحمد موسى، وأحمد طاهر خليل.

(192)
الطعن رقم 633 لسنة 46 القضائية

(1) إثبات" خبرة". محكمة الموضوع "سلطتها فى تقدير الدليل".
تقدير آراء الخبراء. والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن. موضوعى.
(2) إثبات "بوجه عام". أوراق. "صور شمسية". تزوير "الادعاء بالتزويز". بطلان. نظام عام.
عدم ترتب البطلان على مخالفة النصوص المنظمة للمضاهاة. أساس ذلك.
حق المحكمة الجنائية فى تكوين عقيدتها بكافة طرق الإثبات. لها الأخذ بالصورة كدليل. متى اطمأنت الى مطابقتها للأصل.
(3) حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
متى يعيب التناقض. الحكم ؟
(4) إثبات "شهادة".
حق المحكمة فى الأخذ بالشهادة السماعية.
(5) حكم "بيانات حكم البراءة. ما لا يعيبه فى نطاق التدليل".
كون إحدى دعامات حكم البراءة معيبة. لا يقدح فى سلامته. متى كان قد أقيم على دعامات أخرى تحمله.
(6) إثبات "بوجه عام". حكم "تسبيبه غير معيب".
كفاية الشك فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم. سندا للبراءة. متى أحاطت المحكمة بالدعوى عن بصر وبصيرة.
(7) حكم "ما لا يعيبه فى نطاق التدليل" . إثبات "بوجه عام".
الخطأ القانونى فى حكم البراءة. لا يعيبه. متى كانت البراءة مؤسسة على عدم ثبوت التهمة فى حق المتهم.
1 - من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه إلى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه فى ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية فى الأخذ بما تطمئن إليه منها والالتفات عما عداه، ولا تقبل مصادرة المحكمة فى هذا التقدير.
2 - الأصل أن المضاهاة لم تنظم سواء فى قانون الاجراءات الجنائية أو فى قانون المرافعات المدنية بنصوص آمرة يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة فى المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع القاضى بأن إجراء من الاجراءات يصح أولا يصح أن يتخذ أساسا لكشف الحقيقه، وللمحكمة أن تكون عقيدتها فى ذلك بكافة طرق الإثبات غير مقيدة بقواعد الإثبات فى القانون المدنى فيحق لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية، كدليل فى الدعوى إذا ما اطمأنت إلى مطابقتها للأصل. وإذ كانت المحكمة قد رأت أن الأوراق التى اتخذها الخبير الاستشارى أساسا للمضاهاة هى أوراق تصلح لذلك واطمأنت إلى صحة المضاهاة عليها فلا يقبل من الطاعن أن يعود إلى مجادلتها فيما خلصت إليه من ذلك.
3 - التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الامرين قصدته المحكمة والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها.
4 - من المقرر أنه ليس فى القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع فى الدعوى، إذ المرجع فى تقدير قيمة الشهادة ولو كانت منقولة هو إلى محكمة الموضوع وحدها فمتى صدقتها واطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة فلا تصح مصادرتها فى الأخذ بها والتعويل عليها.
5 - من المقرر أنه لا يقدح فى سلامة الحكم القاضى بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة وبفرض صحة ما يدعيه الطاعن من خطأ الحكم فى تاريخ الواقعة فإن هذا العيب غير منتج ما دام الثابت أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى متعددة تكفى وحدها لحمله.
6 - من المقرر أنه يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى بالبراءة، إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة.
7 - الخطأ القانونى فى الحكم القاضى بالبراءة - بفرض ثبوته - لا يعيبه ما دام أن قاضى الموضوع قد عول فى تكوين عقيدته بتبرئة المتهمة (المطعون ضدها) على عدم اطمئنانه إلى ثبوت التهمة حقها بعد أن ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز معه مصادرته فى اعتقاده.


