مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) - صـ 117

(18)
جلسة 3 من يناير سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار محمد مختار العزبي نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة الدكتور أحمد ثابت عويضة وسليمان محمود جاد ومحمد فهمي طاهر وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 1255 لسنة 14 القضائية

(أ) موظف - تقدير كفاية - لجنة شئون العاملين - سلطتها في تقدير المرتبة التي يستحقها الموظف.
للجنة شئون العاملين سلطة واسعة في التعقيب على تقدير الرئيس المباشر إذ هي تترخص في تقدير المرتبة التي يستحقها الموظف ولها في سبيل ذلك أن تلجأ إلى شتى الطرق التي تراها مؤدية إلى التقدير السليم - ليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها في أمر هو من صميم اختصاصها ما دام لم يثبت أنها انحرفت بسلطتها عن جادة الصالح العام.
(ب) موظف - تأديب - أثر تقديم الموظف للمحاكمة التأديبية.
إن من شأن تقديم الموظف للمحكمة التأديبية أو توقيع جزاء تأديبي عليه أن يهتز وضعه في ميزان كافة عناصر تقدير الكفاية - أساس ذلك.
(ج) موظف - تقدير كفاية - أثر المخالفات التي تنسب إلى الموظف عند تقدير كفايته.
للجنة شئون العاملين أعمال أثر المخالفات التي تنسب إلى الموظف عند تقدير كفايته إذا تكامل في السنة التي يعد عنها التقرير التحقيق الذي كانت باشرته النيابة الإدارية وخلصت فيه إلى مسئوليته دون ما انتظار لما تسفر عنه المحكمة التأديبية ما دام يوجد ما يدعوها إلى الاطمئنان الكافي بإدانته.
1- إن لجنة شئون العاملين لها سلطة واسعة في التعقيب على تقدير الرئيس المباشر إذ هي تترخص في تقدير المرتبة التي يستحقها الموظف ولها في سبيل ذلك أن تلجأ إلى شتى الطرق التي تراها مؤدية إلى التقدير السليم الدقيق الذي يتفق مع الحق والواقع وهي بحكم تكوينها وتشكيلها من كبار الموظفين أبعد ما تكون عن الغرض والهوى وأدنى إلى صواب الحكم على كفاية الموظف وما دام لم يثبت أنها قد انحرفت بهذه السلطة عن جادة الصالح العام كما هو الحال في الدعوى الراهنة فليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها في أمر هو من صميم اختصاصها.
2- أن من شأن تقديم الموظف للمحاكمة التأديبية أو توقيع جزاء تأديبي عليه أن يهتز وضعه في ميزان كافة عناصر تقدير الكفاية ولهذه العلة تضمن نموذج التقرير تخصيص بند مستقل لبيان ما يكون قد وقع على الموظف من جزاءات وما إذا كان قد أحيل إلى مجلس تأديب أو أوقف عن العمل، أي حتى مجرد وضعه موضع الاتهام والريبة، ومن ثم فلا تثريب على لجنة شئون العاملين إن هي أخذت في الاعتبار في تقدير كفاية المدعي بجميع عناصرها، ما ثبت من تحقيقات النيابة الإدارية مما هو منسوب إلى المدعي من تهم ومخالفات انتهت المحاكمة التأديبية إلى مجازاته عنها بخصم خمسة أيام من راتبه.
