مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الثانى (من أول إبريل سنة 1996 إلى آخر سبتمبر سنة 1996) - صـ 1111

(124)
جلسة 18 من مايو سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعث نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ منصور حسن على عربى، وأبو بكر محمد رضوان، ومحمد أبو الوفا عبد المتعال، وغبريال جاد عبد الملاك نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4204 لسنة 39 القضائية

عاملون مدنيون - تأديب - قاعدة الشك يفسر لمصلحة المتهم.
وجوب الثبوت اليقينى لوقوع الفعل المؤثم من المتهم وان يقوم هذا الثبوت على أساس توافر أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة يقيناً فى ارتكاب المتهم للفعل المنسوب إليه - هو من المبادئ العامة الأساسية فى المسئولية العقابية سواء كانت جنائية أو تأديبية - لا يسوغ قانونا أن تقوم الإدانة تأسيسا على ادلة مشكوك فى صحتها أو فى دلالتها وإلا كانت تلك الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون مفرغة من ثبات اليقين - إن الأصل فى هذا الشأن طبقاً لصريح نص المادة (67) من الدستور البراءة ما لم يثبت إدانة المتهم فإذا شاب الشك وقوع الفعل أو نسبته إلى متهم معين تعين تفسير الشك لصالحه وظل أمره على الأصل الطبيعى وهو البراءة. تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 18/ 8/ 1993 أودع الاستاذ ........ المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن - قلم كتاب هذه المحكمة تقريراً بالطعن قيد برقم 4204 لسنة 39 ق. ع فى الحكم الصادر من المحكمة التأديبية لوزارة الصناعة بجلسة 27/ 2/ 1993 فى الطعن رقم 174/ 25 ق والذى قض بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاًُ.
وقد انتهى تقرير الطعن للأسباب الواردة به تفصيلاً إلى طلب الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار المطعون فيه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وبتاريخ 22/ 8/ 1993 تم إعلان الطعن للمطعون ضده.
وقد أودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى أنها ترى الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 172/ 91 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد تحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة جلسة 12/ 7/ 1995 وبجلسة 18/ 11/ 1995 قررت الدائرة إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الرابعة) وحددت لنظره جلسة 6/ 1/ 1996 وقد تدوول الطعن أمامها على النحو المبين بمحاضر الجلسات إلى أن قررت المحكمة حجز الطعن للحكم فيه بجلسة اليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات وبعد المداولة.
من حيث الشكل فإن الحكم المطعون فيه صدر بجلسة 27/ 2/ 1993 وتقدم الطاعن بطلب الإعفاء تحت رقم 96/ 39 ق. ع بتاريخ 24/ 4/ 1993وبجلسة 3/ 7/ 1993 تقرر التأجيل لجلسة 11/ 8/ 1993 وبذلك فإن الميعاد يكون قد قطع بهذا الطلب وإذ أقيم الطعن الماثل بتاريخ 18/ 8/ 1993 فإنه يكون قد أقيم فى الميعاد القانونى وإذ استوفى أوضاعه الشكلية الأخرى فإنه يتعين قبوله شكلاً.
ومن حيث إن عناصر هذه المنازعة تتحصل ـ حسبما يبين من الأوراق ـ فى أنه بتاريخ 17/ 7/ 1991 أقام الطاعن الطعن رقم 174/ 25 ق. بإيداع أوراقه قلم كتاب المحكمة التأديبية لوزارة الصناعة طالباً الحكم بقبوله شكلاً وفى الموضوع بإلغاء القرار رقم 172/ 91 فيما تضمنه من مجازاته بخصم خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقال شرحاً لطعنه إنه يعمل مدير إدارة بمصلحة الميكانيكا والكهرباء التابعة لوزارة الأشغال والموارد المائية وإنه استحق الحوافز عن المدة 1/ 1 حتى 31/ 3/ 1990 والجهود غير العادية عن شهر مارس سنة 1991 إلا أن مندوب الصرف السيد/ ...... اتفق مع زميله السيد/ ........ على تزوير توقيعه والاستيلاء على مستحقاته وفعلاً وقع الأخير مكانه واستوليا على مستحقاته ثم ساعدهما مدير عام الإدارة بأن جلبوا شهود زور قالوا إنه تسلم مستحقاته وامتنع عن التوقيع وقد تم ذلك للضغط عليه لتغيير شهادته التى أدت إلى إحالة رئيس المصلحة وبعض قياداتها إلى المحاكم التأديبية فى الدعوى رقم 118/ 32 ق، وأنه إعمالاً لنصوص المواد 79، 80، 81 من القانون رقم 127/ 81 بشأن المحاسبة الحكومية والمادة (36) من اللائحة المالية للميزانية والحسابات كان على مندوب الصرف توريد ما لم يتم صرفه من المستحق إلى إحدى الخزائن العامة أو البنك المركزى أو فروعه لا أن يقوم بتزوير توقيعه والاستيلاء على مستحقاته، فقد جامل الجميع رئيس المصلحة وصدر القرار المطعون فيه كما نقل إلى نجع حمادى وأنهى صحيفة طعنه بالمطالبة بإلغاء قرار الجزاء المشار إليه.
