أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 24 - صـ 1213

جلسة 4 من ديسمبر سنة 1973

المؤلفة من السيد المستشار/ عباس حلمى عبد الجواد رئيساً وعضوية السادة المستشارين/ محمد طايل راشد وعثمان حسين عبد الله ومحمد توفيق المدنى ومحمد كمال عباس - أعضاء.

(211)
الطعن رقم 187 لسنة 39 القضائية

(1) دعوى. "دعوى عدم نفاذ التصرف".
دعوى عدم نفاذ التصرف. التواطؤ بين المدين والمتصرف إليه على
الإضرار بحقوق الدائن وقت صدور التصرف. ركن لقيامها فى عقود المعاوضات.
(2) محكمة الموضوع. "تقدير الدليل". إثبات. نقض. "السبب المتعلق بالواقع".
تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاضى الموضوع متى أقيم على أسباب سالفة. المنازعة فى ذلك جدل موضوعى - عدم جواز إثارته أمام محكمة النقض.
1 - مفاد نص المادتين 237، 238/ 1 من القانون المدنى أن الغش الواقع من المدين وحده فى عقود المعاوضات لا يكفى لعدم نفاذ تصرفه فى حق الدائن بل يجب على الدائن إثبات التواطؤ بين المدين وبين المتصرف إليه على الإضرار بحقوق الدائن لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها، وأن يثبت أن الغش موجود وقت صدور التصرف المطعون فيه(1). وإذ كان يبين مما قرره الحكم المطعون فيه واسس عليه قضاءه أنه استخلص من أقوال الشهود والقرائن التى أوردها أن المتصرف إليه - مشترى العقار - لم يكن يعلم أن التصرف يؤدى إلى إعسار - البائع - ورتب على ذلك عدم توافر الغش فى جانب المتصرف إليه بما ينتفى معه أحد أركان دعوى عدم نفاذ التصرف فإنه يكون قد طبق القانون تطبيقاً صحيحاً.
2 - تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاضى الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض، متى كان ذلك مقاماً على أسباب سائغة. وإذ كان ما أستخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وما استنبط من القرائن من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها ويبرر قضاءه برفض دعوى الطاعنة لعدم توافر أركانها، فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون مجادلة فى تفسير محكمة الموضوع للمستندات وفى تقديرها للأدلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التى أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليها، مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون ضده الاول أقام على المطعون ضده الثانى الدعوى رقم 738 سنة 1964 كلى شبين الكوم وطلب الحكم بصحة ونفاذ العقد المؤرخ 24/ 9/ 1964 الصادر له من هذا الأخير ببيعه له 14 قيراطاً و3 أسهم أطياناً زراعية مبينة بالصحيفة لقاء ثمن قدره 840 جنيهاً. تدخلت الطاعنة فى الدعوى ودفعت بعدم نفاذ عقد البيع فى حقها، استناداً إلى أنها تداين زوجها المطعون ضده الثانى بدين نفقة لها ولأولادها منه بموجب الحكم الصادر فى الدعوى رقم 905 لسنة 1949 أحوال شخصية تلا وإذ تجمد فى ذمته مبلغ 223 جنيهاً و330 مليماً فقد وجهت إلى المطعون ضده الأول الذى يستأجر الأطيان المملوكة لزوجها والآنف ذكرها إنذاراً فى 23/ 8/ 1959 بعدم دفع أيه مبالغ من الأجرة أو غيرها إليه وحذرته من شرائها ثم طلبت إلى رئيس المحكمة الابتدائية اصدار أمر باختصاصها بمقدار 11 قيراطاً و6 أسهم من تلك الأطيان إلا أن المطعون ضدهما تواطأ ضدها بأن