مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 1998 إلى آخر سبتمبر سنة 1998) - صــ 1043

(113)
جلسة 22 من مارس سنة 1998

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ رائد جعفر النفراوى، ومحمد عبد الرحمن سلامة، وإدوارد غالب سيفين، وسامى أحمد محمد الصباغ نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3639 لسنة 40 قضائية عليا

حقوق وحريات - حق الهجرة وحرية التنقل - ضوابطه.
المادة (52) من الدستور الصادر فى 11 سبتمبر سنة 1971.
- حرية التنقل من مكان إلى آخر، ومن جهة إلى أخرى وكذا السفر خارج البلاد مبدأ أصيل للمواطن وحق دستورى مقرر له، لا يجوز المساس به دون مسوغ ولا الانتقاص منه بغير مقتضى ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته وفى حدود التشريعات المنظمه لهذا الحق إلا أنه من الأمور المسلمة أيضاً أنه بحكم ما للدولة من سيادة على رعاياها فإن لها مراقبة سلوكهم سواء داخل البلاد أو خارجها للتثبت من التزامهم الطريق السوى فى مسلكهم والتعرف على مدى إدراكهم لمسئولياتهم الوطنية وما تفرضه عليهم مع الأخذ بأسباب النهج القويم فى تحركاتهم وتصرفاتهم وتجنب كل ما من شأنه أن يسئ إلى سمعة الوطن أو كرامته أو يؤثر بأى وجه فى علاقته بالدول الأخرى - أساس ذلك - تتمكن سلطات الإختصاص فى الوقت الملائم من إتخاذ الإجراءات والإحتياطات الوقائية الكفيلة بمنع أى إنحراف قد يهدد كيان البلاد وأمنها الداخلى أو الخارجى أو يضر بمصالحها السياسية أو يمس سمعتها أو غير ذلك من الأسباب المتصلة برعاية الصالح العام - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 24/ 7/ 1994 أودعت هيئة قضايا الدولة نيابة عن السيد وزير الداخلية "بصفته" تقرير طعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 3639 لسنة 40ق.ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الادارى بأسيوط فى الدعوى رقم 1428 لسنة 3ق جلسة 26/ 5/ 1994 والقاضى بقبول الدعوى شكلا، وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزمت الجهة الإدارية مصروفات هذا الطلب.
وطلب الطاعن بصفته للأسباب الواردة بتقرير الطعن أن تأمر دائرة فحص الطعون بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ الحكم وبإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا لتقضى بقبوله شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار الطعين وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وجرى إعلان الطعن إلى المطعون ضده على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريرا بالرأى القانونى إنتهت فيه إلى قبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار وإلزام المطعون ضده المصروفات.
وتحددت جلسة 7/ 7/ 1997 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون وتداولت نظره بالجلسات التالية على النحو الثابت بمحاضرها، وبجلسة 1/ 12/ 1997 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الأولى/ موضوع" لنظره بجلسة 11/ 1/ 1998، وبهذه الجلسة قررت المحكمة حجز الطعن ليصدر فيه الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونا.
ومن حيث إن عناصر هذا النزاع تتحصل فى أن المطعون ضده أقام الدعوى رقم 1428 لسنة 3ق أمام محكمة القضاء الإدارى بأسيوط طلب فيها الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار وزير الداخلية بعدم الموافقة على إتصاله بسفارات دول المهجر للحصول على تأشيرة دخول بالهجرة.
وفى الموضوع بإلغاء ذلك القرار وإلزام المدعى عليه المصروفات.
وقال المدعى شرحا لدعواه بأنه تقدم فى 15/ 10/ 1991 بطلب لمديرية أمن المنيا التابع لها للسماح له بالإتصال بسفارات دول المهجر للحصول على تأشيرة دخول للهجرة إلى واحدة منها.