3- متى كان من المسلم أن للجنة شئون العاملين إعمال أثر المخالفات التي تنسب إلى الموظف عند تقدير كفايته في سنة وقوعها وهي ما تزال مجرد اتهامات أو شبهات لم تتأكد بعد فمن باب أولى يكون لها هذا الحق إذا تكامل في السنة التي يصدر عنها التقرير التحقيق الذي كانت باشرته النيابة الإدارية عدة سنين وخلصت به إلى مسئولية الموظف عما نسب إليه دون ما انتظار لما تسفر عنه المحاكمة التأديبية ما دام لم يوجد ما يدعوها إلى الاطمئنان الكافي بإدانته.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - في أن المدعي أقام الدعوى رقم 1756 لسنة 20 القضائية ضد وزارة التعليم العالي وجامعة الإسكندرية بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 7 من يوليه سنة 1966 طلب فيها "الحكم بإلغاء قرار لجنة شئون العاملين بجامعة الإسكندرية الصادر بجلستها المنعقدة في 29 من مارس سنة 1966 بتقدير درجة كفايته في التقرير السنوي عن عام 1965 بمرتبة "ضعيف" ورفع هذه المرتبة إلى درجة "جيد" وما يترتب على ذلك من آثار مادية وأدبية، مع إلزام جامعة الإسكندرية بكافة المصاريف ومقابل أتعاب المحاماة......" وتوجز أسانيد دعواه في أنه كان يشغل وظيفة وكيل الإدارة القانونية بجامعة الإسكندرية منذ نهاية عام 1956 حتى آخر فبراير سنة 1964 تاريخ ندبه للقيام بعمل وظيفة مراقب كلية الصيدلة وأنه كان مثالاً للكفاءة والإخلاص في عمله إلا أن نزاعاً بسبب أداء العمل قام بينه وبين السيدة/ عصمت مكاوي التي تعمل مندوبة قانونية بالإدارة ذاتها وقد اعتدت عليه بالقول يوم 31 من يناير سنة 1961 فلما تولت النيابة الإدارية التحقيق اتهمته السيدة المذكورة في أقوالها بالتحقيق بوقائع غير صحيحة إذ نسبت إليه قيامه بمهام رسمية غير صحيحة بالقاهرة بقصد حصوله على مبالغ بدل السفر المقررة واستغرق التحقيق زهاء أربع سنوات لم يتلق خلالها أو بعدها أي إخطار بما انتهى إليه حتى فوجئ في 19 من أبريل سنة 1966 بخطاب من إدارة الجامعة مرفق به صورة من التقرير السري السنوي بتقدير كفايته عن عام 1965 بمرتبة "ضعيف" وقد تبين من الإطلاع عليه أن رئيسه المباشر عميد كلية الصيدلة قدر كفايته بمرتبة "جيد" حيث منحه 89 درجة من مائة ولكنه لجنة شئون الموظفين بالجامعة قررت بجلسة 29 من مارس سنة 1966 تخفيض هذه المرتبة إلى "ضعيف" واستندت في ذلك إلى "ما ثبت من التحقيقات من تهم موجهة إليه" وهذا التقدير - في نظره - مخالف للقانون للأسباب الآتية:
1- إنه لم توقع عليه خلال عام 1965 وكذا طوال مدة خدمته أية جزاءات كما أنه لم يحصل في تقاريره السرية السنوية على أقل من مرتبة "جيد".
2- إن السبب الذي استندت إليه لجنة شئون العاملين في تخفيض مرتبة كفايته منعدم أصلاً حيث أن الاتهام الموجه إليه لم يثبت في حقه ولم يصدر أي قرار في شأنه خلال عام 1965، إذ صدر قرار مجلس التأديب بخصم خمسة أيام من مرتبه في 25 من سبتمبر سنة 1966 وهو ما يخالف مبدأ سنوية التقرير السري السنوي لأن المخالفات المنسوبة إليه وقعت في سنوات سابقة ولم تقع في السنة التي وضع عنها التقرير.
3- إن المخالفات المنسوبة إليه أن جاز الاعتداد بها في تقدير كفايته فإنها لا تؤثر إلا في مادة الصفات الشخصية المقدر لها عشرون درجة، ولما كان رئيسه المباشر قد منحه 89 درجة من مائة فإنه باستبعاد درجات الصفات الشخصية يصبح مجموع الدرجات الباقية لا يقل عن 69 درجة وهو تقدير لا يخلع عليه صفة الموظف الضعيف.