أبرما بينهما العقد موضوع الدعوى يقصد الإضرار بحقوقها، وبعد أن قبلت المحكمة الابتدائية تدخل الطاعنة فى الدعوى قضت فى 3/ 10/ 1966 بإحالة الدعوى إلى التحقيق لتثبت الطاعنة بكافة طرق الإثبات بما فيها شهادة الشهود أن العقد موضوع الدعوى انطوى على غش من جانب المطعون ضده الثانى وأن المطعون ضده الأول على علم بهذا الغش وليثبت المطعون ضدهما أن هذا البيع لم ينطو على تصرف مفقرٍ وصرحت لكل من الطرفين ينفى ما يثبته الآخر بذات الطرق، وقد سمعت المحكمة شهود الطرفين ثم قضت بتاريخ 27/ 2/ 1967 برفض الدفع بعدم نفاذ التصرف وبصحة ونفاذ عقد البيع المشار إليه. استأنفت الطاعنة هذا الحكم بالاستئناف رقم 258 سنة 17 ق طنطا، وفى 12/ 2/ 1968 حكمت محكمة الاستئناف بتأييد الحكم المستأنف. طعنت الطاعنة فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره أصرت النيابة على رأيها. وحيث إن الطعن أقيم على أربعة أسباب تنعى الطاعنة بالأول منها على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، وتقول فى بيان ذلك أن الحكم قضى برفض الدفع المبدى منها بعدم نفاذ التصرف فى حقها استناداً إلى أن أقوال الشهود إثباتاً ونفياً قد خلت مما يفيد علم المدين بأن تصرفه يترتب عليه إعساره مما لا تتوافر معه شروط الدعوى البوليصية، هذا فى حين أنه إذا ادعى الدائن إعسار المدين فليس عليه وفقاً لنص المادة 239 من القانون المدنى إلا أن يثبت مقدار ما فى ذمة المدين من ديون، وعلى هذا الأخير أن يقيم الدليل على أن له ما لا يعادل قيمة هذه الديون على الأقل، وأنه طبقاً لنص المادة 238 من ذلك القانون إذا كان التصرف بعوض فإنه يشترط لعدم نفاذه فى حق الدائن أن يكون منطوياً على غش من المدين وأنه يكفى لاعتبار التصرف كذلك أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسر، وإذ كان المدين - المطعون ضده الثانى - يعلم بدين النفقة المحكوم بها عليه للطاعنة وأولادها، وأنه بتصرفه فى الأطيان موضوع الدعوى يكون قد تجرد من جميع أمواله، فإنه يكون عالماً بإعساره مما يترتب عليه عدم نفاذ البيع فى حق الطاعنة، ومن ثم يكون الحكم المطعون فيه إذ لم يلتزم هذا النظر وقضى برفض الدفع بعدم نفاذ التصرف قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه. وحيث إن هذا النعى مردود ذلك أنه لما كانت المادة 237 من القانون المدنى تنص على أن "لكل دائن أصبح حقه مستحق الأداء وصدر من مدينه تصرف ضار به أن يطلب عدم نفاذ هذا التصرف فى حقه إذا كان التصرف قد أنقص من حقوق المدين أو زاد فى التزاماته وترتب عليه إعساره أو الزيادة فى إعساره" وكانت المادة 238/ 1 منه تقضى بأنه "إذا كان تصرف المدين يعوض اشتراط لعدم نفاذه فى حق الدائن أن يكون منطوياً على غش من المدين وأن يكون من صدر له التصرف على علم بهذا الغش ويكفى لاعتبار التصرف منطوياً على الغش أن يكون قد صدر من المدين وهو عالم أنه معسر، كما يعتبر من صدر له التصرف عالماً بغش المدين إذا كان قد علم أن هذا المدين معسر فإن مفاد هذين النصين أن الغش الواقع من المدين وحده فى عقود المعاوضات لا يكفى لعدم نفاذ تصرفه فى حق الدائن، بل يجب على الدائن إثبات التواطؤ بين المدين وبين المتصرف إليه على الإضرار بحقوق الدائن لأن الغش من الجانبين هو من الأركان الواجب قيام دعوى عدم نفاذ التصرفات