مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) - صـ 100

(16)
جلسة 2 من يناير سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد صلاح الدين السعيد وعلي لبيب حسن وأحمد حسن العتيق وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 779 لسنة 12 القضائية

(أ) وقف - لجنة شئون الأوقاف - طبيعتها - القرارات الصادرة منها
- قرار إداري أن لجنة شئون الأوقاف بحكم تشكيلها لا تعتبر جهة قضاء وإنما هي من قبيل اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي وتكون القرارات الصادرة منها هي قرارات إدارية يدخل النظر في طلب إلغائها في اختصاص القضاء الإداري - أساس ذلك.
(ب) حق الحكر - حق العلو.
إن الفوارق الجوهرية بين حق الحكر وحق العلو تبرر اختلاف الأحكام المنطبقة على كل منهما - اختلاف محل كل منهما - لا مجال للتفسير أو التأويل أو القياس بين حق الحكر وغيره من الحقوق التي قد يتلمس فيها بعض من مقوماته أو خصائصه - أساس ذلك.
1- إن لجنة شئون الأوقاف بحكم تشكيلها، وغلبة العنصر الإداري بين أعضائها وكيفية إصدار قراراتها لا تعتبر جهة قضاء، وإنما هي من قبيل اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي ناط بها القانون سلطة الفصل في المنازعات المتعلقة بالمسائل الداخلة في اختصاصها والتي نصت عليها المادة الثالثة من القانون المشار إليه، وتكون القرارات الصادرة منها هي قرارات إدارية يدخل النظر في طلب إلغائها في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة 11 من قانون مجلس الدولة.
ولا اعتداد بما أثارته الحكومة من أن القرار الذي أصدرته اللجنة في شأن طلب المدعين، يخرج عن اختصاص مجلس الدولة، لأنه بحكم موضوعه يتصل بمسألة من مسائل القانون الخاص التي لا يختص بنظرها مجلس الدولة، لا اعتداد لذلك لأن القرار الذي صدر من اللجنة في شأن الطلب المقدم من المدعين إنما صدر متضمناً رأي الجهة الإدارية التي عينها القانون في شأن مدى توافر الشروط التي تضمنتها القواعد التنظيمية التي تنطبق على محتكري أعيان الأوقاف الخيرية في المدعين، وتعطيهم تبعاً لذلك الحق في شراء أعيان الوقف المحكرة بطريق الممارسة دون طرحها بالمزاد، وبعبارة أخرى في شأن مدى تمتع المدعيين بالمركز القانوني الذي تخوله تلك القواعد للمحتكرين، فسواء صدر قرار اللجنة بإجابة الطلب أو برفضه في حالة توافر الشروط أو عدم توافرها فإن القرار في الحالتين من شأنه أن يمس المركز القانوني للطالب، وبهذه المثابة تتوافر مقومات القرارات الإدارية باعتبارها إفصاحاً عن إرادة جهة الإدارة الملزمة بما لها من سلطة خولتها أياها القوانين واللوائح في إنشاء مركز قانوني أو تعديله - ولذلك يدخل النظر في طلب إلغائه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري على النحو السالف بيانه، ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس حقيقاً بالرفض.
2- إن ثمة فوارق جوهرية بين حق الحكر وحق العلو تبرر اختلاف الأحكام المنطبقة على كل منهما، فبينما حق الحكر لا ينصب إلا على أعيان موقوفة ومخربة، سواء كانت أبنية أو أراضي زراعية، ولا يوجد تحت يد ناظر الوقف مال يصلحها به، فإن حق التعلى يقع على الهواء ولا يخول صاحبه إلا البناء فوق المباني القائمة، سواء كانت موقوفة أو غير موقوفة، محكرة أو غير محكرة، وإذ كان من المسلم به أن الحكر إنما هو حق ذو طبيعة خاصة مستمد من الشريعة الإسلامية، وقد شرع استثناء للضرورة ومن ثم كان لهذا الحق مقوماته، وخصائصه وشروطه التي تتحقق بها الضرورة الشرعية لاجازة هذا النظام، وهو ما استرشد به المشرع في القانون الوضعي حيث التزم بسياسة عامة هي العمل على تحديد انتشار الحكر والتضييق فيه، فجاء القانون المدني متضمنا لأحكام الحكر المقرة في الشريعة وفق ما استقر عليه القضاء وتقرر بالمقومات والخصائص والشروط الواجب توافرها لانعقاد الحكر، وينبني على ذلك أنه لا مجال للتفسير أو التأويل أو القياس في هذا الشأن، بين حق الحكر وغيره من الحقوق التي قد يتلمس فيها بعض من مقوماته أو خصائصه، إذ لا يقوم الحكر إلا بتوفر كافة المقومات والعناصر القانونية المقررة في شأنه، وينتفي قيام الحكر بتخلف أي من هذه العناصر أو أي من الشروط