مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) - صـ 8

(2)
جلسة 15 من نوفمبر سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد مختار العزبى نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد عوض الله مكى وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 868 لسنة 13 القضائية

موظف - معاش
- دفع احتياطي المعاش المستحق عن حساب مدد الخدمة السابقة فى المعاش - المبلغ الذي يستحق على الموظف طبقا لأحكام القانون رقم 86 لسنة 1951 يختلف باختلاف طريقة الدفع التى يختارها - أساس ذلك.
يبين من مطالعة الجداول الملحقة بالقانون رقم 86 لسنة 1951 المذكور أن المبلغ الذى يستحق عن الموظف، فى حالة اختياره الدفع بطريقة ما من الطرق المشار إليها في المادة الثالثة من القانون سالف الذكر يختلف عن المبلغ الذى يستحق عليه فى حالة اختيار الدفع بطريقة أخرى من تلك الطرق وأن الاختلاف ليس مقصورا على قيمة القسط بمراعاة مدة التقسيط وإنما تختلف المبالغ المستحقة فى كل حالة عن الأخرى وبدهي أن يقترن هذا الاختلاف باختلاف المبلغ الذى يدفع دفعة واحدة فورا عن المبالغ التى تدفع مقسطة فى مدة معينة أو لمدى الحياة والحكمة التشريعية من هذا الاختلاف واضحة فقد راعى المشرع عند وضعه الجداول الملحقة بالقانون حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة منه التى تقضى بأن "يوقف دفع الأقساط عند وفاة المستخدم أو الموظف أو صاحب المعاش المدين ولا يستقطع أي مبلغ من معاش أو مكافأة المستحقين عنه" ولم يغب عن ذهن المشرع أن الموظف الذى يختار الدفع على أقساط شهرية قد يدفع مبالغ أكثر من الموظف الذى يدفع دفعة واحدة فورا، وأن الذى يختار الدفع على أقساط شهرية لمدى الحياة قد يدفع أكثر ممن يختار الدفع على أقساط شهرية فى مدة معينة إذا مد الله عمره، كما أنه قد يدفع أقل، وربما أقل بكثير إذا عاجله الموت، وتوقف تبعا لذلك دفع الأقساط، مقدار المبلغ المتحصل فى أحوال الدفع على أقساط ليس بذى أثر فى وقف الدفع أو الاستمرار فيه لأن دفع أكثر من المستحق بالقياس على حالة الدفع دفعة واحدة فورا، كذلك دفع أقل من هذا المستحق هما أمران متوقعان ويتفقان مع طبيعة الدفع على أقساط طالما أن حصيلة هذا الدفع تتوقف على أمر ليس فى الامكان تحديده وقت اختيار احدى طرق الدفع على أقساط وهو عمر الموظف، ففى أحوال الدفع على أقساط يكون هناك قدر من المخاطرة فى جانب كل من الطرفين الحكومة والموظف على السواء كما تكون الحكومة عرضة لوفاة الموظف فى الشهر التالى لبدء الدفع ومن ثم لتوقف هذا الدفع، فإن الموظف يكون عرضة كذلك لتحمل مخاطرة مماثلة، إذا أطال الله فى عمره فيدفع كل الأقساط المطلوبة منه فى حالة الدفع على أقساط فى مدة معينة، أو أن يظل يدفع القسط المطلوب منه مدى حياته فى حالة الدفع على أقساط لمدى الحياة ما لم يضع الشارع حدودا قصوى للوفاء فى حالة الدفع على أقساط لمدى الحياة كما فعل فى الجدول حرف (هـ) الملحق بالقانون والقول بغير ذلك معناه أن يجمع الموظف