فتلقى خطاب رئيس قسم الضباط بأمن المنيا متضمنا عدم موافقة الوزارة على طلبه، فتظلم من هذا القرار فى 7/ 5/ 1992 إلا أنه لم يتلق ردا على تظلمه مما دعاه إلى إقامة الدعوى ناعيا على قرار الوزارة بمخالفة أحكام الدستور الذى كفل للمواطنين حق الهجرة الدائمة والمؤقتة ولعدم وجود أسباب جدية تتيح للوزارة حق الرفض.
وفى 26/ 5/ 1994 قضت محكمة القضاء الإدارى بأسيوط بقبول الدعوى شكلا وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزمت المدعى عليه بصفته مصروفات هذا الطلب.
وأقامت المحكمة قضاءها السالف على أساس أن المادة (52) من الدستور كفلت للمواطنين حق الهجرة الدائمة والمؤقتة ونظم القانون هذا الحق وشروط الإستفادة منه. كما استقر الرأى على عدم جواز المساس بحق الفرد فى السفر والتنقل إلا بالقدر الضرورى لحماية صالح المجتمع، ونظرا لأن جهة الإدارة فى مقام ردها على الدعوى لم تقدم من الأسباب المقبولة ما يبرر لها رفض التصريح للمدعى بالهجره للخارج، كما لم يثبت من الأوراق أن هناك ثمة ما يشينه أو يصم سلوكه القويم فمن ثم يتحقق ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار الذى افتقد على ركن السبب الصحيح الذى يقوم عليه، إلى جانب توافر ركن الإستعجال لما يترتب على المنع من السفر من أضرار يتعذر تداركها بتفويت بعض الفرص على طالبه. وإنتهت المحكمة إلى قضاءها السابق.
ومن حيث إن الطعن الماثل يقوم على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك لأن التصريح بالسفر للخارج أو منعه هو من الأمور التى تدخل فى نطاق السلطة التقديرية لوزارة الداخلية وفقا لما تراه محققا لصالح البلاد دون أن يكون للقضاء الإدارى حق الموازنة والترجيح إزاء حق جهة الإدارة فى ملاءمة إصدار هذا القرار.
ولما كان المطعون ضده يعمل كضابط بهيئة الشرطة وهو بحكم وظيفته قد يتوافر له من الأسرار ما يحول دون إتصاله بسفارات الدول الأجنبية وهو أمر تقدره الوزارة حماية لمصلحة البلاد، لذلك يكون قراراها إستقام مع صحيح حكم القانون بما لا يجوز النيل منه.
ومن حيث إنه طبقا لنص المادة (49) من قانون مجلس الدولة وما جرى عليه قضاء هذه المحكمة من أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها مردهما إلى الرقابة القانونية التى يسلطها القضاء الإدارى على القرار على أساس من وزنه بميزان القانون وزنا مناطه مبدأ المشروعية فوجب على القضاء الإدارى ألا يوقف قرارا إداريا إلا إذا تبين له حسب الظاهر من الأوراق ومع عدم المساس بأصل طلب الإلغاء عند الفصل فيه أن طلب وقف تنفيذ القرار يقوم على ركنين، الأول: قيام الإستعجال بأن كان يترتب على تنفيذ القرار نتائج يتعذر تداركها، والثانى: يتصل بمبدأ المشروعية بأن يكون إدعاء الطالب فى هذا الشأن قائما بحسب الظاهر على أسباب جدية وكلا الركنين من الحدود القانونية التى تحد سلطة القضاء الإدارى وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إنه فيما يتعلق بركن الجدية فلقد نصت المادة (52) من دستور جمهورية مصر على أن للمواطنين حق الهجرة الدائمة أو الموقوتة إلى الخارج، وينظم القانون هذا الحق وإجراءات وشروط الهجرة ومغادرة البلاد.
وتنص المادة (42) من قانون هيئة الشرطة الصادر بالقرار الجمهورى رقم 109 لسنة 1971 على أنه "يحظر على الضابط أن يفضى بمعلومات أو إيضاحات عن المسائل السرية أو التى ينبغى أن تظل سرية بطبيعتها أو بمقتضى تعليمات خاصة ويظل هذا الإلتزام قائما ولو بعد إنتهاء خدمة الضابط.