القانونية التي لا ينعقد الحكر إلا بتوافرها جميعا، ويترتب على ذلك أنه إذا ما تقرر أن حق المدعيين هو حق علو وليس حكرا، فلا محل للقول بعد ذلك بإفادتهما من الأحكام المقررة في شأن انهاء الحكر، سواء بالقانون رقم 247 لسنة 1953 أو القانون رقم 295 لسنة 1954 في شأن انهاء حق الحكر على الأعيان الموقوفة أو بالقانون رقم 92 لسنة 1960 بإعادة تنظيم انهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة والقرارات المنفذة له، وذلك لأن التنظيم القانوني الخاص بحق الحكر على الأعيان الموقوفة، دعت الحاجة إليه لإنهاء المشاكل التي يثيرها موضوع إنهاء الأحكار، ومن ثم فإن الأحكام والإجراءات التي تضمنتها لا تسري بحكم طبيعة الأمور على غير الحكر على الأعيان الموقوفة، ولا يجوز تطبيقها على حق العلو، ولو كان على أعيان موقوفة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة - حسبما يبين من أوراق الطعن - تتحصل في أن المدعيين أقاما الدعوى رقم 979 لسنة 15 القضائية ضد وزارة الأوقاف بعد أن حصلا على قرار باعفائهما من الرسوم القضائية بناء على طلبهما المقدم في 14 من فبراير سنة 1961 وقيد برقم 171 لسنة 15 القضائية - ثم أودعت صحيفة الدعوى قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 26 من يولية سنة 1961 طلبا فيهما الحكم: "بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف في جلسة 31 من ديسمبر سنة 1960 برفض الطلب المقدم إليها من الطالبين واعتبار هذا القرار معدوم الأثر في حقهما من كل الوجوه، مع إلزام الوزارة بمصروفات هذه الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة مع احتفاظ الطالبين بكافة حقوقهما الأخرى قبل الوزارة".
وتوجز اسانيد دعواهما في أنه بتاريخ 17 من مارس سنة 1960 قررت محكمة استئناف إسكندرية إحالة القضية رقم 13 لسنة 1959 إلى لجنة شئون الأوقاف، بناء على طلب مندوب وزارة الأوقاف وقيدت لديها في اللجنة التحضيرية برقم 244، لنظر طلب استبدال حكر "وقف جامع سيدي النبوفرى" المحكر للطالبين، بموجب عقد تحكير رقم 152 متتابعة سجل مبايعات المحفوظ بقلم حفظ محكمة إسكندرية الشرعية الصادر في غرة ربيع الأول سنة 1208 هجرية - ونخلص موضوع الدعوى المذكورة في أن الطالبين كانا قد تقدما بطلب أحقيتهما في استبدال الحكر وتفضيلهما على غيرهم طبقا للقانون رقم 295 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 92 لسنة 1960 - إلا أن الوزارة خالفت القانون، وباعت العقار لشخص أجنبي لا علاقة له بالحكر ولا بالوقف، الأمر الذي اضطر معه الطالبان إلى إقامة دعواهما أمام محكمة الإسكندرية للأحوال الشخصية، فقضت المحكمة برفض الدعوى تأسيسا على أنهما ليس بمحكرين، ولأن عقد التحكير لم يكن تحت يدهما أثناء نظر الدعوى، إلا أنهما حصلا عليه بعد صدور الحكم، فطعنا فيه بالاستئناف أمام محكمة استئناف أسكندرية، طالبين إلغاء الحكم وأحقيتهما في استبدال العين المحكرة لهما، وأثناء نظر الدعوى، طلب الحاضر عن وزارة الأوقاف، إحالة المادة إلى لجنة شئون الأوقاف، إلا أنها بعد نظرها قررت رفض طلب المستأنفين - وينعى الطالبان على القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف، بوصفه صدر من جهة إدارية ذات اختصاص قضائي، بأن الوزارة قد أخطأت في تطبيق مواد القانون رقم 295 لسنة 1954 إذ قامت ببيع العقار المحكر لشخص أجنبي يدعى "محمد عبد الفتاح شوقي زيتون"، في حين كان الأفضلية لهما طبقا للمادة (2) من القانون المذكور، باعتبارهما محكرين بموجب عقد حكر رسمي، وأن لجنة شئون الأوقاف نظرت الطلب دون أن تخطرهما أو تعلنهما بقرارها، مهدرة بذلك الأصول القانونية في حث الدفاع - وأن قرار اللجنة المطعون فيه قد صدر بناء على مذكرة وردت غفلا من ذكر مستند التحكير، كما خالف ما هو ثابت في أوراق الدعوى من أن وزارة الأوقاف عرضت عليهما شراء الحكر، وردهما عليها بالقبول، بمقتضى خطابات موصى عليها بعلم الوصول وانتهى المدعيان إلى طلب الحكم بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1961 برفض الطلب المقدم إليها من الطالبين واعتبار القرار معدوم الأثر في حقهما من كافة الوجوه، مع إلزام الوزارة بمصروفات الدعوى ومقابل أتعاب المحاماة.
