أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 24 - صـ 1029

جلسة 23 من أكتوبر سنة 1973

المؤلفة من السيد المستشار/ عباس حلمى عبد الجواد رئيساً وعضوية السادة المستشارين/ عدلى بغدادى ومحمد طايل راشد وعثمان حسين عبد الله ومحمد توفيق المدنى - أعضاء.

(179)
الطعن رقم 97 لسنة 38 القضائية

(1) وقف "ناظر الوقف". إثبات.
وجوب أخذ المستحق فى الوقف بإقراره بالتخالص واعتماد الحساب المقدم من الناظر ما دام عالما بتفصيلاته من إيراد ومنصرف.
(2) وقف. "ناظر الوقف" وكالة. مسئولية.
خضوع العلاقة بين ناظر الوقف والمستحقين فيه لأحكام الوكالة. ضمان ناظر الوقف دائما لما ينشأ عن تقصيره الجسيم دون تقصيره اليسير ما لم يكن مأجوراً.
(3) وقف "ناظر الوقف". إيجار "إيجار الوقف". وكالة "التزامات الوكيل" مسئولية.
ضمان ناظر الوقف - إن كان الناظر بغير أجر - للغبن الفاحش إذا أجر عقار الوقف بأقل من أجر المثل. شرطه. تعمده هذا الغبن أو علمه به. علة ذلك. م 704 مدنى.
(4) حكم "ما يعد قصوراً" وقف "ناظر الوقف" إيجار "إيجار الوقف"
الحكم بمسئولية ناظر الوقف عن تعويض المستحقين لتأجيره أطيان الوقف بأجرة تقل كثيراً عن أجرة مثلها ولعد بذله عناية الرجل المعتاد. عدم استظهار الحكم ما إذا كان الناظر يعمل بأجر أم بدون أجر، وما إذا كان قد تعمد الغبن الفاحش عند التأجير أو علم به. قصور.
1- جرى قضاء محكمة النقض على أنه متى كان المستحق فى الوقف قد اعتمد الحساب المقدم من الناظر، وهو عالم بتفصيلاته من إيراد ومنصرف، ثم أقر بالتخالص، فلا يجوز له إعادة النظر فى الحساب أو المطالبة بتقديم حساب جديد ويجب أخذه بإقراره.
2 - تخضع العلاقة بين ناظر الوقف والمستحقين فيه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لأحكام الوكالة ولحكم المادة 50 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946، التى تردد حكم المادة 521 من القانون المدنى السابق، وتعمل حكم المادة 704 من القانون المدنى الحالي. وهما اللتان تحددان مسئولية الوكيل بصفة عامة، ومفاد ذلك أن ناظر الوقف إذا قصر نحو أعيان الوقف أو غلاته كان ضامناً دائماً لما ينشأ عن تقصيره الجسيم، أما ما ينشأ عن تقصيره اليسير فلا يضمنه إلا إذا كان له أجر على النظر.
3 - لئن اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية فيما إذا كان متولى الوقف (الناظر) يضمن الغبن الفاحش إذا اجر عقار الوقف بأقل من أجر المثل أو لا يضمنه إلا أن الرأى الراجح الذى أخذت به محكمة النقض هو أن متولى الوقف (الناظر) يضمن الغبن الفاحش لو كان متعمدا أو عالما به، وذلك إذا كان الناظر بغير أجر، إذ يعتبر تأجيره أعيان الوقف بالغبن الفاحش وهو متعمد أو عالم به تقصيراً جسيماً يسأل عنه دائما. كما أن المادة 704 من القانون المدنى تقضى بأن الوكيل بلا أجر يقتصر واجبه على العناية التى يبذلها فى أعماله الخاصة فى حين أن الوكيل بأجر يجب أن يبذل دائماً فى تنفيذ الوكالة عناية الرجل المعتاد.
