مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1997 إلى آخر فبراير سنة 1998) - صـ 319

(38)
جلسة 16 من نوفمبر سنة 1997

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ رائد جعفر النفراوى، ومحمد عبد الرحمن سلامة، وسامى أحمد محمد الصباغ، وأحمد عبد العزيز أبو العزم نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 2859 لسنة 38 قضائية عليا

مسئولية - مسئولية الإدارة عن قراراتها المخالفة للقانون - مناطها.
مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية رهينة بأن يكون القرار معيباً وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة السببيه بين عدم مشروعية القرار وبين الضرر الذى أصاب الفرد - إذا كان القرار سليماً مطابقاً للقانون لا تسأل الإدارة عن نتيجته مهما بلغت جسامة الضرر الذى يلحق الفرد من تنفيذه - أساس ذلك: أن مسئولية الحكومة لا تقوم كأصل عام على أساس تبعية المخاطر التى بمقتضاها تقوم المسئولية على ركنين هما الضرر وعلاقة السببية بين نشاط الادارة وبين الضرر. تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم السبت الموافق 4/ 7/ 1992 أودع الاستاذ .... المحامى بالنقض بصفته وكيلا عن ...... و...... تقرير طعن قلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 2859 لسنة 38 ق. ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية فى الدعوى رقم 549 لسنة 37 ق بجلسة 7/ 5/ 1992 القاضى فى منطوقه برفض الدعوى وإلزام المدعيين المصروفات.
وطلب الطاعنان للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بإلغاء الحكم المطعون فيه وبإلزام المطعون ضدهما بأن يدفعا للطاعنين مائة وعشرة آلاف جنيه مع الفوائد القانونية من تاريخ المطالبة الرسمية حتى تاريخ السداد، والمصاريف ومقابل أتعاب المحاماة.
وتم إعلان عريضة الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو المبين بالأوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى انتهت فيه إلى طلب إلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء بالتعويض المناسب الذى تقدره المحكمة وإلزام المطعون ضدهما المصروفات.
وتحددت جلسة 7/ 10/ 1996 لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون بالمحكمة وتداولت نظره إلى أن قررت بجلسة 20/ 1/ 1997 إحالة الطعن للمحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى - موضوع) لنظره بجلسة 16/ 3/ 1997، وتمت الإحالة ونظرته المحكمة على النحو الثابت بمحاضر الجلسات.
وبجلسة 28/ 9/ 1997 قررت المحكمة حجز الطعن ليصدر فيه الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة، وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانونا.
ومن حيث إن وقائع الطعن الماثل تتحصل فى أنه بتاريخ 17/ 11/ 1981 أقام الطاعنان دعوى أمام المحكمة الابتدائية بالاسكندرية طلبا فى ختامها الحكم بإلزام المطعون ضدهما بأن يدفعا لهما تعويضاً قدره مائة وعشرة آلاف جنيه والفوائد من تاريخ المطالبة وحتى تاريخ السداد.
وقال المدعيان أنهما بموجب عقد إيجار مؤرخ فى أول يناير 1970 استأجرا محلين متلاصقين بالعقار 575 طريق الجيش - سيدى بشر بالإسكندرية بقصد استخدامهما لبيع المأكولات والمشروبات، والمحلان المستأجران عبارة عن بناء فى عقار يتكون من دور أرضى يعلوه دورين من المنشآت الخشبية، وقد باع مالك العقار المؤجر لهما ذلك العقار لمالك العقار المجاور المدعو/ ...... الذى صمم على هدمه وأزره فى ذلك حى شرق الإسكندرية الذى أصدر له الترخيص رقم 27 فى 20/ 3/ 1981 بهدم العقار فطعنا عليه أمام القضاء المختص، إلا أن المالك لجأ إلى الحى وبواسطة معاونيه توصل إلى استصدار القرار رقم 204 لسنة 1981 بإزالة المنشآت الخشبية بالعقار رقم 576 مستغلاً صدور حكم محكمة البلدية بالإسكندرية فى قضية النيابة العامة رقم 21 لسنة 1981 بتغريم المالك بمبلغ خمسين جنيهاً والإزالة بحيث شمل التنفيذ المنشآت الخشبية بالعقار 576 والممتد إلى المنشآت الخشبية بالعقار 575 وتعدى ما وصفه قرار الإزالة بالمنشآت الخشبية حتى شمل الدور الأرضى الذى به المحلين المؤجرين وهما من البناء ولا علاقة لهما بالمنشآت الخشبية التى هى حد اختصاص الجهة الإدارية فى إصدار قرارات الإزالة استنادا إلى لائحة المنشآت الخشبية.
وأضاف المدعيان بأنه حين تم عرض أمر تنفيذ القرار على رئيس الحى أشر على الاوراق بعبارة "أوافق بشرط الالتزام بالأصول القانونية" وكان المقصود بذلك عدم تجاوز نطاق القرار وعدم التعرض للمبانى التى لا يشملها قرار الإزالة، ونظراً لأن الأوراق عرضت بعد ذلك على المدير الإدارى الذى أصدر أمراً لرئيس قسم المنشآت الخشبية بمباشرة التنفيذ حتى سطح الأرض وتم التنفيذ فى 25/ 10/ 1981 وفقاً لهذا الأمر فأزيل الدور الأرضى وما بداخل المحلين من أدوات ومنقولات.