وبجلسة أول مارس سنة 1966 حكمة المحكمة بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف بجلستها المنعقدة في 31 من ديسمبر سنة 1960 برفض طلب المدعيين، وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الحكومة المصروفات - وأقامت المحكمة قضاءها على أنه بالرجوع إلى القرار المطعون فيه يبين أن السيد وزير الأوقاف أعد في 12 من ديسمبر سنة 1960 مذكرة للعرض على لجنة شئون الأوقاف، تضمنت أن الوزارة كانت قد طلبت من محكمة أسكندرية للأحوال الشخصية في مادة التصرفات رقم 84 لسنة 1957 الموافقة على استبدال ثلاثة دكاكين، عليها ركوب ملك الغير، ومعطى لها رقم 32 تنظيم سوق العطارين رقم 22 ب تنظيم، تابعة "لوقف محمد النبوقري الخيري" المشمول بنظارة وزارة الأوقاف بثمن أساس قدره 2000 جنيه، وأنه بعد أن طرحت العين في المزاد بجلسة 20 من مارس سنة 1952 رسا مزادها على محمد عبد الفتاح شوقي زيتون بمبلغ 2000 جنيه وأثناء تداول المادة بالجلسات تقدم الطالبان وقالا أنهما أصحاب العلا على العين المذكورة وأن لهما الحق في شراء العين بغير مزاد وبجلسة 28 من فبراير سنة 1958 قررت المحكمة المذكورة الموافقة على استبدال الثلاثة دكاكين المبينة الحدود والمعالم بمشروع الشهر العقاري - من وقف المرحوم محمد النبوقري، وبجلسة 23 من فبراير سنة 1959 رسا المزاد على محمد عبد الفتاح شوقي زيتون بمبلغ 2050 جنيه، وحكمت المحكمة: أولا - برفض تدخل فاطمة وأحمد محمد المسيري خصما ثالثا في الدعوى، ثانيا - بإيقاع بيع الثلاثة دكاكين بما عليها من ركوب لملك الغير الموضحة الحدود على الراسي عليه المزاد محمد عبد الفتاح شوقي زيتون"، وقد جاء بأسباب هذا القرار: "من حيث أنه عن طلب تدخل فاطمة وأحمد محمد المسيري، فإن المحكمة ترى من ظاهر دفاعهم أنهم ليسوا مستحكرين، وإنما أصحاب حق الركوب، وهذا لا يرتب لهما حق الأفضلية على غيرهم في شراء العين". وبعد صدور هذا القرار استأنفه المتدخلان في القضية رقم 13 لسنة 1959 أمام محكمة استئناف إسكندرية، التي قررت بجلسة 18 من فبراير سنة 1960 إحالة القضية إلى لجنة شئون الأوقاف بناء على طلب الحاضر عن وزارة الأوقاف طبقا للقانون رقم 272 لسنة 1959، وأشارت وزارة الأوقاف في مذكرتها إلى أنه يبين من مستند تمليك المستأنفين، وهو عبارة عن حجة صادرة من محكمة الإسكندرية الشرعية في 20 من يونيه سنة 1892، أنهم يملكون منفعة العلا الواقع على الدكاكين الثلاثة موضوع النزاع، كما أنه ثابت من عقد البيع المقدم من المتدخلين المؤرخ 17 من يونيه سنة 1926 المسجل بمحكمة الإسكندرية بتاريخ 13 من يوليه سنة 1926 ما يفيد بيعهم حصة قدرها 7/1 و17 ط من حق العلو المذكور إلى "الست بهية بنت المرحوم محمد بن رجب حداد" - وأنه يبين من الحجة الشرعية الصادرة في غرة ربيع الأول سنة 1208 هـ أنه بمقتضاها أحكر الشيخ حسن الناظر الشرعي.. (وجاء بها أنه) ".. وأن جميع ما ينشئه السيد أحمد المذكور على هوا الثلاث حوانيت المذكورين من البناء يكون له ملكا خاصة دون الوقف المذكور ودون كل أحد وذلك نظير ما ألزم نفسه السيد أحمد جوريجى من الحكر يدفعها إلى الجامع وقدره كل سنة مايه نصف وعشرون نصف فضه يقبضه ذلك منه من له ولاية قبضه شرعا إلزاما شرعيا بالطريق الشرعي، وثبت ذلك لدى مولانا الحاكم المشار إليه بشهادة شهود ثبوتا شرعيا وحكم بذلك وبصحة الحكر المذكور على الوجه المذكور" وإن مثل هذه العبارات جاءت أيضا بالحجج المتتالية المقدمة بذات الحافظة من ورثة المنشئ الأصلية للعقد - كما أنه يبين من الاطلاع على عقد البيع المقدم بنفس الحافظة المؤرخ 17 من يونيه سنة 1926 أنه بمقتضاه اشترت الست بهية بنت المرحوم محمد بن رجب الحداد لنفسها وبمفردها دون غيرها من بائعيها حضرات.. أحمد بن.. و.. و.. وحبيبة بنت أحمد بن خطاب المسيري، ومحمد بن محمود ابن المسيري والست فاطمة بنت محمود بن المسيري.. ما هو جار في ملكهم وحوزتهم آل إليهم بطريق الإرث الشرعي عن مورثهم المرحوم الحاج أحمد بن خطاب المسيري وذلك جميع الحصة البالغ قدرها 7/1 17 ط في جميع بناء المنزل الكائن..... القائم بعض بناء المنزل المذكور على علو ثلاثة حوانيت جارية في وقف جامع سيدي محمد النبوقرى وباقية على أرض محتكرة من ناظر وقف.