وأجابت جامعة الإسكندرية عن الدعوى بأن لجنة شئون العاملين بالجامعة رأت بما تملك من اختصاص أصيل فيما يتعلق بالتقارير السنوية للعاملين أن المخالفات المالية والإدارية المسندة إلى المدعي على النحو الذي انتهت إليه النيابة الإدارية في القضية رقم 135 لسنة 1963 تنطوي على إخلال منه بمقتضيات واجبات وظيفته في إدارة الشئون القانونية ومن ثم قرر تقدير كفايته في التقرير السري عن عام 1965 بمرتبة ضعيف. وبجلسة 15 من مايو سنة 1968 قضت محكمة القضاء الإداري "بإلغاء القرار المطعون فيه وألزمت الجهة الإدارية المصروفات" وأقامت قضائها على أن الأصل هو إعمال أثر المخالفات المنسوبة إلى المدعي في السنة التي وقعت فيها أو في السنة التي صدر فيها القرار أو الحكم التأديبي ولم يتحقق ذلك في خصوصية هذه الدعوى لأن هذه المخالفات ارتكبت خلال الفترة من 7 من سبتمبر سنة 1957 حتى نوفمبر سنة 1960 والإدانة فيها لم تثبت إلا بصدور قرار مجلس التأديب يوم 25 من سبتمبر سنة 1966 أي أن تاريخ ارتكاب المخالفات وتاريخ الإدانة لم يتحققا في عام 1965 وهي السنة التي أعد خلالها تقدير درجة الكفاية بمرتبة ضعيف، وأنه على ذلك يكون القرار المطعون فيه قد صدر مشوباً بعيب مخالفة القانون خليقاً بالإلغاء.
ومن حيث أن الطعن يقوم على أن سلطة لجنة شئون العاملين في تقدير كفاية الموظفين سلطة تقديرية لم يقيدها القانون بأي قيد كما أن القانون لم يعين لها طريقاً مبيناً تلتزمه في التقرير السنوي بل يقوم تقديرها على ما تراه موصلاً لهذا التقدير على وجه سليم ومن ثم فهي غير مقيدة بأعمال أثر المخالفات التي تنسب إلى الموظف في السنة التي وقعت فيها هذه المخالفات أو تلك التي أدين خلالها الموظف ولا يسوغ الأخذ بالرأي الذي سار عليه الحكم المطعون فيه لأنه يؤدي إلى اضطراب في تقدير كفاية الموظف إذ أنه في أغلب الحالات لا تكشف المخالفات المنسوبة إلى الموظف فور وقوعها كما أنه في بعض الحالات الأخرى تطول إجراءات التحقيق فيها والثابت أن المخالفات المسندة إلى المدعي في قضية النيابة الإدارية رقم 135 لسنة 1963 إنما كشفت عنها التحقيقات في عام 1965 ومن ثم فإن قرار لجنة شئون العاملين بتقدير كفاية المدعي في هذا العام بمرتبة ضعيف يكون قراراً سليماً لا مطعن عليه.
ومن حيث أنه يبين من مطالعة التقرير السري السنوي بتقدير كفاية المدعي عن عام 1965 المطعون فيه أنه قد استوفى جميع الإجراءات والمراحل والأوضاع الشكلية التي فرضها القانون، ولم يخالف أي إجراء جوهري في هذا الشأن ومن ثم يكون قد صدر صحيحاً مطابقاًَ للقانون ولا مندوحة عن الاعتداد به وترتيب آثاره القانونية.
ومن حيث أن لجنة شئون العاملين وإن كانت قد هبطت بتقدير كفاية المدعي إلى مرتبة ضعيف إلا أنها أجرت هذا التخفيض بناء على ما ثبت من التحقيقات التي أجرتها النيابة الإدارية في القضية رقم 135 لسنة 1963 فيما هو منسوب إليه من حصوله بغير حق على استمارات سفر إلى القاهرة كمندوب عن إدارة الجامعة لدى محكمة القضاء الإداري في حين أنه لم يقم بالمهمة المكلف بها وعلى ذلك يكون قرارها محمولاً على واقع من الأسباب ثبت بعد ذلك صحتها وبعدها عن مجرد الظنون والشبهات إذ قرر مجلس التأديب بجلسته المنعقدة في 25 من سبتمبر سنة 1966 إدانة المدعي فيما هو منسوب إليه ومجازاته عنه بخصم خمسة أيام من مرتبه وحاصل القول أن اللجنة لم تكن تتغيا سوى وجه المصلحة العامة في ضوء ما أسفرت عنه تحقيقات النيابة الإدارية التي تكاملت في عام 1965 وهي السنة التي أعد عنها التقرير السري السنوي المشار إليه ومع ذلك فإن إن لجنة شئون العاملين لها سلطة واسعة في التعقيب على تقدير الرئيس المباشر إذ هي تترخص في تقدير المرتبة التي يستحقها الموظف ولها في سبيل ذلك أن تلجأ إلى شتى الطرق التي تراها مؤدية إلى التقدير السليم الدقيق الذي يتفق مع الحق والواقع وهي بحكم تكوينها وتشكيلها من كبار الموظفين أبعد ما تكون عن الغرض والهوى وأدنى إلى صواب الحكم على كفاية الموظف وما دام لم يثبت أنها قد انحرفت بهذه السلطة عن جادة الصالح العام كما هو الحال في الدعوى الراهنة فليس للقضاء أن ينصب نفسه مكانها في أمر هو من صميم اختصاصها.
