أحكام النقض - المكتب الفنى - مدنى
العدد الثالث - السنة 23 - صـ 1435

جلسة 20 من ديسمبر سنة 1972

برياسة السيد المستشار/ أحمد حسن هيكل نائب رئيس المحكمة، وعضوية السادة المستشارين/ محمد أسعد محمود، وجودة أحمد غيث، والدكتور محمد زكى عبد البر، وإسماعيل فرحات عثمان.

(224)
الطعن رقم 10 لسنة 39 ق "أحوال شخصية"

(أ، ب) وقف. "شرط الواقف".
الشرط الفاسد فى حجة الوقف. هو ما كان منافياً لأصل عقد الوقف، أو كان غير جائز شرعاً، أو كان لا فائدة منه. مثال.
(ج) وقف. "تفسير شرط الواقف". اختصاص. "اختصاص ولائى".
التغيير فى مصرف الوقف الخيرى. تختص به لجنة شئون الأوقاف. تفسير شرط الواقف. اختصاص المحاكم به.
(د) نقض. "السبب المتعلق بالواقع". وقف.
عدم تمسك الطاعن أمام محكمة الموضوع بالأمور الواقعية التى يستند إليها فى طعنه. عدم قبول ىثارتها لأول مرة أمام محكمة النقض.
1- الشرط الفاسد على ما عرفته المذكرة التفسيرية لقانون الوقف، هو ما كان منافياً لأصل عقد الوقف، أو كان غير جائز شرعاً، أو كان لا فائدة منه، وما عدا ذلك فهو شرط صحيح.
2- شرط الواقف جعل ريع قيراط من 24 ط على "دار الضيوف المملوك ليوسف ابن الواقف المعد للفقراء والمساكين والواردين والمترددين، فإن تعذر الصرف على ذلك يصرف ريع القيراط ليوسف وأخته فهيمه بالتفاضل" هو شرط جائز شرعاً، فيكون شرطا صحيحا يجب العمل به. ويبين من هذه العبارة أن ريع القيراط المذكور يصرف على الفقراء والمساكين والواردين والمترددين على المنزل المذكور وهو مملوك لابن الواقف وغير موقوف - ما دام معد للفقراء والمساكين والواردين والمترددين، فإذا خرج المنزل عن إعداده لذلك بإزالته فقد تعذر الصرف على هذه الجهة وانتهى الوقف عليها وصار ريع هذا القيراط حقاً ليوسف وأخته فهيمه، وليس فى ذلك تعليق للشرط على إرادة ناظر الوقف أو أحد من المستحقين، ولا إنهاء للوقف، بل كل مؤداه أن يتحول الاستحقاق عند تعذر الصرف من المضيفة إلى ولدى الواقف، وهو أمر جائز شرع، لا يغير منه تأقيت هذا المصرف بتعذر الصرف، ما دام أن الواقف قد جعل وقفه انتهاء على جهات بر عينها فى كتاب الوقف.
3- إذا كان ما شرطه الواقف لا يعتبر تغييراً فى مصرف الوقف الخيرى، تختص به لجنة شئون الأوقاف طبقاً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 272 لسنة 1959، بل يعتبر تفسيراً لشرط الواقف مما تختص به المحاكم وإذ انتهى الحكم المطعون فيه فى تفسير شرط الواقف تفسيرا يؤدى إليه مجموع عباراته، ولا مخالفة فيه لغرض الواقف، فإن النعى عليه يكون على غير أساس.
