مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1997 إلى آخر فبراير سنة 1998) - صـ 691

(74)
جلسة 17 من يناير سنة 1998

برئاسة السيد الأستاذ المستشار الدكتور/ محمد جودت أحمد الملط نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الأساتذة/ محمد مجدى محمد خليل، وعويس عبد الوهاب عويس، والإمام عبد المنعم إمام الخريبى، ود. على رضا عبد الرحمن رضا نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 4033 لسنة 37 قضائية عليا

( أ ) جامعات - المدرسون المساعدون والمعيدون - نقلهم إلى وظيفة عامة خارج الجامعة - ضوابطه.
المادة 144 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972.
المشرع وضع ضوابط وشروط معينة لإجازة نقل المعيدين والمدرسين إلى وظيفة عامة خارج الجامعات - هذه الضوابط تبدأ بأخذ رأى مجلس القسم المختص ثم رأى مجلس الكلية أو المعهد ثم يطلب رئيس الجامعة من الوزير المختص إصدار القرار وذلك كله مشروطاً بأن يكون هناك مقتضى النقل - ذلك يوجب بحكم اللزوم أن يكون قرار النقل مسبباً وأن تستقى أسبابه بطبيعة الحال من موجبات النقل. تطبيق.
(ب) دعوى - إثبات - عبء الإثبات - القرينة الناتجة عن نكول الجهة الإدارية عن تقديم المستندات فى الدعوى - الاساس الذى تقوم عليه.
لئن كان عبء الإثبات يقع على عاتق المدعى استناداً إلى القاعدة الأصولية التى تقضى بأن البيِّنة على من أدعى، إلا أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه فى مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال وطبيعة النظام الإدارى الذى يقوم على مبدأ التنظيم اللائحى المسبق لإجراءات وخطوات العمل الإدارى وتوزيع الاختصاص بين العاملين فى إنجاز مهامه بصورة محددة وضرورة تنظيم حفظ الوثائق والمستندات للرجوع إليها سواء لضمان حقوق المواطنين والإدارة أو لتحديد المسئولية ومن ثم تحتفظ الإدارة طبقاً لمقتضيات النظام العام الإدارى بجميع الوثائق والملفات المتعلقة بالاعمال التى تقوم بها أو بصورة رسمية منها وهى الأوراق ذات الأمر الحاسم فى المنازعة الإدارية - إنه بناءً على ما قرره الدستور من خضوع الدولة للقانون وعدم تحصن أى عمل أو إجراء يصدر عن الجهات الإدارية من حصانة القضاء ومسئولية السلطة القضائية وبصفة خاصة مجلس الدولة عن تحقيق سيادة القانون ومباشره الرقابة على مشروعية تصرفات وقرارات الجهات الإدارية فإنه يتعين على هذه الجهات أن تقدم لمحاكم مجلس الدولة سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمفيدة فى إظهار وجه الحق فيه إثباتاً ونفياً متى طُلب إليها ذلك - إذا نكلت تلك الجهة عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع وكان المدعى يعتمد فى تعييب قرارها على ما تضمنته المستندات التى تحتفظ بها وامتنعت عن تقديمها انهارت قرينة الصحة التى تتمتع بها القرارات الإدارية - أثر ذلك: تقوم لصالح المدعى قرينة جديدة على صحة ادعاءاته أمام القضاء وسلامة ما قدمه من مستندات وألقت عبء الإثبات من جديد على عاتق الإدارة. تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الأربعاء الموافق 21/ 8/ 1991 أودعت هيئة قضايا الدولة بصفتها النائب القانونى عن الطاعنين قلم كتاب المحكمة الادارية العليا تقريراً بالطعن فى الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية (الدائرة الثانية) بجلسة 9/ 7/ 1991 فى الدعوى رقم 2544 لسنة 41 ق الذى قضى بعدم قبول طلب إلغاء القرار رقم 1026 لسنة 1981 فيما تضمنه من نقل المدعى من الجامعة إلى وزارة السياحة لرفعه بعد الميعاد، وبأحقية المدعى فى تعويض قدره 50000 جنيه "خمسون ألف جنيه" عن الأضرار المادية والأدبية التى لحقته من جراء القرار المطعون فيه، وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وطلب الطاعنان فى ختام تقرير الطعن وللأسباب الواردة فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً وبإلغاء الحكم المطعون فيه فيما تضمنه من أحقية المطعون ضده فى تعويض مقداره خمسون ألف جنيه مع إلزام المطعون ضده المصروفات والأتعاب عن درجتى التقاضى.