الذى يختار الدفع على أقساط بين مزايا الدفع دفعة واحدة فورا ومزايا الدفع على أقساط معا أو بمعنى آخر أن يكون له وقف دفع الأقساط ومنع الاستقطاع من معاش المستحقين عنه فى حالة وفاته حتى ولو لم يكن قد دفع شيئا يذكر من الأقساط المطلوبة منه، وفى نفس الوقت يكون له وقف دفع أقساط إذا بلغت الأقساط المدفوعة المبلغ الذى يكون مستحقا عليه لو أنه اختار الدفع دفعة واحدة فورا، وأن تتحمل الخزانة العامة المخاطر فى جميع الأحوال وهذا قول لا يجد له سند من النصوص ولا تقره قواعد العدالة التى تقضى بأن الغرم بالغنم.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - فى أن الدعي أقام الدعوى رقم 463 لسنة 11 القضائية ضد وزير الخزانة، بعريضة أودعت قلم كتاب المحكمة الإدارية لوزارة الخزانة فى 24 من مايو سنة 1964 وقد احيلت إلى محكمة القضاء الإداري للاختصاص طبقا للقانون رقم 144 لسنة 1964 وقيدت بجدولها تحت رقم 1081 لسنة 19 القضائية، وقد طلب فى العريضة الحكم "بايقاف استقطاع الـ 5 جنيه و125 مليم قيمة قسط متأخر احتياطى المعاش (لمدى الحياة) لعدم أحقية الخزانة وللتخالص وبراءة الذمة من التاريخ الذي تم فيه السداد وهو أول ابريل سنة 1963 والزام وزارة الخزانة المصروفات وكل ما ترتب على ذلك من آثار ضمتها رد ما سبق استقطاعه مع حفظ كافة الحقوق الأخرى وأتعاب المحاماة" وتوجز أسانيد دعواه فى أنه تقرر ربط معاشه فى نوفمبر سنة 1952 عن مدة خدمته البالغة 4 يوم و3 أشهر و39 سنة طبقا للقانون الصادر فى 28 من مايو سنة 1929 والقانون رقم 86 لسنة 1951 وقد قسط احتياطى المعاش الذي يستحق عليه على أقساط تسدد مدى الحياة قيمة كل منهما 5 جنيه و150 مليم، وقد جرى استقطاع هذه الأقساط ابتداء من معاش شهر يونية سنة 1952 وعندما عدل معاشه عملا بالقانون رقم 198 لسنة 1960 تعدل قسط مدى الحياة إلى 5 جنيه و125مليم اعتبارا من معاش شهر نوفمبر سنة 1960، ولما كان الاحتياطى المتأخر الذي استحق عليه للخزانة عند تسوية المعاش فى سنة 1952 هو مبلغ 664 جنيه و400 مليم وقد بلغ جملة المبلغ المسدد منة على الأساس المتقدم حتى أول ابريل سنة 1963. مبلغ 668 جنيه و775 مليم، فيكون دين احتياطى المعاش قد تسدد وزيادة وبرئت ذمته منه، ثم أن الفقرة الثالثة من المادة الرابعة من القانون رقم 86 لسنة 1951 تنص على أن "يوقف دفع الأقساط عند وفاة المستخدم أو الموظف أو صاحب المعاش المدين، ولا يستقطع أي مبلغ من معاش أو مكافئة المستحق عنه" فمن باب أولى أن يوقف الاستقطاع ما دام الدين المطلوب من صاحب المعاش قد تسدد وزيادة وهو ما يزال على قيد الحياة والقول باستحقاق فوائد على هذا الدين مخالف لقواعد العدل والانصاف ولروح التشريع رقم 86 لسنة 1951 الذي يوقف من تلقاء نفسه الاستقطاع فى حالة الوفاة بدون كامل السداد وأنه لا محل للتمسك بأنه قبل تقسيط احتياطى المعاش المستحق عليه على أقساط تسدد مدى الحياة ما دام أن قيمة هذا الاحتياطى قد تحددت عند ربط المعاش بمبلغ 664 جنيه و400 مليم وقد تم سداد هذا