ونعى المدعيان على القرار المشار إليه وما ترتب عليه من تنفيذ خاطئ بمخالفة القانون، وطلبا تعويضهما عن الأضرار التى لحقت بهما بمبلغ مائة وعشرة آلاف جنيه.
وبجلسة 9/ 11/ 1982 حكمت المحكمة الابتدائية بالإسكندرية بعدم اختصاصها ولائيا بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية وأبقت الفصل فى المصروفات، وتمت الإحالة وقيدت الدعوى بالرقم المشار إليه، وتداولت محكمة القضاء الإدارى نظرها إلى أن أصدرت حكمها فيها بجلسة 7/ 5/ 1992 برفض الدعوى وألزمت المدعين المصروفات.
وشيدت المحكمة قضاءها المذكور على أساس أنه تبين لها من حافظة المستندات المقدمة من الجهة الإدارية أن حكما جنائيا صدر من محكمة البلدية فى قضية النيابة العامة رقم 21 لسنة 1981 ضد مالك العقار رقم 576/ ....... بتغريمه بمبلغ خمسين جنيهاً وضعف رسم الترخيص والازالة وذلك لأنه أقام البناء بالمحضر بغير ترخيص مخالفاً الشروط المقررة.
وفى يوم 29/ 8/ 1981 صدر قرار رئيس حى شرق الإسكندرية بإزالة العقار المشار إليه، ومن ثم يكون القرار صدر مستنداً إلى سبب صحيح مطابقاً للقانون بما ينفى عن الإدارة ركن الخطأ، وعلى ذلك فلا تقوم مسئوليتها فى تعويض المدعيين عن فقدهما محليهما نتيجة لتنفيذ قرار إزالة العقار الواقع به المحلين لخلو ذلك القرار من العيوب، فلا تسأل الإدارة عن نتائجه مهما بلغت جسامة الضرر المترتب عليه إذ يتحمل الأفراد فى سبيل المصلحة العامة نتائج نشاط الإدارة المطابق للقانون مما يتعين معه رفض طلب التعويض عن تنفيذ قرار مشروع صدر صحيحاً.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على أساس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى فهم الواقع ذلك لأن الثابت فى مدونات الحكم أنه استند فى قضائه إلى صدور حكم جنائى فى الجنحة رقم 21 لسنة 1981 جنح بلدية الإسكندرية ضد مالك العقار ......، واختلط عليه أن هذا الحكم خاص بالعقار 576 وهو مملوك أيضاً لذات المالك بجوار العقار رقم 575 الذى به المحلين ومن ثم يكون المالك أدخل الغش أو تواطأ مع الحى مستخدماً الحكم كأداة لاستصدار قرار الإزالة رغم عدم إشارة الجهة الإدارية فى ديباجة القرار إليه إلى جانب صدوره خاصا بالعقار 576 وليس 575 وتم التنفيذ على العقار الأخير دون سند.
وأضاف الطاعن أنه بفرض حق جهة الإدارة فى إزالة المنشآت الخشبية سواء بالعقار 575 أو العقار 576 وأن قرار الإزالة صدر استناداً لهذا المفهوم، فإن حق الجهة الإدارية فى تنفيذ القرار يقف عند حد إزالة هذه المنشآت دون أن يتعداها لغيرها من أعمال البناء، وهو الأمر الذى نص عليه القرار بصريح العبارة "تزال إدارياً المنشأة الخشبية رقم 576 بسيدى بشر طريق الجيش، ومن ثم فإذا كان هناك من ضرورة ملجئة لإزالة المنشآت الخشبية سواء بالعقار 575 أو 576 فقد كان يتعين على جهة التنفيذ أن تقف عند هذا الحد ولا تتعداه للتنفيذ على المبانى خاصة أنه لا يوجد أصلاً قرار بالازالة يخص العقار 575 سواء كان بالنسبة للمبنى أو للمنشآت الخشبية.
وعلى ذلك يكون قضاء الحكم المطعون فيه غير سديد لأنه أقيم على فهم خاطئ للواقع إذ لم تتنبه المحكمة لهذا الخلط الذى أدخله المالك على جهة الإدارة، والتواطؤ الذى وضح عند تمام التنفيذ إذ لا يتصور أن يكون هناك ترخيص بإدارة محلين لبيع المأكولات والمشروبات أقيما على منشآت خشبية حتى تنصرف نية الإدارة لإزالتهما إعمالاً لحكم لائحة المنشآت الخشبية.