وبعد أن تم إعلان تقرير الطعن قانوناً للمطعون ضده قدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً مسبباً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الطعن شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الجهة الإدارية المصروفات عن درجتى التقاضى.
ونظرت دائرة فحص الطعون الطعن الماثل حيث قررت بجلسة 25/ 8/ 1997 إحالته إلى هذه المحكمة التى نظرته بجلسة 25/ 10/ 1997 وما تلاها من جلسات إلى أن قررت إصدار الحكم بجلسة اليوم وفيها صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن وقائع المنازعة الماثلة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - المودعة ملف الطعن فى أنه بتاريخ 25/ 9/ 1982 أقام المدعى (المطعون ضده) دعواه ابتداء بإيداع صحيفتها قلم كتاب المحكمة الإدارية بالإسكندرية حيث قيدت بجدولها برقم 642 لسنة 29 ق طالبا فى ختامها الحكم:
أولاً: إلغاء قرار وزير التعليم والبحث العلمى رقم 1026 الصادر فى 17/ 11/ 1981 وما يترتب على ذلك من آثار.
ثانياً: إلزام المدعى عليهما بصفتها متضامنين بأن يدفعا له مبلغ مائة ألف جنيه على سبيل التعويض عما لحقه من ضرر فضلا عن المصروفات.
وقال المدعى - شرحاً لدعواه - أنه تخرج من كلية التربية بجامعة الإسكندرية فى دور مايو سنة 1976 بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف، وعين فى وظيفة معيد بذات الكلية وذلك بالقرار رقم 677 فى 15/ 12/ 1979، ثم فوجئ بصدور قرار وزير التعليم والبحث العلمى رقم 1026 بتاريخ 17/ 11/ 1981 متضمناً نقله وآخرين إلى وظائف خارج الجامعة وكان نقله إلى وزارة السياحة وأخلى طرفه من كلية التربية فى 8/ 2/ 1981.
وأضاف المدعى قائلاً: أنه تظلم من القرار المذكور فى 1/ 3/ 1982 إلى وزير التعليم والبحث العلمى وإلى جهات أخرى ولم يتلق رداً على تظلمه بالرغم من رجوع بعض المنقولين معه إلى وظائفهم الأصلية مما دعاه إلى إقامة دعواه الماثلة ناعياً على القرار المطعون فيه فقدانه لركن السبب فضلاً عن أشابته بعيب الانحراف وإساءة الاستعمال للسلطة. وخلص المدعى فى ختام دعواه السابقة إلى طلب الحكم له بطلباته المنوه عنها آنفاً.
وبجلسة 7/ 6/ 1983 حكمت المحكمة الإدارية بعدم اختصاصها نوعياً بنظر الدعوى وأمرت باحالتها إلى المحكمة التأديبية بالإسكندرية للاختصاص. فأحيلت الدعوى إلى هذه المحكمة الأخيرة وقيدت بسجلاتها تحت رقم 337 لسنة 25 ق.
وبجلسة 17/ 3/ 1984 دفعت الحاضرة عن الإدارة بعدم قبول الطعن شكلاً.
وبجلسة 20/ 5/ 1984 حكمت المحكمة التأديبية بالإسكندرية برفض الدفع بعدم قبول الطعن شكلاً وبقبوله وفى الموضوع بإلغاء القرار الصادر من وزير الدولة للتعليم والبحث العلمى رقم 1026 لسنة 1981 فيما تضمنه من نقل الطاعن من وظيفته معيد بكلية التربية جامعة الاسكندرية للعمل بوزارة السياحة وما يترتب على ذلك من آثار.
