مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1997 إلى آخر فبراير سنة 1998) - صـ 641

(68)
جلسة 4 من يناير سنة 1998

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ على فؤاد الخادم رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ رائد جعفر النفراوى، وإدوارد غالب سيفين، وسامى أحمد محمد الصباغ، وأحمد عبد العزيز أبو العزم نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1769 لسنة 38 قضائية عليا

قرار إدارى - سحبه - ميعاد السحب - فحص القرار الإدارى - القرار المنعدم (الغش والتدليس).
القرارات الإدارية التى تولد حقاً أو مركزاً شخصياً للأفراد لا يجوز سحبها فى أى وقت وذلك استجابة لدواعى المصلحة العامة التى تقتضى استقرار تلك المراكز - إذا كانت غير مشروعة تعين على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً بحكم القانون وتصحيحا للاوضاع المخالفة إلا أن ذلك رهين بأن يكون ذلك خلال الفترة المحددة للطعن على القرار بدعوى الإلغاء - لا يجوز بعد انقضاء هذه الفترة التى اكتسب القرار فيها حصانه أن يكون عرضة لعملية السحب أو الإلغاء ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار - كل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمرا مخالفا للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله - ثمة استثناءات ترد على هذه القاعدة بحيث يجوز سحب القرار فيها حتى بعد مضى ستين يوماً - حالة حصول أحد الأفراد على قرار إدارى نتيجة غش أو تدليس من جانبه - التدليس عيب من عيوب الإرادة إذا شاب التصرف أبطله إعمالاً للأصل بأن الغش يفسد كل شيء - يتبقى أن يكون التدليس المصاحب لمراحل إصدار القرار الإدارى عملاً قصدياً يلجأ فيه صاحب الشأن إلى طرق احتيالية بنية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع يدفع فعلاً الإدارة إلى اصدار قراراها ويلزم فيه أيضاً أن يكون صادراً من المستفيد أو يثبت أنه كان يعلم به أو من المفروض حتماً أن يعلم به بحيث لا يضار المستفيد إن تخلف ركن العلم - أساس ذلك: معاقبة المدلس ذاته وحرمانه من نتيجة عمله. تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 20/ 5/ 1992 أودع الاستاذ/ ..... المحامى بالنقض بصفته وكيلاً عن الطاعن تقرير طعن بقلم كتاب المحكمة الإدارية العليا قيد بجدولها تحت رقم 1769 لسنة 39 ق. ع فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بأسيوط فى الدعوى رقم 287 لسنة 3 ق بجلسة 23/ 3/ 1992 القاضى برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المدعى المصروفات.
وطلب الطاعن بصفته للأسباب الواردة بتقرير الطعن الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه والقضاء مجدداً بوقف تنفيذ القرار المطعون فيه مع إلزام المطعون ضدهما المصروفات.
وجرى إعلان عريضة الطعن إلى المطعون ضدهما على النحو الثابت بالاوراق.
وأودعت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى فى الطعن انتهت فيه إلى قبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه وإلزام المطعون ضدهما المصروفات.
وتحدد لنظر الطعن أمام دائرة فحص الطعون جلسة 20/ 1/ 1997 وتداولت نظره بالجلسات التالية إلى أن قررت فى 2/ 6/ 1997 بإحالة الطعن إلى المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الأولى - موضوع) لنظره بجلسة 13/ 7/ 1997 حيث نظرته هذه المحكمة بجلساتها على النحو الثابت بمحاضرها وبجلسة 26/ 10/ 1997 قررت حجز الطعن ليصدر فيه الحكم بجلسة اليوم، وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على اسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع المرافعة وبعد المداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية المقررة قانوناً.
ومن حيث إن وقائع النزاع الماثل تتحصل فى أن الطاعن بصفته ولياً طبيعياً على ابنه/ ...... اقام الدعوى رقم 287 لسنة 3 ق أمام محكمة القضاء الإدارى بأسيوط طالباً الحكم بصفة مستعجلة بوقف تنفيذ قرار مدير مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنيا فيما تضمنه من إعادة قيد ابنه/ ...... فى المرحلة الإعدادية طبقاً لسنه، وفى الموضوع بإلغاء القرار وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام المدعى عليهما المصروفات.
