أحكام النقض - المكتب الفنى - جنائى
العدد الثالث - السنة 21 - صـ 997

جلسة 25 من أكتوبر سنة 1970

برياسة السيد المستشار/ نصر الدين عزام، وعضوية السادة المستشارين/ سعد الدين عطية، ومحمود عطيفة، وطه الصديق دنانة، وعبد الحميد الشربينى.

(238)
الطعن رقم 1331 لسنة 40 القضائية

(أ، ب) إثبات. "إثبات بوجه عام". "خبرة" حكم "تسبيبه. تسبيب معيب". قتل. خطأ. إصابة خطأ.
( أ ) وجوب اتخاذ المحكمة الوسائل اللازمة لتحقيق المسائل الفنية.
حق المحكمة الاستناد إلى الحقائق الثابتة علميا، لا يجيز لها أن تستند فى تفنيد المسائل الفنية إلى ما قد يختلف الرأى فيه.
(ب) إنهاء الحكم إلى أن قائد السيارة الحريص يمكنه التحكم فى عجلة القيادة وتلافى وقوع أى حادث يرجع إلى انفجار إحدى إطاراتها دون أن يبين سنده فى هذه المسائل الفنية. ودون الاستعانة بخبير. قصور.
من المقرر أنه متى واجهت المحكمة مسألة فنية، فإن عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغا إلى غاية الأمر فيها، وأنه وإن كان لها أن تستند فى حكمها إلى الحقائق الثابتة علميا، إلا أنه لا يحق لها أن تقتصر فى تفنيد تلك المسألة إلى ما قد يختلف الرأى فيه. وإذ كان ما تقدم، وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن قائد السيارة الحريص يمكنه التحكم فى عجلة القيادة وتلافى وقوع أى حادث بسبب انفجار إحدى إطارات السيارة، دون أن يبين سند هذا الرأى فى هذه المسألة الفنية، وكانت المحكمة قد أرجعت خطأ الطاعن إلى هذه المسائل الفنية التى تصدت لها دون الاستعانة بخبير، فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن بأنه فى يوم 13/ 10/ 1968 بدائرة مركز قوص محافظة قنا: (أولاً) تسبب خطأ فى موت فاروق عبد الحميد وفاطمة بدوى ورية عبد الله وروحية أحمد مسلم وكان ذلك ناشئاً عن إهماله وعدم احتياطه وتحرزه ومراعاته اللوائح بأن قاد سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر مما تسبب فى انفجار العجلة الأمامية اليسرى واختلال توازن السيارة فصدمت المجنى عليهم الثلاثة وانقلابها فى ترعة الطلابية وإصابتهم و المجنى عليه الأول بالإصابات الموصوفة بالتقارير الطبية والتى أدت إلى وفاتهم (ثانياً) تسبب خطأ فى إصابة ربيع على يس وكان ذلك ناشئا عن إهماله وعدم احتياطه وتحرزه ومراعاته اللوائح بأن قاد سيارة بكيفية تعرض حياة الأشخاص و الأموال للخطر مما أدى إلى انقلابها على النحو سالف الذكر وحدثت إصابة المجنى عليه الموصوفة بالتقرير الطبى. (ثالثاً) قاد سيارة بحالة تعرض حياة الأشخاص والأموال للخطر. وطلبت عقابه بالمواد 238/ 1 - 3 و244/ 1 من قانون العقوبات والمواد 1 و2 و8 و81/ 90 من القانون رقم 449 لسنة 1955 وقرار الداخلية. ومحكمة قوص الجزئية قضت حضورياً عملاً بمواد الاتهام والمادة 32 من قانون العقوبات. بحبس المتهم سنة مع الشغل و كفالة قدرها عشرون جنيها لإرجاء التنفيذ. فاستأنف المتهم هذا الحكم. ومحكمة قنا الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعن وكيل المحكوم عليه فى هذا الحكم بطريق النقض ... إلخ