واستطرد الحكم المطعون فيه إلى أن مقطع النزاع ينحصر في تكييف حق المدعيين حسبما جاء بالمستندات سالفة الذكر، وهل يكون حكرا في الفهم الصحيح للقانون أم هو شئ آخر غير الحكر - وأبان الحكم أن الحكر عقد مصدره الشريعة الإسلامية - فالحكر والاحكار لغة، معناه الحبس، ويقصد به شرعا، عقد إجارة يرد على الأرض بقصد استبقائها للبناء أو الغراس، وعرفه فقهاء الحنيفة، بأنه عقد إجارة يقصد به استبقاء الأرض في يد المستأجر مقررة للبناء أو للغراس أو لأحدهما وعطي للمحتكر حق الأولوية في الإجارة، إذ أنه أحق بها من غيره، وليس لناظر الوقف أن يزعجه بطلب الهدم أو القلع أو يباعد بينه وبين بناءه وشجره ما دام يدفع اجرة المثل ويسمى هذا بحق القرار، والأصل أنه لا يصح تحكير الأرض الموقوفة إلا إذا كانت غير صالحة للزراعة، وأنه متى بنى المستأجر أو غرس كان له حق القرار أي أنه يكون أولى من غيره باستئجارها بعد انتهاء المدة، متى رضي بأداء أجر المثل وإذا مات تقوم ورثته مقامه، وأن الأعمال التحضيرية للقانون المدني قد أفصحت عن ذلك، فقالت: "أما في المصدر، فحق الحكر مأخوذ من الشريعة الإسلامية، فالغرض من الحكر تسليم أراض في حاجة إلى الإصلاح إلى شخص يصلحها وينتفع بها مدة طويلة، حتى يتمكن من استثمار الأرض استثمارا يجزي ما أنفق على اصلاحها لذلك يغلب أن تكون الأرض المحكرة وقفا مخربا، وإن كان يجوز تحكير الأعيان غير الموقوفة.... وهو قيد خطير على حق الملكية، بل هو ملكية تقوم على الملكية الأصلية، مما يجعل أمر الاستغلال والتصرف في الأرض المحكرة من الأمور غير المتيسرة فقصر التقنين المدني الجديد الحكر على الأرض الموقوفة، وحدد مدة الحكر وجعل أقصاها ستين سنة، وجعل لكل من مالك الرقبة والمحتكر أن يشفع في حق الآخر" وقد قنن القانون المدني أحكام الحكر في المواد من 999 إلى 1021.
وذكر الحكم المطعون عليه في أسبابه إلى أنه وإن كانت تلك هي أحكام الحكر فإن فقهاء الشريعة الإسلامية يدرسونه في باب حقوق الارتفاق، وأنه من بين حقوق الجوار، حق التعلي، ويعرفونه بأنه هو ثبوت حق القرار الشخصي يعلوه على سفل آخر، وجملة القول فيه أن كلا من صاحب العلو والسفل يعتبر جارا للآخر، فإذا باع أحدهما ملكه كان للآخر أن يأخذه بالشفعة، وكذلك يعتبر لكل منهما حق في ملك الأخر، فلصاحب العلو حق في قراره ولصاحب السفل حقوقه، وتجب رعاية الأمرين جميعا، ويجب على كل منهما ألا يتصرف بما يضر الآخر، وقد خلص الحكم المطعون فيه مما تقدم إلى أن حق العلو منبت الصلة بالحكر ولا ارتباط له به، إذ يمكن تقريره سواء كانت الأرض حكرا أو وقفا أو غير وقف، وهو من قبيل حقوق الجوار، وإن الجوار - في فقه الشريعة - قد يكون من الجانب وقد يكون من أعلا، فحق العلو جوار من أعلى يقوم على شركة في السقف وفي الأساس، ويرى الإمام مالك أن بيع الهواء جائز، وأن لكل من صاحب السفل وحق العلو تعويض قبل مالك الأرض إذا حرم من حقه ما دام حق القرار ثابتا لكليهما، وأن الحقين متعادلان عند الإمام أو حنيفة، بل أنه يرى أن لصاحب العلو نوع ملك على صاحب السفل كما أن لصاحب السفل نفس هذا النوع من الملك بالنسبة للوقف.
