مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) - صـ 21

(4)
جلسة 21 من نوفمبر سنة 1970

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق المستشارين.

القضية رقم 507 لسنة 12 القضائية

نيابة إدارية
- إعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية مدير عام النيابة الإدارية ليس هو صاحب الاختصاص في إعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية بالقرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 - رئيس الجمهورية طبقا للأحكام الدستورية هو المسئول عما يصدر عنه من أقوال وأفعال - أساس ذلك.
لا صحة في القول بأن مدير عام النيابة الإدارية هو صاحب الاختصاص الفعلي والحقيقي في إعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية بالقرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 وأن تدخل رئيس الجمهورية طبقا للأوضاع الدستورية ليس إلا إجراء شكليا وذلك أن النظام الدستوري في دستور سنة 1956 وفي الدستور المؤقت الصادر سنة 1958 آخذ بالنظام الرئاسي فيما يتعلق بوضع رئيس الدولة واختصاصاته فلم يرد بأي من الدستورين المشار اليهما نصوص على غرار ما تضمنه دستور سنة 1923 مؤداها أن رئيس الدولة يسود ولا يحكم وأنه يباشر اختصاصاته بواسطة وزرائه، وأن أوامره شفهية كانت أو كتابية يسأل عنها الوزراء، وأن توقيعات الملك في شئون الدولة يجب لنفاذها أن يوقع عليها رئيس مجلس الوزراء والوزراء المختصون، لم يرد شئ من ذلك في الدساتير المعلنة بعد ثورة 23 من يولية سنة 1952 حيث يجلس فيها رئيس الجمهورية على قمة الجهاز الإداري بأسره بصفته صاحب السلطة فعلا وقانونا ويضع - طبقا لنص المادة 64 من دستور سنة 1956 وتقابلها المادة 44 من الدستور المؤقت الصادر سنة 1958 - بالاشتراك مع وزرائه الذين يعنيهم السياسة العامة للحكومة ويقوم كل منهم في وزارته بتنفيذ تلك السياسة تحت إشراف رئيس الجمهورية ويسألون أمامه عنها، كما يكون هو طبقا لبقية الأحكام الدستورية مسئولا عما يصدر عنه من أقوال وأفعال مسئولية مباشرة تمشيا مع القاعدة الأصلية التي تقضي بأنه "حيث تكون السلطة تكون المسئولية".


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر المنازعة - حسبما يبين من الأوراق - تتحصل في أن المدعى أقام الدعوى رقم 546 لسنة 13 القضائية ضد رئاسة الجمهورية والنيابة الإدارية بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 17 من فبراير سنة 1959 طلب فيها الحكم "بإلغاء القرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 الصادر في 15 من سبتمبر سنة 1958 بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية فيما تضمنه من ترك الطالب في إعادة تعيينه في وظيفة وكيل للنيابة الإدارية وأحقيته في اعادة تعيينه في وظيفة وكيل للنيابة الإدارية - وما يترتب على ذلك من آثار، مع إلزام الحكومة المصروفات ومقابل أتعاب المحاماة". وتوجز أسانيد دعواه في أنه في 11 من أغسطس سنة 1958 صدر القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية وقد نص في المادة 48 منه على أن "يصدر خلال خمسة عشر يوما من تاريخ العمل بهذا القانون قرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقا للنظام الجديد".
وتنفيذا لأحكام ما نصت عليه المادة المذكورة شكلت لجنة بالنيابة الإدارية تحت رئاسة مديرها العام لاختيار من يعاد تعيينهم بها طبقا للنظام الجديد، وقامت هذه اللجنة بوضع أسس ومعايير لمن يعاد تعيينهم من الأعضاء قوامها الكفاية والانتاج وحسن السيرة، إلا أن جهة الإدارة لم تلتزم تلك المعايير عند إصدارها القرار رقم 1128 لسنة 1958 المتضمن أسماء من أعيد تعيينهم أعضاء بالنيابة الإدارية، فقد أغفل ذلك القرار اسم المدعى على الرغم من تحقق شروط الصلاحية والكفاية في الإنتاج وحسن السيرة في حقه، وذلك على حين أنه تضمن في ذات الوقت إعادة تعيين أعضاء افتقدوا بعض تلك الشروط وممن ثبت عدم إنتاجهم وتراخيهم وإهمالهم وقد أنذر البعض منهم كما لفت نظر البعض الآخر الأمر الذي يصم ذلك القرار بأنه صدر مشوبا بعيب مخالفة القانون والانحراف بالسلطة.
