أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
السنة 27 - صـ 995

جلسة 27 من ديسمبر سنة 1976

برياسة السيد المستشار جمال صادق المرصفاوى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد صلاح الدين الرشيدى، واسماعيل محمود حفيظ، والسيد محمد شرعان، ومحمد على بليغ.

(224)
الطعن رقم 884 لسنة 46 القضائية

(1) أسباب الاباحة. "الدفاع الشرعى". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل من الأسباب".
الدفاع الشرعى عن المال لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يكون جريمة من الجرائم الواردة حصرا بالمادة 246 عقوبات. النزاع على الرى ليس من هذه الجرائم.
(2) أسباب الاباحة. "الدفاع الشرعى". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير حالة الدفاع الشرعى". نقض. "أسباب الطعن. ما لا يقبل من الأسباب".
الدفاع الشرعى هو استعمال القوة اللازمة لرد الإعتداء. الوقائع التى يستنتج منها قيام هذه الحالة أو انتفاؤها. موضوعى.
(3) أسباب الإباحة. "الدفاع الشرعى". حكم. تسبيبه. تسبيب غير معيب".
تقدير المتهم ظروف الاعتداء الذى برر لديه قيام حالة الدفاع الشرعى. موضوعى.
(4) إثبات. "شهود". "خبرة". محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه غير معيب".
كفاية أن يكون الدليل القولى غى متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق.
(5) قتل عمد. قصد جنائى. محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب".
قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر. إنما بالظروف المحيطة بالدعوى والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره.
1 - الدفاع الشرعى عن المال وفقا للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثانى "الحريق عمدا" والثامن "السرقة والاغتصاب" والثالث عشر "التخريب والتعبيب والاتلاف" والرابع عشر "انتهاك حرمة ملك الغير"، من الكتاب الثالث - الجنايات والجنح التى تحصل لآحاد الناس - من هذا القانون وفى المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهيئة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول" والمادة 389 فقرة أولى "التسبيب عمدا فى إتلاف منقول للغير" وثالثة - رعى بغير حق مواشى أو تركها ترعى فى أرض بها محصول أو فى بستان - والنزاع على الرى ليس من بين هذه الأفعال.
2 - من المقرر أن الدفاع الشرعى هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء، وتقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعى أو نفيها من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها. ما دام استدلالها سائغا.
3 - يجب لقيام حالة الدفاع الشرعى أن يكون تقدير المتهم لفعل الاعتداء الذى استوجب ضده هذا الدفاع مبنيا على أسباب معقولة من شأنها أن تبرر ما وقع منه - ومن حق المحكمة أن تراقب هذا التقدير لترى ما إذا كان مقبولا تسوغه البداهة بالنظر إلى ظروف الحادث وعناصره المختلفة.
4 - الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى فى كل جزئية، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق - وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى بيان كيفية إصابة المجنى عليه الثانى ......... أخذا من أقوال شهود الإثبات أن الطاعن عاجله بعيار نارى عندما هرع لمساندة والده......... الذى ترنح فور إصابته. بالعيارين الذين أطلقهما عليه الطاعن لا يتعارض مع ما نقله التقرير الطبى الشرعى من أن إصابة المجنى عليه الثانى ......... نارية رشية بجبهته اليسرى من جسمه بالجانب الأيسر للجزع وبوحشية يسار مقدم البطن ووحشية أعلا الفخذ الأيسر، باتجاه فى أمام ويسار ومن مسافة تقدر بنحو ستة أمتار فيما لو كان السلاح المستعمل طويل الماسورة - وإنها حدثت فى وقت معاصر لتاريخ الحادث. وكان لو صح قول الطاعن بأن التقرير الطبى الشرعى وردت به عبارة أن المجنى عليهما كانا فى امتدادهما الطبيعى حال اطلاق النار عليهما - لا يشكل تعارضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق مع ما حصله الحكم من أقوال شهود الإثبات من أن المجنى عليه الثانى ......... بادر لمساندة أبيه أو هم برفعه فور إصابته، لا يعنى - ما يجنح إليه الطاعن - من أن هذا المجنى عليه إنحنى أو مال فعلا مغيرا بذلك من امتداده الطبيعى حال إطلاق النار عليه. ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو عول على هذين الدليلين القولى والفنى بغير أن يشوبهما تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق - مما يغدو معه النعى على الحكم فى هذا الشأن على غير أساس سليم.