ومن حيث أنه لا حجة فيما أثاره المدعي - في مذكرته الأخيرة - من أن المخالفات التي نسبت إليه لا تؤثر على عناصر تقدير الكفاية جميعها وإنما ينحصر أثرها في عناصر الصفات الشخصية لا حجة في ذلك لأن عدم أداء المدعي ما يكلف به من مأموريات واستباحته الحصول على بدل سفر بغير وجه حق لا ينعكس أثره على صفاته الشخصية فحسب وإنما ينعكس أيضاً على سمعته ونزاهته وعلى إنتاجه في العمل وعلى قدرته على حسن التصرف، إذ فضلاً عن أن امتداد أثر المخالفات التي نسبت إلى المدعي إلى باقي عناصر تقدير الكفاية من الأمور التي تستقل لجنة شئون العاملين بوزنها فإنه لا يخالف طبائع الأشياء أن تكون هذه المخالفات محل اعتبار في تقدير الكفاية بجميع عناصرها فمثل المدعي لا يسوغ أن يتساوى في تقدير باقي عناصر كفايته مع موظف لا يقف موقفه وليس من شك في أن من شأن تقديم الموظف للمحاكمة التأديبية أو توقيع جزاء تأديبي عليه أن يهتز وضعه في ميزان كافة عناصر تقدير الكفاية ولهذه العلة تضمن نموذج التقرير تخصيص بند مستقل لبيان ما يكون قد وقع على الموظف من جزاءات وما إذا كان قد أحيل إلى مجلس تأديب أو أوقف عن العمل، أي حتى مجرد وضعه موضع الاتهام والريبة، ومن ثم فلا تثريب على لجنة شئون العاملين إن هي أخذت في الاعتبار في تقدير كفاية المدعي بجميع عناصرها، ما ثبت من تحقيقات النيابة الإدارية مما هو منسوب إلى المدعي من تهم ومخالفات انتهت المحاكمة التأديبية إلى مجازاته عنها بخصم خمسة أيام من راتبه.
ومن حيث أنه لا حجة فيما يتحدى به المدعي من مخالفة لحنة شئون العاملين لمبدأ سنوية التقرير السري في قرارها المطعون فيه حينما استندت في تقدير كفايته عن عام 1965 بمرتبة ضعيف إلى وقائع تمت في سنوات سابقة ولم تثبت إدانته فيها إلا في عام 1966 وهي سنة لاحقة في ذلك لأنه متى كان من المسلم أن للجنة شئون العاملين إعمال أثر المخالفات التي تنسب إلى الموظف عند تقدير كفايته في سنة وقوعها وهي ما تزال مجرد اتهامات أو شبهات لم تتأكد بعد فمن باب أولى يكون لها هذا الحق إذا تكامل في السنة التي بعد عنها التقرير التحقيق الذي كانت باشرته النيابة الإدارية عدة سنين وخلصت به إلى مسئولية الموظف عما نسب إليه دون ما انتظار لما تسفر عنه المحاكمة التأديبية ما دام لم يوجد ما يدعوها إلى الاطمئنان الكافي بإدانته.
ومن حيث أنه متى تبين ما تقدم فإن تقدير كفاية المدعي بمرتبة ضعيف عن أعماله خلال عام 1965 يكون قد صدر سليماً لا مطعن عليه وتكون الدعوى من ثم غير قائمة على أساس سليم من القانون، وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب وقضى بإلغاء التقرير السري السنوي المشار إليه فإنه يكون قد أخطأ في تأويل القانون وتطبيقه، ويتعين - والحالة هذه - القضاء بإلغائه وبرفض الدعوى، مع إلزام المدعي بالمصروفات.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه، وبرفض الدعوى، وألزمت المدعي بالمصروفات.