وقد أجابت الجهة الإدارية المدعى عليها عن الدعوى بأن القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية قد ألغى القانون رقم 480 لسنة 1954 وحل الهيئة التي كانت قائمة في ظله وأنهى خدمات أعضائها ثم حدد مهلة يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بإعادة تعيين من لم يشملهم القرار الأول في وظائف أخرى بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية، وأن مؤدى ذلك أن قرار رئيس الجمهورية المطعون فيه هو قرار تعيين مبتدأ لم يقيده المشرع بشروط أو ضوابط معينة وهو لهذا يعد من الملاءمات التقديرية التي تترخص فيها جهة الإدارة طبقا للصالح العام دون أن يكون للرقابة القضائية الحق في الزامها باتباع ضوابط معينة أو بتسبيب قرارها في هذا الشأن، وأن مذكرة مدير عام النيابة الإدارية، التى وصفها المدعي بأنها تضمنت ضوابط اختيار من يعاد تعيينهم لا يسوغ اعتباره أفصح من جهة الإدارة عن أسباب عدم اختيار من لم يتضمن القرار الجمهوري المطعون فيه اعادة تعيينهم وإنما تضمنت فحسب بيانان عن الأهداف والغايات التى توخاها المشرع بصورة عامة ومطلقة من وراء حلة جهاز النيابة الإدارية وإعادة تشكيلها على أساس جديد من الكيفية والاستقامة بما يقضي اختيار من يستكملون عناصر الكفاية وحسن السمعة والرغبة في العمل والتعاون فيه والإفصاح عما يقصده الشارع من أي حكم قانوني في مجال تطبيقه لا يعتبر بذاته سببا للقرارات التي تصدرها جهة الإدارة بالتطبيق لهذا الحكم القانوني، هذا فضلا عن أن مدير عام النيابة الإدارية ليس هو مصدر القرار وأن رأيه لا يعود أن يكون استشاريا وأن تلك الضوابط التى تحدث عنها في مذكرته لها صفة العموم والتجريد الذي يخرجها عن نطاق التحديد. وخلصت الجهة الإدارية المطعون عليها إلى القول بأنها طالما أن قرار رئيس الجمهورية 1128 لسنة 1958 قد صدر في حدود القانون مستهدفا تحقيق مصلحة عامة متماثلة في ضمان استكمال عناصر الصلاحية للعمل الجديد الذي اختص به التنظيم الجديد للنيابة الإدارية بعيدا عن مظنة الانحراف أو اساءة استعمال السلطة فإنه يكون بمنأى عن كل طعن.
