أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1267

جلسة 22 من نوفمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد أسعد محمود، وعثمان حسين عبد الله، والدكتور محمد زكى عبد البر، وإسماعيل فرحات عثمان.

(200)
الطعن رقم 29 لسنة 38 ق "أحوال شخصية"

(أ، ب) وقف. "الترتيب بين الطبقات". "تفسير كتاب الوقف".
( أ ) الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية. الأصل فيه أن يكون إفراديا ما لم ينص الواقف على أنه رتب بينها ترتيبا جمليا.
(ب) تفسير كتاب الوقف. وجوب اعتباره وحدة متماسكة واستخلاص المعنى الذى أراده الواقف من مجموع كلماته وعباراته.
(ج) وقف. "ملكية الوقف المنتهى". ملكية.
إلغاء الوقف على غير الخيرات بالقانون 180 لسنة 1952. ملكية العين تكون للواقف إن كان حياً وله حق الرجوع. أيلولة الملكية للمستحقين كل بقدر حصته إن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع. الوقف المرتب الطبقات بيان من تؤول لهم الملكية.
1 - مراد الشارع من نص المادتين 32/ 1 و58 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً إفرادياً، ما لم ينص الواقف على أنه قد رتب بينها ترتيباً جملياً، وإذ كان الثابت فى الدعوى أن نص الواقف فى كتاب وقفه ظاهر الدلالة على أنه أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم ترتيباً جملياً لا يحتمل، فقد تعين القول بأنه لا تطبق فى شأنه أحكام المادة 32 من قانون الوقف.
2 - إذا استخلص الحكم أن الترتيب - بين طبقات الموقوف عليهم - جملى، أخذاً بما هو مقرر تطبيقا للمادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946، من النظر إلى كتاب الوقف باعتباره وحدة متماسكة بحيث يتفهم المعنى الذى أراده الواقف من مجموع كلماته وعباراته على اعتبار أنها جميعاً قد تضافرت على الإفصاح عن ذلك المعنى، وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه فى تفسير كتاب الوقف لا تشوبه شائبة، ولم تخرج المحكمة فيه وفى تقصى المعنى الذى أراده الواقف منه عما يؤدى إليه مدلول عبارته، وجاء حكمها فى هذا الخصوص مطابقاً للنصوص الفقهية والقواعد اللغوية، فإنها ليست ملزمة بتعقب حجج الخصوم وأوجه دفاعهم والرد على كل منها استقلالاً ما دام قضاؤها يقوم على ما يحمله.
3 - مؤدى نص المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات، أن الشارع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أراد أن يجعل ملكية ما انتهى الوقف فيه للواقف إن كان حياً، وكان له حق الرجوع، يستوى فى ذلك أن يكون قد احتفظ لنفسه بغلة الوقف أو جعل الاستحقاق لغيره حال حياته. فإن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته. وفى الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين فيه وإلى ذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقتهم، كل بقدر حصته أو حصة أصله، وهم ذرية من دخل فى الوقف وتناول استحقاقاً فيه، وكان من أهل الطبقة التى انحل عليها ثم توفى بعد الدخول وانتقل استحقاقه بحكم الترتيب الجملى إلى الباقين من أهل طبقته لا ذرية من توفى قبل دخوله فى الوقف واستحقاقه لشيء فيه ولم يكن بذلك من أفراد الطبقة التى انحل عليها الوقف، ولا من ذوى الاستحقاق أو صاحب حصة ونصيب فيه، وهى أوصاف وقيود قصد إليها الشارع وعناها بقوله "آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقته كل بقدر حصته أو حصة أصله". ولا تصدق فى حق من توفى أصله قبل الدخول فى الوقف.