مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة السادسة عشرة - العدد الأول (من أول أكتوبر سنة 1970 إلى منتصف فبراير سنة 1971) - صـ 150

(23)
جلسة 16 من يناير سنة 1971

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف ابراهيم الشناوي رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة محمد عبد العزيز يوسف ومحمد صلاح الدين السعيد وعلى لبيب حسن وأبو بكر محمد عطية المستشارين.

القضية رقم 943 لسنة 13 القضائية

(أ) - عقد إداري "عقد التوريد" تنفيذه - التفرقة بين مخالفة الشروط وبين استعمال الغش أو التلاعب.
أن أحكام لائحة المناقصات والمزايدات قد فرقت في الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وبين استعمال الغش أو التلاعب في معاملته الجهة الإدارية - أساس ذلك.
(ب) عقد إداري "عقد التوريد" - تنفيذه - شرط وصم المتعاقد بالغش.
يتعين لوصم المتعاقد مع الإدارة بالغش وتوقيع الجزاء المنصوص عليه في هذا الشأن أن يثبت سوء نيته، أي علمه بما يشوب الأصناف التي يوردها من غش أو تلاعب العلم مفترض في المتعاقد - ظروف الحال قد تنفي هذا العلم - هذه الظروف قد تستفاد من أحكام جنائية ومما قد يرد في الأوراق.
(ج) عقد إداري - عقد توريد - تنفيذه - التزامات المتعاقد.
لا يسوغ القول بالنسبة لعقود التوريد أن يقوم المتعهد الأصلي بتنفيذ التزاماته وحده من غير استعانة بمجهودات غيره وإذ جرى العرف على السماح بهذه الاستعانة في الحدود الجائزة في العقود الإدارية فإنه من غير المستساغ توقيع الجزاءات المقررة قانونا على المتعاقد إلا إذا قام الدليل المقنع من واقع الأوراق على تواطؤ المتعاقد أو علمه بغش أو تلاعب من استعانة بهم - أساس ذلك.
- يبين من الرجوع إلى شروط العقد المبرم مع المدعي وإلى أحكام لائحة المناقصات والمزايدات، أنها فرقت في الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وبين استعمال الغش أو التلاعب في معاملته الجهة الإدارية، فجزاء توريد أصناف مخالفة للمواصفات، بالتطبيق لحكم البند الثاني من الاشتراطات الإضافية للعقد والمادتين 102، 105 من لائحة المناقصات والمزايدات، هو رفض الأصناف وتكليف المتعهد بتوريد غيرها أو قبول الأصناف المخالفة مع تخفيض ثمنها أو قيام جهة الإدارة بشراء أصناف مطابقة للشروط على حسابه أو انهاء التعاقد يختص بهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها، وذلك كله مع توقيع غرامة تأخير واقتضاء المصروفات الإدارية، أما جزاء استعمال الغش أو التلاعب طبقا لحكم المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات فهو فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية وعلة تغليظ الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب ظاهرة وهي أن المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب إنما يقوم على خداع جهة الإدارة بسوء نيه وهو عالم أن ما يقوم بتوريده لها مغشوش أو مخالف للمواصفات أو بما يقع من تلاعب يستوي في ذلك أن يقع الغش أو التلاعب من نفس المتعاقد أو ممن يستعين بهم في تنفيذ التزاماته التعاقدية، متى ثبت أنه على علم بغشهم أو تلاعبهم ولذات فعله سوت أحكام العقد واللائحة في الجزاء بين المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب وبين المتعاقد الذي يشرع في رشوة أحد موظفي الجهة الإدارية أو بتواطؤ معه إضرارا بها.
2- يتعين لوصم المتعاقد مع الإدارة بالغش في تنفيذ التزاماته وبتوقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات أن يثبت سوء نيته، أي علمه بما يشوب الأصناف التي يوردها من غش أو تلاعب. وأنه وإن كان هذا العلم مفترضا في المتعاقد مع الإدارة إلا أنه متى كانت ظروف الحال التي تنفي هذا العلم عن المتعهد فإنه لا يسوغ وصمه بالغش. وظروف الحال التي تنفي هذا العلم كما قد تستفاد مما يصدر من أحكام جنائية في شأن ما نسب إلى المتعاقد من غش، فإنها تستفاد أيضا مما قد يرد في الأوراق متعلقا بمدى حسن نية المتعاقد في تنفيذ التزاماته التي يضمنها المتعاقد بصفة عامة، وحجم التعاقد في ذاته وتعدد الالتزامات الواردة به.