ومن حيث أنه بجلسة 23 من ديسمبر سنة 1965 أصدرت محكمة القضاء الإداري "هيئة الترقيات والتعيينات" حكمها في الدعوى بقبولها شكلا وفي الموضوع برفضها مع الزام المدعي بالمصروفات. وقد استعرضت المحكمة على التفصيل الوارد بأسباب حكمها بعض نصوص القانون 117 لسنة 1958 وأهمها المادة 48 منه التي تنص على أن "يصدر خلال خمسة عشر يوم من تاريخ العمل بهذا القانون قرار من رئيس الجمهورية بعد أخذ رأي مدير عام النيابة الإدارية بإعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقا للتنظيم الجديد - ويجوز أن يتم تعيين هؤلاء الأعضاء دون التقييد بحكم المادة 33 من هذا القانون، أما الذين لا يشملهم القرار المشار إليه في الفترة السابقة فيحتفظون بدرجاتهم ومرتباتهم الحالية بصفة شخصية لمدة أقصاها ستة أشهر يصدر خلالها قرار من رئيس الجمهورية بتعيينهم في وظائف عامة مماثلة لوظائفهم سواء كانت إدارية أو فنية لا تقل من حيث الدرجة عن درجات وظائفهم الحالية وذلك بعد الاتفاق مع الجهات المختصة"، وخلصت المحكمة إلى أنها تلاحظ أن القانون الجديد رقم 117 لسنة 1958 قد عدل في نظام النيابة الإدارية تعديل شامل سواء من حيث الاختصاصات أو من حيث نظام الوظائف الفنية، ذلك أنه أصبح للنيابة الإدارية سلطات أوسع في مجال التحقيقات والمحاكمات الإدارية على غرار ما هو مقرر للنيابة العامة من سلطات في مجال الإجراءات الجنائية وأصبح لرجال النيابة الإدارية صفة رجال الضبط القضائي وتقرر معاملتهم في مجال الوظيفة العامة معاملة أعضاء النيابة العامة وأن الشارع وقد أعاد بناء النيابة الإدارية على أسس جديدة مغايرة تماما لأسس التي قام عليها القانون رقم 480 لسنة 1954 فإنه في سبيل اختيار الأعضاء الذين تتكون منهم لبنة هذا البناء الجديد وضع حكما وقتيا استثنائيا وأن هذه السلطة الاستثنائية وقد ورد النص بها مطلقا، غير مقيد لجهة الإدارة بأي ضابط تسير عليه إنما قصد بها أن تكون سلطة تقديرية من نوع السلطة التي تملكها جهة الإدارة أصلا عند التعيين المبتدأ والتي تتميز بحرية الإدارة في اختيار شخص الموظف من بين الموظفين الصالحين للوظيفة العامة دون معقب عليها في هذا الاختيار ما دام هدفها الصالح العام، وأن قيام رابطة التوظف بين من كانوا يعملون من قبل بالنيابة الإدارية وبين الدولة ليست أمرا ذا بال في هذا الصدد لأن هذه الرابطة هى ذاتها هدف وموضوع التنظيم الاستثنائي الذي ضمنه الشارع نص المادة 48 من القانون رقم 117 لسنة 1958، وأن التحدي بالصلاحية والكفاية لا مجال له في تطبيق المادة 48 سالفة الذكر إذ أن نصها لم يستهدف الإقصاء والتطهير لأسباب تتعلق بصلاحية هؤلاء الأعضاء القدامى وكفايتهم، والا لنص الشارع على ذلك صراحة ولنظم حدود هذا الإقصاء ووضع ضوابطه كما فعل عند تعديله لأحكام القانون رقم 117 لسنة 1958 أو لاكتفى على الأقل بما خوله لجهة الإدارة من سلطة النقل إلى وظيفة أخرى دون أن ينص على إعادة التعيين بالذات وعلى وجه التخصيص، سواء بالنسبة لمن يعاد تعيينه في الجهاز الجديد للنيابة الإدارية أو لمن يعين في جهة