وذكر الحكم أنه على مقتضى ما تقدم، وبإنزال الأحكام المتقدمة على واقع الدعوى، يبين أن المدعين - كما هو ظاهر من سندهما ومن عقد البيع الذي تملكت بموجبه مورثتهما الحق موضوع الدعوى - يقتصر حقهما في وجود بعض بناء المنزل الذي يملكانه فوق ثلاثة دكاكين تابعة لوقف جامع سيدي محمد النبوفري، وأنه بعبارة أخرى فإن لهما حق العلو على هذه الدكاكين، وذلك مقابل المبلغ الواجب عليهما دفعه، وهو المبلغ المحدد بالحجة الصادرة في غرة ربيع الأول سنة 1208 هـ وقد ذهب الحكم إلى أنه وإن كان القانون رقم 92 لسنة 1960 المشار إليه قد قرر لصاحب حق الحكر على الأراضي الموقوفة، عند إنهاء الحكر على الأراضي الموقوفة عند إنهاء الحكر حقا في التعويض قومه بخمس قيمة الأرض الموقوفة، وأنشأ له حق الأفضلية في شرائها، وذلك تأسيسا على ما هو مقرر للمحتكر من حق الشفعة إذا بيعت رقبة الحكر مادة 936/ د من القانون المدني - وأنه متى كان الأمر كذلك، فإن مقتضى تعادل الحقين - حق الحكر، وحق التعالي - على التفصيل المتقدم، أن يتعادلا أيضا إزاء التعويض الذي قرره الشارع بالقانون رقم 92 لسنة 1960 المشار إليه، وأيضا إزاء حق الأفضلية في شراء ملك الرقبة عند إنهاء الحكر، وذلك لاتحاد علة الحكم فيهما. وأنه ترتيبا على ما تقدم يكون القرار المطعون فيه قد أخطأ في إنزال صحيح حكم القانون عندما قضى برفض طلب المدعيين شراء العين الموقوفة - عندما تقرر انهاء الحكر فيها واستبدالها - وذلك باعتبارهما يملكان الانتفاع بحق التعالي عليها على الوجه المتقدم، وانتهى الحكم من ذلك إلى أن القرار المطعون فيه قد وقع مخالفا للقانون وأنه يتعين لذلك إلغاءه وقضى الحكم بإلغاء القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف بجلستها المنعقدة في 31 من ديسمبر سنة 1960 برفض طلب المدعيين وما يترتب على ذلك من آثار.
ومن حيث أن الطعن يقوم على سببين، أولهما أن الوزارة الطاعنة تدفع بعدم قبول الدعوى شكلاً لرفعها بعد الميعاد، وثانيهما أن الحكم المطعون فيه قد أخطأ فيما انتهى إليه من أن حق التعلى، وحق التحكير صنوان - مع تسليمه بما جاء بدفاع الحكومة، من أنه ليس للمطعون ضدهما حق تحكير كما يزعمان، بل لهما حق العلو، لاختلاف طبيعة كل منهما، ولورود نصوص قانونية خاصة بكل من الحكر والعلو - وقالت الطاعنة، أنه لا مجال للتفسير والتأويل مع صراحة النص الذي قضى بإنهاء الحكر، ووضع لهذا الإنهاء طريقاً خاصاً يعامل على أساسه صاحب الأرض المحكرة والمحتكر وأن الفارق بين الحكر وحق التعلي كبيرا جدا، إذ أن أولهما ينصب على الأرض، وثانيهما يقع على الهواء، وانتهت الوزارة الطاعنة على طلب المحكم بقبول الطعن شكلا، وفي الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه، والحكم أصليا بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد، واحتياطيا رفض دعوى المطعون ضدهما مع إلزامهما في أي الحالتين بالمصاريف والأتعاب. كما دفع الحاضر عن الحكومة أمام دائرة فحص الطعون بجلسة 14 من يناير سنة 1969 بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى، استنادا إلى ما سبق أن قضت به هذه المحكمة في الطعن رقم 1565 لسنة 10 القضائية بجلسة 22 من يونية سنة 1968 - ثم أبان محامي الحكومة بجلسة المرافعة في 15 من مارس سنة 1969 أن هناك مسألة أولية، وهي الخاصة بالملكية الأمر الذي يتعين معه وقف الدعوى، وذلك تأسيسا على أنه إذا أثيرت مسألة أولية يخرج الفصل فيها عن ولاية القضاء الإداري أي عن وظيفته القضائية المحددة قانونا، ويتعذر الفصل في الدعوى الأصلية، إلا إذا فصل في هذه المسألة الأولية أو