وإعمالا لهذه القواعد المقررة سواء بالنسبة لشروط الهجرة أو الحفاظ على المعلومات السرية لدى الضباط أوجبت تعليمات وزارة الداخلية بأن يكون سفر الضباط وإتصالاتهم بالسفارات الأجنبية عن طريق الإتصال بجهاز مباحث أمن الدولة وذلك حتى يوائم بين مصالحهم الخاصة وما يتفق مع مصلحة البلاد.
ولما كان قضاء هذه المحكمة جرى على أن حرية التنقل من مكان إلى آخر، ومن جهة إلى أخرى وكذا السفر خارج البلاد مبدأ أصيل للمواطن وحق دستورى مقرر له، لا يجوز المساس به دون مسوغ ولا الإنتقاص منه بغير مقتض ولا تقييده إلا لصالح المجتمع وحمايته وفى حدود التشريعات المنظمة لهذا الحق. إلا أنه من الأمور المسلمة أيضاً أنه بحكم ما للدولة من سيادة على رعاياها فإن لها مراقبة سلوكهم سواء داخل البلاد أو خارجها للتثبت من التزامهم الطريق السوى فى مسلكهم وللتعرف على مدى إدراكهم لمسئولياتهم الوطنية وما تفرضه عليهم مع الأخذ بأسباب النهج القويم فى تحركاتهم وتصرفاتهم وتجنب كل ما من شأنه أن يسئ إلى سمعة الوطن أو كرامته أو يؤثر بأى وجه فى علاقته بالدول الأخرى، وذلك كله حتى تتمكن سلطات الإختصاص فى الوقت الملائم من إتخاذ الإجراءات والإحتياطات الوقائية الكفيلة بمنع أى إنحراف قد يهدد كيان البلاد وأمنها الداخلى أو الخارجى أو يضر بمصالحها السياسية أو يمس سمعتها أو غير ذلك من الأسباب المتصلة برعاية الصالح العام.
ومن حيث إنه فى ضوء ذلك وإزاء عدم وجود تعارض بين الحق الشخصى الذى كفله الدستور للمواطن وتناولت القوانين تنظيمه وبين سيادة الدولة فى ممارسة قيود ورقابة على مواطنيها تحقيقا لصالح المجتمع وحمايته ارتأت وزارة الداخلية رفض الطلب الذى تقدم به المطعون ضده للإتصال بسفارات الدول الأجنبية للحصول على تأشيرة بالهجرة فى أيها، وكان مبعث هذا الرفض هو تحقيق الهدف السابق وهو أمر أناط القانون به إليها بإعتبارها الجهة المسئولة عن أمن الدولة فى الداخل، كما أن لها حق مراقبة مسلك مواطنيها فى الخارج دون أن يكون فى ذلك مساس بحرية الشخص أو الاعتداء على حق كفله الدستور طالما أن ذلك كان فى نطاق الإطار الذى نظمه القانون لممارسة هذا الحق.
ولما كان للقضاء الإدارى حق مراقبة مشروعية الحالة الواقعية والقانونية التى تكون ركن السبب فى القرار الإدارى إلا أن هذه الرقابة لصحة السبب لا تبلغ أقصى مدى فى كل الحالات إذ يوجد من الحالات مالا يتطلب فيها تقديم الدليل المادى على صحة السبب وذلك لإعتبارات تتعلق بحساسية الموضوع أو طبيعته الخاصة، وهنا يتعين حمل القرار على سببه الصحيح.
وإذ ذهب الحكم المطعون فيه غير هذا المذهب فإنه يكون قد جانب صحيح حكم القانون بما يتعين معه القضاء بإلغائه لانتفاء تحقيق ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار الطعين، وبالتالى إفتقاد الطلب لأحد ركنيه اللذين يتعين توافرهما معا حتى تتحقق الإستجابة له.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملا بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بالغاء الحكم المطعون فيه وبرفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزمت المطعون ضده المصروفات.