المبلغ فعلا، والا كان معنى استمرار الخصم إثراء وزارة الخزانة على حساب المدعي بلا سبب. وقد أجابت الجهة الإدارية عن الدعوى بقولها أن المدعي ثبت فى وظيفته اعتبارا من 22 من نوفمبر سنة 1951 عملا بأحكام المرسوم بقانون رقم 37 لسنة 1929 وكانت له مدة خدمة سابقة من 12 من فبراير سنة 1913 إلى 21 من نوفمبر سنة 1951 حسبت له فى المعاش طبقا للقانون رقم 86 لسنة 1951 فى 4 من فبراير سنة 1952 وقد استحق عن هذه المدة احتياطي معاش قدره 537 جنيه و280 مليم اختار المدعي سداده على أقساط شهرية لمدى الحياة قيمة القسط 5 جنيه و150 مليم على أساس الجدول رقم (1) المرفق بالقانون رقم 86 لسنة 1951 الذي تنص المادة الثالثة منه على أن "على كل مستخدم أو موظف يعين فى سلك المستخدمين الدائمين عند العمل بهذا القانون ويرغب فى حساب ما له من مدد خدمة فى المعاش عملا بأحد قرارات مجلس الوزراء المشار إليها فى المادة الأولى أن يقدم طلب بذلك كتابة إلى رئيس المصلحة التابع لها خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانه كتابتا بتعيينه فى سلك المستخدمين أو الموظفين الدائمين يتعهد فيه بأن يدفع إلى الخزانة متأخر الاحتياطى المستحق عليه كما هو مقرر بالقانون رقم 22 لسنة 1922 وبالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 حسب الأحوال وذلك إما دفعة واحدة فورا أو على أقساط شهرية فى مدة عشر سنوات أو خمس عشرة سنة أو عشرين سنة أو لمدى الحياة طبقا لأحد الجداول الأربعة (أ) و(ب) و(ج) و(د) الملحقة بهذا القانون حسب اختياره ولما كان المدعي قد أفصح باختياره خصم هذه الأقساط لمدى الحياة فإن دعواه لا يكون لها أي سند من القانون. وبجلسة 27 من مارس سنة 1967 قالت محكمة القضاء الإداري "بقبول الدعوى شكلا وفى الموضوع بأحقية المدعي فى وقف خصم أقساط احتياطى المعاش اعتبارا من أول ابريل سنة 1963 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات" وأقامت قضاءها على أن المستفاد من نص المادة الأولى من القانون رقم 86 لسنة 1951 أن المشرع هدف باصدار هذا القانون إلى تثبيت الاستثناءات الخاصة بتسوية المعاشات والتى صدرت بها قرارات من مجلس الوزراء التى كان مجلس الوزراء قد حاد فيها عن الأصول المقررة فى القوانين أرقام 5 لسنة 1909، 37، 39 لسنة 1929 ولم يقصد المشرع أن يجعل القانون رقم 86 لسنة 1951 معدلا لأحكام القوانين سالفة الذكر ومن ثم فإن أحكام المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 لم تتأثر بالقانون رقم 86 لسنة 1951، وقد نصت المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 المشار إليه على أنه "يجوز لكل موظف أو مستخدم فى أي وقت كان أن يسدد الأقساط المستحقة عليه للخزانة من تأخر الاحتياطى أو بعضا منه وعند سداد بعض الأقساط يخفض مقدار القسط السنوى الواجب دفعه بعد ذلك بنسبة ما دفع وذلك على أساس الجدول المرفق.." ومن هذا يبين أن من حق المدعي فى حسابه مع الإدارة أن تعامله وفقا لنص المادة السادسة المذكورة، وله إذن فى أي