وقد طعن فى هذا الحكم أمام المحكمة الإدارية العليا بالطعن رقم 2533 لسنة 30 ق. ع.
وبجلسة 22/ 3/ 1987 حكمت المحكمة المذكورة بقبول الطعن شكلاً وفى موضوعه بإلغاء الحكم المطعون فيه. وبعدم اختصاص المحكمة التأديبية بنظر الدعوى وبإحالتها إلى محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية للفصل فيها، وأبقت الفصل فى المصروفات وقد قيدت الدعوى لدى هذه المحكمة تحت الرقم الموضح بصدر هذا الحكم.
وبجلسة 9/ 7/ 1991 قضت محكمة القضاء الإدارى بالإسكندرية بقضائها المنوه عنه آنفاً وأقامت قضاءها بالنسبة لطلب إلغاء القرار رقم 1026 لسنة 1981 على أساس أن الثابت من مطالعة الأوراق أن القرار المطعون عليه صدر بتاريخ 17/ 11/ 1981 وعلم به المدعى فى 8/ 12/ 1981 تاريخ إخلاء طرفه من كلية التربية، وتظلم منه فى 1/ 3/ 1982 وأقام دعواه الماثلة فى 25/ 9/ 82 مفوتاً بذلك مواعيد الطعن بالإلغاء المنصوص عليها فى المادة 24 من قانون مجلس الدولة رقم 47 لسنة 1972 الأمر الذى يعد معه هذا الطلب غير مقبول شكلاً لرفعه بعد الميعاد. أما بالنسبة لطلب التعويض فقد شيدت تلك المحكمة قضاءها بصدده تأسيساً على أن المادة 144 من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 قد وضعت ضوابط وشروط معينة لاجازة نقل المعيدين والمدرسين المساعدين إلى وظيفة عامة خارج الجامعة، وتبدأ هذه الضوابط بأخذ رأى مجلس القسم المختص ثم رأى مجلس الكلية أو المعهد ثم يطلب رئيس الجامعة من الوزير المختص إصدار القرار وذلك كله مشروط بأن يكون هناك مقتضى للنقل، وهو ما يوجب بحكم اللزوم أن يكون قرار النقل مسبباً وأن تستقى أسبابه بطبيعة الحال مما ورد من موجبات النقل حتى تستطيع المحكمة أن تسلط رقابتها القانونية على قرار النقل وتزنه بميزان المشروعية لتتبين مدى صحة الأسباب التى بنى عليها فى الواقع والقانون ولما كانت الجهة الإدارية لم تقدم أصل القرار المطعون فيه، فإنه يتعين الاعتداد بصورة القرار الضوئية المودعة ضمن أوراق الدعوى والتى تبين من مطالعتها أن القرار المطعون فيه جاء خلوً من أسبابه، كما أن أياً من الجهتين المطعون ضدهما لم تقدم أسباباً لصدوره ولا يكفى لقيام القرار على سببه ما ورد فى ديباجته من إشارة إلى أنه صدر استناداً إلى طلب رئيس جامعة الإسكندرية المؤرخ 28/ 10/ 1981 ذلك أن هذا الطلب لم تودعه الإدارة ملف الدعوى ليكون تحت نظر المحكمة حتى تستطيع أن تسلط رقابتها على ما حواه من أسباب وتزنها بميزان القانون، فضلاً عن خلو الاوراق مما يفيد أخذ رأى مجلس القسم ورأى مجلس الكلية فى شأن نقل المدعى وهى الإجراءات التى أوجبتها أحكام المادة 144 من قانون تنظيم الجامعات سالفة الذكر، الأمر الذى يبين منه أن القرار المطعون فيه قد صدر دون مقتضى وبلا أسباب ودون إتباع الإجراءات المنصوص عليها، كما أن جهة الإدارة وقد نكلت عن إيداع المستندات والأوراق اللازمة للفصل