مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الواحدة والأربعون - الجزء الثانى (من أول إبريل سنة 1996 إلى آخر سبتمبر سنة 1996) - صـ 1171

(130)
جلسة 1 من يونيو سنة 1996

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الاساتذة/ منصور حسن على عربى، وأبو بكر محمد رضوان، وعبد القادر هاشم النشار، وغبريال جاد عبد الملاك نواب رئيس مجلس الدولة

الطعن رقم 4479 لسنة 39 القضائية

عاملون مدنيون - تأديب - ضمانات المحاكمة التأديبية - حق الدفاع
أن حق الدفاع يتفرع منه مبادئ عامة فى أصول التحقيقات والمحاكمات التأديبية ومن بينها حتمية مواجهة المتهم بما هو منسوب إليه وسماع دفاعه وتحقيقه ويعتبر ذلك من الأسس الجوهرية للتحقيق القانونى حيث يجب إحاطة العمل بحقيقة المخالفة المنسوبة إليه واحاطته أيضا بمختلف الأدلة التى يقوم عليها الاتهام وذلك حتى يستطيع الدفاع عن نفسه فيما هو منسوب إليه، فإذا استوفى التحقيق تلك الأمور فقد استوفى شرائط صحته وإلا اعتوره القصور بما لا يجوز أن تعتبر أساسا لمسؤولية العامل - تطبيق.


إجراءات الطعن

بتاريخ 8/ 9/ 1993 (الأربعاء) أودع الأستاذ/ ...... المحامى نيابة عن الأستاذ/ ......... المحامى بصفته وكيلاً عن الطاعن، قلم كتاب المحكمة، تقرير الطعن الراهن، فى حكم المحكمة التأديبية بطنطا الصادر فى الدعوى رقم 572 لسنة 19 ق بجلسة 11/ 7/ 1993 والمتضمن مجازاته بخصم خمسة عشر يوماً من أجرة.
وطلب الطاعن فى ختام تقرير الطعن وللأسباب المبينة به قبول الطعن شكلاً، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً ببراءة الطاعن من الاتهامات المنسوبة إليه.
وبتاريخ 16/ 9/ 1993 تم إعلان تقرير الطعن إلى النيابة الإدارية فى مقرها.
وقد أعدت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يوماً من أجره، مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وتم نظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة وأمامها قدمت هيئة النيابة الإدارية بجلسة 13/ 12/ 1995 مذكرة طلبت فيها الحكم برفض الطعن.
وبجلسة 14/ 1/ 1996 قررت دائرة فحص الطعون إحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا "الدائرة الرابعة" وحددت لنظره جلسة 17/ 12/ 1996.
وتم تداول الطعن أمام المحكمة على النحو الوارد بمحاضر الجلسات حتى تقرر إصدار الحكم بجلسته لليوم، وفيها صدر وأودعت مسودته مشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات، وبعد المداوله قانونا.
من حيث إن الطعن أقيم خلال المواعيد القانونية، واستوفى سائر أوضاعه الشكلية الأخرى فمن ثم يكون مقبولا شكلا.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل فى أنه بتاريخ 4/ 7/ 1991 أقامت النيابة الادارية الدعوى التأديبية الصادر فيها الحكم المطعون فيه، وذلك بايداع أوراقها قلم كتاب المحكمة التأديبية بطنطا مشتملة على اتهام فيها ضد كل من:
(1)........... رئيس خدمات معاونة بمجلس مدينة شبين الكوم من الدرجة الرابعة.
(2)........... فنى بمجلس مدينة شبين الكوم من الدرجة الثالثة.
(3)........... فنى بمجلس شبين الكوم من الدرجة الرابعة.
(4)........... مهندس تنظيم بمجلس مدينة شبين الكوم من الدرجة الثانية.
(5)............مهندس بالإدارة الزراعية بشبين الكوم من الدرجة الثانية.
لأنهم خلال عام 1990 خرجوا على مقتضى الواجب الوظيفى ولم يؤدوا العمل المنوط بهم بدقة وأمانة وخالفوا الأحكام المالية بما من شأنه المساس بمصلحة مالية وسلكوا سلوكاً لا يتفق والاحترام الواجب بأن: -
الأول:
(1) حصل من المواطن/ ......... على مبلغ 88 جنيهاًَ بزعم استخراج ترخيص إشغال طريق دون أن يكون مختصاً بذلك واستولى على المبلغ لنفسه دون وجه حق ودون على الطلب ما يفيد توريد المبلغ للخزانة خلافاً للحقيقة.
