أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1317

جلسة 5 من ديسمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ عباس حلمى عبد الجواد، وعضوية السادة المستشارين/ عدلى بغدادى، ومحمود المصرى، وحافظ الوكيل، ومصطفى الفقى.

(206)
الطعن رقم 298 لسنة 37 القضائية

( أ ) نقض. "الخصوم فى الطعن". حكم. "حجية الحكم". قوة الأمر المقضى.
الطعن بالنقض لا يجوز إلا من المحكوم عليه. الخصومة فى الطعن مقصورة على الخصوم الحقيقيين فى النزاع. ليس لمن قبل الحكم الابتدائى ولم يطعن فيه بالاستئناف حق الطعن بالنقض.
(ب) ملكية. "أسباب كسب الملكية". ضريبة. "الضريبة على العقارات المبنية".
أسباب كسب الملكية. ليس من بينها القيد فى سجلات ضرائب العقارات المبنية.
(ج) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تفسير العقد". صلح. إثبات.
لمحكمة الموضوع سلطة تقدير ما ينطوى عليه العقد صلحا كان أو سواه من إقرار.
(د) إثبات. "الإقرار". صلح. "فسخ العقد".
الإقرار إخبار بأمر وليس إنشاء لحق. لا ترد عليه أحكام الفسخ. عدم سقوطه بعدم تنفيذ عقد الصلح الذى انطوى عليه.
(هـ) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تفسير العقود". عقد. "تفسير العقد".
لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود وتقدير أقوال الشهود واستخلاص ما تراه من القرائن دون رقابة عليها من محكمة النقض.
(و) محكمة الموضوع. "سلطتها فى تقدير أقوال الشهود". إثبات. "البينة". ونقض.
أقوال الشهود. المجادلة فيها مجادلة فى تقدير الدليل. لا رقابة لمحكمة النقض على محكمة الموضوع فيه.
(ز) محكمة الموضوع. "سلطتها فى مسائل الواقع". حكم "القصور". "ما لا يعد كذلك".
استخلاص محكمة الموضوع لحسن النية أو سوئها بأسباب سائغة. لا قصور. ولا فساد فى الاستدلال.
1- إذا كان الطعن فى الحكم لا يجوز إلا من المحكوم عليه، وكانت الخصومة فى الطعن أمام محكمة النقض لا تكون إلا بين من كانوا خصوما حقيقيين فى النزاع الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه، فإنه إذا كان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الاستئناف أقيم من بعض الطاعنين دون سواهم من المحكوم عليهم الذين يكونون بذلك قد قبلوا الحكم الابتدائى فحاز قوة الأمر المقضى فى حقهم فإنه لا يكون لمن عداهم الحق فى الطعن بطريق النقض.
2- لكسب الملكية أسباب حددها القانون ليس من بينها قيد اسم شخص بذاته فى السجلات التى تعدها الدولة لجباية الضرائب على العقارات المبينة مما ينتفى معه استدلال الطاعنين بتكليف العقار مثار النزاع باسم مورثهما وحده، فيما هو ناشب بين الطرفين من جدل حول الملكية ومن ثم فانه لا على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عن هذا الدفاع.
3 - لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى تقدير ما ينطوى عليه العقد صلحاً كان أو سواه من إقرار أحد طرفيه للآخر بحق متنازع فيه.
4 - لما كان الإقرار إخباراً بأمر وليس إنشاء لحق فلا ترد عليه أحكام الفسخ، فإن الحكم المطعون فيه وقد رد على دفاع الطاعنين المؤسس على أن عقد الصلح قد فسخ لعدم تنفيذ ما أبرم من أجله، بأن ذلك العقد ينطوى على إقرار بملكية المطعون عليه بوصفه شريكاً فى العقار، وأن هذا الإقرار لا يسقط بعدم تنفيذ عقد الصلح، فإن هذا الذى قرره الحكم صحيح فى القانون.
5- لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود استنباطاً لنية عاقديها وتفهماً لمراميها، وتقدير أقوال الشهود وإطراح ما لا يطمئن إليه وجدانها منها دون إلزام عليها بإبداء أسباب ذلك، ولها استخلاص ما تراه من القرائن مؤديا إلى اقتناعها، وذلك استعمالاً لحقها فى وزن الادلة وترجيح ما تراه منها متسقاً مع ظروف الدعوى كاشفاً عن وجه الحق فيها دون ما رقابة عليها من محكمة النقض ما دام نهجها فى ذلك مستنداً إلى أصول ثابتة فى أوراق الدعوى ومتسقا مع المنطق.
6- إذا كان الحكم بعد أن استعرض أقوال شهود الطاعنين، انتهى إلى عدم الأخذ بها للادلة السائغة التى أوردها فإن مجادلة الطاعنين فى ذلك لا تخرج عن كونها مجادلة فى تقدير الدليل وهو ما لا رقابة لمحكمة النقض فيه على محكمة الموضوع.
7 - لقاضى الموضوع سلطة تامة فى استخلاص حسن النية وسوئها من مظانها فى الدعوى، ومما يستشفه من ظروفها وملابساتها، فإذا استخلص الحكم سوء نية الطاعنين وأقام ذلك على أسباب سائغة، فإنه لا يكون معيباً بالقصور أو الفساد فى الاستدلال.


المحكمة

بعد الإطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر، والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليه أقام الدعوى رقم 3953 لسنة 1958 كلى القاهرة ضد الطاعنين، وطلب الحكم بإلزامهم أن يؤدوا إليه مبلغ 1310 من الجنيهات قيمة ريع نصيبه فى العقار المبين بصحيفة الدعوى الذى استأثر به مورثهم وهم من بعده وإذ أنكر الطاعنون على المطعون عليه ملكيته لهذا النصيب فقد ندبت المحكمة الابتدائية خبيراً لتطبيق مستندات ملكيته على العقار وتقدير صافى ريع حصته فيه، وتحقيق ما إذا كان الطاعنون ومورثهم من قبلهم قد كسبوا الملكية بوضع اليد المدة الطويلة، وبعد أن قدم الخبير تقريره قضت المحكمة بإلزام الطاعنين بأن يدفعوا للمطعون عليه مبلغ 572 ج، منها 315 ج من مال مورثهم والباقى بالتضامن بينهم. استأنف الطاعنان الأول والثانى هذا الحكم بالاستئناف رقم 1392 لسنة 81 قضائية القاهرة. وبتاريخ 25/ 1/ 1966 قضت محكمة الاستئناف بإحالة الدعوى إلى التحقيق ليثبت الطاعنان أنهما وباقى ورثة المرحوم نصر أحمد الحنك وهو من قبلهم قد حازوا عين النزاع بنية الملك، ولينفى المطعون عليه ذلك وبعد أن سمعت المحكمة الشهود قضت فى 19/ 3/ 1967 بتأييد الحكم المستأنف. طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض، وقدمت النيابة العامة مذكرة دفعت فيها بعدم قبول الطعن بالنسبة إلى الطاعنين من الثالث إلى السابعة لقبولهم الحكم الابتدائى بعدم طعنهم فيه بالاستئناف، وطلبت رفض الطعن المرفوع من الطاعنين الاول والثانى، والتزمت هذا الرأى بالجلسة المحددة لنظر الطعن.
وحيث إن هذا الدفع سديد، ذلك أنه لما كان الطعن فى الحكم لا يجوز إلا من المحكوم عليه، وكانت الخصومة فى الطعن أمام محكمة النقض لا تكون إلا بين من كانوا خصوماً حقيقيين فى النزاع الذى فصل فيه الحكم المطعون فيه، وكان الثابت من الحكم المطعون فيه أن الاستئناف رفع من الطاعنين الأول والثانى دون سواهما من المحكوم عليهم الذين يكونون بذلك قد قبلوا الحكم الابتدائى فحاز قوة الأمر المقضى فى حقهم، فإنه لا يكون لمن عدا الطاعنين الأول والثانى الحق فى الطعن بطريق النقض فى الحكم المطعون فيه، ومن ثم يتعين الحكم بعدم قبول الطعن المرفوع من الطاعنين من الثالث إلى السابعة.
