أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1311

جلسة 2 من ديسمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ محمد صادق الرشيدى نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ أحمد سميح طلعت، وأديب قصبجى، ومحمد فاضل المرجوشى، وحافظ الوكيل.

(205)
الطعن رقم 419 لسنة 36 القضائية

( أ ) عمل. قوة الأمر المقضى.
المنع من إعادة النزاع فى المسألة المقضى فيها. شرطه. أن تكون المسألة واحدة فى الدعويين تناقش فيها الطرفان فى الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول. وتكون هى بذاتها الأساس فيما يدعيه بعد فى الدعوى الثانية أى الطرفين قبل الآخر. مثال فى دعوى عمالية.
(ب) دعوى. "مصروفات الدعوى". اختصاص.
قضاء القرار المطعون فيه بعدم الاختصاص الولائى بعد بحث جميع عناصر النزاع، والانتهاء إلى نفى علاقة العمل التى كانت المدار الرئيسى للنزاع بين الطرفين. إلزامه خاسر الدعوى بمصروفاتها. لا خطأ.
1- إذا كان الثابت من النزاع السابق رقم... أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة أن الطاعنة (النقابة) طلبت الحكم بتقرير عمولة لبائعى البترول الجائلين بالقاهرة، وقد استعرضت الهيئة عناصر النزاع وقضت بعمولة قدرها أربعة جنيهات شهرياً لكل منهم، وتناولت فى أسباب قضائها الخلاف الذى قام بين الطرفين حول تكييف العلاقة القانونية التى تربط هؤلاء البائعين بالشركات المطعون ضدها وهل هى علاقة تجارية أم علاقة عمل، وانتهت الهيئة إلى أن هذه العلاقة هى علاقة عامل برب عمل، وكان موضوع النزاع الحالى تقرير العمولة سالفة البيان للبائعين الجائلين بمنطقتى الجيزة والمرج الذين انضموا إلى النقابة أخيراً أسوة بزملائهم فى القاهرة، وهو موضوع يختلف عن الموضوع السابق لأن هؤلاء البائعين بمنطقتى الجيزة والمرج لهم كيانهم الذاتى ولهم أوضاعهم المادية والقانونية التى لم يمتد النظر إليها فى النزاع السابق ولم تكن طبيعة علاقتهم بالشركات المطعون ضدها من بين مواطن الخلاف التى ثار حولها الجدل فى ذلك النزاع. فالثابت أن النقابة قصرت طلباتها فى النزاع السابق على تقرير العمولة للباعة فى القاهرة وحدهم وقد صدر القرار رقم... بالنسبة لهؤلاء العمال، وهذا التخصيص يحول دون اعتبار مسألة التكييف التى حسمتها الهيئة فى النزاع المشار إليه مسألة عامة شاملة ينبسط نطاقها لشمول بائعى البترول فى المناطق الأخرى لأن حجية الأحكام يجب أن تقدر بقدرها ولا يجوز أن تخرج عن الدائرة المرسومة لها. لما كان ذلك، وكان المنع من إعادة النزاع فى المسألة المقضى فيها يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة فى الدعويين ويجب لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسألة المقضى فيها نهائياً مسألة أساسية يكون الطرفان قد تناقشا فيها فى الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول، وتكون هى بذاتها الأساس فيما يدعيه بعد فى الدعوى الثانية أى الطرفين قبل الآخر من حقوق متفرعة عنها، وإذ كان ذلك غير متوافر فى النزاع الحالى على ما سلف القول فإن النعى على القرارين المطعون فيهما لصدورهما على خلاف حكم سابق يكون فى غير محله.