فى الدعوى مما يلقى عبء الإثبات عليها ويقيم فى ذات الوقت قرينة لصالح المدعى تؤكد ما ذهب إليه فى عريضة دعواه من أن ذلك القرار صدر فى حقيقته بقصد الإضرار به وإبعاده عن سلك التدريس فى الجامعة وأنه صدر فى ظروف سياسية وحزبية هدفت إلى تطويع رجال التعليم الجامعى وإخضاعهم لاتجاهات سياسية معينة مما يجعل القرار المطعون فيه مشوباً بعيب إساءة استعمال السلطة فضلاً عن عيب السبب، الأمر الذى يتوافر معه ركن الخطأ فى جانب الإدارة وإذ ترتب على هذا الخطأ ضرر أصاب المدعى يتمثل فى حرمانه من الانخراط فى سلك التدريس الجامعى وما يتبعه من مزايا مادية وأدبية لعضو الجامعة سواء من ناحية المرتبات والترقى أو من ناحية المكانة الاجتماعية، ومن ثم تقوم مسئولية الإدارة عن هذه الأضرار ويتعين تعويض المدعى عنها، وفى مجال تحديد مقدار هذا التعويض ترى المحكمة أن مبلغ خمسين ألف جنيه يعتبر تعويضاً جابراً وكافياً للأضرار التى لحقت المدعى من جراء القرار المطعون فيه.
ولما كان هذا القضاء لم يصادف قبولاً لدى الطاعنين فقد طعنا عليه استناداً إلى أنه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله، وذلك لأن مفاد نص المادة (144) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49/ 1972 أن المشرع منح الجامعات سلطة تقديرية واسعة فى نقل العاملين فى أدنى درجات ووظائف أعضاء هيئة التدريس بالجامعات وهما المعيدين والمدرسين المساعدين باعتبار أن هاتين الدرجتين هما أدنى درجات أعضاء هيئة التدريس وحتى يتسنى للجامعة الوقوف على مدى كفاية المعيد فى التدريس فى أعلى درجات التعليم وهو التعليم الجامعى ومن ثم فإنه من حق رئيس الجامعة أن يتقدم بطلب للوزير بنقل المعيدين أو المدرسين المساعدين من وظائف التعليم الجامعى إلى وظائف أخرى وذلك بعد أخذ رأى مجلس الكلية ومجلس القسم المختص.
ولما كان الثابت أن رئيس جامعة الإسكندرية تقدم بطلب للسيد/ وزير التعليم لنقل المعيدين الذين شابت سلوكهم انحرافات تنبئ وتؤكد عدم صلاحيتهم للاضطلاع برسالة التدريس فى الجامعات وكان ذلك بناء على أدلة قوية على عدم الصلاحية الأمر الذى يؤكد سلامة القرار المطعون فيه وابتغاء تحقيق الصالح العام مما ينتفى معه ركن الجدية وتنفصم بذلك عرى المسئولية الإدارية ويكون الحكم المطعون فيه إذ انتهى إلى خلاف ذلك مخالفاً للقانون جديراً بالإلغاء.
وأضاف الطاعنان فى مذكرة دفاعهما المقدمة بجلسة 29/ 11/ 1997 أنه أياً كان الرأى فى مدى توافر ركن الخطأ الموجب للمسئولية فى جانب الجهة الإدارية وعلى الفرض الجدلى الذى لا يسلم به الطاعنان بتوافر ركن الخطأ فى جانب الجهة الادارية وقيام الضرر الموجب للتعويض إلا أن الخمسين ألف جنيه المحكوم بها كتعويض لا يتناسب البتة مع الضرر الذى لحق بالمطعون ضده وبالتالى يكون مبلغ التعويض المحكوم به فيه مغالاة بالنسبة للضرر المترتب على الخطأ على فرض ثبوته.