وقال المدعى شرحاً لدعواه أن أبنه/ ...... التحق بالصف الأول الابتدائى فى العام الدراسى 82/ 1983 وحصل على شهادة إتمام الدراسة الابتدائية عام 1988 ثم التحق بالصف الأول الإعدادى فى العام الدراسى 88/ 1989 وحصل على شهادة إتمام الدراسة بمرحلة التعليم الأساسى الإعدادية عام 1991 والتحق بالصف الأول الثانوى بمدرسة أبو قرقاص الثانوية للبنين فى ذات العام - إلا أنه فوجئ فى 10/ 12/ 1991 بصدور قرار مدير مديرية التربية والتعليم بمحافظة المنيا متضمناً الموافقة على اعتبار قبول نجله فى الصف الأول الثانوى كأن لم يكن وإرجائه إلى الصف المناظر لسنه وهو الصف الثانى الإعدادى مع سحب الشهادة الإعدادية أو ما يفيد حصوله عليها. وقد صدر هذا القرار استناداً لفتوى إدارة الفتوى لوزارة التربية والتعليم العالى والجامعات بمجلس الدولة على سند من التحاق الطالب بالمدرسة ابتداء كان بطريق الغش والتدليس فى سنه وأن الجهة الإدارية لم تتبين الغش والتدليس إلا بعد نجاحه فى إتمام المرحلة الإعدادية.
ونعى المدعى على هذا القرار بمخالفته للقانون ذلك لأنه حتى بفرض صحة الوقائع فإنه يعتبر هو المسؤول عنها لأن ابنه فى جميع مراحل التعليم لم يكن سنه قد بلغ حد الإدراك الذى يتحقق به نسبة الغش أو التدليس أو حتى العلم اليقينى بوقوعه، وعلى ذلك فلا يجوز أن يضار من فعل غيره بعد أن تحقق له مركز قانونى بحصوله على شهادة إتمام المرحلة الابتدائية وكذلك شهادة إتمام مرحلة التعليم الأساسى الإعدادية وإلا كان فى القول بغير ذلك إجحاف بحقوق اكتسبها صحيحة وفقاً للقانون فضلاً عن تحصن تلك الحقوق بفرض أنها معيبة نتيجة مضى مدة الطعن عليها مما يكسبها حصانة من السحب أو الإلغاء.
وبتاريخ 23/ 3/ 1992 أصدرت محكمة القضاء الإدارى بأسيوط حكمها برفض طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه وألزمت المدعى المصروفات.
وأقامت المحكمة قضاءها على أساس الظاهر من الأوراق أن قيد نجل المدعى بالمرحلة الابتدائية ثم مرحلة التعليم الأساسى وحصوله على شهادة إتمامها قد تم بغش وتدليس من جانب ولى الأمر ومن ثم يكون قرار منحه تلك الشهادة وما تلا ذلك من قيده بالصف الأول الثانوى جرى على غير وجه حق ويكون القرار الصادر فى شأنه بترتيب هذه الأمور منعدماً لا يتحصن بفوات مواعيد الطعن ويجوز سحبه فى أى وقت. وبالتالى يكون ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار غير متحقق مما يتخلف معه مناط الحكم بوقف تنفيذه وبغير حاجة للبحث فى تحقق ركن الاستعجال لعدم جدواه.