ولما كان من الثابت أن جهة الإدارة قامت بهدم الدور الأرضى الذى يقع به محل الطالبين بالعقار 575 وهو من المبانى دون وجود قرار يخولها هذا الحق لأن القرار الذى استندت إليه وسايرها فيه الحكم الطعين إنما ينصرف إلى منشآت خشبية بالعقار 576 المملوك لذات المالك ولا ينصرف إلى العقار 575 حتى بالنسبة لدورية الأول والثانى المقامين بمنشآت خشبية الأمر الذى يجعل هدم الإدارة للدور الأول من هذا العقار بمثابة عدوان مادى ألحق بالطاعنين أضراراً جسيمة تتمثل فى فقدهما للمحل التجارى بعنصريه المادى والمعنوى.
وخلص الطاعنان من ذلك إلى طلباتهما المنوه عنها.
ولما كانت مسئولية الإدارة عن القرارات الإدارية رهينة بأن يكون القرار معيباً وأن يترتب عليه ضرر وأن تقوم علاقة السببية بين عدم مشروعية القرار وبين الضرر الذى أصاب الفرد، فإذا كان القرار الإدارى سليماً مطابقاً للقانون فلا تسأل الإدارة عن نتيجته مهما بلغت جسامة الضرر الذى يلحق الفرد من تنفيذه - إذ لا تقوم مسئولية الحكومة كأصل عام على أساس تبعة المخاطر التى بمقتضاها تقوم المسئولية على ركنين هما الضرر وعلاقة السببية بين نشاط الإدارة وبين الضرر ذلك أن نصوص قانون مجلس الدولة قاطعة فى الدلالة على أنها عالجت المسئولية عن القرارات الادارية بأن يكون القرار الإدارى معيباً بعيب عدم الاختصاص أو وجود عيب فى الشكل أو مخالفة القوانين أو اللوائح أو الخطأ فى تطبيقها وتأويلها أو إساءة استعمال السلطة.
ومن حيث إنه عن ركن الخطأ فإن الثابت من الأوراق أن الجهة الإدارية قامت بإزالة العقار 575 طريق الجيش بسيدى بشر بالإسكندرية استناداً لقرار حى شرق الإسكندرية رقم 204 لسنة 1981 رغم أن هذا القرار حدد بمادته الأولى أن تزال إدارياً لمنشأة الخشبية رقم 576 لذات مالك العقار 575، وكان يتعين على جهة الإدارة أن تراعى عند التنفيذ موضوع القرار ونطاق تطبيقه دون مسايرة للمالك فيما أدخلة عليها من لبس نتيجة الحكم الغيابى الصادر من محكمة جنح بلدية الإسكندرية فى قضية النيابة العامة رقم 21 لسنة 1981 والقاضى بتغريم مالك العقار 576 بخمسين جنيهاً وضعف رسم الترخيص والإزالة، متخذاً من هذا الحكم سنداً للتنفيذ رغم انتفاء العلاقة بين موضوعه وما تم تنفيذه بشأن العقار رقم 575.
ولما كان من الثابت بالأوراق أن صورة عقد الإيجار والترخيص الصادر للمحلين موضوع النزاع حددا موقعهما بالعقار رقم 575 طريق الجيش - قسم المنتزه - الإسكندرية والذى يملكه نفس مالك العقار 576، فمن ثم يكون تنفيذ قرار الإزالة المتضمن وصفاً لمحل المخالفة بأنها منشأة خشبية على المحلين المذكورين جاء على خلاف الواقع وصحيح حكم القانون مما يشكل خطأ وقعت فيه جهة الإدارة دون سند يبرر لها ذلك.
وإذ ترتب على هذا التنفيذ الخاطئ إلحاق ضرر بالطاعنين تمثل فى فقدان المحلين واستخدامهما كمشروع تجارى يدر عليهما ربحاً فضلاً عما لحق بموجودات المحلين من فقد أو إتلاف لما تواجد بها إلى جانب ما تحمله الطاعنان من نفقات فى سبيل الوصول إلى حقهما مع الأخذ فى الاعتبار طول المدة الزمنية التى انقضت وما فات عليهما فيها من مورد رزق محقق، وكل ذلك يشكل الركن الثانى لتحقق المسئولية الإدارية وهو ركن الضرر.
ومن حيث إنه تحققت علاقة السببية بين ركن الخطأ المتمثل فى تنفيذ الجهة الإدارية لقرار إزالة ينأى موضوعه عما أجرى عليه التنفيذ من حيث المحل، وركن الضرر المتمثل فى الخسارة التى لحقت بالطاعنين على النحو المشار إليه، فمن ثم يتعين القضاء بتعويضهما بمبلغ جابر لكل عناصر الضرر تقدره المحكمة فى حدود ما أفصحت عنه الأوراق بمبلغ أربعين ألف جنيه خاصة وأن الجهة الإدارية تكلفت مع تكليفها أكثر من مرة عن توضيح ما لابس عملية التنفيذ من ظروف وأسباب عدم تقيدها بمحل تنفيذ القرار 204 لسنة 1981 المشار إليه ولم تقدم أى دفاع موضوعى يبرر مسلكها فى هذا الشأن.
ومن حيث إن الحكم المطعون فيه أخذ بغير هذا النظر، فمن ثم يتعين الحكم بإلغائه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا، وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبتعويض الطاعنين بمبلغ أربعين الف جنيه عن كافة الأضرار التى لحقت بهما وألزمت الجهة الإدارية المصروفات.