مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الثانى (من أول مارس سنة 1998 إلى آخر سبتمبر سنة 1998) - صــ 1657

(180)
جلسة 30 من أغسطس سنة 1998

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ محمد يسرى زين العابدين نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة المستشارين/ أحمد شمس الدين عبد الحليم خفاجى، وفتحى محمد محمد عبد الله، ومصطفى عبد المنعم صالح، ود. عبد الله ابراهيم فرج ناصف نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 3494 لسنة 42 قضائية عليا

تأديب - ضمانات التحقيق - حق الدفاع - عدم إبداء المتهم دفاعه - حكمه.
امتناع المتهم عن الحضور للتحقيق أو سكوته عن إبداء دفاعه فى المخالفة المنسوبة إليه فى التحقيق لا يشكل بذاته مخالفة إدارية أو ذنبا إداريا مستوجبا للمسؤولية التأديبية أو العقاب التأديبى - المتهم فى هذه الحالة يكون قد فوَّت على نفسه فرصة إبداء أوجه دفاعه فى المخالفة المنسوبة إليه فى التحقيق وعليه تقع تبعة ذلك.
لا محل لإجبار المتهم على الإدلاء بأقواله فى التحقيق وتهديده بالجزاء التأديبى الذى سيوقع عليه فى حالة امتناعه أو سكوته فهو وشأنه فى تخير موقفه الدفاعى إزاء الاتهام المسند إليه - المقرر وفق الأصول العامة أنه لا يسوغ إكراه متهم على الإدلاء بأقواله فى التحقيق بأى وسيلة من وسائل الاكراه المادى أو المعنوى - تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأحد الموافق 21/ 4/ 1996 أودع الدكتور ......... المحامى بصفته نائبا عن الدكتور ......... المحامى الوكيل عن الطاعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا تقريرا بالطعن قيد بجدولها تحت رقم 3494 لسنة 42 ق. عليا فى قرار مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس بجامعة أسيوط الصادر فى الدعوى رقم 1 لسنة 1994 بجلسة 11/ 3/ 1996 والقاضى بمجازاة الطاعن أستاذ الطب الشرعى والسموم بكلية الطب جامعة أسيوط بعقوبة اللوم مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وطلب الطاعن فى ختام طعنه - للأسباب الواردة به - الحكم أولا وبصفة مستعجلة بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه. ثانياً: وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وببراءة الطاعن مما أدين به مع ما يترتب على ذلك من آثار.
وقد تم إعلان الطعن للمطعون ضده قانونا على الوجه الموضح بالأوراق.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريرا مسببا بالرأى القانونى فى الطعن ارتأت فى ختامه الحكم بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم (القرار) المطعون فيه وببراءة الطاعن مما نسب إليه مع ما يترتب على ذلك من آثار.
ونظرت دائرة فحص الطعون بالدائرة الرابعة الطعن بجلسة 23/ 4/ 1997 ثم تدوول أمامها بالجلسات على النحو الموضح بمحاضرها حيث قدم الحاضر عن الطاعن حافظة مستندات وقدم الحاضر عن المطعون ضده حافظتى مستندات ومذكرة إلى أن قررت الدائرة بجلسة 22/ 10/ 97 إحالة الطعن إلى (الدائرة الخامسة - فحص) بالمحكمة الإدارية العليا للاختصاص. ونظرت هذه الدائرة الطعن بجلسة 14/ 4/ 1998 وبجلسة 26/ 5/ 1998 قررت الدائرة إحالة الطعن للمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الخامسة - موضوع) وحددت لنظره جلسة 12/ 7/ 1998. ونظرت هذه الدائرة الطعن بالجلسة المذكورة حيث قدم الحاضر عن المطعون ضده مذكرة ثانية بالدفاع وفيها قررت المحكمة حجز الطعن للحكم بجلسة 26/ 7/ 1998 ثم مد أجل النطق بالحكم لجلسة اليوم حيث صدر وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق، وسماع الإيضاحات والمداولة.