ومن حيث إنه بجلسة 27/ 2/ 1993 صدر الحكم المطعون فيه برفض الطعن وأقام قضاءه على أن الطاعن كان قد تقدم بشكوى تضمنت عدة مخالفات للمسئولين بمصلحة الميكانيكا وإلى مندوب الصرف/ ......... ومنها تزوير توقيعه والاستيلاء على مستحقاته من الحوافز عن الشهور يناير وفبراير ومارس 1990 والجهود غير العادية عن شهر مارس 1990 وأنه احتجز مائة جنيه من راتب المهندس/ ...... عن شهر ابريل 1990 وتزويره فاتورتين، وقد انتهت جهة الإدارة من تحقيق الشكوى إلى أن الطاعن حصل على مستحقاته وأن/ ...... اضطر للتوقيع مكانه فى استمارة الحوافز بعد استلامه المبلغ لأنه رفض التوقيع وتولت النيابة الإدارية التحقيق، وخلصت المحكمة إلى أن ما انتهت إليه الإدارة ثابت فى حقه بتحقيقات النيابة الإدارية وبشهادة/ ......... الموظفة بالشئون الإدارية بالإدارة المذكورة و/ ......... رئيس قسم شئون العاملين بها و/ ......... الذين أجمعوا على أن الطاعن امتنع عن التوقيع أو الذهاب لمندوب الصرف لاستلام مستحقاته مما حدا/ ..... بالتوقيع مكانه وتسلمه مستحقاته وأنه أيا كان الرأى بالنسبة لتوقيع/ ....... إلا أن الثابت أن الطاعن امتنع عن التوقيع رغم حصوله على مستحقاته وأن ذلك يشكل مخالفة تأديبية وبالتالى فإن قرار الجزاء يتفق وصحيح القانون.
ومن حيث إن مبنى الطعن فى الحكم المطعون فيه هو مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله كما شابه القصور فى الأسباب ذلك أن مندوب الصرف و/ ......... خالفا نصوص المواد 79، 80، 81 من القانون 127/ 81 بشأن المحاسبة الحكومية وأن مندوب الصرف يعلم أن/ ......... وقع مكانه وذلك باعترافه ورغم علمه أنه أبعد عن أعمال الصرافة لارتكابه عدة مخالفات وجرائم ثابتة فى حقه فقد سمح بتسليمه استمارة الصرف وكانت تلك الجرائم تحتم على مندوب الصرف عدم الثقة فيه لأنه لم يسلمه مستحقاته كما يدعى، أما الشهود التى أخذت المحكمة بشهادتهم فهم جميعاً على خلاف حاد مع الطاعن إذ أن مندوب الصرف/ ..... سلط شقيقه الضابط بالقوات المسلحة للاعتداء عليه بالضرب والسب وتم تحرير محضر بذلك برقم 3387/ 1990 شبرا الخيمة، كما أن الشاهد/ .......... فقد تقدم بشكوى كيدية ضده بأن الطاعن تعدى عليه وحكمت المحكمة فيها بإلغاء قرار الجزاء إذ لم يثبت تعديه، أما الشاهد/ ...... قد رفضت المحكمة شهادته فى الطعن رقم 173/ 25 ق المقام ضد الطاعن وأسست المحكمة حكمها على أن هناك خلافات شخصية بينه وبين الطاعن، أما الشاهد/ ........ فيكفى اعترافه بالتوقيع على الاستمارة مكان الطاعن وهو ما أشار إليه الحكم المطعون فيه، وأنه نظراً لشهادته ضد رئيس المصلحة والقيادات الأخرى والذين قدموا للمحاكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا فى الدعوى رقم 118/ 32 ق وأنه بناء على شهادته صدرت ضده جزاءات مشددة فإن جميع هؤلاء الشهود يريدون التقرب من الرئاسات، بالإضافة إلى استعراض تقرير الطعن لقواعد صرف الحوافز وتبين أن الكشوف بدلت بمعرفة/ ....... بعد إعدادها والتوقيع عليها وأرسلت لطنطا والمصلحة دون توقيعه ثم ابلغ بأنه استبعد منها وسلمت الاستمارات بعد الصرف مؤشراً عليها من مندوب الصرف بإقراره بأن كل مستحق حصل على مستحقاته ووقع أمامه بعد أن تأكد من شخصيتهم وهذا غير حقيقى وأنه علم بالصدفة فى 12/ 5/ 1990 أن اسمه مدرج بالاستمارات وأن توقيعه مزور فتقدم بالشكوى التى جلبت عليه الجزاء.