المحكمة

حيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه إنه إذ دانه بجريمتى القتل والإصابة الخطأ قد أخطأ فى الإسناد وشابه فساد فى الاستدلال وقصور فى التسبيب، ذلك بأنه أستند فى إدانة الطاعن إلى ما نسبه للشاهد عطا جاد موسى من أنه قرر فى تحقيقات الشرطة والنيابة أن الطاعن كان يقود السيارة وبسرعة شديدة جداً، مع أن الثابت فى تحقيق النيابة أن الشاهد المذكور قرر بأنه لا يعرف سرعة السيارة كما أنه لم يقرر شيئا بخصوص السرعة فى محضر الشرطة. هذا إلى أن الحكم عول فى قضائه على تقرير خاطئ هو أنه لو كان الطاعن يقظا قابضا على عجلة القيادة بكلتا يديه لاستطاع لحظة انفجار إطار السيارة التحكم فى عجلة القيادة بحيث لا تنحرف السيارة يمنة أو يسرة إلى أن يبطئ حركتها بطريقة تدريجية يتفادى بها وقوع الحادث. وهذه الصورة من صور الخطأ أقامها الحكم على أساس نظرى بعيد عن الواقع وما يلابسه من مؤثرات فضلا عن الاعتبارات الفنية الأخرى التى ما كان يسوغ للمحكمة أن تشق طريقها إليها دون الاستعانة برأى فنى.
وحيث إنه يبين من الاطلاع على الحكم الابتدائى المؤيد لأسبابه والمكمل بالحكم المطعون فيه أنه أثبت توافر عنصر الخطأ فى حق الطاعن من أمرين: أولهما قيادة السيارة بسرعة واستند فى التدليل على ذلك – من بين ما استند إليه – على أقوال كل من شاهدى الاثبات أحمد محمد سعيد وعطا جاد موسى ونسب إليهما أنهما قررا فى تحقيقات الشرطة والنيابة أن السيارة كانت قادمة بسرعة شديدة جدا، وثانيهما أنه لم يكن يقظا حريصا قابضا على عجلة القيادة بكلتا يديه وإلا لاستطاع لحظة انفجار الإطار أن يتحكم فى عجلة القيادة فلا تنحرف السيارة يمينا أو يسارا إلى أن يبطئ حركتها مستعملا الفرامل بطريقة تدريجية يتفادى بها وقوع الحادث. لما كان ذلك، وكان يبين من المفردات المضمومة أن الشاهد عطا جاد موسى لم يقرر شيئا فى محضر الشرطة بخصوص سرعة السيارة التى كان يقودها الطاعن، كما أنه قرر فى تحقيقات النيابة لدى سؤاله عن السرعة التى كانت تسير عليها السيارة وقت مشاهدته إياها "مشفتش السرعة وما أعرفش فيها بس هى انحرفت فى الترعة". ولما كان ما أجراه الحكم على لسان الشاهد سالف الذكر يخالف الثابت فى الأوراق فإنه يكون قد انطوى على خطأ فى الإسناد مما يعيبه، ولا يغنى فى ذلك ما ذكرته المحكمة من أدلة أخرى إذ أن الأدلة فى المواد الجنائية متساندة يشد بعضها بعضا ومنها مجتمعة تتكون عقيدة القاضى بحيث إذا سقط أحدها أو ستبعد تعذر الوقوف على مبلغ الأثر الذى كان لهذا الدليل الباطل فى الرأى الذى انتهت إليه المحكمة. لما كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد ذهب إلى أن السائق الحريص يمكنه التحكم فى عجلة القيادة وتلافى وقوع أى حادث بسبب انفجار إحدى إطارات السيارة دون أن يبين سنده فى هذا الرأى. وكان من المقرر أنه متى واجهت المحكمة مسألة فنية – كهذه التى واجهتها فى الدعوى المطروحة – فإن عليها أن تتخذ ما تراه من وسائل لتحقيقها بلوغاً إلى غاية الأمر فيها وأنه وإن كان لها أن تستند فى حكمها إلى الحقائق الثابتة علمياً إلا أنه لا يحق لها أن تقتصر فى تفنيد تلك المسألة إلى ما قد يختلف الرأى فيه، وكانت المحكمة قد أرجعت خطأ الطاعن إلى هذه المسائل الفنية التى تصدت لها دون الاستعانة بالخبير الفنى، فإن حكمها يكون مشوبا بالقصور. لما كان ما تقدم، فإن الحكم المطعون فيه يكون مشوبا بالخطأ فى الاسناد والفساد فى الاستدلال فضلا عن القصور فى التسبيب مما يعيبه ويجب نقضه والاحالة دون حاجة إلى بحث سائر ما يثيره الطاعن فى أسباب طعنه.