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - حسبما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعنين أقاموا الدعوى رقم 254 لسنة 1958 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد كل من المطعون عليهما الأول والثانى - محفوظ حسين أبو عميره وأمين عبد السلام الدمنهورى بصفتهما مستحقين فى الوقف وحارسين عليه - بطلب الحكم باستحقاقهم فى وقف المرحوم شهاب الدين أبى العباس أحمد النوبى الأنصارى الصادر فى 12 من ذى الحجة عام 1060هجرية ومنع معارضة المدعى عليهما لهم فيه، ثم عادوا وقصروها على طلب تفسير شرط الواقف وهل الوقف مرتب الطبقات ترتيباً أفرادياً أو ترتيباً جملياً وذلك فى نطاق قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 وقانون إنهاء الوقف على غير الخيرات رقم 180 لسنة 1952، وقالوا بياناً لدعواهم إن المرحوم شهاب الدين أبو العباس أحمد النوبى الأنصارى وقف الأعيان الموضحة فى حجة الوقف الصادرة بمحكمة بابى سعادة والحزق بتاريخ 12 من ذى الحجة عام 1060 هجرية على خيرات عينها والباقى بعد ذلك على نفسه مدة حياته ثم من بعده على أولاده ثم أولادهم ثم أولاد أولادهم ثم أولاد أولادهم ثم ذريتهم ونسلهم وعقبهم للذكر مثل حظ الأنثيين، الطبقة العليا منهم أبداً تحجب الطبقة السفلى، يستقل به الواحد منهم إذا انفرد، ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع، فإذا انقرضوا جميعاً صرف ذلك لأولاد أخيه الشيخ سليمان، وهم القاضى علم الدين سليمان والشيخ أبو بكر والشيخ عبد الله وأخواتهم للذكر مثل حظ الأنثيين على النص والترتيب المشروح، وقد توفى الواقف وانقرضت ذريته، كما مات أولاد أخيه المذكورون وانقرضت ذريتهم ولم يبق منهم سوى الشيخ محمد النوبى فانحصر فيه فاضل ريع الوقف ويعتبر الطبقة الأولى، وقد توفى كما توفى أفراد الطبقات الثانية والثالثة والرابعة، وأن محمد محمد على الصندلجى - والد الفريق (الأول) من الطاعنين - آل إليه الاستحقاق عن فاطمة بنت أحمد بن الشيخ محمد النوبى وقد توفى وآل نصيبه وقدره 2/ 18 من ريع الوقف إلى اولاده وينقسم بينهم، وأن على محمد على الصندلجى وهو أصل الفريق (الثانى) و(السابع) من الطاعنين آل إليه الاستحقاق عن فاطمة المذكورة وقد توفى وآل نصيبه وقدره 7/ 61 إلى أولاده وينقسم بينهم، وأن حسن محمد على الصندلجى - أصل الفريق (الثالث) من الطاعنين - آل إليه الاستحقاق عن جدتهم العليا فاطمة وقد توفى وآل نصيبه وقدره 2/ 68 إلى أولاده وينقسم بينهم، وأن نبوية محمد على الصندلجى والدة نفوسة مصطفى أمين - وهى أصل الفريق (الرابع) من الطاعنين - آل إليها الاستحقاق عن فاطمة أيضاً وقد توفيت وآل نصيبها وقدره 1/ 61 إلى ابنتها، وأن فاطمة محمد على الصندلجى - أصل الفريق (الخامس) من الطاعنين - آل إليها الاستحقاق عن جدتها فاطمة وقد توفيت وآل نصيبها وقدره 1/ 68 إلى أولادها من المدعين، وأن سكينة محمد على الصندلجى - أصل الفريق (السادس) من الطاعنين آل إليها الاستحقاق عن جدتها فاطمة وقد توفيت وآل نصيبها وقدره 1/ 61 إلى أولادها، وأن سيدة بنت سكينة محمد الصندلجى أصل الفريق (الثامن) - آل إليها الاستحقاق كذلك عن فاطمة وقد توفيت وآل نصيبها وقدره 1/ 68 إلى أولادها من المدعين، وإذ نازعهم المطعون عليهما الأولان فى استحقاقهم وفى تفسير شرط الواقف فقد انتهوا إلى طلباتهم سالفة البيان. طلب المطعون عليهما الأولان رفض الدعوى لأن الوقف مرتب الطبقات ترتيباً جملياً، وبتاريخ 29 من نوفمبر 1959 حكمت