3- أنه لا يسوغ بالنسبة لعقود التوريد وما تقتضيه من توريد أصناف متعددة لجهات متفرقة وعلى فترات دورية، لا يسوغ القول بأن يقوم المتعهد الأصلي بتنفيذ التزاماته وحده من غير الاستعانة بمجهودات غيره، إلا وضع أمام استحالة مطلقة وبناء على ما تقدم، وإذ جرى العرف على السماح بهذه الاستعانة في الحدود والمقررة والجائزة في العقود الإدارية، فإنه من غير المستساغ فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية، إلا إذا قام الدليل المقنع من واقع الأوراق على تواطؤ المدعي أو علمه بغش أو تلاعب من استعان بهم في أداء التزامه، والقول بغير ذلك يؤدي إلى أحجام الموردين في الدخول في المناقصات العامة، وقد يكون منهم كفايات وحسنو السمعة.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الايضاحات وبعد المداولة.
من حيث أن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث أن عناصر هذه المنازعة تتحصل - حسبما يخلص من أوراق الطعن - في أن المدعي (المطعون ضده) أقام الدعوى رقم 186 لسنة 16 القضائية ضد وزارة الصحة ومنطقة بورسعيد الطبية، بعريضة أودعت قلم كتاب محكمة القضاء الإداري في 30 من نوفمبر سنة 1961 طلب فيها "الحكم (أولا): بإلغاء القرار المبلغ إليه من المنطقة في 4 من أكتوبر سنة 1961 والمؤكد من الوزارة في 16 من نوفمبر سنة 1961 بفسخ العقد المبرم معه وشطب اسمه من سجل المتعهدين ومصادرة التأمين. (ثانيا): وبصفة مستعجلة الحكم بوقف تنفيذ القرار المذكور مع الزام المدعي عليهما بالمصروفات ومقابل الأتعاب وحفظ كافة الحقوق الأخرى." وقال المدعي شرحا لدعواه أنه يتولى توريد الأغذية منذ سنة 1938 لمختلف وزارات الحكومة ومصالحها ببورسعيد ولم تشب توريداته أيه شائبة ولم يؤخذ عليه أي مأخذ. وفي شهر يونيه سنة 1961 تعاقد مع وزارة الصحة على توريد أغذية لوحدات منطقة بورسعيد الطبية عن عام 1961/ 1962 قيمتها الاجمالية أكثر من 12 ألف جنيه - وبناء على ذلك تم الاتفاق بينه وبين مورد الألبان (المعلم محمد محمد علي) في 2 من يوليه سنة 1961 على القيام بتوريد الألبان اللازمة لمستشفيات بورسعيد وملحقاتها. وكان تسليم الألبان (وغيرها من المواد الغذائية) يتم يوميا بواسطة لجنة خاصة مشكلة بمستشفى بور سعيد الأميري من أحد الأطباء ومن صيدلي المستشفى ورئيسة المطبخ، وكانت تجمع الألبان الموردة جميعها في وعاء كبير خاص وتؤخذ منها عينه لتحلل بواسطة صيدلي المستشفى الأميري فإن أسفر التحليل عن سلامتها ومطابقتها للمواصفات جرى وزن اللازم من الألبان لكل مستشفى أو وحدة ووضعه في إناء خاص بها وتشمل ست جهات هي المستشفى الأميري ومستشفى الرمد ومستشفى الحميات المصح البحري ومستشفى التضامن ومركز رعاية الطفل. ويختم كل وعاء من هذه الأوعية الستة بخاتم صيدلي المستشفى بما يفيد اتمام علمية التحليل وسلامة اللبن المورد. ويثبت الصيدلي هذه النتيجة في دفتر خاص بذلك يحفظ لديه. وقد تمت جميع هذه الإجراءات عن الألبان وغيرها من الأغذية التي وردتها منذ يوليه سنة 1961، وفي شهر أكتوبر سنة 1961 فوجئ بأن اللبن الذي ورد في 15 من يوليه سنة 1961 والخاص بمستشفى الحميات دون سائر الوحدات الأخرى وجد به حامض البوريك. وبناء على ذلك أخطرته المنطقة الطبية بكتابتها المؤرخ في 4 من أكتوبر سنة 1961 بأنها قررت فسخ العقد المبرم بينها وبينه سالف الذكر اعتبارا من يوم 5 من أكتوبر سنة 1961 كما صادرت التأمين النهائي المقدم منه عن هذا العقد وقدره 1215 جنيها. وقد تظلم من هذا القرار إلى الوزارة فأفادته في 16 من نوفمبر سنة 1961 بأن المنطقة فسخت العقد وشطبت اسمه من سجل المتعهدين وصادرت تأمينه النهائي لأنه قد وجد في اللبن مادة حامض البوريك. وأنكر المدعي ما نسب إليه من غش قائلا بأنه لو صح هذا الزعم أن يشمل الأمر جميع الوحدات لأنها تأخذ من معين واحد ولكان لزاما أن يظهر في يوم التسليم بالمستشفى الأميري وقبل أن ترتفع يد المورد عن اللبن الذي ورده. وأضاف بأن لو فرض جدلا وجود الغش فإنه يكون صادرا من المورد من الباطن لا منه.