وخلص الطاعنان فى ختام تقرير الطعن - إلى طلب الحكم لهما بطلباتهما المنوه عنها آنفا.
ومن حيث إن الطاعنين يطلبان الحكم بقبول الطعن شكلاً وفى الموضوع بإلغاء الحكم المطعون فيه فيما قضى به من أحقية المطعون ضده فى تعويض مقداره خمسين ألف جنيه ورفض هذا الشق من الدعوى مع إلزام المطعون ضده المصروفات.
ومن حيث إن المادة (144) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 تنص على أنه "يجوز عند الاقتضاء نقل المعيدين والمدرسين المساعدين إلى وظيفة عامة خارج الجامعات وذلك بقرار من وزير التعليم العالى بناءً على طلب رئيس الجامعة بعد أخذ رأى مجلس الكلية أو المعهد ومجلس القسم المختص".
ومن حيث إن مفاد ما تقدم أن المشرع وضع ضوابط وشروط معينة لإجازة نقل المعيدين والمدرسين إلى وظيفة عامة خارج الجامعة، وتبدأ هذه الضوابط بأخذ رأى مجلس القسم المختص ثم رأى مجلس الكلية أو المعهد ثم يطلب رئيس الجامعة من الوزير المختص إصدار القرار وذلك كله مشروطا بأن يكون هناك مقتضى النقل، وهو ما يوجب بحكم اللزوم أن يكون قرار النقل مسبباً وأن تستقى أسبابه بطبيعة الحال من موجبات النقل حتى تستطيع المحكمة أن تسلط رقابتها القانونية على قرار النقل وتزنه بميزان المشروعية لتتبين مدى صحة الأسباب التى بنى عليها فى الواقع والقانون.
ومن حيث إنه من المقرر ولئن كان عبء الإثبات يقع على عاتق المدعى استناداً إلى القاعدة الأصولية أن البينة على من أدعى، إلا أن الأخذ بهذا الأصل على إطلاقه فى مجال المنازعات الإدارية لا يستقيم مع واقع الحال وطبيعة النظام الإدارى الذى يقوم على مبدأ تنظيم اللائحة المسبق لإجراءات وخطوات العمل الإدارى وتوزيع الاختصاص بين العاملين فى إنجاز مهامه بصورة محددة وضرورة تنظيم حفظ الوثائق والمستندات المتعلقة به للرجوع إليها سواء لضمان حقوق المواطنين والإدارة أو لتحديد المسئولية ومن ثم تحتفظ الإدارة طبقاً لمقتضيات النظام العام الإدارى جميع الوثائق والملفات المتعلقة بالأعمال التى تقوم بها أو بصورة رسمية منها وهى الأوراق ذات الأمر الحاسم فى المنازعة الإدارية وأنه بناءً على ما قرره الدستور من خضوع الدولة للقانون وعدم تحصن أى عمل أو إجراء يصدر عن الجهات الإدارية من حصانة القضاء ومسئولية السلطة القضائية وبصفة خاصة مجلس الدولة عن تحقيق سيادة القانون ومباشرة الرقابة على مشروعية تصرفات وقرارات الجهات الإدارية فإنه يتعين على هذه الجهات نزولاً على سيادة القانون ولعدم تعويق العدالة - أن تقدم لمحاكم مجلس الدولة سائر الأوراق والمستندات المتعلقة بموضوع النزاع والمفيدة فى إظهار وجه الحق فيه إثباتاً أو نفياً متى طلب إليها ذلك، فإذا نكلت تلك الجهة عن تقديم الأوراق المتعلقة بموضوع النزاع وكان المدعى يعتمد فى تعييب قرارها على ما تضمنته المستندات التى تحتفظ بها وامتنعت عن تقديمها انهارت قرينة الصحة التى تتمتع بها القرارات الإدارية، وقامت لصالح المدعى قرينة جديدة على صحة ادعاءاته أمام القضاء وسلامة ما قدمه من مستندات، وألقت عبء الاثبات من جديد على عاتق الإدارة.