وقت كان أن يسدد كل الأقساط المستحقة عليه للخزانة من متأخر احتياطى المعاش أو بعضا منه، ومتى كان ذلك وكان المدعي قد طلب إيقاف الخصم من معاشه على أساس أنه أتم الوفاء بكل دين الاحتياطى فإن المدعي يكون مستندا فى طلبه هذا إلى حق خولته إياه المادة السادسة المشار إليها، ولا يقدح أن يكون قد أقر فى استمارة حصر المدة أنه يقبل التقسيط مدى الحياة إذ أن هذا لا يعنى بطبيعة الحال أن تستوفى الحكومة أكثر من دين الاحتياطى المطلوب لها.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الحكم فيه أخطأ إذ أجاب المطعون عليه إلى طلبه وقف خصم أقساط احتياطى المعاش اعتبارا من أول أبريل سنة 1963 على أساس أنه فى هذا التاريخ يكون مجموع ما خصم منه من أقساط مساويا لمبلغ احتياطى المعاش المستحق عليه بل يزيد عليه، وأنه ما دام أن الجهة الإدارية قد استوفت كامل حقها فإنه لا يجوز لها الحصول من المطعون ضده على أية أقساط أخرى، ذلك أن على الموظف أعمالا للمادة الثالثة من القانون رقم 86 لسنة 1951 أن يختار طريقة سداد احتياط المعاش المستحق عليه وهى كما يتضح من النص خمسة طرق: السداد دفعة واحدة على الفور أو على أقساط شهرية فى مدة عشر سنوات أو خمسة عشرة سنة أو عشرين سنة أو لمدى الحياة وذلك وفقا للجداول المرفقة بالقانون والتى حددت القسط المستحق فى كل طريقة وذلك ليكون كل موظف على بينة وهو يحدد اختياره للطريقة التى تناسب ظروفه المالية، وقد اختار المطعون عليه من بين هذه الطرق طريقة السداد على أقساط شهرية لمدى الحياة، ولم يكن يغيب عن ذهن المشرع أن الموظف الذى يختار هذه الطريقة قد يدفع مبالغ أكثر مما هو مستحق عليه كما قد يدفع مبالغ أقل مما هو مستحق عليه نظرا لأن حصيلة هذا السداد تتوقف على أمر ليس فى الامكان تحديده وقت اختيار هذه الطريقة وهو عمر الموظف، ومن ثم فإن مقدار المبلغ المتحصل من هذه الطريقة ليس بذي أثر على وقف الأقساط أو الاستمرار فيها بل يظل خصم هذه الأقساط مستمرا حتى يقف بوفاة الموظف أو ببلوغ الحد الأقصى لمدة السداد وفق ما حدده المشرع إذا طال عمر الموظف إلى أكثر من هذا الحد، فطريقة السداد على أقساط لمدى الحياة فيها جانب من المخاطرة على كل من الطرفين الحكومة والموظف على السواء ولذا فإنه لا يسوغ للموظف أن يطالب بوقف الأقساط التى يدفعها إذا كانت الأقساط التى دفعها فعلا تكفى لسداد المبلغ، لأن فى الأخذ بهذا النظر اجحافا بالخزانة العامة إذ فى هذه الحالة ستتحمل الخزانة وحدها مخاطر هذه الطريقة، أما المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 التى استند إليها الحكم المطعون فيه فإن حكمها لا يتفق البتة مع طريقة السداد على أقساط لمدى الحياة التى لا يكون معلوما فيها مقدار الأقساط الباقية، هذا فضلا عن أن هذه المادة قد عدلت بالقانون رقم 86 لسنة 1951 الذي ألغى وعدل الكثير من مواد المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 كما هو ظاهر من نصوصه وأحكامه المتعارضة مع أحكام المرسوم بقانون 39 لسنة 1929.