5 - إن قصد القتل أمر خفى لا يدرك بالحس الظاهر. وإنما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه. واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية - لما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن "من استعماله سلاح نارى قاتل بطبيعته ومن توجيهه إلى أماكن قاتله من جسدى الجنى عليهما، وهى مناطق الرأس والبطن على مرمى قريب قدره التقرير الطبى الشرعى بأمتار ستة مما يسهل من أحكام الرمى ومن تثنيه الإطلاق على المجنى عليه الأول ثم فى سقوطه من الإطلاق على المجنى عليه الثانى على ذات البعد القريب ومن ذات السلاح القاتل بأحكام التوجيه إلى مقتل من جسم المجنى عليه، كل ذلك تتوافر به لدى المحكمة اطمئنانا يقينيا بأن المتهم كان يبغى من الإطلاق على المجنى عليهما قتلا، وقد تحقق بالنسبة لأولهما، وخاب مبتغاه بالنسبة لثانيهما لمداركته بالعلاج وشفائه". فإن هذا حسبه للتدليل على توافر نية القتل كما هى معرفة به فى القانون.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه بدائرة مركز فوه محافظة كفر الشيخ: قتل عمدا ......... بأن أطلق عليه عيارين ناريين من بندقية قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتى أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجناية أخرى هى أنه فى الزمان والمكان سالفى الذكر شرع فى قتل ........ بأن أطلق عليه عيارا ناريا قاصدا قتله فأحدث به الإصابات الموصوفة بالتقرير الطبى الشرعى وخاب أثر الجريمة لسبب لا دخل لإرادته فيه هو مداركة المجنى عليه بالعلاج. وطلبت من مستشار الإحالة إحالته إلى محكمة الجنايات لمعاقبته بالمواد 45 و46 و234/ 1 - 2 من قانون العقوبات. فقرر ذلك وادعى مدنيا كل من......... بمبلغ خمسة آلاف جنيه و......... - زوجه - و....... و......... و......... و........ أولاد المجنى عليه - بمبلغ خمسة عشر ألف جنيه قبل المتهم. ومحكمة جنايات كفر الشيخ قضت حضوريا عملا بمواد الاتهام مع تطبيق المادة 17 من قانون العقوبات بمعاقبة المتهم بالأشغال الشاقة المؤبدة وألزمته بأن يدفع للمدعى بالحق المدنى ......... مبلغ ألفى جنيه وبأن يدفع لباقى المدعين بالحقوق المدنية مبلغ خمسة آلاف جنيه وألزمته بالمصاريف المدنية المناسبة وعشرة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ومصادرة البندقية الخاصة بالمتهم المضبوطة. فطعن المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ.


المحكمة

من حيث أن الطعن قد استوفى الشكل المقرر فى القانون.
وحيث إن الطاعن ينعى على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانه بجناية قتل عمد تلتها جناية شروع فيه قد خالف القانون، وشابه قصور وفساد فى الاستدلال - ذلك بأن قوام دفاع الطاعن أنه كان فى حالة دفاع شرعى عن المال، إذ أن المجنى عليهما واتباعهما عمدوا إلى تنفيذ قرار النيابة الجزئية بتطهير المجرى مثار النزاع جبرا - رغم التظلم منه إلى رئيس النيابة - وذلك بالدخول عنوة إلى أرض الطاعن ومباشرة الأعمال التى تستلزمها اعادة تطهيرها وضمان تشغيلها لرى أرض المجنى عليه الأول - القتيل - وهو أمر لا يملكه الخصم، وإنما تملكه السلطة العامة وحدها. وإنه إذ رأى الطاعن المجنى عليهما وعمالهما يحملون الفؤوس وأمثالها فى موقع النزاع، طلب إليهم الانصراف دفعا للشر إلا أن المجنى عليهما لم يأبها باعتراضه، وأمر