وحيث إن الطعن المرفوع من الطاعنين الأول والثانى قد استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن هذا الطعن أقيم على سببين ينعى الطاعنان فى ثانيهما على الحكم المطعون فيه مخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه، ويقولان بياناً لذلك إن هذا الحكم قد أهدر الدلالة المستمدة من تكليف العقار مثار النزاع كله باسم مورثهما مما يفترض معه شراؤه له، وأن عقد الصلح الذى استند إليه الحكم فى القول بملكية المطعون عليه لنصيب فى العقار لا يصلح سبباً لإنشاء ملكية لا أصل لها بين المتصالحين، علاوة على فسخ ذلك الصلح لعدم تحقق ما أبرم من أجله وهو ما يعيب الحكم بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه.
وحيث إن هذا النعى مردود فى شقه الأول، ذلك أنه لما كان لكسب الملكية أسباب حددها القانون ليس من بينها قيد اسم شخص بذاته فى السجلات التى تعدها الدولة لجباية الضرائب على العقارات المبنية، مما ينتفى معه استدلال الطاعنين بتكليف العقار مثار النزاع باسم مورثهما وحده، فيما هو ناشب بين الطرفين من جدل حول الملكية، فإنه لا على الحكم المطعون فيه إن هو التفت عن هذا الدفاع. ومردود فى شقه الثانى بأنه لما كان لمحكمة الموضوع كامل السلطة فى تقدير ما ينطوى عليه العقد صلحاً كان أو سواه من إقرار أحد طرفيه للآخر بحق متنازع فيه، ولما كان الإقرار إخباراً بأمر وليس إنشاء لحق فلا ترد عليه أحكام الفسخ، ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على دفاع الطاعنين المؤسس على أن عقد الصلح قد فسخ لعدم تنفيذ ما أبرم من أجله بأن ذلك العقد ينطوى على إقرار بملكية المطعون عليه بوصفه شريكاً فى العقار، وأن هذا الإقرار لا يسقط بعدم تنفيذ عقد الصلح، وهذا الذى قرره الحكم صحيح فى القانون. لما كان ذلك فإن النعى على هذا الحكم بمخالفة القانون والخطأ فى تطبيقه يكون على غير أساس.
وحيث إن الطاعنين ينعيان على الحكم بالسبب الأول وبباقى السبب الثانى القصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال، ويقولان فى بيان ذلك إن محكمة الاستئناف قد فهمت خطأ أن جوهر دفاعهما يقوم على تملك مورثهما العقار كله بوضع اليد المدة الطويلة، فصرفها هذا عن بحث ما تمسكاً به من أن المطعون عليه لم يثبت ملكيته لنصيب فى العقار. كما أن الحكم المطعون فيه أهدر دفاعهما استنادا إلى عقد صلح قال إنه ينطوى على إقرار من مورثهما بحق المطعون عليه فى الملكية وإلى خطابات موجهة من هذا الأخير إلى ذلك المورث على فترات متباعده بطلب الريع وإلى صحيفة دعوى كان قد أعلنها بمطالبته بالريع فى سنة 1947 ولم يقيدها، واتخذ الحكم من ذلك دليلاً على ملكية المطعون عليه، فى حين أن الأوراق المشار إليها تفيد على عكس ما استخلصه الحكم منها مجابهة مورث الطاعنين للمطعون عليه بملكيته للعقار دونه، وأطرح الحكم أيضاً شهادة شهود الطاعنين بناء على أسباب قاصرة وغير سائغة، ويضيف الطاعنان أن الحكم اعتبر سوء نية مورثهما فى قبض ثمار العين دليلاً على سوء نية الطاعنين، وهذا كله من شأنه أن يعيب الحكم بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال.