(2) أضاف على الشهادة السابق تحريرها بمعرفته للمواطن/ ....... بعد اعتمادها من مدير التنظيم أن منزل المذكور مقام قبل عام 1985 مع كونه وارداً بجرد 1986 ربط 1987 بكشف الضرائب العقارية بقصد إعفاء صاحب الشأن من سداد مبلغ 20 جنيه رسوم خدمات وإعفائه من تحرير محضر أو الحصول على ترخيص.
(3) حصل من المواطن........ على مبلغ 100 جنيه بزعم استخراج ترخيص تسوير لمبنى المواطن المذكور دون أن يكون مختصاً بذلك واستولى على المبلغ لنفسه بعد أن أثبت على خلاف الحقيقة على الطلب المقدم من المواطن ما يفيد توريد المبلغ لخزانة المصلحة.
(4) حرر شهادة أثبت بها على خلاف الحقيقة أن منزل/ ........... له ترخيص بناء برقم 366/ 89/ 1990 مع كون الرخصة تخص السيدة/ ......... بقصد توصيل المرافق لمنزل المذكور دون وجه حق.
(5) حصل من/ .......... على مبلغ 95 جنيهاً بزعم استخراج رخصة بناء لمنزله واستولى على المبلغ لنفسه دون وجه حق.
(6) حرر خطاباً للهيئة القومية للتأمينات الاجتماعية ضمنه خلافاً للحقيقة أن هناك لجنة شكلت لتقرير تكاليف الانشاءات التى تمت بمنزل/ .......... وأن قيمة هذه التكاليف 8500 جنية بقصد إعفاء صاحب الترخيص من الرسوم المستحقة على قيمة التكاليف الفعلية التى بلغت 27540 جنيه.،
الثاني:
اشتراك مع الأول فى إضافة بيانات مخالفة للحقيقة فى الشهادة الممنوحة للمواطن/ ......... بأن أضافا أن منزل المذكور مقام قبل عام 1985 بعد سابقة اعتماده من الفنى الآخر والمهندس المشرف على أعمالهم.
الثانى والثالث:
اشتركا مع الأول فى إثبات بيانات مخالفة للحقيقة فى الشهادة المحررة للمواطن/ ........... التى تفيد بأن له ترخيص بناء برقم 366/ 89/ 1990 مع كون هذه الرخصة تخص........ بغرض تمكينه من توصيل المرافق للمنزل.
الرابع (الطاعن):
(1) أهمل الإشراف على الأول والثانى والثالث مما مكنهم من ارتكاب المخالفات الثابتة قبلهم.
(2) لم يراع الدقة عند مراجعة البيانات فى الشهادة التى قام بتحريرها كل من/ ..... و/ ..... مما ترتب عليه تمكين المذكورين من تضمين الشهادات بيانات مخالفة للحقيقة.
الخامس:
قام بدفع مبلغ 95 جنيه للمخالف الأول بقصد استخراج شهادة متضمنة بيانات مخالفة للحقيقة بغرض تسهيل المرافق لمنزله دون وجه حق واستعمال الشهادة المذكورة بتقديمها إلى الجهات المختصة لتوصيل المرافق إلى منزله دون وجه حق.
وطلبت النيابة الإدارية مجازاة المحالين عما نسب إليهم.
وبجلسة 11/ 7/ 1993 صدر الحكم المطعون فيه قاضياً بمجازاة........ و......... بخفض الأجر بمقدار علاوة، وبمجازاة....... بخصم شهر من أجره، وبمجازاة........ و...... (الطاعن) بخصم خمسة عشر يوماً من أجر كل منهما، ومجازاة........ بخصم يومين من أجره.
وقد أقام الحكم المطعون فيه قضاءه بمجازاة الطاعن استناداً إلى أن المحالين الأول والثانى والثالث قد تردوا فى ارتكاب المخالفات المنسوبة إليهم وبحسبان أن المحال الرابع ( الطاعن) بوصفه مهندس تنظيم بمجلس مدينة شبين الكوم منوط به الإشراف على المذكورين ومراجعة أعمالهم ومن بينها الشهادات المشار إليها، فتكون المخالفتان المنسوبتان ثابتتين فى حقه إذ لو كان قد اضطلع بواجباته الوظيفية كما ينبغى لحال دون ارتكاب المحالين المذكورين للمخالفات المنسوبة لهم ولأمكنه اكتشافها فى حينه الأمر الذى لم يحدث.