المجنى عليه الأول اتباعه بالتقدم واقتحام أرض الطاعن. ولم يرتب الحكم المطعون فيه على هذه الوقائع نتائجها القانونية - من أن المجنى عليهما وأتباعهما شهروا صولة القوة والعنف ضد المال والنفس معا فى وجه الطاعن وتابعه، اللذين كانا فى أرض الطاعن بما يجعله يعتقد أن خطرا على النفس أحدق به بما يرخص له القانون حق الدفاع عنه بحيث يصبح ما وقع منه فعلا مباحا - وأطرح دفاعه هذا وبرر دخول المجنى عليهما إلى موقع النزاع بقول غير سائغ يخالف صحيح القانون - كما شابه القصور إذ لم يعرض لما أثاره الدفاع عن الطاعن بشأن التعارض بين أقوال المجنى عليه الثانى ..... عن كيفية حصول إصابته وبين ما أورده التقرير الطبى الشرعى بشأنها دون أن يعمل على المواءمة والتوفيق بينهما، بل ابتسر ما نقله عن التقرير الطبى وانتقص منه عبارة "أن إصابات المجنى عليه......... حدثت وهو فى حالة الوضع الطبيعى القائم المعتدل للجسم". فمسخه وشوه فحواه. وقد جره إلى ذلك اهتزاز صورة الواقعة التى ارتسمت فى عقيدته عن كيفية حدوث إصابته. فصورها تارة بأنها حدثت عندما سارع لمساندة والده المجنى عليه الأول الذى ترنح فور إصابته بالعيارين الذى أطلقهما عليه الطاعن، وصورها تارة أخرى بأنها حدثت أثناء محاولته رفع والده الذى سقط على الأرض فور إطلاق الأعيرة عليه وإصابته. وهو أمر لا يتأتى فعله بحسب هذا التصوير الأخير إلا إذا كان جالسا أو منحنيا نحو أبيه الجاثم على الأرض - وهو أمر يتعارض مع ما جاء بالتقرير الطبى الشرعى - كما أن ما أورده الحكم للتدليل به على توافر نية القتل لدى الطاعن جاء قاصرا وغير سائغ.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه بعد أن بين واقعة الدعوى بما تتوافر به كافة العناصر القانونية للجنايتين اللتين دان الطاعن بهما وأورد على ثبوتهما فى حقه أدلة من شأنها أن تؤدى إلى ما رتبه عليه خلص إلى قوله إن واقعات الدعوى حسبما اطمأنت إليه المحكمة تحصيلا من أقوال شهود الإثبات الذين اطمأن وجدانهما إلى صدق روايتهم لوقائع الحادث، وما أرفق فى الدعوى من مدونات تخلص منها المحكمة إلى أن النزاع الذى احتدم بين المجنى عليها والمتهم - الطاعن - هو فى جوهره نزاع على رى. ذلك أن أمر تطهير المسقاة إنما هو فى الواقع الواجهة الظاهرة لحقيقة واقعة هى أن الأمر لا يعدو أن المتهم أهدر قرار الرى الصادر بتاريخ 2/ 2/ 1966 وعمدا إلى إعاقة وصول مياه الرى إلى أرض المجنى عليهما بما فعله بنفسه أو بواسطة غيره. من هدمه لجزء من مجرى القناة بما جعله يضيق عن القيام بالغرض المخصص من أجله. وهو توصيل مياه الرى إلى الأرض التى تنتفع بهذه المسقاة، ومنها أرض المجنى عليها - فإذا ما طالب المجنى عليهما بحقهما فى إعداد هذه القناة لاداء الغرض منها، فليس فى ذلك ثمة افتئات على حق يدعيه المتهم لنفسه وليس فى ذلك ما يجعلهما مرتكبين لأية جريمة مما عنتها المادة 236 عقوبات فى فقرتها الثانية. ذلك أن توجه المجنى عليهما ومن صحبهما إلى موقع القناة فى المكان الذى به هدمها بما يجعلها مفتقرة إلى صلاحيتهما للغرض الذى أنشأت من أجله، لا يمكن أن يوصف بحال أنه دخول عقار بقصد منع حيازته بالقوة أو بقصد ارتكاب جريمة فيدخلا الغاية المبتغاة هى منع حيازة المتهم لعقار له وحده حق الانتفاع به. ذلك أن قرار الرى الصادر بتاريخ 2 من فبراير سنة 1966 والذى كان سارى المفعول وقت وقوع الحادث يعطى المجنى