وحيث إن هذا النعى برمته مردود، ذلك أنه لما كان لمحكمة الموضوع سلطة تفسير العقود استنباطاً لنية عاقديها وتفهماً لمراميها، وتقدير أقوال الشهود وإطراح ما لا يطمئن إليه وجدانها منها دون ما إلزام عليها بإبداء أسباب ذلك، ولها استخلاص ما تراه من القرائن مؤدياً إلى اقتناعها، وذلك استعمالاً لحقها فى وزن الأدلة وترجيح ما تراه منها متسقاً مع ظروف الدعوى كاشفاً عن وجه الحق فيها دون ما رقابة عليها من محكمة النقض، ما دام نهجها فى ذلك مستنداً إلى أصول ثابتة فى أوراق الدعوى ومتسقاً مع المنطق، وكان الثابت من مطالعة الحكم المطعون فيه أنه قد أقام قضاءه على ما ثبت لديه من ملكية المطعون عليه للقدر المطالب بريعه من العقار مثار النزاع وذلك بقوله "إن الثابت من تقرير الخبير الذى اطمأنت إليه المحكمة أن مستندات ملكية المستأنف عليه الأول (المطعون عليه). منطبقة على العقار موضوع التداعى وأنه يمتلك بالمشترى والميراث 130.59 متراً مربعاً تعادل 5 قيراط و16 س من 24 قيراطا، ومن ثم فلا ترى المحكمة محلاً لإجابة المستأنفين (الطاعنين) إلى طلبهما إعادة المأمورية للخبير لمجرد مجاراتهما فى التشكيك فى ملكية المستأنف عليه الأول الثابتة بما انتهى إليه الخبير، ولأن النيل منها من جانب المستأنفين بنى على مجرد أقوال لم تعزز بدليل مقنع" وكان يبين من هذا الذى قرره الحكم أنه واجه دفاع الطاعنين ورد عليه رداً سائغاً ويكفى لحمل قضائه. وإذ كان الحكم قد استخلص فى حدود سلطته الموضوعية من عقد الصلح المؤرخ 21/ 10/ 1935 ومن صور الخطابات المتبادلة بين المطعون عليه وبين مورث الطاعنين ما بين سنة 1935 وسنة 1946 بشأن طلب الريع، ومن صورة صحيفة الدعوى المرفوعة فى سنة 1947 من المطعون عليه ضد ذلك المورث بطلب الريع، والتى سلمت صورتها إلى الطاعن الثانى، إذ استخلص الحكم من ذلك أن مورث الطاعنين قد أقر للمطعون عليه بملكيته للقدر المطالب بريعه، وأن حيازة المورث له إنما كانت بالنيابة عن المطعون عليه فلا تكسب المورث الملكية، وكان هذا الاستخلاص من الحكم سائغاً ولا فساد فيه. لما كان ذلك، وكان الحكم بعد أن استعرض أقوال شهود الطاعنين انتهى إلى عدم الأخذ بها للأدلة السائغة التى أوردها، فإن مجادلة الطاعنين فى ذلك لا تخرج عن كونها مجادلة فى تقدير الدليل وهو ما لا رقابة لهذه المحكمة على محكمة الموضوع فيه. أما ما يعيبه الطاعنان على الحكم المطعون فيه من أنه اعتبر سوء نية مورثهما دليلاً على سوء نيتهما فى قبض الثمار فمردود بأن الحكم الابتدائى الذى أيده الحكم المطعون فيه وأخذ بأسبابه لم يدلل على سوء نية الطاعنين فى ذلك بسوء نية مورثهما، ولكنه دلل على ذلك - كما يبين من أسبابه - بأن حيازتهما للقدر المملوك للمطعون عليه بعد وفاة مورثهما انما كانت حيازة عرضية نيابة عن ذلك المطعون عليه، وهذا منه تحصيل واقعى سائغ يبرر النتيجة التى انتهى إليها، ولما كان لقاضى الموضوع سلطة تامة فى استخلاص حسن النية وسوئها من مظانها فى الدعوى، ومما يستشفه من ظروفها وملابساتها وكان استخلاص الحكم لسوء نية الطاعنين على ما سلف بيانه قائما على أسباب سائغة. لما كان ما تقدم جميعه فإن النعى على الحكم المطعون فيه بالقصور فى التسبيب والفساد فى الاستدلال يكون على غير اساس.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.