الفرعية من الجهة المختصة بذلك قانونا، سواء كانت جهة القضاء الإداري أو أية جهة أخرى، ناط بها القانون الفصل في هذه المسألة، فإنه يتعين على القضاء الإداري أن يأمر بوقف السير في الدعوى حتى يفصل من الجهة المختصة في هذه المسألة الأولية عملا بنص المادة 129 من قانون المرافعات الجديد (المقابلة للمادة 297 من القانون الملغي)، إذ أنه لا جدال في أن ادعاء المطعون ضدهما بحق حكر لهما، يخولهما حق الأفضلية في شراء العين المتصرف فيها، وأن منازعتهم لجهة الوقف في سند ملكيتها، فضلا عما تصدت له محكمة القضاء الإداري في الحكم المطعون فيه. من بحث وتفسير وتأويل الأحكام القانونية الخاصة بكل من حق العلو وحق الحكر، كل ذلك من المسائل الأولية التي يتوقف عليها الحكم في موضوع الدعوى، وأنه لما كان الفصل في هذه المسائل يخرج عن ولاية القضاء الإداري، كما أن الأمر يستلزم بحثا في أحكام القانون الخاص والشريعة الإسلامية التي تتعلق بهذه المسائل وتفسير هذه القواعد والأحكام، وهو ما لا يجوز البت فيه إلا من الجهة المختصة بذلك قانونا، وأنه لا معدى من القضاء بوقف هذه الدعوى حتى تلجأ المطعون ضدهما إلى جهة الاختصاص صاحبة الشأن بالفصل في تلك المسائل الأولية التي يتوقف عليها الحكم في موضوع دعوى الإلغاء الماثلة.
عن الدفع بعدم قبول الدعوى شكلا لرفعها بعد الميعاد:
ومن حيث أن مبنى هذا الدفع المبدي من الوزارة الطاعنة، يخلص في أن المطعون عليهما كانا قد تظلما من قرار لجنة شئون الأوقاف الصادر في 31 من ديسمبر سنة 1960 وفي 18 من يناير سنة 1961 لوزير الأوقاف، وأنه كان يتعين أن ترفع هذه الدعوى في غضون الستين يوما التالية أي قبل يوم 7 من يونيه سنة 1961 ولكنها لم ترفع إلا في 16 من يوليه سنة 1961 ومن ثم تكون الدعوى غير مقبولة شكلا.
ومن حيث أنه يبين من الأوراق أن القرار المطعون فيه كان قد صدر من لجنة شئون الأوقاف بجلستها المنعقدة في 31 ديسمبر سنة 1960 - وقدم المدعيان طلبا إلى هيئة مفوضي الدولة لإعفائهما من الرسوم القضائية وذلك في 14 من فبراير سنة 1961 فصدر لصالحهما قرار بإعفائهما من الرسوم في 27 من يونيه سنة 1961 بموجب طلب الإعفاء رقم 171 لسنة 15 القضائية، فأقاما الدعوى، محل هذا الطعن، أمام محكمة القضاء الإداري في 26 من يوليه سنة 1961، فتكون الدعوى قد رفعت في الميعاد القانوني ومن ثم فهي مقبولة شكلا، وبذلك يكون الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها بعد الميعاد في غير محله متعينا رفضه.
عن الدفع بعدم اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بنظر الدعوى:
ومن حيث أن مبنى هذا الدفع أن اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري بالمنازعات التي تكون الإدارة طرفا فيها، ليس اختصاصا شاملا مطلقا وإنما هو اختصاص مقيد، حدده المشرع على سبيل الحصر في القانون رقم 55 لسنة 1959 في شأن تنظيم مجلس الدولة، وأنه ليس كل قرار يصدر عن هيئة إدارية عامة يعد قرارا من القرارات الإدارية المعنية بقضاء الإلغاء، وأن التمييز بين القرارات الإدارية التي يرد عليها قضاء الإلغاء وغيرها من القرارات إنما يكون مرده إلى فحص فحوى القرار والوقوف على طبيعة العمل الذي يتناوله القرار في ذاته، فإذا دار القرار حول مسألة من مسائل القانون الخاص أو تعلق بإدارة مال شخص معنوي أو أريد به تصرف في شأن من شئون الوقف الخيري المشمول بنظارة وزارة الأوقاف باستبداله أو تطهيره من حق من الحقوق العينية القائمة عليه أو من حق الحكر، فلا يعتبر هذا القرار من القرارات الإدارية التي يختص القضاء الإداري بنظر المنازعات المتعلقة بها.