ومن حيث إن مبنى الطعن أن الحكم المطعون فيه خالف صحيح الواقع والقانون لما يلي: -
(1) بطلان الحكم المطعون فيه لابتنائه على قرار إحالة باطل لعدم صدور قرار من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات بتقديم المحالين للمحكمة التأديبية وفقاً لنص المادة 13 من قانون النيابة الإدارية رقم 117 لسنة 1958 وقد باشرت النيابة التحقيق دون صدور مثل هذا القرار.
(2) الفساد فى الاستدلال ذلك أن ما نسب إلى المحالين الأول والثانى من مخالفات مالية تتمثل فى حصول الاول على مبالغ مالية دون وجه حق برغم استخراج تراخيص دون أن يكون مختص، فهى أعمال لا تدخل فى اختصاصه حتى يمكن اتهام الطاعن بالإهمال فى الإشراف عليها خاصة أن حصول المذكور على تلك المبالغ لم تكن فى محل العمل بل كانت بعيدة عنه وعن رقابة الطاعن وإشرافه لذات السبب كما أن المخالفة الثانية المنسوبة للطاعن بعدم مراعاته الدقة عند مراجعته الشهادة التى قام بتحريرها المحالون الثلاثة الأول وضمنوها بيانات غير حقيقية فإن قرار الإحالة ذاته اثبت أن التغيير الذى حدث فى تلك الشهادة بإضافة البيانات غير الحقيقية قد تم بعد اعتمادها من مدير التنظيم وهو الطاعن مما يعنى أن الطاعن قام بواجبه وأن التغيير تم بعد ذلك، فضلاً عن أن الطاعن هو الذى أبلغ عن الإضافات بتلك الشهادات وذلك بعد اكتشافه لما لحق بتلك الشهادات من مخالفات.
(3) الإخلال بحق الدفاع إذ لم تقدم النيابة الإدارية الشهادات المشار إليها حتى يمكن للمحالين الاطلاع عليها وإبداء دفاعهم بشأنها.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من الطاعن فإن ما ورد بنص المادة (13) من القانون رقم 117 لسنة 1958 بإعادة تنظيم النيابة الإدارية، إنما ورد فى مجال الرقابة القانونية على القرارات الصادرة من الجهات الإدارية بتوقيع جزاءات فى المخالفات المالية بأن أعطى لرئيس الجهاز المركزى للمحاسبات أن يعترض على تلك القرارات وبطلب تقديم العامل للمحاكمة التأديبية وفى هذه الحال يكون على النيابة الإدارية مباشرة الدعوى التأديبية بتقديم العامل إلى المحاكمة التأديبية، إلا أن هذا النص لا يضع قيداً على السلطة النيابية الإدارية بوجوب الحصول على إذن أو موافقة قرار من رئيس الجهاز المركزى للمحاسبات فى ممارسة سلطتها فى التحقيق مع العاملين أو إحالتهم إلى المحاكمة التأديبية تلك السلطة المخولة لها بموجب قانون تنظيم النيابة الادارية سالف الذكر فى المادة 3، 4 اللتين تقرران اختصاص النيابة الإدارية بإجراء التحقيق فى المخالفات الإدارية والمالية ومباشرة الدعوى التأديبية أمام المحاكم التأديبية.
ومن حيث إن الثابت فى الحالة المعروضة أن النيابة الإدارية قد تولت التحقيق فى الاتهامات المنسوبة للمحالين وذلك بالقضية رقم 98 لسنة 1991 بشبين الكوم ثان (سجل عام 326 لسنة 1991 د. طنطا) وانتهت بإعداد تقرير الاتهام الذى أودعته النيابة الإدارية قلم كتاب المحكمة التأديبية وأقامت به الدعوى التأديبية الصادر فيها الحكم المطعون فيه، فمن ثم يكون الإحالة وإقامة الدعوى التأديبية قد تمت وفقاً لصحيح حكم القانون ويغدو هذا الوجه من الطعن غير مستند على أساس صحيح من القانون مستوجباً طرحه.