حكومية أخرى، الأمر الذي يكشف عن أن النية قد انصرفت بهذا التشريع أساسا إلى تمكين جهة الإدارة من استعادة سلطتها التي تملكها أصلا عند التعيين المبتدأ ثم انتقل للحكم المطعون فيه إلى القول بأن هذه السلطة التقديرية لجهة الإدارة ليست سلطة مطلقة وإنما يحدها مبدأ المشروعية أي واجب عدم الانحراف بالسلطة، وهذا الواجب وإن كان يقتضي أن يقع اختيار الإدارة على الموظفين الصالحين للعمل في النيابة الإدارية طبقا لنظامها الجديد إلا أن تقدير هذه الصلاحية هو نفسه مضمون السلطة التقديرية التي لجهة الإدارة في التعين ومن ثم يكون لجهة الإدارة في شأن هذه الصلاحية أن تستقل بتحديد عناصرها ووسائل الكشف عنها بحسب تقديرها المطلق ما دام رائدها الصالح العام وانتهى الحكم المطعون فيه أن الأصل في القرار الإداري أنه صحيح في أهدافه ومرتباته حتى يقوم الدليل على الانحراف بالسلطة ويقع عبء إثبات أن القرار لم يكن مقصودا به الصالح العام على المدعى إذ يتعين عليه أن يقيم الدليل على أنه إنما قصد به تحقيق أغراض شخصية لا تمت إلى الصالح العام ولا يقبل دليله في هذا المجال مستخلصا عن طريق إعادة الموازنة بين المرشحين لأن ذلك فضلا عما ينطوي عليه من تدخل في صميم اختصاص الإدارة فإن لا يكشف عن حقيقة الغاية التي استهدفها القرار ما دام تقرير صلاحية الموظف للتعيين أمرا مستقرا في ضمير الإدارة وطالما أنه ليس ثمة ضابط ملزم يحدد معالم هذه الصلاحية فلا سبيل للمناقشة حول ما أقامت عليه جهة الإدارة اقتناعا بتوفر هذه الصلاحية في شخص دون آخر. وإذ لم يقم المدعي الدليل على أن ثمة أغراضا شخصية استهدفها القرار بإعادة التعيين ومن ثم يعد هذا القرار صحيحا.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ في تطبيق القانون وفي تأويله وذلك أن القانون رقم 117 لسنة 1958 قصد إلى تطوير النظام القائم آنذاك على أساس استكمال مقومات النيابة الإدارية ومنحها الاختصاصات اللازمة لتمكينها من الاسهام في اصلاح أجهزة الدولة ولم يقصد إلغاء ذلك النظام وانهاء الرابطة الوظيفية بين القائمين بالعمل فيه والحكومة وإنما قصد ابعاد غير المرغوب في بقائهم بسبب عدم الصلاحية، ولهذا فإن اعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية طبقا لحكم المادة 48 من القانون المشار إليه لا تتمتع حياله الإدارة بسلطة مطلقة لأنها لا تمارس سلطة تعيين مبتدأ، وإنما يقضي الأمر أن تكون ثمة حالة واقعية أو قانونية تسوغ للإدارة الترك عند اعادة التعيين وانطلاقا من هذا الأصل مضى الطعن ناعبا على القرار الجمهوري 1128 لسنة 1958 مخالفته القانون تأسيسا على أن اعادة تعيين أعضاء النيابة بالقرار المشار إليه قد تم بناء على ضوابط ومعايير معينة وضعتها اللجنة التي كانت قد شكلت برئاسة مدير عام النيابة الإدارية بقصد تحقيق هذا الغرض وأنه على الرغم من تحقيق تلك الضوابط والمعايير - وهي الكفاية الانتاجية وحسن السمعة والرغبة في العمل والتعاون فيه - في حقه فإن القرار الجمهوري الطعين أغفل اعادة تعيينه على حين أنه تضمن اعادة تعيين بعض من لم تتوفر لهم