أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1216

جلسة 25 من أكتوبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ جودة أحمد غيث، وإبراهيم السعيد ذكرى، وعثمان حسين عبد الله، والدكتور محمد زكى عبد البر.

(191)
الطعن رقم 20 لسنة 38 ق "أحوال شخصية"

أهلية ."الغفلة". أحوال شخصية. "ولاية على المال".
توقيع الحجر للغفلة. مناطه. التصرفات الصادرة عن مجرد إهمال أو سهو فى التعامل مما يقع فيه الرجل العادى. لا تعد من مظاهر الاضطراب أو دليلاً على الانقياد وعدم الإدراك.
الغفلة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى ضعف بعض الملكات الضابطة فى النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير، ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن فى معاملاته مع الغير، وقد يستدل عليها بإقبال الشخص على التصرفات دون أن يهتدى إلى الرابح منها أو بقبوله فاحش الغبن فى تصرفاته عادة أو بأيسر وسائل الانخداع على وجه يهدد المال بخطر الضياع. وإذ كان الحكم المطعون فيه قد قضى بتوقيع الحجر على الطاعن للغفلة مستندا فى ذلك إلى قيامه بالتوقيع بختمه على أوراق بيضاء لكاتب عمومى استغلها فى بيع أملاك الطاعن، وتوقيعه بختمه على إيصالين باستلام أجرة عين يملكها دون أن يكون قد حل موعد استحقاقها، وإذ كانت هذه التصرفات التى تضمنتها تقريرات الحكم، ليس فيها أى مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك وأن الطاعن ينخدع فى تصرفاته ومعاملاته بأيسر وسائل الانخداع على وجه يهدد ماله بالضياع، وهى لا تعدو أن تكون صادرة عن مجرد إهمال أو سهو فى التعامل مما يقع فيه الرجل العادى. لما كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أنه بتاريخ 8/ 9/ 1966 قدم المطعون عليه إلى نيابة القاهرة للأحوال الشخصية طلباً بتوقيع الحجر على والده الطاعن للعته والغفلة، لأنه بلغ من العمر ثمانين سنة وأصبح سيئ التصرف مما جعل كثيرين يطمعون فى أمواله ويحصلون منه على توقيعات بختمه على أوراق بيضاء يحررون عليها عقوداً ببيع املاكه، وأضاف المطعون عليه أنه لولا يقظته فى كل مرة لضاعت أموال والده، وبعد أن حققت النيابة العامة الطلب قدمته إلى محكمة القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية، وطلبت فى مذكرتها توقيع الحجر على الطاعن للغفلة وقيدت الدعوى برقم 40 ب سنة 1967 الوايلى. وبتاريخ 25/ 9/ 1967 حكمت المحكمة بتوقيع الحجر على الطاعن للغفلة وتعيين المطعون عليه فيما. استأنف الطاعن هذا الحكم بالاستئناف رقم 9 سنة 85 ق أحوال شخصية القاهرة. وبتاريخ 29/ 4/ 1968 حكمت المحكمه برفض الاستئناف وتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعن فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم، وبالجلسة المحددة لنظر الطعن صممت النيابة على رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعن على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون والفساد فى الاستدلال، ويقول فى بيان ذلك إن الحكم قضى بتوقيع الحجر عليه للغفلة مستنداً فى ذلك إلى أنه وقع بختمه فى سنة 1959 على ورقة على بياض لكاتب عمومى استعملها فى تحرير عقد بيع عقار مملوك للطاعن، وأنه عاود التوقيع على ورقة أخرى حرر عليها عقد بيع لصالح فهيمة مصطفى حسن تقدمت عنه بطلب للشهر العقارى، فى حين أن مجرد استغلال كاتب عمومى لحسن الثقة التى يودعها أمثال الطاعن من الأميين فى هؤلاء الكتبة يعتبر أمراً عادياً لا يدل على الغفلة، يؤيد ذلك أن الطاعن