ومن حيث إنه من المقرر أيضاً أن صحة القرار الإدارى تتحدد بالأسباب التى قام عليها ومدى سلامتها على أساس الأصول الثابتة فى الأوراق وقت صدور القرار ومدى مطابقتها للنتيجة التى انتهى إليها. وأنه إذا ما أفصحت جهة الإدارة عن أسباب قرارها فإن ما تبديه منه يكون خاضعاً لرقابة القضاء الإدارى، وله فى سبيل أعمال رقابته أن يمحصه للتحقيق من مدى مطابقته أو عدم مطابقته للقانون، وأثر ذلك فى النتيجة التى انتهى إليها القرار، وهذه الرقابة تجد حدها الطبيعى فى التأكد مما إذا كانت هذه النتيجة مستخلصة استخلاصاً سائغاً من أصول تنتجها مادياً وقانونياً فإذا كانت منتزعة من غير أصول موجودة، أو كانت مستخلصة من أصول لا تنتجها، أو كان تكييف الوقائع على فرض وجودها مادياً لا تؤدى إلى النتيجة التى يتطلبها القانون، كان القرار فاقداً لركن السبب مخالفاً للقانون وبالتالى فهو غير مشروع.
ومن حيث إن مناط مسئولية الإدارة عن القرارات التى تصدرها هو ثبوت قيام خطأ من جانبها بأن يكون القرار الإدارى غير مشروع لعيب من العيوب المنصوص عليها فى قانون مجلس الدولة وأن يحيق بصاحب الشأن ضرر وأن تقوم علاقة سببية بين الخطأ والضرر، وبالبناء على ما تقدم ولما كان الثابت أن المطعون ضده تخرج فى كلية التربية جامعة الإسكندرية فى دور مايو سنة 1976 بتقدير عام ممتاز مع مرتبة الشرف، وبتاريخ 15/ 12/ 1979 عين معيداً بالكلية المذكورة وذلك بموجب القرار رقم 677/ 1979، وفى 17/ 11/ 1981 صدر قرار وزير الدولة للتعليم والبحث العلمى رقم 1026 لسنة 1981 متضمناً فى مادته الثانية نقل السيد/ ..... (المطعون ضده بالطعن الماثل) المعيد بكلية التربية بجامعة الإسكندرية للعمل بوزارة السياحة. وأشار هذا القرار فى ديباجته إلى أنه صدر بعد الاطلاع على القانون رقم 49 لسنة 1972 بشأن تنظيم الجامعات، وعلى طلب الدكتور رئيس جامعة الإسكندرية بتاريخ 28/ 10/ 1981، وقد كلفت المحكمة الجهة الإدارية بتقديم طلب رئيس جامعة الإسكندرية المشار إليه وكافة المستندات اللازمة للفصل فى المنازعة الماثلة وكذا ردها عليها إلا أنها تقاعست عن تنفيذ ما طلب منها طوال فترة تداول الدعوى أمام المحكمتين الإدارية والتأديبية وكذا أمام محكمة القضاء الادارى بالإسكندرية. ويبين من الاطلاع على القرار المطعون فيه أنه قد جاء خلواً من أسباب تبرره فضلاً عن خلو الأوراق مما يفيد أخذ رأى مجلس القسم ورأى مجلس الكلية فى شأن نقل المطعون ضده وهى الإجراءات التى استلزمتها المادة (144) من قانون تنظيم الجامعات المشار إليها، خاصة وأن البين من الأوراق أن المطعون ضده لم يصدر منه أى خطأ أو إهمال أو تقصير يستوجب صدور مثل هذا القرار بل أن الأوراق تشهد بأنه كان مثالياً فى تصرفاته وسبق أن منحته الجامعة الطاعنة جائزة الطالب المثالى، وكان مجتهداً وتشهد له شهادته العلمية وتقديراته السنوية على ذلك فضلاً عن أنه يتميز بالهدوء والنظام والخلق ومنح شهادات تؤكد ذلك (وكله ثابت من واقع حافظة المستندات المقدمة