تلك الصلاحيات ممن يفضلهم الطاعن كفاية ومقدرة وانتاجا وخبرة، وأنه متى ذكرت جهة الإدارة أسبابا لقرارها فإنها تكون خاضعة للرقابة القضائية للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون وأن مذكرة مدير عام النيابة الإدارية المؤرخة في 121 من أبريل سنة 1959 أفصحت عن الضوابط والمعايير سالفة الذكر كما أن كتاب النيابة الإدارية المرسل إلى ديوان الموظفين خلال شهر مايو سنة 1959 تضمن أن سبب تخطي الطاعن عند اعادة التعيين هو ما نسبته إليه جهة الإدارة من عدم صلاحيته لأعمال النيابة الإدارية طبقا للنظام الجديد.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه إذ قضى برفض الدعوى، قد أصاب الحق في قضائه، وذلك للأسباب التي قام عليها والتي تأخذ بها هذه المحكمة وتعتبرها أسباب لحكمها ولا حجة فيما ينعاه الطاعن عليه فالقانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية والمحاكمات التأديبية في الاقليم المصري قد عدل في نظام النيابة الإدارية تعديلا شاملا سواء من ناحية الجهاز ذاته وما خوله من السلطات والاختصاصات أو من ناحية العاملين به في خصوص أوضاعهم الحالية والوظيفية وقصد إلى تمكين الإدارة من اعادة بناء الجهاز الجديد من غير تقيد أو ارتباط بأي ضوابط محددة بل أعطاها سلطة تقديرية ومن ذات النوع الذي تملكه عند التعيين المبتدأ. فنص المادة 48 من القانون المشار إليه لم يقصد إلى اقصاء أو تطهير يتعلق بالصلاحية أو الكفاية وإنما هو انهاء للرابطة التي كانت تربط بين الموظف الفني بالجهاز القديم مع الاحتفاظ له فحسب بالصفة العامة التي تربطه بالحكومة من حيث هو موظف يشغل درجة مالية معينة بمرتب معين، إلا أن سلطة الإدارة عند اعادة التعيين وفقا لأحكام ذلك القانون وهي سلطة مطلقة يحدها مبدأ المشروعية أي وجوب التزام الإدارة بإيقاع اختيارها على الأصلح، وتقدير هذه الصلاحية هو مضمون السلطة التقديرية تحدد عناصرها ووسائل الكشف عنها إن أرادت بحسب تقديرها المطلق فيكون لها الاعتماد على التقارير السرية وملفات الخدمة ومعلومات الرؤساء ولها أن تعول عليها كلها أو على بعض منها أو أن تتخذ لها سبيلا آخر ترى أنه أكثر تحقيقا للصالح العام وأيا ما كانت تلك العناصر فإن الأصل في القرار الإداري هو حمله على الصحة بافتراض قيامه صحيحا وابتنائه على سبب صحيح يحمله وصدوره مستهدفا الصالح العام وأن أمسكت جهة الإدارة عن الإفصاح عن السب فليس من سبيل لحملها على الإفصاح عنه ويكون على المدعي عبء اثبات أن القرار لم يكن مقصودا به الصالح العام، لا يسعفه في خصوص هذه المنازعة استخلاص هذا السبيل لا يكشف بذاته عن الغاية الحقيقية التي استهدفها القرار ما دام تقدير صلاحية الموظف عند اعادة التعيين - وهو في حكم التعيين المبتدأ - أمرا مستقرا في ضمير الإدارة ساكنا في وجدانها، وطالما أنه ليس ثمة ضابط ملزم يحدد ملامح هذه الصلاحية فلا سبيل للمناقشة أو الجدل حول صحة ما أقامت عليه الإدارة اقتناعها، وما لم يقم المدعي بتقديم الدليل على أن ثمة أغراضا شخصية استهدفها القرار فإنه يعد صحيحا.