بادر إلى رفع دعوى برد وبطلان هذا العقد وقضى فيها لصالحه، هذا إلى أنه لم يحدث تكرار للعملية، إذ أخذ منه الكاتب العمومى توقيعين فى وقت واحد لطلب توقيع حجز تحفظى على أحد المستأجرين ولطلب تنفيذه واستعمل أحدهما فى تحرير عقد البيع لصالح فهيمة مصطفى حسن والآخر فى طلب للشهر العقارى عن نفس العقد، كما استدل الحكم على الغفلة بأنه وقع ببصمة إصبعه وختمه على إيصال بقبض أجرة عين يملكها عن شهر مارس سنة 1967 التى لم يكن قد حل موعد استحقاقها، مع أن المقصود هو أجرة شهر مارس سنة 1966، فى حين أن هذا لا يعدو أن يكون سهواً يقع فيه الرجل العادى.
وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن الغفلة - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - هى ضعف بعض الملكات الضابطة فى النفس ترد على حسن الإدارة والتقدير، ويترتب على قيامها بالشخص أن يغبن فى معاملاته مع الغير، وقد يستدل عليها باقبال الشخص على التصرفات دون أن يهتدى إلى الرابح منها، أو بقبوله فاحش الغبن فى تصرفاته عادة أو بأيسر وسائل الانخداع على وجه يهدد المال بخطر الضياع. وإذ كان ذلك، وكان الحكم المطعون فيه قد قضى بتوقيع الحجر على الطاعن للغفلة مستنداً فى ذلك إلى ما يلى: "إن المستأنف - الطاعن - لم ينكر بالتحقيقات أنه وقع على بياض فى سنة 1959 لكاتب عمومى اتخذ فى توقيعه وسيلة لاصطناع عقد بيع يحمل ذلك التوقيع، وقد كان الجهد الذى بذله طالب الحجر - المطعون عليه - طريقا لكشف تلك الحيلة التى وقع فيها، والقول بأنه لم يتكرر منه مثل ذلك التصرف تنقضه الأوراق التى قدمها طالب الحجر، إذ تحمل الصورة الشمسية لطلب الشهر العقارى رقم 2145 الوايلى الدليل على أنه عاود التوقيع على بياض على ورقة أخرى كانت محلاً لتحرير عقد بيع تقدم عنه طلب للشهر العقارى بتاريخ 29/ 9/ 1959 باسم سيدة تدعى فهيمة مصطفى حسن تضمن أنها اشترت منه منزلاً كائناً بدير الملاك لقاء ثمن مقداره 4500 ج قبض منها عند التعاقد 3000 ج، وقد جحد المستأنف صدور ذلك العقد منه بإنذاره المعلن بتاريخ 25 يوليه سنة 1961 لجهة الشهر العقارى بالوايلى، هذا فضلاً عن توقيعه ببصمة ختمه وإصبعه على الإيصال المرفق بالأوراق والذى يدل على أنه قبض أجرة شهر مارس سنة 1967 من مستأجره زكى حنين بشاى الذى لم يكن قد حل موعد استحقاقها والمؤشر بنظره بتاريخ 8/1/ 1966، كما دل خطاب وكيل المستأنف المؤرخ 6/ 4/ 1968 على أنه وقع على إيصال مماثل مقدم فى الدعوى رقم 145 لسنة 1958 مستعجل القاهرة، وكل ذلك يحمل الدليل القاطع على أن تصرفات المطلوب الحجر عليه تحمل الدليل على الانقياد وعدم الإدراك، وأنه ينخدع فى تصرفاته ومعاملاته بأيسر وسائل الانخداع على وجه يهدد ماله بالضياع" وهذه التصرفات التى تضمنتها تقريرات الحكم من توقيع الطاعن بختمه على أوراق بيضاء لكاتب عمومى استغلها فى بيع أملاك الطاعن، وتوقيعه بختمه على إيصالين باستلام أجرة عين يملكها دون أن يكون قد حل موعد استحقاقها، ليس فيها أى مظهر من مظاهر الاضطراب أو دليل على الانقياد وعدم الإدراك، وأن الطاعن ينخدع فى تصرفاته ومعاملاته بأيسر وسائل الانخداع على وجه يهدد ماله بالضياع، وهى لا تعدو أن تكون صادرة عن مجرد اهمال أو سهو فى التعامل مما يقع فيه الرجل العادى. وإذ كان ذلك، فإن الحكم المطعون فيه يكون قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه بما يوجب نقضه لهذا السبب دون حاجة لبحث باقى الأسباب.
وحيث إن الموضوع صالح للفصل فيه، ولما تقدم يتعين القضاء بإلغاء الحكم المستأنف ورفض الدعوى.