الوقائع

أقام المدعى بالحقوق المدنية (الطاعن) دعواه بالطريق المباشر أمام محكمة أشمون الجزئية ضد المطعون ضدها بوصف أنها بدائرة مركز أشمون - أولا - ارتكبت تزويرا فى محرر عرفى (عقد بيع) - ثانيا - استعملت المحرر العرفى المزور. وطلب معاقبتها بالمادتين 215 و216 من قانون العقوبات وإلزامها بأن تدفع له مبلغ مائتين جنية على سبيل التعويض. والمحكمة المذكورة قضت حضوريا عملا بالمادة 304/ 1 من قانون الاجراءات الجنائية ببراءة المتهمة ورفض الدعوى المدنية. فاستأنف المدعى بالحقوق المدنية والنيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضوريا بقبول الاستئنافين شكلا وفى الموضوع برفضهما وتأييد الحكم المستأنف. فطعن المدعى بالحقوق المدنية فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

حيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ قضى ببراءة المطعون ضدها من جريمتى تزوير محرر عرفى واستعماله ورفض دعواه المدنية قبلها قد شابه تناقض وقصور فى التسبيب وانطوى على خطا فى الإسناد وفساد فى الاستدلال، ذلك بأنه أطرح النتيجة التى انتهى إليها تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى من ثبوت تزوير عقد البيع العرفى موضوع الدعوى بمقولة احتمال أن تكون المضاهاة قد أجريت على عقد آخر بعد أن فقد العقد الأصلى ثم أخذ الحكم فى الوقت ذاته بنتيجة المضاهاة التى أجراها الخبير الاستشارى على صورة هذا العقد والتى انتهت إلى صحته دون أن يورد الأسانيد الفنية لحمل قضائه أو يناقش الأسباب التى أقيم عليها كل من التقريرين كما عول الحكم على الشهود الذين سمعوا فى تحقيقات الجنحة رقم 4747 سنة 1970 أشمون وصدق روايتهم فى أن الطاعن قد اعترف أمامهم بالمجلس العرفى بصحة العقد وبتوقيعه عليه مع أن الثابت بالتحقيقات المذكوره أن الطاعن أنكر صدور العقد منه وفضلا عن هذا فإنه من غير المقبول عقلا ما ذهب إليه الحكم من أن الطاعن قام بسرقة العقد بعد أن ثبت أنه مزور عليه كما نسب الحكم إلى الطاعن أنه ذكر فى عريضة دعواه أن تزوير العقد حصل فى 30/ 1/ 1968 واتخذ من ذلك سندا للتشكيك فى صحة الاتهام المسند إلى المطعون ضدها مع أن ذلك اليوم هو تاريخ إيداع صحيفة الدعوى المباشرة من الطاعن، كما اتخذ الحكم من فقد العقد قرينة على ما انتهى إليه قضاؤه وهو ما لا مساغ له فى الاستدلال إذ لا يلزم للفصل فى شأن صحة الورقة أو تزويرها أن تكون فى حوزة المحكمة خاصة وأن فقد العقد كان لاحقا على ورود التقرير الطبى الشرعى المثبت لتزويره، يضاف إلى ذلك أن الحكم قد استشهد بقرينة لم تطرح بالجلسة وتخالف الواقع وهى أن المطعون ضدها ابنة شقيق الطاعن وكل ذلك مما يعيب الحكم ويوجب نقضه.