ومن حيث أن المادة الثانية من القانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف ولائحة إجراءاتها في الإقليم الجنوبي تنص على أن: "تشكل بوزارة الأوقاف لجنة تسمى لجنة شئون الأوقاف تؤلف من، وزير الأوقاف رئيسا ووكيل وزارة الأوقاف ومفتي الإقليم الجنوبي ووكيل وزارة الخزانة ووكيل وزارة الأشغال ووكيل وزارة الشئون الاجتماعية والعمل ووكيل وزارة الإصلاح الزراعي ووكيل وزارة الزراعة ووكيل وزارة الشئون البلدية والقروية ووكيل وزارة الصناعة، ومستشار إدارة الفتوى والتشريع المختصة بمجلس الدولة، واثنين من رؤساء المحاكم الابتدائية أو من في درجتهما يعينهما وزير العدل، ومدير عام بلدية القاهرة، أعضاء - وتعقد اللجنة بدعوة من الرئيس بعد توزيع جدول الأعمال على الأعضاء بثلاثة أيام على الأقل، ولا يكون اجتماع اللجنة صحيحا إلا بحضور الأغلبية المطلقة لأعضائها، وعند غياب الرئيس ينوب عنه وكيل وزارة الأوقاف، وتصدر قرارات اللجنة بأغلبية عدد أصوات الأعضاء الحاضرين، وعند تساوي الأصوات يرجح الجانب الذي فيه الرئيس". وتنص المادة 3 على أن "تختص لجنة شئون الأوقاف وحدها بالمسائل الآتية: أولا.. ثانيا - إنهاء الاحكار. ثالثا.. - وتبين اللائحة التنفيذية الإجراءات التي تتبع في هذه المسائل وخصوصا فيما يتعلق بتقديم الطلبات وبحثها وتقرير الأعيان وإجراءات النشر والمزاد وكذلك إجراءات تغيير مصارف الأوقاف الخيرية وشروط إدارتها". وتنص المادة الرابعة على أن "تستمر المحاكم في نظر الدعاوى المعروضة عليها والتي أصبحت من اختصاص لجنة شئون الأوقاف بمقتضى هذا القانون ما لم يطلب أحد ذوي الشأن إحالتهما إلى اللجنة المذكورة. وعلى المحكمة في هذه الحالة أن تحيل الدعوى بحالتها وبدون رسوم إلى هذه اللجنة للسير فيها وفقا لأحكام هذا القانون".
ومن حيث أن لجنة شئون الأوقاف بحكم تشكيلها، وغلبة العنصر الإداري بين أعضائها وكيفية إصدار قراراتها لا تعتبر جهة قضاء، وإنما هي من قبيل اللجان الإدارية ذات الاختصاص القضائي ناط بها القانون سلطة الفصل في المنازعات المتعلقة بالمسائل الداخلة في اختصاصها والتي نصت عليها المادة الثالثة من القانون المشار إليه، وتكون القرارات الصادرة منها هي قرارات إدارية يدخل النظر في طلب إلغائها في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري طبقاً لنص المادة 11 من قانون مجلس الدولة.
ومن حيث أنه لا اعتداد بما أثارته الحكومة من أن القرار الذي أصدرته اللجنة في شأن طلب المدعين، يخرج عن اختصاص مجلس الدولة، لأنه بحكم موضوعه يتصل بمسألة من مسائل القانون الخاص التي لا يختص بنظرها مجلس الدولة، لا اعتداد لذلك لأن القرار الذي صدر من اللجنة في شأن الطلب المقدم من المدعين إنما صدر متضمناً رأي الجهة الإدارية التي عينها القانون في شأن مدى توافر الشروط التي تضمنتها القواعد التنظيمية التي تنطبق على محتكري أعيان الأوقاف الخيرية في المدعين، وتعطيهم تبعاً لذلك الحق في شراء أعيان الوقف المحكرة بطريق الممارسة دون طرحها بالمزاد، وبعبارة أخرى في شأن مدى تمتع المدعيين بالمركز القانوني الذي تخوله تلك القواعد للمحتكرين، فسواء صدر قرار اللجنة بإجابة الطلب أو برفضه في حالة توافر الشروط أو عدم توافرها فإن القرار في الحالتين من شأنه أن يمس المركز القانوني للطالب، وبهذه المثابة تتوافر مقومات القرارات الإدارية باعتبارها إفصاحاً عن إرادة جهة الإدارة الملزمة بما لها من سلطة خولتها إياها القوانين واللوائح في إنشاء مركز قانوني أو تعديله - ولذلك يدخل النظر في طلب إلغائه في اختصاص مجلس الدولة بهيئة قضاء إداري على النحو السالف بيانه، ويكون هذا الوجه من أوجه الطعن على غير أساس حقيقاً بالرفض.