2 - لما كان الثابت أن القرارين المطعون فيهما وإن قضيا فى منطوقهما بعدم الاختصاص الولائى إلا أن الهيئة واجهت جميع عناصر النزاع وانتهت فى قضائها إلى نفى علاقة العمل التى كانت المدار الرئيسى للنزاع الثائر بين الطرفين وبالتالى عدم انطباق قانون العمل، لما كان ذلك، وكان القراران المطعون فيهما قد طبقا القاعدة العامة المقررة فى قانون المرافعات وألزما خاسر الدعوى بمصروفاتها فإنهما لا يكونان قد خالفا القانون.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
وحيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من القرارين المطعون فيهما وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن الطاعنة طلبت إلى مكتب عمل جنوب القاهرة بموجب الطلبين المؤرخين 16/ 7/ 1953، 12/ 2/ 1953 زيادة أجور بائعى البترول المتجولين بمنطقتى الجيزة والمرج العاملين بالشركات المطعون ضدها بما مقداره أربعة جنيهات شهرياً لكل منهم ابتداء من أول مارس سنة 1950 أسوة بزملائهم الذين يقومون بذات العمل فى مدينة القاهرة ونظراً لعدم إمكان التوفيق بين الطرفين أحيل النزاع إلى لجنة التوفيق التى أحالته بدورها إلى هيئة التحكيم وقيد الطلبان لديها برقمى 232، 245 لسنة 1953. وبجلسة 26 مايو سنة 1954 قررت الهيئة فيهما ندب مكتب الخبراء الحسابيين بوزارة العدل لبحث علاقة الوكلاء - وكلاء الشركات المطعون ضدها - بموزعى البترول وما إذا كانوا عمالا عند الوكلاء أو أنهم يشتغلون لحسابهم الخاص نظير عمولة تقدر على أساس المقدار الذى يوزع أو هناك طريقة اخرى متبعة. وبحث نظام العمل والاطلاع على ما يقدمه الطرفان من مستندات مع بيان ما إذا كان للشركات دخل فى هذا النظام، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت هيئة التحكيم بجلسة 26/ 6/ 1955 بعدم اختصاصها على أساس أن الباعة السريحة موزعى البترول ليسوا عمالاً لدى الشركات. طعنت النقابة على هذين القرارين بالنقض بموجب الطعنين 403، 404 لسنة 25 ق، فقضت محكمة النقض بنقضهما فى 30/ 6/ 1960. أعيد النزاع إلى هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة حيث تمسكت النقابة بحجية قرار هيئة التحكيم فى النزاع رقم 4 لسنة 1951 وحكم محكمة القضاء الإدارى رقم 667 سنة 5 ق، فأصدرت هيئة التحكيم قراريها فى 25/ 5/ 1966 ويقضى كل منهما بعدم اختصاصها ولائياً ينظر النزاع مع إلزام الطاعنة المصروفات. طعنت الطاعنة فى هذين القرارين بالنقض وقدمت النيابة العامة مذكر طلبت فيها رفض الطعن وبالجلسة المحددة تمسكت بهذا الرأى.