4 - إذا كان الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه قد انتهى إلى أن الأجرة المحددة بعقود الإيجار تقل كثيراً عن أجرة المثل لأطيان الوقف، وهو ما ينطوى على تفريط من الناظر يجعله مسئولاً عن تعويض المستحقين، وأنه لم يبذل عناية الرجل المعتاد إذ لم يؤجر هذه الأطيان مجزأة للوصول إلى الأجرة المذكورة، وذلك دون أن يستظهر الحكم ما إذا كان ناظر الوقف يعمل بأجر أو بدون أجر، وما إذا كان التفريط الذى نسبه إليه يصل إلى حد تعمده الغبن الفاحش أو علمه به على النحو الذى يجعله ضامناً دائماً أم أن تفريطه ذاك هو من قبيل التقصير اليسير الذى لا يسأل عنه إلا إذا كان يعمل فى الوقف بأجر. إذ كان ذلك، فإن الحكم يكون قد شابه قصور يعجز محكمة النقض عن ممارسة وظيفتها فى مراقبة صحة تطبيق القانون.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن تتحصل فى أن المطعون ضدهم أقاموا على الطاعن الدعوى رقم 1360 سنة 1951 مدنى كلى المنصورة وقالوا فى صحيفتها أن السيدة ....... وقفت فى سنة 1894 - 178 فدانا ومنزلين على من عينتهم بحجة الوقف ومن بينهم السيدة ...... التى توفيت سنة 1938 وآل استحقاقها إلى المطعون ضدهم وقد جرى الطاعن بوصفه ناظر ذلك الوقف على ألا يؤدى إلى المطعون ضدهم كامل أنصبتهم فى ريع الوقف، ويستكتبهم مع ذلك إيصالات بقبض كل استحقاقهم، ثم امتنع عن اعطائهم شيئا من سنة 1949 إلى سنة 1951، ولذلك أقاموا عليه هذه الدعوى وطلبوا فيها الحكم بإلزامه بأن يقدم كشف حساب ببيان إيراد الوقف ومصاريفه مدعماً بالمستندات عن المدة من سنة 1938 إلى سنة 1951 ثم الحكم بما يثبت استحقاقهم له من مبالغ نتيجة تصفية ذلك الحساب. قدم الطاعن الحساب فحكمت المحكمة فى 21/ 11/ 1954 بندب مكتب خبراء وزارة العدل لفحصه. أودع المكتب تقريراً اعترض عليه الطاعن فأعادت المحكمة إليه المأمورية فى 14/ 1/ 1962 لفحص حساب الوقف وتقدير صافى ما يستحقه المطعون ضدهم فى الريع ثم قضت بتاريخ 16/ 2/ 1966 بإلزام الطاعن بأن يدفع إلى المطعون ضدهم مبلغ 4365 جنيه و797 مليماً وهو الباقى لهم فى ذمته من استحقاق فى ريع الوقف المشمول بنظارته عن السنوات من 1938 إلى 1951. استأنف الطاعن هذا الحكم لدى محكمة استئناف المنصورة بالاستئناف رقم 144 سنة 18 ق مدنى، وفى 25/ 12/ 1967 قضت المحكمة برفضه. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والقصور فى التسبيب وذلك من وجهين حاصل أولهما أنه قدم مخالصات عن إيراد السنوات من 1938 إلى 1948 وهى صادرة من المطعون ضدهم وغير مجحودة منهم - ولم يشب إرادتهم عيب، وقد أقروا بالاطلاع على مفردات الحساب والعلم بها وهى شاملة القيم الايجارية، مما كان يتعين معه الأخذ بهذه المخالصات، غير أن الحكم المطعون فيه أطرحها بغير مقتض، واكتفى بالقول بأن بعضها لم يتضمن ما يفيد اطلاع المطعون ضدهم على الحساب دون أن يورد عبارات تلك المخالصات لتبين صحة ما رتبه عليها، وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والقصور فى التسبيب. ويتحصل الوجه الثانى فى أن الحكم المطعون فيه لم يبين الضوابط التى التزمها لتحديد أجر المثل ولم يعتد بعقود الايجار التى أبرمها الناظر استناداً إلى ما قاله الحكم من أن التأجير كان بغبن فاحش وأن عناية الرجل المعتاد كانت تقتضيه تجزئة الأطيان لتأجيرها بأجر المثل هذا فى حين أنه لم يثبت لدى المحكمة أن الطاعن كان ينتوى الإضرار بمصالح المطعون ضدهم فى هذا الشأن، وفى حين أن الطاعن لم يكن يتقاضى أجراً عن وكالته طوال المدة المطالب بريعها فلا يطلب منه أكثر من العناية التى يبذلها فى أعماله الخاصة وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والقصور فى التسبيب أيضاً.