4- متى كان النعى يقوم على أمور واقعية لم تقدم الطاعنة ما يثبت أنها تمسكت بها أمام محكمة الموضوع، فلا تجوز إثارته لأول مرة أمام محكمة النقض.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر أوراق الطعن - تتحصل فى أن المطعون عليهم الخمسة الأول أقاموا الدعوى رقم 25 لسنة 1961 القاهرة الابتدائية للأحوال الشخصية ضد المطعون عليه السادس، وقالوا شرحاً لها إنه بحجة صادره فى 2 رجب سنة 1314هـ وقف المرحوم أحمد الشافعى أطياناً زراعية قدرها 103 ف و2 ط و16 س على نفسه مدة حياته، ثم من بعده يكون ريع 21 ط من 24 ط على فهيمة بنت الواقف، ثم من بعدها على أولادها بالتفاضل، ويكون ريع 0.5 ط على حسن وأخيه مأمون ولدى معتوق والد الواقف ومن بعد كل منهما على أولاده، على ما جاء بكتاب الوقف، وجعل ريع 1 ط من 24 ط من الموقوف لدوار الضيافة المملوك ليوسف ابن الواقف المعد للفقراء والمساكين والواردين والمترددين، فإن تعذر الصرف على ذلك يصرف ريع القيراط ليوسف وأخته فهيمه بينهما بالتفاضل ولأولادهما كذلك ويكون حكم هذا كحكم نصيبهما وشرطه كشرطه. وبتاريخ 15 المحرم سنة 1322هـ غير الواقف فى الحصة الموقوفة من بعده على ابنه يوسف وقدرها 21 ط فجعل منها 3 ط على زوجته والباقى وقدره 18 ط على أولاده يوسف ونفيسة وأمينة وعائشة وحفيظة وفهيمة بالتفاضل وأبقى القدر الباقى بعد الـ 21 ط على ما هو مبين بكتاب الوقف. وقد توفى الواقف وأقيم المطعون عليه السادس ناظراً على الوقف بقرار صادر من محكمة مصر الابتدائية الشرعية سنة 1943 وأصبح حارثاً عليه بعد صدور المرسوم بقانون 180 لسنة 1952، وتوفيت فهيمه بنت الواقف عقماً وآل نصيبها إلى أخيها يوسف، ثم توفى يوسف عن ولديه شافعى وعبده المطعون عليه السادس، وآل إليهما هذا القدر وكذلك نصف القيراط الذى كان موقوفا على ولدى معتوق والد الواقف لمخالفتهما شرط الواقف وما كان موقوفاً على دار الضيافة لتعذر الصرف عليها ومجموع ذلك قيراطان ونصف فيكون لكل منهما قيراط وربع قيراط، وتوفى شافعى بن يوسف ابن الواقف فى 13/ 12/ 1950 عن أولاده المطعون عليهم الأربعة الأول وعدلى مورث المطعون عليها الخامسة عن نفسها وبصفتها فانتقل نصيبه إليهم بالتفاضل، وانتهوا إلى طلب الحكم لهم على المطعون عليه السادس باستحقاق كل منهم نصيبه المذكور وأمره بأداء ما خص كلاً منهم فى الريع، وأدخلت وزارة الأوقاف فى الدعوى ونازعت فى استحقاق المطعون عليهم للموقوف على دار الضيافة لأنها لا تزال قائمة تؤدى أغراضها، وبتاريخ 9/ 5/ 1965 حكمت المحكمة بندب مكتب الخبراء بوزارة العدل لمعاينة دار الضيافة، وبيان ما إذا كانت ما تزال تؤدى وظيفتها أم أزيلت وتاريخ ذلك وكذلك نصيب المستحقين فى الوقف طبقاً لشروط الواقف، وقدم الخبير تقريراً أثبت فيه أن دار الضيافة كانت موجودة حتى 1940، وكانت تؤدى اغراضها وكان يتولى شئونها يوسف شافعى، وقد أزيلت وبيعت أنقاضها وأرضها وفى مكانها منزلان، وأن نصيب المدعين فى الوقف يستدعى تفسيرا من المحكمة، وبتاريخ 14/ 3/ 1967 حكمت المحكمة بإحالة الدعوى إلى لجنة شئون الأوقاف لاختصاصها بفرز نصيب الخيرات فى الوقف موضوع الدعوى. استأنف المطعون عليهم الخمسة الأول هذا الحكم بالاستئناف رقم 44 س 84 ق القاهرة