وبجلسة 11 من مارس سنة 1962 قضت المحكمة في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين وبرفضه فيما عدا ذلك وأبقت الفصل في المصروفات. وقد طعنت إدارة قضايا الحكومة بالنيابة عن وزارة الصحة ومنطقة بورسعيد الطبية في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا وقيد طعنها برقم 1109 لسنة 8 القضائية. وفي 28 من ديسمبر سنة 1963 حكمت المحكمة الإدارية العليا "بقبول الطعن شكلا، وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الطلب المستعجل من وقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين، وبرفض هذا الطلب وألزمت المدعي بالمصروفات الخاصة بالطلب المستعجل". وأقامت المحكمة الإدارية العليا قضاءها هذا على أن المدعي مسئول مسئولية شخصية في تنفيذ التزاماته التي تضمنها العقد وأن التحليل الكيماوي أثبت مما لا يدع مجالا للشك أن اللبن المورد مغشوش وغير مطابق لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حامض البوريك أو أملاحه) إليه بما يرشح للاعتقاد بحسب الظاهر من الأوراق بتوفر الأسباب التي قام عليها قرار المنطقة.
وبجلسة 21 من مايو سنة 1967 قضت محكمة القضاء الإداري في الطلب الموضوعي "ببطلان القرار الصادر من منطقة بورسعيد الطبية بفسخ العقد المبرم بين المدعي (السيد صالح المصيلحي) والمدعي عليها (وزارة الصحة) عن توريد أغذية لوحدات المنطقة الطبية بمدينة بورسعيد عن عام 1961/ 1962 وما يترتب على ذلك من آثار وألزمت الوزارة المدعي عليها المصروفات ومبلغ خمسمائة قرش مقابل أتعاب المحاماة". وأقامت المحكمة قضاءها على أن المتعهد لا يمكن أن يساءل عن نتيجة التحليل الكيماوي الذي تم في معمل السويس الكيماوي، طالما أن العينة التي أخذت لإجرائه عليها لم يراع في أخذها الإجراءات التي نصت عليها المادة 133 من لائحة المناقصات والمزايدات والتي تستوجب عند فحص الأصناف الموردة أن يتم أخذ عينتين من هذه الأصناف بحضور لجنة الفحص والمتعهد أو مندوبه ويحتفظ بإحداها رئيس اللجنة بعد ختمها بخاتمه وخاتم المتعهد أو مندوبه، أما العينة الثانية فتختم بخاتم رئيس اللجنة ويوقعها عضوان من أعضائها ويعمل محضر توقيعه لجنة الفحص والمتعهد أو مندوبه بأن هذه العينة مطابقة للعينة المحفوظة لدى رئيس لجنة الفحص ثم ترسل للمعمل الكيماوي بعد إعطائها رقما سريا، وهذه الإجراءات إنما قصد بها ضمان حقوق المتعهد تحقيقا لمقتضيات العدالة، فإذا ما أغفلتها الجهة الإدارية فأنها لا تستطيع أن تأخذ المتعهد بنتيجة تحليل يجرى على عينة أخذت في غيبته وبعد أن تم استلام اللبن المسلم إليه من المستشفى الأميري بعد وضعه في وعاء قد يكون ملوثا بمادة حامض البوريك أو أملاحه التي أظهر التحليل الكيماوي وجودها في اللبن، فإذا أضيف إلى ذلك أن الوحدات الأخرى التي وزع عليها اللبن والمورد في