مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة عشر (من أول أكتوبر سنة 1972 إلى آخر سبتمبر سنة 1973) - صـ 68

(39)
جلسة 3 من مارس سنة 1973

برئاسة السيد الأستاذ المستشار يوسف إبراهيم الشناوي - رئيس المحكمة وعضوية السادة الأساتذة: محمد صلاح الدين السعيد وأبو بكر محمد عطية وعبد الفتاح صالح الدهرى ومحمود طلعت الغزالي - المستشارين.

القضية رقم 663 لسنة 13 القضائية

مصادرة "تعويض" القانون رقم 9 لسنة 1959 بشأن الاستيراد - نصه في المادة الأولى على حظر استيراد السلع من خارج الجمهورية قبل الحصول على ترخيص في الاستيراد من وزارة الاقتصاد وفي المادة السابعة على عقوبة المصادرة كإحدى العقوبات المنصوص عليها فيها - استيراد المدعي لنوع من الجرارات الزراعية غير النوع المرخص له باستيراده يعد إخلالاً بالترخيص الصادر له يترتب عليه اعتبار الجرارات التي استوردها قد استوردت بدون ترخيص - مصادرة هذه الجرارات تمت كجزء على استيرادها بدون ترخيص - الأمر بالتعويض المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون المذكور إنما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها فيها من القضاء الإداري - بيان ذلك.
من حيث إنه طبقاً لما تقضي به المادة الأولى من القانون رقم 9 لسنة 1959 بشأن الاستيراد "يحظر استيراد السلع من خارج الجمهورية قبل الحصول على ترخيص في الاستيراد من وزارة الاقتصاد".
ومن حيث إن المدعي لا ينازع في أن ترخيص الاستيراد موضوع هذه الدعوى قد صدر بالترخيص له في استيراد جرارات D 7 وأنه قد استبدل بالجرارات المرخص له في استيرادها جرارات أخرى هي جرارات سام كما أنه لا ينازع في أن طلب تعديل الترخيص الذي تقدم به إلى وزارة الاقتصاد طالباً الموافقة على أن يستبدل بالجرارات المرخص له في استيرادها جرارات سام قد رفض، ولكنه يذهب إلى أنه لا يجوز في خصوص الدعوى الماثلة مصادرة الجرارات التي استوردها لأن عقوبة المصادرة وهي إحدى العقوبات المنصوص عليها في المادة السابعة من القانون رقم 9 لسنة 1959 بشأن الاستيراد كجزاء لمخالفة حكم المادة الأولى من القانون المذكور التي تستلزم لاستيراد بضائع من خارج الجمهورية الحصول على ترخيص بذلك من وزارة الاقتصاد لا يجوز توقيعها إلا في حالة عدم وجود ترخيص بالاستيراد هو أمر غير محقق في المنازعة الراهنة ذلك أن المدعى حصل على ترخيص باستيراد جرارات زراعية واستورد بالفعل جرارات زراعية وكل ما في الأمر أن الجرارات التي استوردها مغايرة في ماركتها للجرارات التي رخص له في استيرادها ومع التسليم الجدلي بأنها مغايرة في نوعها وليس في ماركتها فإن هذه المغايرة بدورها لا تجيز المصادرة لأن المصادرة لا تجوز إلا في حالة استيراد بضائع بدون ترخيص وليس الحال كذلك في المنازعة الراهنة.
ومن حيث إنه لا مقنع فيما يذهب إليه المدعى ذلك أن الترخيص الذي صدر له لم يكن باستيراد جرارات زراعية بصفة عامة مطلقة وإنما باستيراد نوع معين من الجرارات الزراعية له مواصفاته الخاصة ومعروف بكفاءته وبتوفر قطع الغيار اللازمة له، ولا شك أن اشتمال تراخيص الاستيراد على مواصفات محددة لنوع البضائع التي تستورد وتقييده عملية الاستيراد بشروط معينة ليس عبثاً وإنما هي ضوابط ترد على الترخيص يتعين أن يتقيد بها المرخص له فإذا خالفها كلها أو بعضها عدا ذلك إخلالاً منه بالترخيص يترتب عليه اعتبار البضاعة المستوردة على خلاف هذه المواصفات والشروط في مجال الأصل فيه الحظر وليس الإباحة أنها استوردت بدون ترخيص.