طالبين إلغاءه والحكم لهم بطلباتهم، كما استأنفه المطعون عليه السادس بالاستئناف رقم 45 س 84 ق القاهرة طالباً إلغاءه والحكم باستحقاق المطعون عليهم الخمسة الأول للقيراط الموقوف على دار الضيافة، وبتاريخ 23/ 2/ 1969 حكمت المحكمة بإلغاء الحكم المستأنف واعادة القضية إلى محكمة أول درجة للسير فيها حسب المنهج الشرعى. طعنت وزارة الأوقاف فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة العامة مذكرة أبدت فيها الرأى برفض الطعن، وبالجلسة المحددة لنظره التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن الطعن بنى على ستة أسباب تنعى الطاعنة بالأسباب الخمسة الأولى منها على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك تقول إن الحكم جعل الوقف على المضيفة مؤقتاً ومنتهياً بإزالتها فى سنة 1940 وتعذر الصرف عليها، فآل بذلك القيراط الموقوف عليها إلى ولدى الواقف يوسف وفهيمة بوصفه وقفاً أهلياً، فى حين أن الوقف على المضيفة لإطعام الفقراء وقف خيرى فيؤبد دون اعتبار لما نص عليه فى حجة الوقف من أيلولة القيراط الموقوف على المضيفة لولدى الواقف إذا تعذر الصرف على المضيفة، لأنه لا يتصور ذلك لعدم انقطاع الفقراء ولو انهدم بناء المضيفة وحل محله بناء آخر، ولا يسوغ القول بتعذر للصرف وانتهاء الوقف إذا كان التهدم راجعاً لإدارة ناظر الوقف أو أحد المستحقين فيه، إذ لا يصلح ذلك سبباً لإنهاء الوقف ويعتبر مسخاً لشرط الواقف ولأن فيه تعليق بقاء الوقف الخيرى على عدم تعذر الصرف على المضيفة، وهو ما يترتب عليه تعطيل لمصلحة الموقوف عليهم مما يجعله شرطاً فاسداً فيبطل ويصح الوقف عملاً بنص المادة السادسة من القانون رقم 48 لسنة 1946 بأحكام الوقف، ولما فيه من ربط بين انتهاء المصرف وانتهاء الوقف، إذ اعتبر الحكم الوقف الخيرى منتهياً بانتهاء مصرفه رغم أن المصرف لا يتصور انقطاعه، هذا إلى أن الحكم اعتبر الوقف الخيرى منتهيا وأقر المطعون عليهم على الاستيلاء على ريعه، مع أنه يتعين أن يصدر بذلك حكم سابق، فضلاً عن أن استيلاءهم على الريع يعد تغييراً فى مصرف الوقف الخيرى وشروط إدارته، وهو أمر لا تملكه إلا لجنة شئون الأوقاف طبقاً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 272 لسنة 1959 بتنظيم وزارة الأوقاف.
وحيث إن هذا النعى مردود، ذلك أنه لما كان البين من الحكم المطعون فيه أنه أورد فى تفسير الشرط المختلف عليه ما يلي: "أنه بالرجوع إلى كتاب الوقف يبين منه أن الواقف نص على الآتي: "ومنه قيراط من 24 قيراطاً يكون وقفاً مصروفاً ريعه على دار الضيوف المملوك ليوسف ابن الواقف المعد للفقراء والمساكين والواردين والمترددين لكل ما يلزم له حسب ما يراه الناظر من الخط والمصلحة فإن تعذر الصرف على ذلك يصرف ذلك ليوسف ابنه وأخته الست فهيمه بالتفاضل وشرط الواقف هذا يقضى بأن القيراط المذكور والذى هو على دار الضيافة يصرف عليها ما لم يتعذر الصرف، فإن تعذر يصرف لولدى الواقف يوسف وفهيمة وغرض الواقف ظاهر وواضح فى أنه إذا تعذر الصرف على دار الضيافة بأى وجه من الوجوه كان القيراط لولديه ولا بد من حمل كلام الواقف على المعنى الذى يظهر أنه أراده وإن كان فى ذلك مخالفة للقواعد اللغوية (المادة العاشرة للقانون 