ذات اليوم لم تشك أية وحدة منها من ذلك اللبن، وأن احتمال تلوث اللبن بحامض البوريك في المستشفى هو احتمال أقوى من احتمال تلوثه بتلك المادة لدى المتعهد، وأن التحليل الابتدائي في المستشفى الأميري يجري أيضا على الرائحة، فإن من شأن هذه الاعتبارات جميعها أن تشكك إلى حد كبير في استعمال المتعهد الغش أو التلاعب في معاملته مع المستشفى وقد تأيد عدم ثبوت أي غش من جانب المتعهد من الباطن بالحكم الصادر من محكمة جنح الشرق ببورسعيد ببراءته من تهمة توريد ألبان مغشوشة إلى مستشفى بور سعيد الأميري يوم 25 من يوليه سنة 1961 لوجود حامض البوريك فيه. وخلصت المحكمة من ذلك إلى أن القرار المطعون فيه قد جاء مخالفا لشروط العقد إذ استند في فسخ العقد إلى حكم المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات التي تقضي بفسخ العقد ومصادرة التأمين النهائي وشطب الاسم من بين المتعهدين إذا استعمل المتعهد الغش أو التلاعب في معاملته مع المصلحة، وذلك اعتبارا بأنه لم يثبت حدوث غش في التوريد من جانب من كلفه المتعهد بتوريد اللبن إلى مستشفى بورسعيد الأميري ويتعين من ثم الحكم ببطلان القرار الصادر من منطقة بورسعيد الطبية بفسخ العقد سالف الذكر وما ترتب على صدور ذلك القرار من مصادرة للتأمين وشطب اسم المدعي من سجل المتعهدين.
ومن حيث أن الطعن يقوم أولا على أن المطعون ضده اختصم السيد/ وزير الصحة ولم يختصم السيد/ محافظ بورسعيد بصفته، عملا بأحكام قانون نظام الإدارة المحلية رقم 124 لسنة 1960 الذي عمل به قبل إبرام العقد موضوع الدعوى، وتكون الدعوى بذلك قد رفعت على غير ذي صفة ويتعين الحكم بعدم قبولها واستند الطعن بالنسبة للموضوع إلى أن التحليل الذي يتم بمعرفة المعمل الكيماوي يتم في غيبة المتعهد ولا يتصور تواجده عند إجرائه ضمانا لسلامته، وأنه فضلا عن ذلك فإن هذا التحليل لم يتم وفقا لأحكام للائحة المناقصات والمزايدات وإنما تم وفقا لأحكام القانون رقم 132 لسنة 1950 بشأن الألبان ومنتجاتها والقانون رقم 48 لسنة 1941 الخاص بقمع التدليس والغش، فقد قام مفتش الأغذية بالحصول على العينة وتحليلها بناء على صفته كمأمور ضبطية قضائية، والإجراءات الخاصة بإثبات المخالفة لا يترتب على مخالفتها أي بطلان حسبما قضت محكمة النقض ما دامت هناك أدلة تقطع بنسبة المخالفة إلى المورد. وأضاف الطعن أن المحكمة الإدارية العليا قضت في الشق الخاص بطلب وقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى بعدم حجية الحكم الجنائي الصادر بالبراءة استنادا إلى أن واقعة إضافة مادة حافظة اللبن لم تكن مطروحة على المحكمة الجنائية ومن ثم لا وجه للتحدي بحكم البراءة في هذا النزاع وكان يتحتم على محكمة القضاء الإداري أن تلتزم هذا القضاء عندما أعيدت لها القضية بعد فصل المحكمة الإدارية العليا في الشق المستعجل.