من المطعون ضده أمام المحكمة الإدارية بالإسكندرية بجلسة 3/ 1/ 1983). الأمر الذى يتضح منه - بما لا يدع مجالاً للشك، أن القرار المطعون فيه قد صدر دون مقتضى وبلا أسباب تبرره ودون إتباع الإجراءات التى أوجب المشرع إتباعها، هذا بالإضافة إلى جهة الإدارة قد نكلت حسبما هو ثابت بمحاضر الجلسات عن إيداع المستندات اللازمة للفصل فى المنازعة الماثلة مما يلقى عبء الإثبات عليها ويقيم قرينة فى ذات الوقت لصالح المطعون ضده تؤكد ما ذهب إليه فى مذكرة دفاعه المقدمة للمحكمة التأديبية بالإسكندرية بجلسة المرافعة 19/ 2/ 1984 من أن القرار المطعون فيه قد صدر بقصد الإضرار به وإبعاده عن سلك التدريس فى الجامعة، الأمر الذى يصم هذا القرار - بالإضافة إلى ما تقدم بعيب الانحراف وإساءة استعمال السلطة، ومن ثم يتوافر ركن الخطأ فى جانب الإدارة باعتباره أحد أركان مسئولية الإدارة عن قراراتها.
ومن حيث إنه عن ركن الضرر فالثابت أن المطعون ضده قد أصابته أضرارا تتمثل فى حرمانه من الانخراط فى سلك التدريس الجامعى وما يترتب عليه من حرمانه من المزايا المادية والأدبية لعضو هيئة التدريس بالجامعات سواء من ناحية المرتبات أو الترقى أو المكانة الاجتماعية الأمر الذى يتوافر معه ركن الضرر باعتباره الركن الثانى من أركان مسئولية الإدارة بالتعويض، فضلاً عن أن هذه الأضرار التى أصابت المطعون ضده كانت نتيجة صدور القرار المطعون فيه، الأمر الذى يتوافر معه كافة أركان مسئولية الإدارة، وبالتالى يكون ما قضى به الحكم المطعون فيه بتعويض المطعون ضده بمبلغ خمسين ألف جنيه عن الأضرار التى لحقت به من جراء القرار المطعون فيه رقم 1026 لسنة 1981 الصادر فى 17/ 11/ 1981 يتناسب مع الأضرار التى لحقت بالمدعى - المطعون ضده.
وإذ قضى الحكم المطعون فيه بذات ما تقدم فإنه يكون قد أعمل صحيح حكم القانون وبالتالى يضحى الطعن عليه غير قائم على أسباب تبرره.
ولا ينال من الحكم المطعون فيه ما تدعيه جهة الإدارة الطاعنة من أنه قد خالف القانون وأخطأ فى تطبيقه وتأويله بحجة أن القرار المطعون فيه المتضمن نقل المطعون ضده من كلية التربية بجامعة الإسكندرية للعمل بوزارة السياحة قد صدر بناء على ما شاب سلوك المطعون ضده من انحراف ينبئ ويؤكد عدم صلاحيته للاضطلاع برسالة التدريس فى الجامعة لأن ذلك مردود بأن ما تدعيه الجهة الإدارية قد جاء قولاً مرسلاً ليس بالأوراق ما يدل عليه كما أن المشرع وضع ضوابط وشروط لنقل المعيدين والمدرسين المساعدين إلى وظيفة عامة خارج الجامعة وذلك بموجب نص المادة (144) من قانون تنظيم الجامعات رقم 49 لسنة 1972 المشار إليه آنفاً، ولم تلتزم جهة الإدارة الطاعنة بهذه الضوابط وتلك الشروط - فضلاً عن أن الأوراق تشهد بكفاءة المطعون ضده وباجتهاده فى عمله - وبالتالى فلا محل لهذا الطعن.
ومن حيث إن من خسر الطعن يلزم بمصروفاته عملاً بنص المادة (184) من قانون المرافعات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزمت الجهة الإدارية المصروفات.