ومن حيث إن مبنى الطعن الماثل يقوم على مخالفة الحكم المطعون فيه للقانون والخطأ فى تطبيقه وتأويله ذلك لأنه لو كان هناك غش أو تدليس حال إلحاق الطالب بالمدرسة الابتدائية فإن سنه لم يكن بلغ الرابعة آنذاك، كما أنه عند الالتحاق بالمرحلة الاعدادية لم يكن سنه تجاوز التاسعة، ومن ثم لم يتحقق فى شأنه الأهلية المدنية أو الجنائية حتى يمكن إلصاق هذا الوصف به، كما أنه لا يجوز أن يضار من فعل ولى أمره لأن مناط تطبيق نظرية الغش أن يكون تم من المستفيد وهو الأمر الذى لم يتحقق فى الحالة المعروضة ولا يحاج فى هذا الشأن بأن الغش تم من ولى أمره أو النائب القانونى عنه طالما أنه وهو المستفيد لم يكن فى السن التى تؤهله لتحمل المسئولية المدنية أو الجنائية أو يدرك المخاطر المترتبة على ما يقوم به غيره.
وأنهى الطاعن عريضة طعنه بطلب الحكم له بطلباته السابقة.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة جرى على أن سلطة وقف تنفيذ القرارات الإدارية عملاً بالمادة 49 من قانون مجلس الدولة مشتقة من سلطة الإلغاء وفرع منها وذلك ببسط الرقابة القانونية على القرار على أساس وزنه بميزان القانون وزناً مناطه المشروعية بالإضافة إلى ركن الاستعجال بأن ترى المحكمة أن نتائج تنفيذ القرار فى حينه يتعذر تداركها فيما لو بقى القرار نافذاً لحين الفصل فى طلب الإلغاء، وكلا الركنين من الحدود القانونية التى تحد محكمة أول درجة وتخضع لرقابة المحكمة الإدارية العليا.
ومن حيث إن المادة (45) من القانون المدنى الصادر بالقانون رقم 131 لسنة 1948 تنص على أنه "لا يكون أهلاً لمباشرة حقوقه المدنية من كان فاقداً التمييز لصغر فى السن.....".
وتنص المادة (46) على أن "كل من بلغ سن التمييز ولم يبلغ سن الرشد يكون ناقص الأهلية وفقاً لما يقرره القانون".
ومن حيث إنه وإن كان من المقرر أن قواعد القانون المدنى وضعت أصلاً لتحكم روابط القانون الخاص ولا تسرى وجوباً على روابط القانون العام، إلا أن القضاء الإدارى له أن يطبق من تلك القواعد ما يتلاءم مع هذه الضوابط وله أن يطورها بما يحقق هذه الملاءمة.
ولما كان من القواعد المستقر عليها أيضاً أن القرارات الإدارية التى تولد حقا أو مركزا شخصيا للأفراد لا يجوز سحبها فى أى وقت وذلك استجابة لدواعى المصلحة العامة التى تقتضى استقرار تلك المراكز، فإذا كانت غير مشروعة تعين على جهة الإدارة أن تسحبها التزاماً بحكم القانون وتصحيحاً للأوضاع المخالفة إلا أن ذلك رهين بأن يكون ذلك خلال الفترة المحددة للطعن على القرار بدعوى الإلغاء وذلك أيضاً لدواعى المصلحة العامة التى تقتضى أنه إذا صدر القرار معيباً وكان من شأنه ترتيب حق للغير فإن هذا القرار يجب أن يستقر عقب مضى فترة معينة على صدوره بحيث يسرى عليه بعد ذلك ما يسرى على القرار الصحيح الذى يصدر فى الموضوع ذاته ولا يجوز بعد انقضاء هذه الفترة التى اكتسب القرار فيها حصانة أن يكون عرضة لعملية السحب أو الإلغاء ويصبح عندئذ لصاحب الشأن حق مكتسب فيما تضمنه القرار.
وكل إخلال بهذا الحق بقرار لاحق يعد أمراً مخالفاً للقانون يعيب القرار الأخير ويبطله، إلا أن ثمة استثناءات ترد على هذه القاعدة بحيث يجوز سحب القرار فيها حتى بعد مضى ستين يوماً على صدور القرار أو العلم به، من ذلك حالة حصول أحد الأفراد على قرار إدارى نتيجة غش أو تدليس من جانبه إذ أن الغش يعيب الرضا ويشوب الإرادة، والقرار الذى يصدر من جهة الإدارة نتيجة هذا الغش والتدليس يكون غير جدير بالحماية وفى هذه الحالة يجوز سحبه فى أى وقت ولو بعد فوات ميعاد الطعن على القرار الإدارى.