ومن حيث أنه عن الوجه الأول من أوجه الطعن وهو الخاص بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذي صفة. فالثابت من الأوراق أن الدعوى رفعت في 30 من نوفمبر سنة 1961 على وزارة الصحة ومنطقة بورسعيد الطبية، وقد تضمنت محكمة القضاء الإداري في الطلب المستعجل بوقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين وبرفضه فيما عدا ذلك وقد طعن في هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا التي قضت "بقبول الطعن شكلا وفي موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به في الطلب المستعجل من وقف تنفيذ القرار موضوع الدعوى فيما تضمنه من شطب اسم المدعي من سجل المتعهدين، وبرفض هذا الطلب وألزمت المدعي بالمصروفات الخاصة بالطلب المستعجل". وإذا كان قانون نظام الإدارة المحلية قد صدر وعمل به اعتبارا من 28 من مارس سنة 1960 وأصبح بمقتضاه محافظ بورسعيد هو صاحب الصفة في التقاضي، إلا أن الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا في طلب وقف التنفيذ وقد تضمن في الوقت ذاته قبول الدعوى شكلا، فإنه بذلك لا يجوز الرجوع إلى المنازعة في صفة المدعي عليهما بعد أن بت فيها بحكم له قوة الشئ المقضي به في هذه الخصوصية. ومن ثم يتعين القضاء برفض الدفع بعدم قبول الدعوى وبقبولها.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن وزارة الصحة تعاقدت في شهر يونيه سنة 1961 مع المدعي على توريد بعض الأغذية اللازمة لمستشفيات ووحدات الوزارة ببورسعيد خلال العام 1961/ 1962 الذي يبدأ من أول يوليه سنة 1961 إلى 30 من يونيه سنة 1962. وقدم المدعي ضمانا لتنفيذ التزاماته خطاب ضمان بمبلغ 1215 جنيه 75 مليم تأمينا على قيامه بتنفيذ هذا العقد، وكان من بين الأغذية المتفق على توريدها صنف اللبن الحليب. وقد اتفق المدعي مع السيد/ محمد محمد علي العش تاجر الألبان ببورسعيد بعقد مؤرخ في 2 من يوليه 1961 على أن يقوم الأخير بتوريد اللبن الحليب المطلوب. وفي 4 من أكتوبر سنة 1961 أخطرت منطقة بورسعيد الطبية المدعي بأنها قررت فسخ العقد المذكور على أن يصير التوقف عن التوريد اعتبار من 5 من أكتوبر سنة 1961 مع الاحتفاظ باتخاذ باقي إجراءات التعاقد التي نصت عليها المادة 27 من الاشتراطات العامة الخاصة بالمناقصات والتوريدات التي تقضي بفسخ العقد ومصادرة التأمين النهائي وذلك لمناسبة توريد لبنا مغشوشا بحامض البوريك وغير صالح للاستهلاك الآدمي وضار بصحة الإنسان.
ومن حيث أنه يبين من الرجوع إلى شروط العقد المبرم مع المدعي وإلى أحكام لائحة المناقصات والمزايدات، أنها فرقت في الحكم بين مجرد قيام المتعاقد بتوريد أصناف مخالفة للشروط والمواصفات المتعاقد عليها وبين استعمال الغش أو التلاعب في معاملته الجهة الإدارية، فجزاء توريد أصناف مخالفة للمواصفات، بالتطبيق لحكم البند الثاني من الاشتراطات الإضافية للعقد والمادتين 102، 105 من لائحة المناقصات والمزايدات، هو رفض الأصناف وتكليف المتعهد بتوريد غيرها أو قبول الأصناف المخالفة مع تخفيض ثمنها أو قيام جهة الإدارة بشراء أصناف مطابقة للشروط على حسابه أو انهاء التعاقد يختص بهذه الأصناف ومصادرة التأمين بما يوازي 10% من قيمتها، وذلك كله مع توقيع غرامة تأخير واقتضاء المصروفات الإدارية، أما جزاء استعمال الغش أو التلاعب طبقا لحكم المادة 27 من الاشتراطات العامة المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات فهو فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية وعلة تغليظ الجزاء على استعمال الغش أو التلاعب ظاهرة وهي أن المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب إنما يقوم على خداع جهة الإدارة بسوء نية وهو عالم أن ما يقوم بتوريده لها مغشوش أو نخالف للمواصفات أو بما يقع من تلاعب يستوي في ذلك أن يقع الغش أو التلاعب من نفس المتعاقد أو ممن يستعين بهم في تنفيذ التزاماته التعاقدية، متى ثبت أنه على علم بغشهم أو تلاعبهم ولذات فعله سوت أحكام العقد واللائحة في الجزاء بين المتعاقد الذي يستعمل الغش أو التلاعب وبين المتعاقد الذي يشرع في رشوة أحد موظفي الجهة الإدارية أو يتواطأ معه إضرارا بها.