48 لسنة 1964) وأن الثابت من تقرير الخبير أن دار الضيافة كانت موجودة حتى عام 1940 وكانت تؤدى أغراضها، وأنها أزيلت من 1940 وبيعت أرضها وأنقاضها وبزوالها وبيع الأرض والأنقاض تكون قد زالت ولا وجود لها، وبذا يتعذر الصرف على دار الضيافة بعد إزالتها ويكون القيراط المشروط الصرف عليها لولدى الواقف يوسف وفهيمة حسب الشرط ويكون بذلك وقفاً أهلياً لا خيرياً" ولما كان الشرط الفاسد على ما عرفته المذكرة التفسيرية لقانون الوقف هو ما كان منافياً لأصل عقد الوقف أو كان غير جائز شرعاً أو كان لا فائدة منه وما عدا ذلك فهو شرط صحيح، وكان ما شرطه الواقف من جعل ريع قيراط من 24 ط على "دار الضيوف المملوك ليوسف ابن الواقف المعد للفقراء والمساكين والواردين والمترددين فإن تعذر الصرف على ذلك يصرف ريع القيراط ليوسف وأخته فهيمه بالتفاضل" هو شرط جائز شرعاً فيكون شرطا صحيحا يجب العمل به، وكان يبين من هذه العبارة أن ريع القيراط المذكور يصرف على الفقراء والمساكين والواردين والمترددين على المنزل المذكور - وهو مملوك لابن الواقف وغير موقوف - ما دام معداً للفقراء والمساكين والواردين والمترددين، فإذا خرج المنزل عن إعداده لذلك بإزالته فقد تعذر الصرف على هذه الجهة وانتهى الوقف عليها وصار ريع هذا القيراط حقاً لمن شرطه له الواقف الصرف إليه عند التعذر فآل بذلك إلى يوسف وأخته فهيمه، وكان غير صحيح ما تقول به الطاعنة من أن مصرف الوقف هو إطعام الفقراء عموماً وأنه بذلك لا يتصور انقطاعه ولو تهدمت المضيفة إذ صريح شرطه الواقف هو وقف القيراط على الفقراء والمساكين الواردين والمترددين على المضيفة لا على كل الفقراء والمساكين، وليس فى ذلك تعليق للشرط على إرادة ناظر الوقف أو أحد من المستحقين ولا إنهاء للوقف بل كل مؤداه أن يتحول الاستحقاق عند تعذر الصرف من المضيفة إلى ولدى الواقف يوسف وفهيمة وهو أمر جائز شرعاً لا يغير منه تأقيت هذا المصرف بتعذر الصرف ما دام أن الواقف قد جعل لوقفه انتهاء على جهات بر عينها فى كتاب الوقف ولما كان ما شرطه الواقف على هذا النحو لا يعتبر تغييراً فى مصرف الوقف الخيرى تختص به لجنة شئون الأوقاف طبقاً لنص المادة الثالثة من القانون رقم 272 لسنة 1959 بل تفسيراً لشرط الواقف مما تختص به المحاكم، لما كان ذلك وكان الحكم المطعون فيه قد التزم هذا النظر وانتهى فى تفسير شرط الواقف تفسيراً يؤدى إليه مجموع عباراته ولا مخالفة فيه لغرض الواقف، فإن النعى عليه بهذه الاسباب يكون على غير أساس.
وحيث إن حاصل السبب السادس أن الحكم المطعون فيه شابه قصور فى التسبيب، وفى بيان ذلك تقول الطاعنة أنها استدلت أمام محكمة الموضوع على عدم انتهاء الوقف بعقد الاتفاق المبرم فى 17/ 6/ 1957 بين المطعون عليهما الأول والسادس والمنصوص فيه على استمرار المطعون عليه السادس فى إدارة ثلاثة القراريط الموقوفة على المضيفة والمسجد مما يؤكد بقاء الوقف على المضيفة غير أن الحكم المطعون فيه لم يرد على هذا الدفاع مما يعيبه بالقصور.
وحيث إن هذا النعى غير مقبول لأنه يقوم على امور واقعية لم تقدم الطاعنة ما يثبت أنها تمسكت بها أمام محكمة الموضوع، فلا تجوز إثارته لاول مرة أمام محكمة النقض.
وحيث إنه لما تقدم يتعين رفض الطعن.