وحيث إن حاصل السبب الأول أن الحكم المطعون فيه أخطأ فى تطبيق القانون بمناقضته حجية القرار رقم 4 لسنة 1951 الصادر من هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة فى 21/ 6/ 1952، والحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى رقم 667 لسنة 5 ق بجلسة 1/ 4/ 1952، وفى بيان ذلك تقول الطاعنة إن الشركات المطعون ضدها كانت قد نازعتها فى اعتبار الباعة الجائلين بمنطقة القاهرة عمالاً تسرى عليهم قوانين العمل وصدر قرار وزير الشئون الاجتماعية فى ظل القانون المعمول به وقتئذ رقم 105 لسنة 1948 بإحالة النزاع إلى هيئة التحكيم، وطعنت الشركات على هذا القرار أمام محكمة القضاء الإدارى، طالبة إلغاءه بالدعوى رقم 677 لسنة 5 ق على أساس أن هؤلاء الباعة ليسوا عمالاً فقضت محكمة القضاء الإدارى برفض الدعوى بحكم جاء فى أسبابه أن علاقة الشركات بهؤلاء الباعة السريحة هى علاقة رب العمل بعامل - ثم قدمت النقابة الطاعنة الطلب رقم 4 لسنة 1951 إلى هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة بالنسبة لعمال القاهرة ونازعتها الشركات فى صفة أعضائها وصدر قرار هيئة التحكيم بتقرير أن هؤلاء الأعضاء عمال تسرى عليهم قوانين العمل، واستطردت الطاعنة بأن هذا القضاء فصل فى مسألة كلية شاملة ثارت بين الخصوم، وهى بهذه المثابة تحوز حجية الشىء المقضى فيه بالنسبة لكل حق جزئى متفرع عن ذات المسألة وترتيباً على ذلك، فإن صفة العامل لا تلحق فقط الباعة الجائلين بالقاهرة وإنما تنسحب كذلك على زملائهم بمنطقتى الجيزة والمرج، وعلى الرغم من أنها - الطاعنة - تمسكت بحجية هذا القضاء أثناء نظر القرارين المطعون فيهما. إلا أن الهيئة رفضت الاعتداد بهذه الحجية فجاء قضاءها على خلاف هذا القضاء النهائى السابق مشوباً بالبطلان.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أن الثابت من النزاع السابق رقم 4 لسنة 1951 أمام هيئة التحكيم بمحكمة استئناف القاهرة أن الطاعنة طلبت الحكم بتقرير عمولة لبائعى البترول الجائلين بالقاهرة، وقد استعرضت الهيئة عناصر النزاع وقضت بعمولة قدرها أربعة جنيهات شهرياً لكل منهم وتناولت فى أسباب قضائها الخلاف الذى قام بين الطرفين حول تكييف العلاقة القانونية التى تربط هؤلاء البائعين بالشركات المطعون ضدها، وهل هى علاقة تجارية أم علاقة عمل وانتهت الهيئة إلى أن هذه العلاقة علاقة عامل برب عمل. أما موضوع النزاع الحالى فهو تقرير العمولة سالفة البيان للبائعين الجائلين بمنطقتى الجيزة والمرج الذين انضموا إلى النقابة أخيراً أسوة بزملائهم فى القاهرة، وهو موضوع يختلف عن الموضوع السابق لأن هؤلاء البائعين بمنطقتى الجيزة والمرج لهم كيانهم الذاتى ولهم أوضاعهم المادية والقانونية التى لم يمتد النظر إليها فى النزاع السابق ولم تكن طبيعة علاقتهم بالشركات المطعون ضدها من بين مواطن الخلاف التى ثار حولها الجدل فى ذلك النزاع. فالثابت أن النقابة قصرت طلباتها فى النزاع السابق على تقدير العمولة للباعة فى القاهرة وحدهم وقد صدر القرار رقم 4 لسنة 1951 بالنسبة لهؤلاء العمال وهذا التخصيص يحول دون اعتبار مسألة التكييف التى حسمتها الهيئة فى النزاع المشار إليه مسألة عامة شاملة ينبسط نطاقها لشموله بائعى البترول فى المناطق الأخرى، لأن حجية الأحكام يجب أن تقدر بقدرها ولا يجوز أن تخرج عن الدائرة المرسومة لها - لما كان ذلك، وكان المنع من إعادة النزاع فى المسألة المقضى فيها يشترط فيه أن تكون المسألة واحدة فى الدعويين، ويجب لتوافر هذه الوحدة أن تكون المسأله المقضى فيها نهائياً مسألة أساسية يكون الطرفان قد تناقشا فيها فى الدعوى الأولى واستقرت حقيقتها بينهما بالحكم الأول، وتكون هى بذاتها الأساس فيما يدعيه بعد فى الدعوى الثانية أى الطرفين قبل الآخر من حقوق متفرعة عنها، وإذ كان ذلك غير متوافر فى النزاع الحالى على ما سلف القول - فإن النعى على القرارين المطعون فيهما لصدورهما على خلاف حكم سابق يكون فى غير محله.
