مجلس الدولة - المكتب الفني - مجموعة المبادئ القانونية التي قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثامنة عشر (من أول أكتوبر سنة 1972 إلى آخر سبتمبر سنة 1973) - صـ 148

(83)
جلسة 24 من يونيه سنة 1973

برئاسة السيد الأستاذ المستشار عبد الفتاح بيومي نصار - نائب رئيس مجلس الدولة وعضوية السادة الأساتذة: الدكتور أحمد ثابت عويضة وأحمد فؤاد أبو العيون ومحمد فهمي طاهر ويوسف شبلي يوسف - المستشارين.

القضية رقم 365 لسنة 15 القضائية

(أ) "قرار إداري" مراقبة أسباب القرار متى أبدتها جهة الإدارة - مراقبة قيام الأسباب وتكييفها - أساس ذلك.
(ب) "موظف" "تقرير الكفاية" وجوب تسبيب تعديل تقرير الرؤساء المباشرين في مراحل التقرير السري - مراقبة هذه الأسباب - مثال - خفض التقرير بسبب كثرة الأجازات، وبسبب أن سيرة العامل تلوكها الألسن - انتفاء السببين. وجوب إلغاء الخفض.
1 - إن قضاء هذه المحكمة استقر على أنه ولئن كانت الإدارة غير ملزمة بتسبيب قرارها ويفترض في القرار غير المسبب أنه قام على سببه الصحيح، وعلى من يدعى العكس أن يقيم الدليل على ذلك إلا أنه إذا ذكرت أسبابا من تلقاء نفسها، أو كان القانون يلزمها بتسبيب قرارها فإن ما تبديه من أسباب يكون خاضعا لرقابة القضاء الإداري وله في سبيل إعمال رقابته أن يمحص هذه الأسباب للتحقق من مدى مطابقتها أو عدم مطابقتها للقانون، وأثر ذلك في النتيجة التي انتهى إليها القرار، وهذه الرقابة القانونية تجد حدها الطبيعي في التأكد مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصا سائغا من أصول تنتجها ماديا وقانونا، فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها ماديا - لا ينتج النتيجة التي يتطلبها القانون، كان القرار فأقرا لركن من أركانه هو ركن السبب ووقع مخالفا للقانون أما إذا كانت النتيجة مستخلصة استخلاصها سائغا من صول تنتجها ماديا وقانونا فقد قام القرار على سببه، وكان مطابقا للقانون.
2 - إن القانون قد ألزم كلا من المدير المحلى ورئيس المصلحة عند إجراء أي منهما تعديل على تقدير الرئيس المباشر أن يبين أسباب ومبررات هذا التعديل، كما أوجب على لجنة شئون العاملين حينما ترغب في تعديل تقدير الرؤساء المباشرين في مراحل التقرير السري أن يكون ذلك بناء على قرار مسبب، والمشرع بذلك قد أرسى ضمانة جوهرية للموظف حرص على ضرورة مراعاتها عند تقدير كفايته مستهدفا حمايته ضد كل تحكم مصطنع من شأنه المساس بمستقبله الوظيفي، لما للتقارير السرية من آثار قانونية بعيدة المدى لها فاعليتها سواء في الترقية أو منح العلاوات الدورية أو الاستمرار في الخدمة.
ومن ثم وإذ يبين من الاطلاع على صورة التقرير السري بتقدير كفاية المدعى عن عام 1966 أن رئيسه المباشر قد كفايته بسبع وخمسين درجة من مائة درجة أي بمرتبة متوسط، وقد وافق على هذا التقدير المدير المحلى، إلا أن رئيس المصلحة هبط بهذا التقدير إلى أربع وأربعين درجة أي بمرتبة دون المتوسط، وذلك بأن خفض تقدير كفايته في عنصر العمل والإنتاج من 30 إلى 25 درجة من ستين درجة، وفى عنصر المواظبة الخاص بمدى استعماله لحقوقه في الأجازات