ومن حيث إنه من المبادئ العامة الأساسية فى المسئولية العقابية سواء أكانت جنائية أو تأديبية وجوب الثبوت اليقينى لوقوع الفعل المؤثم من المتهم وأن يقوم هذا الثبوت على أساس توافر أدلة كافية لتكوين عقيدة المحكمة يقيناً فى ارتكاب المتهم للفعل المنسوب إليه، ولا يسوغ قانوناً أن تقوم الإدانة تأسيساً على أدلة مشكوك فى صحتها أو فى دلالتها وإلا كانت تلك الإدانة مزعزعة الأساس متناقضة المضمون مفرغة من ثبات اليقين وما دام أن الأصل فى هذا الشأن طبقاً لصريح نص المادة (67) من الدستور البراءة ما لم يثبت إدانة المتهم فإذا شاب الشك وقوع الفعل أو نسبته إلى متهم معين تعين تفسير الشك لصالحه وظل أمره على الأصل الطبيعى وهو البراءة.
ومن حيث إن الثابت من الأوراق وقرائن الأحوال المتمثلة فى مسلسل القضايا القائمة بين الطاعن وبعض قيادات المصلحة والتى بدأت بشهادته ضد رئيس المصلحة وبعض المديرين بها وقد أحيلوا للمحاكمة التأديبية لمستوى الإدارة العليا والتى قضت بمجازاتهم لثبوت العديد من المخالفات والتى كانت شهادة الطاعن عاملاً أساسيا فى ذلك، ثم صدرت ضد الطاعن عدة قرارات بالجزاء والنقل إلى نجع حمادى مما اضطره إلى أن يلجا شاكياً لوزير الأشغال فى الصحف ثم محاولات اتهامه بالاعتداء على زملائه ومجازاته لجأ بسببها إلى المحكمة التأديبية لوزارة الصناعة طاعناً فيها فى الطعن رقم 173/ 25 ق وقد انتهت المحكمة إلى إلغاء الجزاء لعدم اطمئنانها لشهادة/ ....... مدير عام الإدارة العامة للمعامل الهندسية بالوجه البحرى لوجود خلافات بينه والطاعن كما طرحت تهمة تقدمه بشكاوى ضد رئيس المصلحة وبعض القيادات لأن هذا من حقه وألغت الجزاء، وفى الطعن رقم 193/ 25 ق ثبت لدى المحكمة أن أقوال الشهود فى هذه الشكوى غير صحيحة واستبعدت شهاداتهم لعدم الاطمئنان لها وألغت القرار، كما أرسلت هيئة الرقابة الإدارية إلى السيد وزير الاشغال تقريراً يثبت كل المخالفات الجسيمة التى ابلغ عنها الطاعن ضد رئيس المصلحة ومدير المعامل الهندسية مما أدى إلى محاصرة الطاعن ومضايقته وتلفيق الاتهام له إلى أن وصل الأمر إلى تزوير توقيعه علناً بمعرفة/ ........ و/ ........ مندوب الصرف، أما حصوله على مستحقاته فإن ذلك لا يتفق وظروف الأحوال المشار إليها وأن لا دليل على ذلك سوى شهادة الشهود التى لا تطمئن المحكمة التأديبية لها.
ومن حيث إن إدانة الطاعن بنيت على شهود مشكوك فى صدقهم لوجود خصومات بينهم وبين الطاعن بل الهدف منها التقرب من الرئاسات وهذا مؤكد من ظروف الأحوال المحاطة بالوقائع وبذلك تسرب الشك والاحتمال إلى شهادتهم وبالتالى لا يمكن الاستناد إلى ذلك فى إدانة الطاعن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه قد استخلص النتيجة التى انتهى إليها من دليل مشكوك فى صحته الأمر الذى يتعين معه الحكم بإلغائه وإلغاء القرار رقم 172/ 91 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة أيام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلغاء القرار رقم 172/ 1991 فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة ايام من راتبه مع ما يترتب على ذلك من آثار..