ومن حيث إن الطعن استوفى سائر أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تتحصل - حسبما يبين من الأوراق - فى أنه بتاريخ 28/ 6/ 1993 تقدم الدكتور ........ عميد كلية الطب بجامعة أسيوط بمذكرة إلى الدكتور رئيس جامعة أسيوط نسب فيها إلى الدكتور ......... (الطاعن) قيامه أثناء انعقاد الامتحان التحريرى لمادة الطب الشرعى فى يوم 26/ 6/ 1993 وعند رفض رئيس اللجنة توزيع الامتحان أنه هاج وتلفظ بألفاظ نابية وهدد وتوعد ثم قام بإثارة كلية الطب مما أدى إلى هياج طلبة الأزهر وحدوث هرج ومرج ترتب عليه أن قام طلبة كلية طب الأزهر بعد الامتحان بالاعتصام بكليتهم وتقديم شكاوى إلى رئيس جامعتهم بعدم دخولهم امتحان الشفوى والعملى وقد تم كل ذلك بتحريض منه (الطاعن) وبناء على تحقيق قام به المستشار القانونى للجامعة انتهى إلى إحالة الطاعن إلى مجلس تأديب أعضاء هيئة التدريس لمحاكمته عن المخالفتين الآتيتين:
أولاً: خروجه على مقتضى واجبات وظيفته حيث سلك متعمداً بقصد إثارة طلبة الفرقة الرابعة بكلية طب الأزهر الذين كانوا يؤدون امتحاناتهم مع طلب طب أسيوط حيث أوعز إليهم أن الامتحان قد قام بوضعه أحد الأساتذة المسيحيين وأن هذا يعتبر إهانة لهم وإهانة لجامعة الأزهر وأن واضع الامتحان قام بتسليمه لطلبة طب أسيوط وقد ترتب على ذلك أثارة هؤلاء الطلبة وإحداث البلبلة والاضطراب فيما بينهم وانعكس هذا الاضطراب على نظام لجنة الامتحان وكاد أن يؤدى إلى إلغاء الامتحان فضلا عما أدى إليه هذا التصرف من خلق مشكلة خطيرة بين طلاب طب الأزهر وبين عميدهم كان يمكن أن يؤدى إلى تداعيات بعيدة المدى.
ثانياً: قيامه عمدا بتعطيل إجراءات التحقيق حيث رفض اثنتى عشرة دعوة من المستشار القانونى للجامعة للحضور لكى يبدى دفاعه فيما هو منسوب إليه، ولم يقدم أى سبب يبرر تخلفه عن الحضور مما يدل على استهانته بسلطة التحقيق التى أقرها قانون تنظيم الجامعات.
وبتاريخ 6/ 2/ 1994 أشر الدكتور رئيس الجامعة على مذكرة التحقيق المشار إليه بالإحالة إلى مجلس التأديب، وقد أخطر المحال (الطاعن) بهذا القرار وتحدد لنظر الدعوى أمام مجلس التأديب جلسة 27/ 6/ 1994 وفيها قرر المجلس إعادة الأوراق للجامعة لإعادة التحقيق مع المحال بمعرفة أحد أساتذة أعضاء هيئة التدريس بكلية الحقوق فى ضوء حكم المحكمة الإدارية العليا القاضى بإلغاء قرار مجلس التأديب الصادر عن تحقيق اجراه المستشار القانونى للجامعة.
وقد أوكل رئيس الجامعة إلى أحد أساتذة كلية الحقوق بالجامعة إعادة إجراء التحقيق فيما نسب إلى المخالف (الطاعن)، ولم يحضر المخالف التحقيق الجديد رغم استدعائه فقد انتهى التحقيق إلى التوصية بإعادة الأوراق إلى مجلس التأديب لمحاكمة المحال عن ذات التهمتين اللتين أحيل بهما بناء على التحقيق الذى أجراه المستشار القانونى للجامعة.
ونظر مجلس التأديب الدعوى على النحو المبين بالقرار المطعون فيه، وبجلسة 11/ 3/ 1996 قضى مجلس التأديب بتبرئة المحال من التهمة الأولى المنسوبة إليه، والخاصة بإثارة طلبة الفرقة الرابعة بكلية طب الأزهر أثناء أدائهم الامتحان، لعدم ثبوتها فى حقه. وبإدانته فى التهمة الثانية الخاصة بالامتناع عن الإدلاء بأقواله فى التحقيق ومجازاته عنها بعقوبة اللوم.