عليها، وأن يثبت أن الغش موجود وقت صدور التصرف المطعون فيه، لما كان ذلك وكان الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه، بعد أن استعرض اقوال الشهود، أقام قضاءه برفض الدفع بعدم نفاذ التصرف على قوله. "أنه إذا صح أنه يقع على الخصيمة الثالثة - الطاعنة - عبء إثبات أن المدعى - المطعون ضده الأول - كان يعلم بأن التصرف قد ترتب عليه إعسار المدين - المطعون ضده الثانى - أو زيادة فى إعساره وقدمت لذلك الإنذار الرسمى الموجه منها للمدعى فى 27/ 8/ 1959 فإن ما حمله هذا الإنذار هو وجود دين نفقة لها قبل المدعى عليه وأنها فى سبيل استصدار أمر اختصاص على الأرض موضوع الدعوى ونزع ملكيتها وأنها لذلك تنبه على المدعى باعتباره مستأجراً لها بعدم الوفاء بالإيجار للمدعى عليه أو أداء أو أية مبالغ له بنوع الشراء أو الرهن، ومع هذا فإن عبارات الانذار خلت من كون هذه الأرض هى كل ما يملكه المدين، وأن التصرف فيها يترتب عليه إعساره أو زيادة فى إعساره وفضلاً عن ذلك فإنه يشترط فى الإعسار أن يكون مقارناً لوقت حصول التصرف المطعون فيه وجدير بالذكر أنه بالرغم من هذا الإنذار فإن الخصيمة الثالثة لم تستصدر حق الاختصاص المشار إليه ولم تتخذ أيه إجراءات للتنفيذ على هذه الأطيان، بل ذهب المدعى فى معرض التدليل على حسن نيته إلى أنه بعد ذلك عادت الحياة الزوجية بين الخصيمة الثالثة والمدعى عليه بدليل إنجابهما المولودة سميحة فى 21/ 1/ 1962 طبقاً للمستخرج الرسمى السابق الإشارة إليه وقبل مشتراه للأرض فى 24/ 9/ 1964 وأنه من جانب آخر فإن المحكمة لا تطمئن إلى أقوال شهود الخصيمة الثالثة الذين تربطهم بها صلة قربى أو نسب دفعتهم إلى مجاملتها على حساب المدعى ولا أدل على ذلك من إنكار الشاهد الأول وهو عمها معرفة ما إذا كانت قد أنجبت من المدعى عليه بعد توجيه الإنذار من عدمه على خلاف الحقيقة من كونها أنجبت المولودة سميحة فى سنة 1962، وإنكار الشاهد الثالث صلة النسب ثم عودته إلى الإقرار بها ومع هذا فإنه بفرض كون المدعى عليه الذى يعمل موظفاً بأحد المصانع بالقاهرة لا يملك سوى أرض النزاع على النحو المستفاد من أقوال الشهود إثباتاً ونفياً وكون التصرف فى هذه الأرض يترتب عليه إعساره فإن أقوال الشهود إثباتاً ونفياً خلت من دليل على علم المدين بأن هذا التصرف يترتب عليه الإعسار الأمر الذى يكون معه طلب الحكم بعدم نفاذ التصرف استناداً لقواعد الدعوى البوليصية يفتقر إلى الدليل المؤيد له" وكان يبين من هذا الذى قرره الحكم وأسس عليه قضاءه أنه استخلص من أقوال الشهود والقرائن التى أوردها أن المتصرف إليه - المطعون ضده الأول - لم يكن يعلم أن التصرف يؤدى إلى إعسار البائع - المطعون ضده الثانى - ورتب على ذلك عدم توافر الغش فى جانب المطعون ضده الأول بما ينتفى معه أحد أركان دعوى عدم نفاذ التصرف فإن الحكم يكون بذلك قد طبق القانون تطبيقا صحيحا، ولا عبرة بأن تكون أسباب الحكم قد ورد بها أن أقوال الشهود قد خلت من علم المدين بأن هذا التصرف يترتب عليه الإعسار إذ أن ذلك وعلى ما يستفاد من سياق الحكم وما يستقيم به المعنى لا يعدو أن يكون من قبيل الخطأ المادى فى عبارة الحكم التى قصد بها أن أقوال الشهود قد خلت من علم المدعى - المتصرف إليه - بإعسار المدين. لما كان ذلك، فإن النعى على الحكم بهذا السبب يكون غير سديد.