وحيث إن البين من الحكم الابتدائى الذى اعتنق أسبابه الحكم المطعون فيهأن من بين ما أورده تدليلا على إطراحه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير قوله (وخامسا) أنه بالنسبة لفقد العقد فإنه يشكك المحكمة فى صحة ما انتهى إليه تقرير أبحاث التزييف والتزوير من أن عقدا آخر قد أجريت فيه المضاهاة أو أنه خيف من إعادة إجراء المضاهاة على نفس العقد بمعرفة خبير خر فقد قام مجهول بسرقة العقد ومن ثم فإن عدم وجود العقد بالأوراق وتقرير الخبير يجعل المحكمة لا تطمئن إلى ما انتهى إليه تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير (سادسا) من أن السيد الخبير الاستشارى الذى انتهى إلى صحة توقيع المدعى بالحق المدنى كان مدير عام أبحاث التزييف والتزوير بمصلحة الطب الشرعى بوزارة العدل سابقا إذ أنه كان أستاذ للخبير الذى أودع تقريره السابق وأن الأسس التى انتهى إليها تقريره تتفق مع الواقع والقانون وتطمئن المحكمة إلى ما انتهى إليه فى هذا التقرير إذ أنه قد أجريت المضاهاة على صورة العقد وعلى الأوراق الخاصة المقدمة لإجراء المضاهاة عليها" - لما كان ذلك، وكان من المقرر أن تقدير آراء الخبراء والفصل فيما يوجه الى تقاريرهم من مطاعن مرجعه إلى محكمة الموضوع التى لها كامل الحرية فى تقدير القوة التدليلية لتقرير الخبير شأنه فى ذلك شأن سائر الأدلة فلها مطلق الحرية فى الأخذ بما تطمئن إليه منها والإلتفات عما عداه، ولا تقبل مصادرة المحكمة فى هذا التقدير. وإذ كان ذلك، وكانت المحكمة قد اطمأننت إلى تقرير الخبير الاستشارى واستندت إلى رأيه الفنى فيما استخلصته واطمأنت إليه وأطرحت فى حدود سلطتها التقديرية تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير فإنه لا يجوز مجادلة المحكمة فى ذلك أمام محكمة النقض ما دام استنادها إلى التقرير الاستشارى سليما لا يشوبه خطأ، وهى غير ملزمة من بعد أن ترد استقلالا على تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير الذى لم تأخذ به - لما كان ذلك، وكان الأصل أن المضاهاة لم تنظم سواء فى قانون الاجراءات الجنائية أو فى قانون المرافعات المدنية بنصوص آمرة يترتب البطلان على مخالفتها إذ العبرة فى المسائل الجنائية إنما تكون باقتناع القاضى بأن إجراء من الاجراءات يصح أولا يصح أن يتخذ أساسا لكشف الحقيقة، وللمحكمة أن تكون عقيدتها فى ذلك بكافة طرق الاثبات غير مقيدة بقواعد الإثبات فى القانون المدنى فيحق لها أن تأخذ بالصورة الفوتوغرافية، كدليل فى الدعوى إذا ما اطمأنت إلى مطابقتها للأصل. وإذ كانت المحكمة قد رأت أن الأوراق التى اتخذها الخبير الاستشارى أساسا للمضاهاة هى أوراق تصلح لذلك، واطمأنت إلى صحة المضاهاة عليها فلا يقبل من الطاعن أن يعود إلى مجادلتها فيما خلصت إليه من ذلك - لما كان ما تقدم، وكان التناقض الذى يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفى بعضها ما أثبته البعض الآخر ولا يعرف أى الأمرين قصدته المحكمة والذى من شأنه أن يجعل الدليل متهادما متساقطا لا شيء فيه باقيا يمكن أن يعتبر قواما لنتيجة سليمة يصح الاعتماد عليها، وهو ما خلا الحكم منه إذ أنه من بين ما استند إليه فى إطراح تقرير قسم أبحاث التزييف والتزوير فقد العقد موضوع الطعن مما تشككت معه المحكمة فى أن تكون المضاهاة قد أجريت على العقد المطعون عليه ويثير احتمال إجرائها على عقد آخر، كما أن من بين الأسباب التى عول عليها الحكم فى أخذه بالتقرير الاستشارى أن مضاهاته قد أجريت على صورة العقد وعلى أوراق أخرى خاصة وهو ما لا تعارض فيه ومن ثم فإن النعى على الحكم فى هذا الخصوص بقالة التناقض والقصور فى