ومن حيث إنه بالبناء على ما تقدم يتعين لوصم المتعاقد مع الإدارة بالغش في تنفيذ التزاماته وبتوقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد المقابلة للمادة 85 من لائحة المناقصات والمزايدات أن يثبت سوء نيته، أي علمه بما يشوب الأصناف التي يوردها من غش أو تلاعب. وأنه وإن كان هذا العلم مفترضا في المتعاقد مع الإدارة إلا أنه متى كانت ظروف الحال التي تنفي هذا العلم عن المتعهد فإنه لا يسوغ وصمه بالغش. وظروف الحال التي تنفي هذا العلم كما قد تستفاد مما يصدر من أحكام جنائية في شأن ما نسب إلى المتعاقد من غش، فإنها تستفاد أيضا مما قد يرد في الأوراق متعلقا بمدى حسن نية المتعاقد في تنفيذ التزاماته التي يضمنها المتعاقد بصفة عامة، وحجم التعاهد في ذاته وتعدد الالتزامات الواردة به.
ومن حيث أن منطقة بور سعيد الطبية قد استندت في قيام الغش، الذي أصدرت بناء عليه قرارها المطعون فيه، إلى أنه اتضح من تحليل عينة اللبن المورد في 25 من يوليه سنة 1961 إلى مستشفى حميات بورسعيد أنها غير مطابقة لقرار الألبان لإضافة مادة حافظة (حامض البوريك أو أملاحه) الأمر الذي قدم بسببه إلى المحاكمة الجنائية.
ومن حيث أنه يبين من الإطلاع على الصورة الرسمية للحكم الجنائي الصادر في هذا الشأن أن النيابة العامة اتهمت المورد من الباطن محمد محمد العش المدعي في الجنحة رقم 3465 لسنة 1961 جنح الشرق بورسعيد لأنه في يوم 25 من يوليه سنة 1962 قام بتوريد ألبان إلى مستشفى بورسعيد الأميري غير مطابقة لقرار الألبان لاحتوائها على مادة حافظة، وقد قضى نهائيا ببراءة المتهم مما أسند إليه استنادا إلى ما أدلي به صيدلي المستشفى من أنه أخذ عينات من اللبن المورد وحللت عند استلامه بمعرفة المستشفى وتبين سلامتها، وخلصت المحكمة إلى أن المتهم لا يكون مسئولا بعد ذلك عما أصاب اللبن.
ومن حيث أن الثابت من الأوراق أن تحليل اللبن الذي يتولاه صيدلي المستشفي مقصور على تبين المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة دون أن يقوم بتحليله كيمائيا حتى يظهر المادة الحافظة المضافة إلى اللبن، وهو الأمر الذي تكشف من التحليل الذي أجراه معمل السويس الكيماوي للعينة التي أخذها مفتش الأغذية ببورسعيد من اللبن المورد لمستشفى حميات بورسعيد في 25 من يوليه سنة 1961. ولما كان الحكم الجنائي المشار إليه قد استند في براءة المورد من الباطن إلى شهادة صيدلي المستشفى على هدى من التحليل الذي أجراه والذي تبين منه سلامة اللبن من ناحية المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة فحسب، ولم يقم على نفي أو ثبوت إضافة المادة الحافظة "حامض البوريك أو اصلاحه" التي أثبت التحليل الكيماوي وجودها، فإن هذا الحكم وإن جاز قوة الأمر المقضي به في تلك الجريمة من زاوية المواد الدسمة والمواد الصلبة واللون والرائحة، إلا أنه لا يحوز هذه القوة في ثبوت سلامة اللبن المورد بصفة مطلقة بما لا يقبل معه القول بعدم مسئولية الموارد من الباطن عن وجود هذه المادة الضارة بصحة الإنسان في اللبن. كما أنه لا وجه للاحتجاج بأن أخذ العينة تم في غيبة المتعهد وعلى خلاف ما تقضي به المادة 133 من لائحة المناقصات والمزايدات الأمر الذي لا يجوز معه أخذ المتعهد بنتيجة تحليل يجري على عينة أخذت في غيبته وبعد أن أتم استلام اللبن منه وتوزيعه على الوحدات المختلفة، لا وجه لذلك لأن أخذ عينة اللبن للتحليل لم يتم تطبيقا لأحكام لائحة المناقصات والمزايدات وإنما حصل عليها مفتش الأغذية وفقا لحكم القانون رقم 136 لسنة 1950 بشأن الألبان ومنتجاتها والقانون رقم 48 لسنة 1941 بقمع التدليس والغش، باعتباره من رجال الضبط القضائي في جرائم الغش المعاقب عليها، ولم ينطو أخذ العينة على مخالفة الأحكام هذين القانونين يترتب عليها البطلان. ولا يوجد ثمة دليل مقنع على أن اللبن المورد كان خاليا من المادة الحافظة المذكورة يمكن معه نفي كل اتهام عن المورد من الباطن في هذا الشأن.