وحيث إن حاصل السبب الثانى أن كلاً من القرارين المطعون فيهما قد أخطأ فى تحصيل الواقعة مما يعيبه بالبطلان، وفى بيان ذلك تقول الطاعنة إن الهيئة أقامت قضاءها على ما جاء فى تقرير الخبير من أن الباعة السريحة يتقاضون عمولة لا أجراً وأن أسماء هؤلاء الباعة ترصد فى دفاتر المبيعات دون دفاتر الأجور، وأن الشركات لا تتدخل فى تحديد أماكن البيع والتوزيع، وأنه لا يوجد تفتيش من جانب الشركات على هؤلاء الباعة إلا فيما يتعلق بعلاقتهم بالعملاء - وهذا الذى جاء بأسباب القرارين يتعارض مع النتيجة التى انتهيا إليها، لأنه إذا كانت شركة البترول تراقب علاقة الباعة بالعملاء فإن معنى ذلك أنها تشرف على أعمالهم.
وحيث إن هذا النعى مردود بما أورده القراران المطعون فيهما من أن إدارة المواد البترولية بوزارة التموين وجهت نظر الشركات إلى ما لاحظته من أن "عربات توزيع الكيروسين لا تختم منتجاتهم بالرصاص بعد ملئها من المستودعات مما يتيح الفرصة لهؤلاء الباعة لخلط الكيروسين بمواد أخرى أقل سعراً بغية الكسب غير المشروع" وقد طلبت الإدارة من الشركات ضرورة التحقق من سلامة الأختام قبل اعادة ملء العربات، وإزاء هذه الأوامر المشددة من جانب الدولة إذا ما أطلقت الشركات مفتشيها للتحقق من سلامة الأختام تحقيقاً للمصلحة العامة، وإذا جازت هذه الشركات البائع بحرمانه من البيع فإن هذا الإجراء من جانب الشركات لا يعد إشرافاً بالمعنى الذى يضفى على هؤلاء الباعة صفة العمال، ذلك الإشراف الذى يتمثل فى تدخل صاحب العمل بسلطته هو وسيطرته هو للتحقق من قيام العامل بأعباء وظيفته، الأمر الذى يفتقر إليه العلاقة القائمة بين هؤلاء الباعة وبين وكلائهم ومن باب أولى بين الشركات المتنازع ضدها التى لا تربطها بها علاقة مباشرة" ولما كان ما استخلصته الهيئة فى هذا الخصوص متسقاً مع الوقائع التى استعرضتها ومبنيا على ما أوردته فى قراريها من ظروف هذا الإشراف وحدوده وأغراضه، فإنه لا سبيل إلى الجدل فى ذلك لدى محكمة النقض لتعلقه بواقع الدعوى وبالتالى يكون هذا النعى غير سديد.
وحيث إن حاصل السبب الثالث أن كلاً من القرارين المطعون فيهما أخطأ فى تطبيق القانون، إذ هو قضى بإلزام النقابة الطاعنة بمصروفات الدعوى مع أن ذلك لا يجوز إلا فى حالة رفض الدعوى عملاً بالمادة 7 من قانون العمل.
وحيث إن هذا النعى فى غير محله، ذلك أنه لما كان الثابت أن القرارين المطعون فيهما وإن قضيا فى منطوقهما بعدم الاختصاص الولائى، إلا أن الهيئة واجهت جميع عناصر النزاع وانتهت فى قضائها إلى نفى علاقة العمل التى كانت المدار الرئيسى للنزاع الثائر بين الطرفين وبالتالى عدم انطباق قانون العمل. لما كان ذلك، وكان القراران المطعون فيهما قد طبقا القاعدة العامة المقررة فى قانون المرافعات والزما خاسر الدعوى بمصروفاتها فإنهما لا يكونان قد خالفا القانون.