عليهما الحق فى رى أرضهما من المسقاة محل النزاع وقيامهما بإجراء التطهير لهذا المجرى مع ما لهما بمقتضى القرار السالف الذكر من حق فيه ينفى عنهما صفة الجريمة حالة ما إذا قاما برفع الحوائل بين الماء ووصوله إلى أرضهما، وبالتالى فليس هناك ثمة اغتصاب لحيازة المتهم، وليس هناك ثمة جريمة يبتغى ارتكابها فى عقار مملوك له، وبالتالى فلا يتوافر للمتهم فى واقع الدعوى حالة الدفاع الشرعى عن المال التى تبيح له استعمال القوة" اللازمة لرد ما وقع من عدوان ذلك النزاع على الرى لا تصبح المدافعة عنه قانونا باستعمال القوة" ثم عرض الحكم بعد ذلك بالرد على ما أثاره الدفاع من أن المتهم كان فى حالة دفاع الشرعى عن نفسه تبيح له استعمال القوة اللازمة لرد العدوان الذى كان وشك الوقوع بقوله: "آية ما اطمأنت إليه المحكمة من رواية شهود الحادث يفيد أن المجنى عليهما قصدا محل النزاع ومعهما عمال لهما يحملون الآلات المناسبة لإجراء تطهير القناة، وأن مجرى القناة كان مائلا بين الفريقين وأن...... - المجنى عليه الأول - أمر عماله بمباشرة التطهير وإذ هم العمال بالنزول لمجرى القناة لإجراء التطهير أطلق المتهم - الطاعن - الاعيرة النارية التى أصابت من...... مقتلا، ومن إبنه - المجنى عليه الآخر - جراحا. ولم يثبت للمحكمة بدليل تطمئن إليه أن هناك ثمة اعتداء وشيك الوقوع كان بصدد أن ينال المتهم. فبإجماع شهود الواقعة على أن شيئا من ذلك لم يحدث كما أن المتهم لا يزعم أن المجنى عليهما كان مع أى منهما آله للاعتداء عليه أو حاولا الاعتداء عليه بها - إذ يشترط فى حق الدفاع الشرعى عن النفس أن يكون استعماله موجها إلى مصدر الخطر لمنع وقوعه. ومتى كان المتهم لا يدعى أن عدوانا حالا بادره به أى من المجنى عليهما أو كان وشيك الوقوع عليه منهما حتى يباح له رده عنه فإنه لا يكون له ثمة حق فى مدعاة بأنه كان فى حالة دفاع شرعى خاصة وقد اطمأنت المحكمة إلى أن عدوانا ما من المجنى عليهما أو رجالها لم يكن مبينا، ولم يشرع فيه، ولم تظهر له بوادر على مسرح الأحداث وإنما فى زعم المتهم وتطرحه المحكمة ولا تعول عليه لافتقاره إلى الدليل الذى تطمئن إلى صحته - لما كان ما تقدم، وكان الدفاع الشرعى عن المال وفقا للفقرة الثانية من المادة 246 من قانون العقوبات لا يبيح استعمال القوة إلا لرد فعل يعتبر جريمة من الجرائم المنصوص عليها فى الأبواب الثانى "الحريق عمدا" والثامن "السرقة والاغتصاب" والثالث عشر "التخريب والتعبيب والإتلاف" والرابع عشر "انتهاك حرمة ملك الغير"، من الكتاب الثالث - الجنايات والجنح التى تحص لآحاد الناس - من هذا القانون وفى المادة 387 فقرة أولى "الدخول أو المرور بغير حق فى أرض مهيئة للزراعة أو مبذور فيها زرع أو محصول" والمادة 389 فقرة أولى "التسبيب عمدا فى إتلاف منقول للغير" وثالثة "رعى بغير حق مواشى أو تركها ترعى فى أرض بها محصول أو فى بستان" وكان النزاع على الرى ليس من بين هذه الأفعال والذى رد الحكم المطعون فيه بمنطق سليم وتدليل سائغ صورة الحادث وسبب العدوان إليه. فإن ما يثيره الطاعن على الحكم المطعون فى هذا الشأن يكون غير سديد. لما كان ذلك وكان من المقرر أن الدفاع الشرعى هو استعمال القوة اللازمة لرد الاعتداء، وتقدير الوقائع المؤدية إلى قيام حالة الدفاع الشرعى أو نفيها من الأمور الموضوعية التى تستقل محكمة الموضوع بالفصل فيها - ما دام استدلالها سائغا - وأنه يجب لقيام حالة الدفاع الشرعى أن يكون تقدير المتهم لفعل الاعتداء الذى استوجب عنده الدفاع مبنيا على أسباب معقولة من شأنها أن تبرر ما دفع منه - ومن حق المحكمة أن تراقب هذا التقدير لترى ما إذا كان مقبولا تسوغه البداهة بالنظر إلى ظروف الحادث وعناصره المختلفة - لما كان ذلك، وكان ما أثبته الحكم من ذلك الوقائع مؤديا إلى النتيجة التى خلص إليها من أن الطاعن لم يكن فى حالة دفاع شرعى، فإن ما يعنيه الطاعن على الحكم فى هذا الخصوص يكون فى غير محله. لما كان ذلك، وكان الأصل أنه ليس بلازم أن تطابق أقوال الشهود مضمون الدليل الفنى فى كل جزئية، بل يكفى أن يكون جماع الدليل القولى غير متناقض مع الدليل الفنى تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق - وكان ما أورده الحكم المطعون فيه فى بيان كيفية إصابة المجنى عليه الثانى ......... أخذا من أقوال شهود الإثبات أن الطاعن عاجله بعيار نارى عندما هرع لمساندة والده....... الذى ترنح فور إصابته بالعيارين الذى أطلقهما عليه الطاعن لا يتعارض مع ما نقله التقرير الطبى الشرعى من أن إصابة المجنى عليه......... نارية رشية بجبهته اليسرى من جسمه بالجانب الأيسر للجزع وبوحشية يسار مقدم البطن ووحشية أعلا الفخذ الأيسر. باتجاه فى أمام ويسار ومن مسافة تقدر بنحو ستة أمتار فيما لو كان السلاح المستعمل طويل الماسورة - وإنها حدثت فى وقت معاصر لتاريخ الحادث. وكان لو صح قول الطاعن بأن التقرير الطبى الشرعى وردت به عبارة أن المجنى عليهما كانا فى امتدادهما الطبيعى حال اطلاق النار عليهما - لا يشكل تعارضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق مع ما حصله الحكم من أقوال شهود الإثبات من أن المجنى عليه الثانى ......... بادر لمساندة أبيه أوهم برفعه فور إصابته، لا يعنى - ما يحتج إليه الطاعن - من أن هذا المجنى عليه إنحنى أو مال فعلا مغيرا بذلك من امتداده الطبيعى حال إطلاق النار عليه ومن ثم فلا تثريب على الحكم المطعون فيه إن هو عول على هذين الدليلين القولى والفنى بغير أن يشوبهما تناقضا يستعصى على الملاءمة والتوفيق - مما يغدو معه النعى على الحكم فى هذا الشأن على غير أساس سليم. لما كان ذلك، وكان قصد القتل أمر خفيا لا يدرك بالحس الظاهر، وانما يدرك بالظروف المحيطة بالدعوى والأمارات والمظاهر الخارجية التى يأتيها الجانى وتنم عما يضمره فى نفسه واستخلاص هذه النية موكول إلى قاضى الموضوع فى حدود سلطته التقديرية - ولما كان الحكم المطعون فيه قد استظهر نية القتل وأثبت توافرها فى حق الطاعن "من استعماله سلاح نارى قاتل بطبيعته ومن توجيهه إلى أماكن قاتله من جسدى المجنى عليهما، وهى مناطق الرأس والبطن على مرمى قريب قدره التقرير الطبى الشرعى بأمتار ستة مما يسهل من أحكام الرمى ومن تثنية الإطلاق على المجنى عليه الأول ثم فى سقوطه من الإطلاق على المجنى عليه الثانى على ذات البعد القريب ومن ذات السلاح القاتل بإحكام التوجيه الى مقتل من جسم المجنى عليه، كل ذلك تتوافر به لدى المحكمة اطمئنانا يقينا بأن المتهم كان يبغى من الإطلاق على المجنى عليهما قتلا، وقد تحقق بالنسبة لاولهما، وخاب مبتغاه بالنسبة لثانيهما لمداركته بالعلاج وشفائه "فإن هذا حسبه للتدليل على توافر نية القتل كما هى معرفة به فى القانون. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعينا رفضه موضوعا.