التسبيب لا يكون له محل - لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه ليس فى القانون ما يمنع المحكمة من الأخذ برواية ينقلها شخص عن آخر متى رأت أن تلك الأقوال قد صدرت منه حقيقة وكانت تمثل الواقع فى الدعوى، إذ المرجع فى تقدير قيمة الشهادة ولو كانت منقولة هو إلى محكمة الموضوع وحدها فمتى صدقتها واطمأنت إلى صحتها ومطابقتها للحقيقة فلا تصح مصادرتها فى الأخذ بها والتعويل عليها. ولما كان الطاعن لا يمارى فى أن ما حصله الحكم من أقوال الشهود عن اعتراف الطاعن بصحة العقد المدعى بتزويره له صداه فى الأوراق ولا يعدو بدعوى الخطأ فى الإسناد أن يكون محاولة تجريح أدلة الدعوى على وجه معين تأديا من ذلك إلى مناقصة الصورة التى ارتسمت فى وجدان قاضى الموضوع بالدليل الصحيح وهو ما لا يقبل أمام محكمة النقض وكان الحكم قد أفصح عن اطمئنانه إلى صحة أقوال هؤلاء الشهود وعول على ما نقلوه عن الطاعن من أنه أقر بصدور العقد منه فإن ما يثيره الطاعن حول استدلال الحكم بهذه الأقوال لا يعدو أنيكون جدلا موضوعيا لا تقبل إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان البين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه لم يسند إلى الطاعن سرقة العقد المدعى بتزويره وكل ما ورد به هو أن فقدان العقد الأصيل كان من شأنه التشكك فى أن هذا العقد هو الذى أجريت عليه مضاهة بمعرفة الطب الشرعى وبالتالى يضحى ما ينعاه الطاعن على الحكم فى هذا الصدد على غير أساس. لما كان ذلك، وكان من المقرر أنه لا يقدح فى سلامة الحكم القاضى بالبراءة أن تكون إحدى دعاماته معيبة وبفرض صحة ما يدعيه الطاعن من خطأ الحكم فى تاريخ الواقعة فإن هذا العيب غير منتج ما دام الثابت أن الحكم قد أقيم على دعامات أخرى متعددة تكفى وحدها لحمله ومن ثم يكون منعى الطاعن فى هذا الصدد فى غير محله، ولما كان ذلك، وكان من المقرر أنه يكفى فى المحاكمة الجنائية أن يتشكك القاضى فى صحة إسناد التهمة إلى المتهم لكى يقضى بالبراءة، إذ مرجع الأمر فى ذلك إلى ما يطمئن إليه فى تقدير الدليل ما دام الظاهر من الحكم أنه أحاط بالدعوى عن بصر وبصيرة، وكان الحكم المطعون فيه قد أورد الأدلة السائغة التى استند إليها والتى من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليها من عدم الاطمئنان إلى الادعاء بالتزوير المسند إلى المطعون ضدها وأطرح الحكم أدلة الإثبات المقدمة فى الدعوى للأسباب التى ذكرها فإن منعى الطاعن فى شأن ما استند إليه الحكم من عدم إمكان البت فى صحة العقد أو تزوير إزاء فقده ينحل إلى جدل موضوعى لا تجوز إثارته أما محكمة النقض. لما كان ذلك، وكان الخطأ القانونى فى الحكم القاضى بالبراءة - بفرض ثبوته - لا يعيبه ما دام أن قاضى الموضوع قد عول فى تكوين عقيدته بتبرئة المتهمة (المطعون ضدها) على عدم اطمئنانه إلى ثبوت حقها بعد أن ألم بأدلة الدعوى ووزنها ولم يقتنع وجدانه بصحتها مما لا يجوز معه مصادرته فى اعتقاده وكان الحكم المطعون فيه بالإضافة إلى أخذه بقرينة أن المطعون ضده ابنة شقيق الطاعن على خلاف الواقع ودون أن تطرح بالجلسة قد أقام قضاءه بالبراءة على دعاماته بالخطأ فى تطبيق القانون - بفرض صحته - يكون غير منتج ويكون النعى فى هذا الشأن غير سديد. لما كان ما تقدم فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا مع مصادرة الكفالة المودعة من الطاعن عملا بنص المادة 36/ 2 من القانون رقم 57 لسنة 1959 بشأن حالات وإجراءات الطعن أمام محكمة النقض.
وحيث أنه عن المصروفات المدنية فيلزم بها الطاعن شاملة مقابل أتعاب المحاماة إعمالا لنص المادة 230/2 من قانون الإجراءات الجنائية.