من أربع درجات إلى درجة واحدة من خمس درجات وفى عنصر الصفات الشخصية الخاص بالمعاملة والتعاون والسلوك الشخصي من خمس عشر درجة إلى عشر درجات عن عشرين درجة وقد أبدت لجنة شئون العاملين تقدير رئيس المصلحة، وجاء في خانة الملاحظات (بتوقيع رئيس اللجنة) العبارة الآتية "كثرة أجازاته تدل على استهتاره فضلا عن سيرته التي تلوكها الألسن" وعلى هذا النحو تكون لجنة شئون العاملين قد أفصحت عن الأسباب التي استندت إليها في تبرير نزولها بتقدير كفاية المدعى من متوسط إلى دون المتوسط كما يقضى القانون. وإذ يبين من الاطلاع على ملف خدمة المدعى الخاص بالإجازات وهو الوعاء الطبيعي للتعرف على مدى استعمال الموظف لحقوقه في الإجازات كعنصر من عناصر تقدير الكفاية انه حصل خلال عام 1966 على أجازة اعتيادية مدتها 28 يوما بعد موافقة رئيسه في العمل وذلك في الفقرة من 19/ 7/ 1966 إلى 15/ 8/ 1966 وقد لوحظ أيضا من الكشف الخاص بحساب أجازاته الاعتيادية منذ دخوله الخدمة حتى 28/ 9/ 1966 أن له رصيدا منها قدره 201 يوما. أما بالنسبة لأجازته المرضية فقد حصل في أواخر عام 1966 على 24 يوما من 24/ 11/ 1966 إلى 1/ 12/ 1966 ثم من 14/ 12/ 1966 إلى 29/ 12/ 1966 وذلك بتصريح من القومسيون الطبي العام وهو الجهة التي تختص قانونا بالموافقة على منح الموظف أجازته المرضية بعض الكشف عليه وفحصه طبيا، ولا معقب على سلطته فيما يقرره في هذا الشأن.
وعلى ذلك فانه يتعذر القول إذن بأن المدعى قد أساء استعمال حقوقه في الحصول على أجازاته المستحقة له سواء الاعتيادية أو المرضية ولذلك فانه ما كان يسوغ للجنة شئون العاملين أن تهبط بتقدير هذا العنصر. ومن ثم يكون السبب الذي اعتمدت عليه اللجنة في تخفيض درجة هذا العنصر غير قائم على أساس سليم من الواقع. وبالتالي فان نعتها المدعى بالاستهتار لذات السبب يكون غير مستخلص بدوره استخلاصا سائغا من الأوراق ويتعين لذلك إهداره أما عن السبب الثاني الذي قام عليه خفض مرتبه كفاية المدعى في عنصر السلوك الشخصي وقد انصب على أن سيرته تلوكها الألسن، فإن أوراق ملف خدمته لم تتضمن ما يشعر بقيام شيء من ذلك في حقه، وغنى عن البيان انه أن صح ما نسب إليه في هذا الشأن فانه ما كان يجوز للجهة الإدارية التي يتبعها أن تقف فقط عند حد تقدير كفايته بمرتبة دون المتوسط طالما أن ذلك يمس حسن السمعة وهو شرط يتعين توافره عند التعيين وكذلك للاستمرار في الخدمة، وفضلا عن كل ما تقدم فانه في الوقت الذي نعتته اللجنة بهذا الوصف قدرت كفايته عن عام 1967 العام التالي مباشرة بست وثمانين درجة (بمرتبة جيد) بل أنها منحته 13 درجة من 15 درجة في عنصر السلوك بالذات.
وقد سبق لهذا المحكمة أن قضت أيضا بأنه ولئن كان سوء السمعة سببا للنيل من كفاية الموظف فان الطريق السوي هو أن تضع جهة الإدارة تحت نظر المحكمة عند الطعن على تقدير لجنة شئون الموظفين ما يكون قد استندت إليه في هذا الصدد، لتزن الحكمة الدليل بالقسط من واقع عيون الأوراق وأن تتخذ الجهة الإدارية سبيلها في إحالة الموظف إلى المحكمة التأديبية لإثبات الوقائع التي قام عليها وصم هذه السمعة كي يحاسب عليها لو صح ثبوتها.