المحكمة بأن شرط الواقف يقتضى أن المذكور مرتب الطبقات ترتيباً جملياً بحيث لا يستحق أحد من أفراد طبقة إلا إذا انقرض جميع أفراد الطبقة السابقة عليها. استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئناف رقم 193 لسنة 76 ق القاهرة. دفع المطعون عليهما الأولان بعدم قبول الاستئناف لاشتماله على طلبات جديدة، كما دفعا الدعوى بعدم قبولها لرفعها من غير ذى صفة وعلى غير ذى صفة. وأثناء نظر الاستئناف طلب كل من محمد يوسف حسنى وأمين على البليدى بصفته قيماً على والدته رمانة على - المطعون عليهما الخامس والسادس - وصلاح الدين محمد محمود وجمال الدين محمد محمود وأمين محمد محمود وزينب حسنين مكاوى التدخل فيه منضمين إلى المطعون عليهما الأول والثانى فى طلباتهما، ودفعوا بعدم اختصاص دائرة الأحوال الشخصية بنظر الدعوى، وبتاريخ 13 من يناير سنة 1963 حكمت المحكمة بقبول الاستئناف شكلاً وببطلان الحكم المستأنف لعدم بيان اسم عضو النيابة الذى أبدى الرأى فى الدعوى، وبقبول كل من المطعون عليهما الخامس والسادس خصما منضما ورفض طلب باقى طالبى التدخل، ورفض ما دفع به المطعون عليهما الأول والثانى والمتدخلان من عدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى وباختصاصها بنظرها ومن عدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة وعلى غير ذى صفة وبقبولها، وفى الموضوع بأن شرط الواقف يقضى بأن وقفه المذكور مرتب الطبقات أفرادياً وأن من مات من الطبقة الخامسة قبل استحقاقه لشيء من ريع الوقف أو بعد استحقاقه ينتقل بوفاته ما استحقه أو كان يستحقه إلى ذريته أحياء وأمواتاً فما خص الحى أخذه وما خص المتوفى عن ذرية أخذته ذريته على أن يكون للذكر مثل خط الأنثيين ويكون ما استحقه كل منهم ملكاً له. طعن المطعون عليهم الأول والثانى والخامس والسادس فى هذا الحكم بطريق النقض وقيد الطعن برقم 8 لسنة 33 ق أحوال شخصية، ولدى عرض الطعن على دائرة فحص الطعون تدخل كل من محمد محمود إبراهيم والتابعى على محسب المطعون عليهما الثالث والرابع بصفتهما حارسين على الوقف، ومحكمة النقض حكمت فى 30 من يونيو 1965 بنقض الحكم المطعون فيه وبإحالة القضية إلى محكمة استئناف القاهرة. وبعد تعجيل الدعوى وبتاريخ 25 من فبراير سنة 1967 حكمت محكمة الاستئناف ببطلان الحكم المستأنف وبرفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها من غير ذى صفة وبقبولها، وحددت جلسة لنظر الموضوع وأثناء نظر الاستئناف طلب كل من المطعون عليهم من السابع إلى العاشر وآخرون التدخل فيه منضمين إلى باقى المطعون عليهم فى طلباتهم، وبتاريخ 29 من يونيو سنة 1968 حكمت المحكمة بقبول تدخل المطعون عليهم من الخامس إلى العاشر ورفض طلب باقى المتدخلين، ورفض الدفع بعدم اختصاص المحكمة بنظر الدعوى، ورفض الدفع بعدم قبول الدعوى لرفعها على غير ذى صفة، وفى الموضوع بأن شرط الواقف يقضى بأن وقفه المذكور مرتب الطبقات ترتيباً جملياً فلا يعطى أحد من أفراد الطبقة السفلى ما دام أحد من أفراد الطبقة العليا وأن من مات من أفراد الطبقة الخامسة وهو مستحق بالفعل ينتقل نصيبه إلى فرعه ويكون ملكا له. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن أقيم على خمسة أسباب ينعى الطاعنون بالأسباب الأربعة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، والقصور فى التسبيب ومخالفة الثابت بالأوراق، وفى بيان ذلك يقولون إن الحكم استند فيما انتهى إليه من تفسير لشرط الواقف إلى ما هو مقرر بالمذهب الحنفى الذى يجعل الترتيب الجملى هو الأصل فى ترتيب الطبقات، فلا يعطى فيه أحد من الطبقة السفلى ما دام أحد من الطبقة العليا إلا إذا ورد فى كتاب الوقف نص صريح على خلافه، وأن الترتيب بين الطبقات فى كتاب الوقف بلفظ "ثم" وإيراد الواقف لعبارة "الطبقة العليا منهم أبدا تحجب الطبقة السفلى" قاطع الدلالة فى إرادة الترتيب الجملى لا الأفرادى، وأن مقتضى ذلك وإعمالاً لحكم المادة 58 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 عدم انطباق المادة 32 منه على الوقف موضوع النزاع، فى حين أن المادة 32 سالفة الذكر عدلت عن الأخذ بالمذهب الحنفى، واعتبرت الترتيب الأفرادى هو الأصل فى الوقف المترتب الطبقات إلا إذا ورد نص صريح يناقضه، وغير مقبول الاستناد إلى المادة 58 لخلو كتاب الوقف من نص صريح يفيد الترتيب الجملى، ولأن العبارات والألفاظ التى استشهد بها الحكم لا تقطع فى قصد ذلك الترتيب بل تحتمل أيضاً الأخذ بالترتيب الأفرادى، إذ أن عبارة "الطبقة العليا منهم أبدأ تحجب الطبقة السفلى" لا تعنى إلا أن الواقف قد رتب طبقات ذريته وأطلق هذا الترتيب ولا تعتبر نصاً صريحاً يفيد الترتيب الجملى، ولفظ "أبداً" ليس معناه "مطلقاً" بل يفيد أن الطبقة العليا تحجب باستمرار الطبقة السفلى، وهذا لا ينبئ عن شيء فى الترتيب، علاوة على أن الحكم لم يبين الأسباب التى دعته إلى الأخذ بهذا التفسير ولم يوضح العبارات التى استقى منها المعنى الذى انتهى إليه ورجحه على غير، وقد تمسك الطاعنون أمام محكمة الموضوع بالدفاع سالف البيان، غير أن الحكم لم يعن بالرد عليه الأمر الذى يعيبه بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب، هذا إلى أن كتاب الوقف لم يشتمل على أى ترتيب بين البطون، وإنما ورد به ترتيب مطلق بين الأولاد خلافاً لما ذهب إليه الحكم وهو ما يخالف الثابت بالأوراق.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن المشرع إذ نص فى الفقرة الأولى من المادة 32 من قانون الوقف رقم 48 لسنة 1946 على أنه "إذا كان الوقف على الذرية مرتب الطبقات لا يحجب أصل فرع غيره ومن مات صرف ما استحقه أو كان يستحقه إلى فرعه" ونص فى المادة 58 منه على أنه لا يعمل بأحكام بعض مواده ومنها المادة 32 السالفة إذا كان فى كتاب الوقف نص يخالفها، فإن مراد الشارع من هذين النصين - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم من الذرية ترتيباً أفرادياً ما لم ينص الواقف على أنه قد رتب بينها ترتيبا جمليا، وإذ كان الثابت فى الدعوى أن الواقف نص فى كتاب وقفه على أن الطبقة العليا منهم أبداً تحجب الطبقة السفلى يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع يتداولون ذلك بينهم كذلك إلى حين انقراضهم أجمعين..." وهو ظاهر الدلالة على أنه أراد أن يجعل الترتيب بين طبقات الموقوف عليهم ترتيباً جملياً لا يحتمل، تعين القول بأنه لا تطبق فى شأنه أحكام المادة 32 من قانون الوقف، وإذ كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى فى قضائه على أن "الواقف هنا بعد أن رتب بين البطون (بثم) قال فى إنشائه (الطبقة العليا منهم أبداً تحجب الطبقة السفلى) وهذا النص صريح فى ألا يستحق أحد من الطبقة السفلى مع وجود أحد من الطبقة العليا - ولا شك أن هذا أثر من آثار الترتيب الجملى ولازم من لوازمه، ويبين مما تقدم أن هذا الوقف قد اجتمع فيه أمران يدلان على أن الترتيب فيه ترتيب جملى (الأول) أنه رتب بين الطبقات بثم ومثله يكون الترتيب فيه جملياً بإجماع فقهاء الحنفية (الثانى) النص الصريح الذى أورده الواقف بعد ذلك وهو قوله (الطبقة العليا منهم أبداً تحجب الطبقة السفلى) وغرض الواقف من هذه العبارة هو عدم إعطاء أحد من الطبقة السفلى ما دام أحد من العليا، وهذا المعنى هو الذى يجب حمل كلام الواقف عليه (المادة 10 من القانون رقم 48 لسنة 1946) هذا رأى الفقه الحنفى وبمقتضاه يتعين عدم تطبيق المادة 32 من قانون الوقف، لأن المادة 58 من القانون المذكور نصت على عدم تطبيق المادة على الأوقاف الصادرة قبل العمل بالقانون إذا كان فى كتاب الوقف نص يخالفها وقد وجد هذا النص على الوجه المشروح سابقاً..." فإن هذا الذى انتهى إليه الحكم لا مخالفة فيه للقانون ولا يوهن منه ما قرره من أن لفظ "ثم" يفيد الترتيب الجملى، إذ استدل به على أن الواقف قصد الترتيب بين الطبقات ثم ربط الحكم بين العبارات التى أوردها الواقف ونصها "ثم من بعده لأولاده للذكر مثل حظ الأنثيين ثم لأولادهم ثم لأولاد أولادهم ثم لأولاد أولادهم ثم لذريتهم ونسلهم وعقبهم للذكر مثل حظ الأنثيين الطبقة العليا منهم أبدا تحجب الطبقة السفلى يستقل به الواحد منهم إذا انفرد ويشترك فيه الاثنان فما فوقهما عند الاجتماع يتداولون ذلك بينهم كذلك إلى حين انقراضهم أجمعين"، واستخلص الحكم من ذلك كله أن الترتيب جملى أخذاً بما هو مقرر - تطبيقاً للمادة العاشرة من القانون رقم 48 لسنة 1946 - من النظر إلى كتاب الوقوف باعتباره وحدة متماسكة بحيث يتفهم المعنى الذى أراده الواقف من مجموع كلماته وعباراته على اعتبار أنها جميعاً قد تضافرت على الإفصاح عن ذلك المعنى، لما كان ذلك وكان ما انتهى إليه الحكم المطعون فيه فى تفسير كتاب الوقف لا تشوبه شائبة ولم تخرج المحكمة فيه وفى تقصى المعنى الذى أراده الواقف منه عما يؤدى إليه مدلول عبارته وجاء حكمها فى هذا الخصوص مطابقاً للنصوص الفقهية والقواعد اللغوية، فإنها ليست ملزمة بتعقب حجج الخصوم وأوجه دفاعهم والرد على كل منها استقلالاً ما دام قضاؤها يقوم على ما يحمله، ويكون النعى على الحكم بالخطأ فى تطبيق القانون والقصور فى التسبيب على غير أساس، لما كان ذلك وكان ما أثبته الحكم من أن الوقف مرتب بين البطون لم ينسبه إلى كتاب الوقف وإنما جاء تعبيراً من الحكم ذاته عن الطبقات بدليل إفصاحه فى سياق آخر عن هذا المعنى واستعماله كلاً من كلمتى البطون والطبقات فى مقام واحد فإنه لا يكون هناك ثمة مخالفة للثابت بالأوراق.
وحيث إن حاصل السبب الخامس مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون، وفى بيان ذلك يقول الطاعنون أن الحكم جرى فى قضائه على أن الملكية لا تؤول لهم طبقاً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإنهاء الوقف على غير الخيرات، لأنه لا يراد بها إلا ذرية المستحقين بالفعل وهم الذين توفوا بعد دخولهم فى الاستحقاق، لأن لفظ "المستحق" إنما يطلق حقيقة على المستحق بالفعل لا على المستحق بالقوة الذى يستحق فى المستقبل عندما يأتى دوره فى الاستحقاق عملاً بقاعدة أن الأصل استعمال اللفظ فى الحقيقة ولا يستعمل فى المجاز إلا بقرينة، هذا فى حين أن تفسير عبارة ذوى الاستحقاق الواردة بالمادة سالفة الذكر إنما تنصرف لإطلاق النص إلى المستحق حالاً أو مالاً من الموقوف عليهم وقد أفصح المشرع عن ذلك فى المذكرة الإيضاحية للقانون سالف البيان وهى صريحة فى أن الفرع الذى كان محجوباً مؤقتاً بنص من الواقف يمتلك فى الوقف مع طبقة أصله سواء مات أصله قبل الاستحقاق أو بعده، الأمر الذى يعيب الحكم بمخالفة القانون.