ومن حيث إنه طبقاً لما تقدم يكون استيراد المدعي لنوع من الجرارات الزراعية غير النوع المرخص له باستيراده إخلالاً بالترخيص الصادر له يترتب عليه اعتبار الجرارات التي استوردها قد استوردت بدون ترخيص ولا حاجة فيما يذهب إليه المدعي من أن الجرارات التي استوردها ليست من السلع المحظور استيرادها ذلك أن مصادرة هذه الجرارات تمت كجزاء على استيرادها بدون ترخيص إعمالاً لحكم المادتين الأولى والسابعة من القانون رقم 9 لسنة 1959 وليس لأنها من السلع المحظور استيرادها.
ومن حيث إن المدعي يذهب إلى أن مصادرة الجرارات التي استوردها قد تمت بناء على قرار من وزارة الزراعة وهي لا تملك ذلك كما أنها لا تملك حظر استيراد بضائع معينة وإذا كانت هناك ثمة قواعد إدارية قد وضعت وخولتها هذا الحق فإنها تكون مخالفة للقانون.
ومن حيث إنه يبين من الاطلاع على الأوراق أن اللجنة المشتركة للاستيراد قد وضعت في جلستها المنعقدة بتاريخ 20 من سبتمبر سنة 1961 تنفيذاً لما وافق عليه وزير الاقتصاد في 27 من أغسطس سنة 1961 من ضرورة تصفية التراخيص القديمة التي بيد الأفراد بوضع قواعد تنظيمية لإتباعها في حالات تعديل التراخيص تكفل التقليل ما أمكن من مصادرة البضائع المستوردة مخالفة لتراخيص الاستيراد وكان من تلك القواعد: (1) جواز تعديل التراخيص فيما يتعلق بالصنف طالما أن البضاعة لم ترد قبل التقدم بطلب التعديل بعد أخذ موافقة القطاع المختص (2) جواز التعديل في حالة ورود الصنف مخالفاً لمشمول الترخيص بشروط أن يكون هذا الصنف مما يستعمل في الغرض الذي يستعمل فيه الصنف المرخص به أصلا بعد أخذ موافقة القطاع المختص على التعديل المطلوب وقد وافق وزير الاقتصاد على هذه القواعد في 27 من سبتمبر سنة 1961 والتزامها وزارة الاقتصاد هذه القواعد في حق المدعي عندما تقدم إليها بطلب تعديل ترخيص الاستيراد الصادر له باستبدال جرارات سام بجرارات D 7 المرخص له باستيرادها فطلبت رأي وزارة الزراعة في هذا الطلب بوصفها القطاع المختص بالجرارات الزراعية فلما أفادت وزارة الزراعة بعدم موافقتها على طلب التعديل لأسباب أوضحتها منها أن الجرارات قوة 42 حصاناً يجرى صنعها محلياً وأن الجرارات ماركة سام لم يسبق استيرادها أو استخدامها في البلاد فضلاً عن أنها غير مصحوبة بقطع الغيار اللازمة رأت وزارة الاقتصاد أنه لا وجه لتعديل ترخيص الاستيراد الصادر للمدعي ومن ثم طبقت عليه القانون وصادرت الجرارات التي استوردها مخالفة لترخيص الاستيراد.
ومن حيث إنه يبين مما تقدم أنه ليس صحيحاً ما يذهب إليه المدعي من أن مصادرة الجرارات التي استوردها قد تمت بناء على قرار من وزارة الزراعة ذلك أن المصادرة تمت بناء على قرار من وزير الاقتصاد وقد كان دور وزارة الزراعة باعتبارها القطاع المختص مقصوراً على ابداء الرأي في الموافقة على طلب المدعي تعديل ترخيص الاستيراد الصادر له باستبدال جرارات سام بجرارات D 7 المرخص له في استيرادها كما أنه ليس صحيحاً أن وزارة الزراعة حظرت استيراد بضائع معينة وكل ما في الأمر أنها أبدت الرأي من الناحية الفنية بمناسبة طلب المدعي الموافقة على استيراد نوع معين من الجرارات في ملاءمة الموافقة على هذا الطلب فرأت عدم ملاءمة هذه الموافقة.