ومن حيث إنه وإن كان ذلك ما تقدم وكان التدليس عيب من عيوب الإرادة إذا شاب التصرف أبطله إعمالاً للأصل بأن الغش يفسد كل شيء، إلا أنه ينبغى أن يكون التدليس المصاحب لمراحل إصدار القرار الإدارى عملاً قصدياً يلجأ فيه صاحب الشأن إلى طرق احتيالية بنية التضليل للوصول إلى غرض غير مشروع يدفع فعلاً الإدارة إلى إصدار قرارها، ويلزم فيه أيضاً أن يكون صادراً من المستفيد أو يثبت أنه كان يعلم به أو من المفروض حتماً أن يعلم به بحيث لا يضار المستفيد إن تخلف ركن العلم لأن أساس انعدام القرار هو معاقبة المدلس ذاته وحرمانه من نتيجة عمله.
ومن حيث إنه وإعمالاً لذلك فإنه لما كان الثابت بالأوراق أن قبول التلميذ/ ...... بالصف الاول من مرحلة التعليم الأساسى وقرار منحه شهادة إتمام هذه المرحلة، ثم قرار قبوله بالصف الأول من المرحلة الثانوية عام 1991 كانت كلها نتيجة غش تكرر من جانب ولى أمره حين تقدم فى البداية بشهادة ميلاد ابنه/ ....... المولود فى 17/ 1/ 1976 والذى توفى فى 17/ 4/ 1976 بتسهيل دخول ابنه الذى ولد فى 10/ 2/ 1979 وأسماه بذات الاسم وكان عمره آنذاك عند إلحاقه بالمرحلة الأولى لا يتعدى الأربع سنوات وما إن انتهى من مرحلة التعليم الأساسى حتى تقدم والده للمرة الثانية بإرادته المنفردة وأدخل الغش لدى الجهة الإدارية باستبداله شهادة ميلاد الابن المتوفى التى كان أودعها ابتداء عند دخول ابنه المدرسة بتلك الشهادة الخاصة بابنه الحى، وذلك تداركاً لسنه الحقيقى بعد أن تحقق له الاستفادة من دخول ابنه المدرسة الابتدائية فى سن صغيرة ما كان يقبل فيها لولا لجوءه إلى هذه الطرق الاحتيالية، إلا أنه مع ذلك وإعمالاً للقواعد السالفة فإنه متى كان التلميذ المذكور فى سن لا تؤهله آنذاك للمسئولية المدنية أو الجنائية حيث كان عند دخوله المدرسة الابتدائية غير مميز وعند التحاقه بالمدرسة الثانوية ناقص الأهلية ولم يصدر منه أى عمل مادى يفيد المشاركة فى واقعة الغش وكان وضعه الصغير لا يؤهله لواقعة العلم أو الإدراك لما يترتب على هذه الأعمال من خطورة، فإنه ورغم استفادته من واقعة الغش إلا أنه لم يصدر منه ما يحول دون تطبيق القواعد المقررة المشار إليها بشأن نظرية الغش أو التدليس على حالته.
وإذ ينتفى مما سلف تحمل التلميذ المسئولية أعمال والده حتى ولو كان مستفيداً منها، فإنه تتحقق بذلك ركن الجدية فى طلب وقف تنفيذ القرار المطعون فيه إلى جانب تحقق ركن الاستعجال لما يترتب على تنفيذ القرار من حرمان التلميذ من مواصلة دراسته التى تأهل لها.
ولما كان الحكم المطعون فيه ذهب إلى غير ذلك فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق صحيح حكم القانون مما يتعين معه القضاء بإلغائه.
ومن حيث إن من يخسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بحكم المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه وبوقف تنفيذ القرار المطعون فيه والزمت الجهة الادارية المصروفات.