وحيث إن هذا النعى فى محله، ذلك أن النص فى المادة الثالثة من القانون رقم 180 لسنة 1952 بإلغاء نظام الوقف على غير الخيرات على أن "يصبح ما ينتهى فيه الوقف على الوجه المبين فى المادة السابقة ملكاً للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع فيه فإن لم يكن آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته فى الاستحقاق، وإن كان الوقف مرتب الطبقات آلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله فى الاستحقاق"، يدل على أن الشارع - وعلى ما جرى به قضاء هذه المحكمة - اراد أن يجعل ملكية ما انتهى الوقف فيه للواقف إن كان حياً وكان له حق الرجوع يستوى فى ذلك أن يكون قد احتفظ لنفسه بغلة الوقف أو جعل الاستحقاق لغيره حال حياته، فإن لم يكن الواقف حياً أو لم يكن له حق الرجوع آلت الملكية للمستحقين الحاليين كل بقدر حصته، وفى الوقف المرتب الطبقات تؤول الملكية إلى المستحقين الحاليين فيه وإلى ذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته أو حصة أصله، وهم ذرية من دخل فى الوقف وتناول استحقاقاً فيه، وكان من أهل الطبقة التى انحل عليها ثم توفى بعد الدخول وانتقل استحقاقه بحكم الترتيب الجملى إلى الباقين من أهل طبقته لا ذرية من توفى قبل دخوله فى الوقف واستحقاقه لشيء فيه ولم يكن بذلك من أفراد الطبقة التى انحل عليها الوقف ولا من ذوى الاستحقاق أو صاحب حصة ونصيب فيه، وهى أوصاف وقيود قصد إليها الشارع وعناها بقوله وآلت الملكية للمستحقين الحاليين ولذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقته كل بقدر حصته أو حصة أصله، ولا تصدق فى حق من توفى أصله قبل الدخول فى الوقف، وإذ كان الثابت فى الدعوى أن أصول الطاعنين قد ماتوا جميعاً قبل أن يكونوا مستحقين بالفعل لحجبهم بمن هم أعلا منهم طبقة، وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وجرى فى قضائه على أن "... المستحق يطلق حقيقة على المستحق بالفعل ويطلق مجازاً على المستحق بالقوة وهو الذى يستحق فى المستقبل عندما يأتى دوره فى الاستحقاق. وقد ذكر علماء الأصول أن الأصل هو استعمال اللفظ فى حقيقته ولا يصار إلى استعماله فى المجاز إلا بقرينة صارفة عن استعماله فى الحقيقة ولم توجد هذه القرينة الصارفة بل وجد ما يؤكد استعمال اللفظ فى حقيقته وهو شرط الواقف السابق ذكره وعدم تطبيق المادة 32 إعمالاً لنص المادة 58، ومن ثم فإن ما نصت عليه المادة الثالثة من قانون الوقف من أنه يحل على المستحقين الحاليين وعلى ذرية من مات من ذوى الاستحقاق من طبقتهم كل بقدر حصته، لا يرد بهذا النص إلا ذرية المستحقين بالفعل وهم الذين توفوا بعد دخولهم فى الاستحقاق وهذا هو الفهم الصحيح وإلا فكل موقوف عليه ولم يأت دوره فى الاستحقاق يعتبر مستحقاً ثم أنه يوجد فرق بين المستحق والموقوف عليه فالموقوف عليه أعم من أن يكون مستحقاً فى الحال أو فى المآل والمستحق لا يراد به فى هذه المادة إلا بعد أن دخل فى هذا الاستحقاق بالفعل... وحيث إن المستأنفين - الطاعنين - يقولون بدعواهم أن بعضهم من الطبقة السادسة وبعضهم من الطبقة السابعة وأن أصولهم كانوا من أفراد الطبقة الخامسة وماتوا قبل انقراض الطبقة الرابعة، وإعمالاً لنص المادة الثالثة يكون كل من كان أصله من أفراد الطبقة الخامسة التى انحل عليها الوقف بصدور القانون رقم 180 لسنة 1952 لكن هذا الأصل قد توفى قبل انقراض الطبقة الرابعة وقبل أيلولة الوقف إلى الطبقة الخامسة فلا يكون هذا الأصل مستحقاً بالفعل ولا يصدق على أولاده أنهم من ذوى الاستحقاق ولا تؤول إليهم ملكية ما انتهى الوقف فيه وهكذا فى كل طبقة توفى فيها الأصل قبل انقراض الطبقة العليا فلا تطبق على الذرية أحكام المادة الثالثة المذكورة ويتعين تفسير شرط الواقف على أساس ما ذكر...." فإنه لا يكون قد خالف القانون.
وحيث إنه لما تقدم يكون النعى برمته على غير أساس.