وحيث إن النعى فى وجهه الأول فى محله، ذلك أنه - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - متى كان المستحق فى الوقف قد اعتمد الحساب المقدم من الناظر وهو عالم بتفصيلاته من إيراد ومنصرف ثم أقر بالتخالص فلا يجوز له إعادة النظر فى الحساب أو المطالبة بتقديم حساب جديد ويجب أخذه بإقراره - ولما كان الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه قد اعتمد فى قضائه على ما تبين له من بحث كشوف الحساب عن سنة 1938 إلى 1948 من أن المدعين (المطعون ضدهم) قد وقعوا عليها بما يفيد اعتمادها إلا أن البيان الذى ذيل به توقيعهم فى بعض السنين لم يكن مذكوراً فيه أنهم أطلعوا على المستندات المؤيدة لمفردات الحساب، مما مفاده أن كشوف الحساب المتعلقة بالبعض الآخر من سنى النزاع قد اعتمدها المطعون ضدهم بعد اطلاعهم على المستندات المؤيدة لها وبالتالى كانوا على علم بتفصيلاتها مما كان يجب معه أخذهم بإقرارهم فى خصوص السنوات المذكورة وعدم اطراح المخالصات الخاصة بها ومن ثم لا يحق لهم المطالبة بتقديم حساب جديد عنها لما كان ذلك وكانت حسابات هذه السنوات قد تداخلت مع حسابات غيرها من السنوات وأجرى الحكم المطعون فيه التصفية على أساس السنوات من 1938 إلى 1948 جملة بغير تحديد ناتج تصفية كل منها على حدة فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون وشابه قصور فى التسبيب. والنعى من وجهه الثانى صحيح أيضاً، ذلك أن العلاقة بين ناظر الوقف والمستحقين تخضع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - لأحكام الوكالة ولحكم المادة 50 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 التى تنص على أن الناظر يعتبر أميناً على مال الوقف ووكيلاً عن المستحقين، وهو مسئول عما ينشأ عن تقصيره الجسيم نحو أعيان الوقف وغلاته وهو مسئول أيضاً عن تقصيره اليسير إذا كان له أجر على النظر وحكم هذه المادة ترديد لحكم المادة 521 من الفانون المدنى السابق وإعمال لحكم المادة 704 من القانون المدنى الحالى وهما اللتان تحددان مسئولية الوكيل بصفة عامة، ومفاد ذلك أن ناظر الوقف إذا قصر نحو أعيان الوقف أو غلاته كان ضامناً دائماً لما ينشأ عن تقصيره الجسيم، أما ما ينشأ عن تقصيره اليسير فلا يضمنه إلا إذا كان له أجر على النظر ولئن اختلف فقهاء الشريعة الإسلامية فيما إذا كان متولى الوقف "الناظر" يضمن الغبن الفاحش إذا أجر عقار الوقف بأقل من أجر الممثل أو لا يضمنه إلا أن الرأى الراجح الذى أخذت به هذه المحكمة هو أن متولى الوقف (الناظر) يضمن الغبن الفاحش لو كان متعمداً أو عالماً به وذلك إذا كان الناظر بغير أجر إذ يعتبر تأجيره أعيان الوقف بالغبن الفاحش وهو متعمد أو عالم به تقصيراً جسيماً يسأل عنه دائماً كما أن المادة 704 من القانون المدنى تقضى بأن الوكيل بلا أجر يقتصر واجبه على العناية التى يبذلها فى أعماله الخاصة فى حين أن الوكيل بأجر يجب أن يبذل دائماً فى تنفيذ الوكالة عناية الرجل المعتاد. لما كان ذلك ما تقدم والحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه قد انتهى إلى أن الأجرة المحددة بعقود الإيجار تقل كثيراً عن أجرة المثل وهو ما ينطوى على تفريط من الطاعن يجعله مسؤولاً عن تعويض المستحقين وأنه لم يبذل عناية الرجل المعتاد إذ لم يؤجر الأطيان مجزأة للوصول إلى الأجرة المذكورة وذلك دون أن يستظهر الحكم ما إذا كان الطاعن يعمل بأجر أو بدون أجر وما إذا كان التفريط الذى نسبه إليه يصل إلى حد تعمده الغبن الفاحش أو علمه به على النحو الذى يجعله ضامناً دائماً أم أن تفريطه ذاك هو من قبيل التقصير اليسير الذى لا يسأل عنه إلا إذا كان يعمل فى الوقف بأجر لما كان ذلك كله فإن الحكم يكون قد شابه قصور أعجز محكمة النقض من ممارسة وظيفتها فى مراقبه صحة تطبيق القانون مما يتعين معه نقض الحكم لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى أسباب الطعن.