ومن حيث أنه يبين من الأوراق أن مدة خدمت المدعي السابقة على تثبيته حسبت له فى المعاش تطبيقا لأحكام القانون رقم 86 لسنة 1951 وأنه اختار دفع احتياطى المعاش الذى استحق عليه نتيجة ضم هذه المدة على أقساط لمدى الحياة عملا بنص المادة الثالثة من القانون المشار إليه التى يجرى نصها كالآتى: "على كل مستخدم أو موظف يعين فى سلك المستخدمين الدائمين عند العمل بهذا القانون ويرغب فى حساب ما له من مدد خدمة مؤقتة فى المعاش عملا بأحد قرارات مجلس الوزراء المشار إليها فى المادة الأولى أن يقدم طلبا بذلك كتابة إلى رئيس المصلحة التابع لها فى خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانه كتابة (إلى رئيس المصلحة التابع لها فى خلال ستة أشهر من تاريخ إعلانه كتابة) بتعينه فى سلك المستخدمين أو الموظفين الدائمين يتعهد فيه بأن يدفع إلى الخزانة متأخر الاحتياطى المستحق عليه كما هو مقرر بالقانون رقم بالقانون رقم 22 لسنة 1922 أو بالمرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 حسب الأحوال وذلك إما دفعة واحدة فورا أو على أقساط شهرية فى مدة عشر سنوات أو خمس عشرة سنة أو عشرين سنة أو لمدى الحياة طبقا لأحد الجداول الأربعة (أ)، (ب)، (ج)، (د) الملحقة بهذا القانون حسب اختياره.
ومن حيث أنه يبين من مطالعة الجداول الملحقة بالقانون رقم 86 لسنة 1951 المذكور أن المبلغ الذى يستحق عن الموظف، فى حالة اختياره الدفع بطريقة ما من الطرق المشار إليها في المادة الثالثة من القانون سالف الذكر يختلف عن المبلغ الذى يستحق عليه فى حالة اختيار الدفع بطريقة أخرى من تلك الطرق وأن الاختلاف ليس مقصورا على قيمة القسط بمراعاة مدة التقسيط وإنما تختلف المبالغ المستحقة فى كل حالة عن الأخرى وبدهي أن يقترن هذا الاختلاف باختلاف المبلغ الذى يدفع دفعة واحدة فورا عن المبالغ التى تدفع مقسطة فى مدة معينة أو لمدى الحياة والحكمة التشريعية من هذا الاختلاف واضحة فقد راعى المشرع عند وضعه الجداول الملحقة بالقانون حكم الفقرة الأخيرة من المادة الثالثة منه التى تقضى بأن "يوقف دفع الأقساط عند وفاة المستخدم أو الموظف أو صاحب المعاش المدين ولا يستقطع أي مبلغ من معاش أو مكافأة المستحقين عنه" ولم يغب عن ذهن المشرع أن الموظف الذى يختار الدفع على أقساط شهرية قد يدفع مبالغ أكثر من الموظف الذى يدفع دفعة واحدة فورا، وأن الذى يختار الدفع على أقساط شهرية لمدى الحياة قد يدفع أكثر ممن يختار الدفع على أقساط شهرية فى مدة معينة إذا مد الله عمره، كما أنه قد يدفع أقل، وربما أقل بكثير إذا عاجله الموت، وتوقف تبعا لذلك دفع الأقساط، مقدار المبلغ المتحصل فى أحوال الدفع على أقساط ليس بذى أثر فى وقف الدفع أو الاستمرار فيه لأن دفع أكثر من المستحق بالقياس على حالة الدفع دفعة واحدة فورا، كذلك دفع أقل من هذا المستحق هما أمران متوقعان ويتفقان مع طبيعة الدفع على أقساط طالما أن حصيلة هذا الدفع تتوقف على أمر ليس فى الامكان تحديده وقت اختيار احدى طرق الدفع على أقساط وهو عمر الموظف، ففى أحوال الدفع على أقساط يكون هناك قدر من المخاطرة فى جانب كل من الطرفين الحكومة والموظف على السواء فكما تكون الحكومة عرضة لوفاة الموظف فى الشهر التالى لبدء الدفع ومن ثم لتوقف هذا الدفع، فإن الموظف يكون عرضة