ومن حيث أنه وإن كان للقضاء الإداري - أن يبسط رقابته على صحة السبب في القرار الإداري إذا ما أفصحت عنه جهة الإدارة المختصة بإصداره، إلا أنه لا غناء فيما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه من عدم تصديه لمناقشة الصلاحية والكفاية في العمل في مجال المفاضلة بين الطاعن ومن أعيد تعيينهم بقرار رئيس الجمهورية رقم 1128 لسنة 1958 توسلا إلى تحقق صحة قيام ركن السبب في القرار المذكور، لا غناء ولا حجاب في ذلك حيث يستند الطاعن على مذكرة مدير عام النيابة الإدارية المحررة في 19 من إبريل سنة 1959 التي قالت أنه روعي في اعادة التعيين توفر شروط معينة كمعيار للكشف عن الصلاحية المنشودة فيمن يعاد تعيينه، وأن هذه الشروط هي الكفاية الفنية وحسن السمعة والرغبة في العمل والتعاون فيه، وذلك لأن تلك المذكرة - كما قال الحكم المطعون فيه بحق - قد وردت عبارتها في اطار من التعميم ونطاق من المرونة لا يسمح باعتبارها شروطا منضبطة تقع في مجال الحصر والتحديد بل أن عبارات تلك المذكرة تشير إلى أن ثمة اعتبارات أخرى - غير تلك التي أشارت إليها في تعميم - قد روعيت عند اعادة التعيين وأنها كانت محل بحث ذوي الشأن ولم تكشف عنها تلك المذكرة أو غيرها من الأوراق ولا سبيل إلى إلزام الإدارة بالكشف عنها، بل ولقد تحفظ المدير العام نفسه إذ أشار في مقدمة تلك المذكرة إلى أن قرار إعادة التعيين لم يقيده المشرع بشروط أو ضوابط معينة وليس لجهة الرقابة القضائية والحال كذلك أن تلزم الإدارة بإتباع ضوابط معينة أو بتسبيب قرارها، وبالاضافة إلى ما تقدم في هذا الشأن فإن مدير عام النيابة الإدارية لم يكن هو مصدر قرار اعادة التعيين مما يفصح عنه من أسباب بني عليها مشورته التي قدمها في صورة رأي لرئاسة الجمهورية لا تؤخذ سببا للقرار الإداري ما لم يرد الدليل قاطعا على أخذه سببا للقرار من الجهة المختصة باصداره ولا صحة في القول بأن مدير عام النيابة الإدارية هو صاحب الاختصاص الفعلي والحقيقي في اعادة تعيين أعضاء النيابة الإدارية بالقرار الجمهوري رقم 1128 لسنة 1958 وأن تدخل رئيس الجمهورية طبقا للأوضاع الدستورية ليس إلا إجراء شكليا وذلك أن النظام الدستوري في دستور سنة 1956 وفي الدستور المؤقت الصادر سنة 1958 آخذ بالنظام الرئاسي في ما يتعلق بوضع رئيس الدولة واختصاصاته ولم يرد بأي من الدستورين المشار إليهما نصوص على غرار ما تضمنه دستور سنة 1933 مؤداها أن رئيس الدولة يسود ولا يحكم وأنه يباشر اختصاصاته بواسطة وزرائه، وأن أوامره شفهية كانت أو كتابية يسأل عنها الوزراء، أن توقيعات الملك في شئون الدولة يجب لنفاذها أن يوقع عليها رئيس مجلس الوزراء والوزراء المختصون، لم يرد شيء من ذلك في الدساتير المعلنة بعد ثورة 23 من يولية سنة 1952 حيث يجلس فيها رئيس الجمهورية على قمة الجهاز الإداري بأسره بصفته صاحب السلطة فعلا وقانونا ويضع - طبقا لنص المادة 64 من دستور سنة 1956 وتقابلها المادة 44 من الدستور المؤقت الصادر سنة 1958 - بالاشتراك مع وزرائه الذين يعينهم السياسة العامة للحكومة ويكون كل منهم في وزارته تنفيذ تلك السياسة تحت اشراف رئيس الجمهورية يسألون أمامه عنها، كما يكون هو طبقا لبقية الأحكام الدستورية مسئولا عما يصدر عنه من أقوال وأفعال مسئولية مباشرة تماشيا مع القاعدة الأصلية التي تقضي بأنه "حيث تكون السلطة تكون المسئولية" والجدير بالذكر كذلك في هذا المقام أن مدير عام النيابة الإدارية وقت تحرير مذكرته سالفة الذكر في 21 من ابريل سنة 1959 ووقت إبداء الرأي في شأن قرار اعادة التعيين لم يكن يملك سلطة الوزير بالنسبة للموظفين الفنيين بجهاز النيابة الإدارية المنحل.
ومن حيث أنه على مقتضى ما تقدم فإن الطعن يكون غير قائم على أساس سليم من القانون ويتعين لذلك الحكم بقبول الطعن شكلا برفضه موضوعا مع إلزام الطاعن بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وبرفضه موضوعا مع إلزام الطاعن بالمصروفات.