وحيث إن الطاعنة تنعى بباقى الأسباب على الحكم المطعون فيه الفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت بالاوراق والقصور فى التسبيب وتقول فى بيان ذلك أن الحكم استخلص من الإنذار الموجه منها إلى المطعون ضده الأول أنه لم يكن على علم وقت البيع بإعسار المطعون ضده الثانى مع أن عبارات هذا الإنذار تؤدى إلى عكس ذلك، كما ذهب الحكم إلى أن أقوال الشهود قد خلت من إثبات علم المدين المطعون ضده الثانى بأن التصرف يترتب عليه إعساره وذلك على خلاف الثابت بأقوالهم، وكذلك اتخذ الحكم من معاشرة الطاعنة لزوجها المطعون ضده الثانى وإنجابها منه قرينة على سقوط حكم النفقة فى حين أن ذلك لا يؤدى إلى ما استنبطه الحكم منه فقد شهد شهودها بأن الخلاف كان مستحكماً بينها وبين زوجها وأن الوفاق بينهما لم يكن يستمر طويلاً وتضيف الطاعنة أنها قدمت إلى المحكمة تدليلاً على قيام حكم النفقة، ما يفيد أنها طلبت إصدار أمر باختصاصها بأطيان مدينها غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع الجوهرى مما يعيبه بالقصور فى التسبيب علاوة على الفساد فى الاستدلال ومخالفة الثابت فى الأوراق.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله ذلك أنه لما كان الثابت من الحكم المطعون فيه وعلى ما سلف البيان فى الرد على السبب الأول أن عبارات الإنذار الموجهة من الطاعنة إلى المطعون ضده الأول قد خلت مما يفيد أن الأرض المؤجرة إلى هذا الأخير هى كل ما يملكه المدين - المطعون ضده الثانى - وأن تصرفه فيها من شأنه أن يؤدى إلى إعساره، واستخلص الحكم من ذلك أن ما ورد بهذا الإنذار لا يصلح دليلاً لإثبات الغش فى جانب المتصرف إليه - المطعون ضده الأول - فإنه يكون قد فسر الإنذار تفسيراً سائغاً تحتمله عباراته مما يدخل فى حدود سلطة محكمة الموضوع فى تفسير المسنتدات وكان الحكم بعد أن أورد أقوال الشهود قد خلص منها كذلك إلى عدم علم المتصرف إليه بإعسار المدين كما اتخذ من إنجاب الطاعنة من زوجها المدين - بعد حصولها على حكم بالنفقة عليه وانقضاء عدة سنوات دون تنفيذه دليلاً على حسن نية المتصرف إليه ورد على ما أثارته الطاعنة بشأن طلبها إصدار أمر بالاختصاص بأطيان مدينها رداً كافياً، وكان تقدير أقوال الشهود والقرائن مما يستقل به قاضى الموضوع دون معقب عليه من محكمة النقض، متى كان ذلك مقاماً على أسباب سائغة. لما كان ذلك وكان ما استخلصه الحكم المطعون فيه من أقوال الشهود وما استنبطه من القرائن من شأنه أن يؤدى إلى النتيجة التى انتهى إليها ويبرز قضاءه برفض دعوى الطاعنة لعدم توافر أركانها فإن ما تثيره الطاعنة لا يعدو أن يكون مجادلة فى تفسير محكمة الموضوع للمستندات وفى تقديرها للادلة بغية الوصول إلى نتيجة أخرى غير التى أخذ بها الحكم بعد أن اطمأن إليها مما لا تجوز إثارته أمام محكمة النقض. لما كان ما تقدم فإن النعى على الحكم بهذه الأسباب يكون على غير أساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.


(1) نقض 27/ 1/ 1971 مجموعة المكتب الفنى س 22 صـ 565.