كذلك بتحمل مخاطرة مماثلة، إذا أطال الله فى عمره فيدفع كل الأقساط المطلوبة منه فى حالة الدفع على أقساط فى مدة معينة، أو أن يظل يدفع القسط المطلوب منه مدى حياته فى حالة الدفع على أقساط لمدى الحياة ما لم يضع الشارع حدودا قصوى للوفاء فى حالة الدفع على أقساط لمدى الحياة كما فعل فى الجدول حرف (هـ) الملحق بالقانون والقول بغير ذلك معناه أن يجمع الموظف الذى يختار الدفع على أقساط بين مزايا الدفع دفعة واحدة فورا ومزايا الدفع على أقساط معا أو بمعنى آخر أن يكون له وقف دفع الأقساط ومنع الاستقطاع من معاش المستحقين عنه فى حالة وفاته حتى ولو لم يكن قد دفع شيئا يذكر من الأقساط المطلوبة منه، وفى نفس الوقت يكون له وقف دفع الأقساط إذا بلغت الأقساط المدفوعة المبلغ الذى يكون مستحقا عليه لو أنه اختار الدفع دفعة واحدة فورا، وأن تتحمل الخزانة العامة المخاطر فى جميع الأحوال وهذا قول لا يجد له سند من النصوص ولا تقره قواعد العدالة التى تقضى بأن الغرم بالغنم.
ومن حيث أنه لا محل بعد ذلك للبحث فيما ذهب إليه الحكم المطعون فيه من أن القانون رقم 86 لسنة 1951 لم يلغ أو يعدل أحكام المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929، ذلك أنه لا خلاف - فى المنازعة الراهنة - فى أن المدعي قد ضمت له مدة خدمته السابقة فى المعاش طبقا لأحكام القانون رقم 86 لسنة 1951 وأن هذا القانون هو الذي يحكم حالته، هذا فضلا عن أن الحكم الذي أوردته المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 29 لسنة 1929 الذي تضمن ما يتبع عند ابداء الرغبة فى أي وقت فى دفع الأقساط المستحقة كلها أو بعضها وهو الذي هدف الحكم المطعون فيه - حين قرر أن القانون رقم 86 لسنة 1951 لم يلغ المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 - إلى تطبيقه على حالة المدعي، هذا الحكم لم يغب عن ذهن المشرع وهو يضع القانون رقم 86 لسنة 1951 فأورد حكما مماثلا له فى المادة الخامسة منه التى يجري نصها كالآتي: "يحدد وزير المالية بقرار يصدره كيفية وشروط قبول طلبات تعجيل سداد الأقساط المستحقة كلها أو بعضها على أن يراعى فى ذلك القواعد والأسس التى بنيت عليها الجداول الملحقة بهذا القانون" يبين من مطالعة نص هذه المادة وحكمها أنه لا يختلف عن حكم المادة السادسة من المرسوم بقانون رقم 39 لسنة 1929 وإن اختلفت عبارتهما - يبين أن الافادة من الرخصة المخولة بمقتضى هذين النصين لا تعنى أن يكون دفع الأقساط المستحقة كلها أو بعضها على أساس المبلغ الذي كان مستحقا فى حالة الدفع دفعة واحدة فورا - حسبما ذهب إلى ذلك المدعي وجاراه فى مذهبه الحكم المطعون فيه - وإنما يكون حسبما ذكر فى كلا النصين على أساس من القواعد والأسس التى بنيت عليها الجداول الملحقة بكلا القانونين، وقد سبقت الإشارة إليها.
ومن حيث أنه تأسيسا على ما تقدم يكون الحكم المطعون فيه وقد قضى بوقف خصم أقساط احتياطى المعاش المستحق على المدعي اعتبارا من أول أبريل سنة 1963 لأنه فى هذا التاريخ يكون مجموع ما خصم منه من أقساط مساويا لمبلغ احتياطى المعاش الذى كان مستحقا عليه لو اختار الدفع دفعة واحدة فورا، قد خالف القانون وأخطأ فى تأويله وتطبيقه، ويتعين لذلك القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعى بالمصروفات.