وقد أسس القرار المطعون فيه قضاءه فى التهمة الثانية على أن الثابت أن المحال لم يحضر أيا من جلسات التحقيق سواء الذى أجرى بمعرفة المستشار القانونى للجامعة أم ذلك الذى أجرى بمعرفة أستاذ بكلية الحقوق حيث حدد له يوم 14، 15/ 7/ 1993 و16/ 8/ 1993 و15/ 9، 25/ 10، 1/ 11، 14/ 11/ 1993 واستدعائه بمعرفة الأستاذ الدكتور المحقق بكلية الحقوق ثلاث مرات إلا أنه لم يستجب، الأمر الذى يشكل فى حقه ذنبا إداريا يتمثل فى استهانته بسلطة التحقيق وعدم توقيرها مما يستوجب مساءلته عنها تأديبياً.
وإذ لم يلق القرار التأديبى المطعون فيه قبولا من الطاعن فقد طعن عليه للأسباب الآتية:
1 - مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله، لأن عدم حضور التحقيق لا يشكل ذنبا إداريا طبقا لما استقرت عليه أحكام المحكمة الإدارية العليا.
2 - الفساد فى الاستدلال، إذ إن القرار المطعون فيه لم يتحقق من وصول الإعلان بميعاد جلسات التحقيق للطاعن من عدمه، كما أن عدم الامتثال لذلك لا يعد من قبيل عدم طاعة المرؤس لرئيسه.
3 - القصور فى التسبيب، إذ اعتمد القرار المطعون فيه على وجهة نظر المحقق دون أن يحقق الواقعة.
ومن حيث إنه لما كان قرار مجلس التأديب المطعون فيه قد حكم فى أسبابه ببراءة الطاعن من المخالفة الأولى الواردة فى قرار الإحالة وأدانه فى منطوقه عن المخالفة الثانية بتوقيع عقوبة اللوم عليه، وكانت الجهة الإدارية لم تطعن فى قرار مجلس التأديب وإنما الذى طعن فيه هو الطاعن للأسباب سالفة البيان، ومن ثم فإن حقيقة ما يهدف إليه الطاعن من طعنه هو الحكم بإلغاء القرار المطعون فيه فى شقه الخاص بإدانته بعقوبة اللوم عن التهمة الثانية الواردة فى قرار إحالته إلى مجلس التأديب والخاصة بامتناعه عن المثول والإدلاء بأقواله أمام المحقق.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر فى مجال تأديب العاملين المدنيين بالدولة على أن امتناع المتهم عن الحضور للتحقيق أو سكوته عن إبداء دفاعه فى المخالفة المنسوبة إليه فى التحقيق لا يشكل بذاته مخالفة إدارية أو ذنبا إدرايا مستوجبا للمسئولية التأديبية أو العقاب التأديبى، وكل ما فى الأمر أن المتهم فى هذه الحالة يكون قد فوت على نفسه فرصة إبداء أوجه دفاعه فى المخالفة المنسوبة إليه فى هذا التحقيق وعليه تقع تبعة ذلك، ولكن لا محل لإجباره كمتهم على الإدلاء بأقواله فى التحقيق مهددا بالجزاء التأديبى الذى سيوقع عليه فى حالة امتناعه أو سكوته فهو وشأنه فى تخير موقفه الدفاعى ازاء الاتهام المسند إليه، إذ إنه من المقرر وفق الأصول العامة للتحقيق أنه لا يسوغ إكراه متهم على الإدلاء بأقواله فى التحقيق بأى وسيلة من وسائل الإكراه المادى أو المعنوى، وعلى ذلك فإن امتناع أو سكوت الطاعن فى الحالة المعروضة عن الحضور للتحقيق وإبداء أقواله فى التهمة المنسوبة إليه لا يشكل بذاته مخالفة إدارية، وليس فى قانون تنظيم الجامعات الصادر بالقانون رقم 49 لسنة 1972 ما يعتبر هذا الامتناع مخالفة تأديبية، وبالتالى لا يحق مساءلته عن ذلك تأديبياً. الأمر الذى يتعين معه القضاء بتبرئة الطاعن من هذا الاتهام.
ومن حيث إنه متى كان ذلك وكان القرار التأديبى المطعون فيه فى شأن هذه المخالفة قد انتهى إلى غير هذه النتيجة فإنه يتعين بإلغائه فى هذا الشق منه.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء قرار مجلس التأديب المطعون فيه فيما تضمنه من مجازاه الطاعن بعقوبة اللوم عن التهمة الثانية الواردة فى قرار الاحالة على النحو المبين فى أسباب هذا الحكم مع ما يترتب عليه من آثار.