ومن حيث أن النيابة العامة لم تدن المدعي في الاتهام المشار إليه، ولم يثبت إداريا من واقع ملف الدعوى أن المدعي كان له يد فيما وقع من غش من استعان به في أداء التزاماته أو أنه ساهم فيه بطريقة أو بأخرى، ولما كان الأمر كذلك وكان لكل ما شاب التوريد من غش أو تلاعب خلال الفترة من أول يوليه سنة 1961 إلى 4 من أكتوبر سنة 1961 تاريخ فسخ العقد هي الواقعة السابقة، وفي صنف اللبن الحليب فقط دون باقي الأغذية الموردة، فإن افتراض علم المدعي بالغش المشار إليه، أمر تنفيه ظروف الحال، ولاسيما إذا أدخل في الاعتبار أنه لا يسوغ، بالنسبة لعقود التوريد وما تقتضيه من توريد أصناف متعددة لجهات متفرقة وعلى فترات دورية، لا يسوغ القول بأن يقوم المتعهد الأصلي بتنفيذ التزاماته وحده من غير الاستعانة بمجهودات غيره، وإلا وضع أمام استحالة مطلقة وبناء على ما تقدم، وإذ جرى العرف على السماح بهذه الاستعانة في الحدود والمقررة والجائزة في العقود الإدارية، فإنه من غير المستساغ فسخ العقد ومصادرة التأمين وشطب اسم المتعهد من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية، إلا إذا قام الدليل المقنع من واقع الأوراق على تواطؤ المدعي (أو علمه بالغش) أو تلاعب من استعان بهم في أداء التزامه، والقول بغير ذلك يؤدي إلى إحجام الموردين في الدخول في المناقصات العامة، وقد يكون منهم كفايات وحسنو السمعة.
ومن حيث أنه من المسلم به أن المدعي مسئول مسئولية عقدية قبل جهة الإدارة بحيث يحق لها أن تحاسبه عما يقع من أخطاء في تنفيذ العقد أو توقع عليه الجزاءات التي تقضي بها العقد عن التأخير في التوريد وعن مخالفة الأصناف الموردة للمواصفات ولم كان ذلك راجعا إلى غش من استعان بهم في تنفيذ تعهداته، ولكن المسئولية لا ترفع إلى حد وصمه هو باستعمال الغش أو التلاعب، الأمر الذي يؤدي إلى توقيع الجزاء المنصوص عليه في المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد، ما لم يثبت علمه بالغش أو التلاعب على ما سلف بيانه.
ومن حيث أنه لكل ما تقدم فإن فسخ العقد المبرم بين المدعي وجهة الإدارة ومصادرة التأمين النهائي المقدم منه في هذا العقد وشطب اسمه من بين المتعهدين وعدم السماح له بالدخول في مناقصات حكومية استنادا إلى حكم المادة 27 من الاشتراطات العامة للعقد، ولا تقوم على أساس سليم ويكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى بطلان القرار الصادر من منطقة بورسعيد الطبية بفسخ العقد سالف الذكر وما ترتب على صدور القرار من مصادرة التأمين وشطب اسم المدعي من سجل المتعهدين جاء موافقا للقانون، ويكون الطعن عليه على غير أساس سليم متعين الرفض.

"فلهذه الأسباب"

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعا وألزمت الحكومة بالمصروفات.