ومن حيث إنه لا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن القواعد الخاصة بنظام الاستيراد يصدر بها سنوياً قرار من وزير الاقتصاد وأن قراري وزير الاقتصاد الصادرين بتنظيم الاستيراد في عامي 1961، 1962 وهما العامان اللذان تم خلالهما شحن الجرارات التي استوردها المدعي وتقدمه بطلب تعديل الترخيص - لم يرد في أيهما شرط موافقة القطاع المختص في حالة طلب تعديل الترخيص ومن ثم فإن قرار المصادرة المستند إلى رأي وزارة الزراعة الذي أبدته تنفيذاً للقواعد التي وضعتها اللجنة المشتركة للاستيراد لا يكون قراراً مشروعاً لا حجة فيما يذهب إليه المدعي في هذا الصدد ذلك أنه فضلاً عن أن القواعد التي وضعتها اللجنة المشتركة للاستيراد قد اعتمدت من السيد وزير الاقتصاد فهي في قوة القرارات الصادرة بتنظيم الاستيراد فإن رجوع وزارة الاقتصاد إلى أي قطاع مختص لاستطلاع رأيه من الناحية الفنية في شأن الموافقة على استيراد بضائع معينة أمر يتصل بأسلوب عمل الوزارة ولا تثريب عليها إذ هي استعانت بمن ترى ملاءمة استطلاع رأيه من الناحية الفنية قبل أن تصدر قراراً بالموافقة على استيراد بضائع معينة دون حاجة إلى أي نص أو إلى أي قواعد تنظم هذا الاتصال كما لا حجة فيما يذهب إليه المدعي من أن التفرقة بين الجرارات التي صادرتها وزارة الاقتصاد وبين الجرارين اللذين وافقت على تعديل الترخيص بالنسبة لهما والإفراج عنهما غير مفهومة وتتسم بالتناقض ذلك أن الموافقة على تعديل الترخيص بالنسبة إلى الجرارين قوة 62 حصاناً وقوة 21 حصاناً كان بقصد إجراء التجارب عليهما لتبين مدى صلاحيتهما للنظر في إمكان استيرادهما مستقبلا أما عدم موافقتها على تعديل الترخيص بالنسبة إلى باقي الجرارات قوة 42 حصاناً فقد كان مرده إلى أن هذه الجرارات يجرى تصنيعها محلياً فلا مبرر لاستيرادها وبالتالي فلا محل لتجربتها فالتفرقة بين الجرارات التي صودرت وبين الجرارين اللذين أفرج عنهما قائمة وليس هناك أى تناقض في تصرف الوزارة بالنسبة إلى كل منها وعلى ذلك لا مقنع فيما يذهب إليه المدعي من أن الإفراج عن جرارين من الجرارات المستوردة يضفى صفة المشروعية على استيراد باقي الجرارات وقد استوردت بدون ترخيص.
ومن حيث إنه بالنسبة إلى طلب المدعي الاحتياطي تعويضه في حدود الثمن الذي بيعت به الجرارات المصادرة تطبيقاً لما تقضي به الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 التي تنص على انه "يجوز لوزير الاقتصاد إذا ثبت حسن نية المستورد وكانت السلع قد تم التصرف فيها تنفيذاً للمصادرة أن يأمر بتعويضه بما لا يجاوز الثمن الذي بيعت به السلع المصادرة أو على تكاليف استيرادها أيهما أقل" بمقولة أنه كان حسن النية حين استورد الجرارات المصادرة وكان يتعين على وزارة الاقتصاد بعد أن رفضت طلبه تعديل الترخيص وصادرت الجرارات المستوردة أن تعمل في شأنه حكم الفقرة المشار إليها فمردود بما سبق أن قضت به هذه المحكمة من أن نص الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة من القانون رقم 9 لسنة 1959 سالفة الذكر قد جعل الأمر بالتعويض جوازياً للوزير المختص واعتبر أن ثبوت حسن نية المستورد - على أن فرض تحققه في المدعي هو مجرد عنصر يتعين توفره بداءة قبل استخدام الرخصة في التعويض وليس العنصر الوحيد الذي بتحققه ويستمد المستورد حقا في التعويض مباشرة من القانون ومتى كان الوضع كذلك فإن الأمر بالتعويض المنصوص عليه في الفقرة الأخيرة من المادة العاشرة سالفة الذكر إنما يدخل في نطاق الملاءمة التقديرية التي تملكها الإدارة بغير معقب عليها فيها من القضاء الإداري الذي ليس له الحلول محلها فيما هو داخل في صميم اختصاصها وتقديرها ولا يحق له بالتبعية مراجعتها في وزنها لمناسبات قرارها وملاءمة إصداره.