ومن حيث إنه عن أوجه الطعن الأخرى، فإن المستقر عليه أن حق الدفاع يتفرع منه مبادئ عامة فى أصول التحقيقات والمحاكمات التأديبية ومن بينها حتمية مواجهة المتهم بما هو منسوب إليه وسماع دفاعه وتحقيقه ويعتبر ذلك من الأسس الجوهرية للتحقيق القانونى حيث يجب إحاطة العامل بحقيقة المخالفة المنسوبة إليه وإحاطته أيضاً بمختلف الأدلة التى يقوم عليها الاتهام وذلك حتى يستطيع الدفاع عن نفسه فيما هو منسوب إليه فإذا استوفى التحقيق تلك الأمور فقد استوفى شرائط صحته وإلا اعتوره القصور بما لا يجوز أن يعتبر أساساً لمسئولية العامل.
ومن حيث أنه بالاطلاع على التحقيق الذى أجرته النيابة الإدارية يبين أن الطاعن سئل فقط عن واقعة اعتماده للشهادة الصادرة من الإدارة الهندسية للمواطن/ .... والتى ورد بها أن المنزل المذكور رخص له برقم 366/ 89/ 1990 بالمخالفة للحقيقة حيث إن هذه الرخصة تخص المواطنة/ ....... وقد أقر الطاعن بالتوثيق على تلك الشهادة بعد توقيع كل من الفني/ .......... و(المحال الثاني) وهما المختصين بالمعاينة والاطلاع على السجلات وأن توقيعه يعد اعتماداً لما سطره المذكوران وبمواجهته بما هو منسوب إليه فى هذا الشأن ذكر أنه لم يكن يتصور أن البيانات التى تضمنتها الشهادة المذكورة غير صحيحة، وأورى أنه سيراعى الدقة بعد ذلك فى مراجعة الكتب التى تعرض عليه فيما بعد.
ومن حيث إن الطاعن يشغل وظيفة مهندس تنظيم وبالتالى يكون مسئولاً عن صحة البيانات الفنية الواردة بتلك الشهادة أما قوله بأن توقيعه يعد اعتماداً لما سطره محرر الشهادة والفنى المختص فهو لا يعفيه من المسئولية لأن توقيعه لا يعتبر اعتماداً إدارياً كما يزعم إذ الثابت من الاطلاع على التحقيق وصورة الشهادة الكربونية الموقعة من الطاعن ومحررها والفنى المختص، أن تلك الشهادة معتمدة إداريا من مدير التنظيم ........ عن رئيس مجلس المدينة، ومن ثم يكون توقيع الطاعن على تلك الشهادة لا يعد اعتماداً وبالتالى يكون مسئولاً عما ورد بها من بيانات، ويكون ما نسب إليه فى هذا الشأن إنما يشكل فى حقه مخالفة إدارية تستوجب المجازاة عنها.
ومن حيث إنه عدا ما نسب إلى الطاعن بشأن توقيعه على الشهادة الصادرة للمواطن/ ........ سالفة الذكر، فإن الثابت من الاطلاع على التحقيق أنه قد خلا تماماً من مواجهة الطاعن بشأن باقى المخالفات المنسوبة إليه أو حتى إحاطته علماً بها أو أخذ أقواله بشأنها، وبالتالى فلم يبد دفاعه بشأنها ومن ثم فلا يجوز الاستناد إلى ذلك التحقيق لإدانة الطاعن عن تلك المخالفات التى لم يواجه بها، ويكون الحكم المطعون فيه إذ اتنه إلى مسئولية الطاعن عنها، قد صدر على غير أساس صحيح من القانون، ويتعين لذلك القضاء ببراءة الطاعن بشأنها.
ومن حيث إنه وقد تبين مسئولية الطاعن عن واقعة واحدة وهى التوقيع على الشهادة الصادرة عن منزل/ ......... وعدم صحة مجازاته عن باقى المخالفات، فإن الجزاء الموقع عليه يكون غير قائم على كامل سببه لعدم قيامه على كل أشطاره، بما يجعل الجزاء مستوجباً التعديل ليتناسب مع الثابت فى حق الطاعن صدقاً وعدلاً.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من مجازاة الطاعن بخصم خمسة عشر يوما من أجره، القضاء بمجازاته بخصم خمسة أيام من أجره.