عن الموضوع:
ومن حيث أنه يبين من الأوراق أن المدعيين ينعيان على القرار المطعون فيه بأنه أهدر حقهما المقرر بمقتضى القانون رقم 295 لسنة 1954 الذي ألغى، وحل محله القانون رقم 92 لسنة 1960 بإعادة تنظيم إنهاء الحكر على الأعيان الموقوفة، مستندين في ذلك إلى أحقيتهما في شراء الأرض الموقوفة إذا ما تقرر استبدالها، باعتبار أن لهما حق الحكر عليها، يقرر لهما أفضلية على غيرهم في شرائها - بينما تذهب الوزارة الطاعنة إلى أن حقهما ليس بحكر، وإنما كل ما لهما هو حق التعلى على الثلاث حوانيت المقامة على أرض وقف جامع سيد محمد النبوفري، فلا يرتب لهما حق الأفضلية على غيرهم في شراء العين المذكورة عن طريق الممارسة.
ومن حيث أن الحكم المطعون فيه وإن كان قد أصاب الحق فيما انتهى إليه من أن حق المدعيين ليس بحكر، وإنما هو حق علو للأسباب التي أستند إليها، والتي تأخذ بها هذه المحكمة، وتعتبرها أسبابا لحكمها، غير أنه ذهب أيضا إلى القول بأن الحقين صنوان ويتعادلان إزاء التعويض، وفي حق الأفضلية في شراء ملك الرقبة عند إنهاء الحكر، مع أن الحقيقة تخالف ذلك، لأن ثمة فوارق جوهرية بين حق الحكر وحق العلو تبرر اختلاف الأحكام المنطبقة على كل منهما، فبينما حق الحكر لا ينصب إلا على أعيان موقوفة ومخربة، سواء كانت أبنية أو أراضي زراعية، ولا يوجد تحت يد نظر الوقف مال يصلحها به فإن حق التعلى يقع على الهواء ولا يخول صاحبه إلا البناء فوق المباني القائمة، سواء كانت موقوفة أو غير موقوفة، محكرة أو غير محكرة، وإذ كان من المسلم به أن الحكر إنما هو حق ذو طبيعة خاصة مستمد من الشريعة الإسلامية، وقد شرع استثناء للضرورة ومن ثم كان لهذا الحق مقوماته، وخصائصه وشروطه التي تتحقق بها الضرورة الشرعية لاجازة هذا النظام، وهو ما استرشد به المشرع في القانون الوضعي حيث التزم بسياسة عامة هي العمل على تحديد انتشار الحكر والتضييق فيه، فجاء القانون المدني متضمنا لأحكام الحكر المقررة في الشريعة وفق ما استقر عليه القضاء وتقرر بالمقومات والخصائص والشروط الواجب توافرها لانعقاد الحكر، وينبني على ذلك أنه لا مجال للتفسير أو التأويل أو القياس في هذا الشأن، بين حق الحكر وغيره من الحقوق التي قد يتلمس فيها بعض من مقوماته أو خصائصه، إذ لا يقوم الحكر إلا بتوفر كافة المقومات والعناصر القانونية المقررة في شأنه، وينتفي قيام الحكر بتخلف أي من هذه العناصر أو أي من الشروط القانونية التي لا ينعقد الحكر إلا بتوافرها جميعا، ويترتب على ذلك أنه إذا ما تقرر أن حق المدعيين هو حق علو وليس حكرا، فلا محل للقول بعد ذلك بإفادتهما من الأحكام المقررة في شأن انهاء الحكر، سواء بالقانون رقم 247 لسنة 1953 أو القانون رقم 295 لسنة 1954 في شأن انهاء حق الحكر على الأعيان الموقوفة أو بالقانون رقم 92 لسنة 1960 بإعادة تنظيم انهاء الأحكار على الأعيان الموقوفة والقرارات المنفذة له، وذلك لأن التنظيم القانوني الخاص بحق الحكر على الأعيان الموقوفة، دعت الحاجة إليه لإنهاء المشاكل التي يثيرها موضوع إنهاء الأحكار، ومن ثم فإن الأحكام والإجراءات التي تضمنتها لا تسري بحكم طبيعة الأمور على غير الحكر على الأعيان الموقوفة، ولا يجوز تطبيقها على حق العلو، ولو كان على أعيان موقوفة.
ومن حيث أنه ينبني على ما تقدم أن القرار الصادر من لجنة شئون الأوقاف بجلسة 31 من ديسمبر سنة 1960 الذي رفض طلب الدعيين، على أساس أنهما ليسا مستحكرين، وإنما هما من أصحاب حق الركوب فلا تكون لهما الأفضلية على غيرهم في شراء العين محل النزاع عن طريق الممارسة، يكون صحيحا، ولا مطعن عليه، وبمنأى عن الإلغاء، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه مذهبا مخالفا، فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين لذلك الحكم بقبول الطعن شكلا وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى مع إلزام المدعيين بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض الدعوى مع إلزام المدعيين بالمصروفات.