مجلس الدولة - المكتب الفنى لرئيس مجلس الدولة - مجموعة المبادئ القانونية التى قررتها المحكمة الإدارية العليا
السنة الثالثة والأربعون - الجزء الأول (من أول أكتوبر سنة 1997 إلى آخر فبراير سنة 1998) - صـ 779

(81)
جلسة 24 من يناير سنة 1998

برئاسة السيد الأستاذ المستشار/ فاروق عبد السلام شعت نائب رئيس مجلس الدولة، وعضوية السادة الاساتذة/ سعد الله محمد حنتيره، ومنصور حسن على غربى، وأبو بكر محمد رضوان، وغبريال جاد عبد الملاك نواب رئيس مجلس الدولة.

الطعن رقم 1923 لسنة 41 قضائية عليا

دعوى - حكم - الطعن على حكم المحكمة الإدارية العليا بدعوى البطلان الاصلية - أثر مخالفة قواعد توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الإدارية العليا على الحكم الصادر منها.
لا يجوز الطعن فى أحكام المحكمة الإدارية العليا بأى طريق من طرق الطعن إلا إذا انتفت عنها صفة الأحكام القضائية - بأن يصدر الحكم من مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية أو أن يقترن الحكم بعيب جسيم يمثل إهداراً للعدالة يفقد الحكم معه وظيفته ومقوماته - إذا قام الطعن على مسائل موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تفسير القانون وتأويله فإن هذه الأسباب لا تمثل إهداراً للعداله يفقد معها الحكم وظيفته - توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الإدارية العليا هو أمر تنظيمى لحسن سير العمل ولا يعد هذا التوزيع من النظام العام كما أن مخالفته لا يترتب عليها فقدان الحكم صفته كحكم. تطبيق.


إجراءات الطعن

فى يوم الثلاثاء 14/ 3/ 1995 أودع الأستاذ/ ... المحامى الوكيل عن الطاعن قلم كتاب هذه المحكمة تقرير طعن قيد برقم 1923 لسنة 41 ق فى الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) بجلسة 17/ 1/ 1995 فى الطعن رقم 798 لسنة 36 ق والقاضى بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا والزام الطاعن المصروفات.
وطلب الطاعن - للأسباب المبينة فى تقرير الطعن - الحكم بقبول دعوى البطلان الأصلية شكلا وفى الموضوع بإلغاء الحكم الصادر من المحكمة الإدارية العليا فى الطعن رقم 798 لسنة 36 ق وإلغاء القرار المطعون فيه فيما تضمنه من تخطى الطاعن فى الترقية إلى رتبة اللواء العامل اعتباراً من 2/ 8/ 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الجهة الإدارية المصروفات.
وأعلن الطعن إلى وزارة الداخلية.
وقدمت هيئة مفوضى الدولة تقريراً بالرأى القانونى ارتأت فيه الحكم بقبول الدعوى شكلاً ورفضها موضوعاً مع إلزام الطاعن المصروفات.
وقد أحيل الطعن من الدائرة الثالثة إلى الدائرة الرابعة (موضوع) بالمحكمة الإدارية العليا حيث حدد لنظره أمامها جلسة 17/ 5/ 1997 وفيها قدم الطاعن مذكرة وحافظة مستندات وبجلسة 19/ 7/ 1997 قدم الطاعن حافظة مستندات.
وبجلسة 18/ 10/ 1997 قدم الطاعن مذكرة بدفاعه وحافظة مستندات وبهذه الجلسة قررت المحكمة إصدار الحكم فى الطعن بجلسته 24/ 1/ 1998 ومذكرات خلال أربعة أسابيع، وبتاريخ 1/ 11/ 1997 قدمت هيئة قضايا الدولة مذكرة بدفاعها وبتاريخ 15/ 11/ 1997 قدم الطاعن مذكرة ختامية بدفاعه وبالجلسة المشار إليها 24/ 1/ 1998 صدر الحكم وأودعت مسودته المشتملة على أسبابه عند النطق به.


المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع الإيضاحات والمداولة.
من حيث إن الطعن قد استوفى أوضاعه الشكلية.
ومن حيث إن عناصر المنازعة تخلص - حسبما يبين من الأوراق - فى أن الطاعن قد أقام الدعوى رقم 5696 لسنة 40 ق أمام محكمة القضاء الإدارى طالباً الحكم بإلغاء قرار وزير الداخلية رقم 632 لسنة 1986 فيما تضمنه من إحالته إلى المعاش اعتباراً من 2/ 6/ 1986 وما يترتب على ذلك من آثار وإلزام الإدارة المصروفات. وقال شرحاً لدعواه أنه تخرج فى كلية الشرطة عام 1961 وعمل فى حقل الأمن العام وكان مثالا للاخلاق والانضباط ومحل تقدير رؤسائه وبتاريخ 28/ 7/ 1986 فوجئ بصدور القرار المطعون فيه بترقيته إلى رتبة اللواء مع إحالته إلى المعاش اعتبارا من 2/ 8/ 1986. وينعى على هذا القرار أنه جاء مفتقراً إلى سببه فلم ينسب إليه أية وقائع تنهض سبباً لعدم ترقيته إلى رتبة اللواء مع بقائه بالخدمة رغم أن له زملاء هو أكفأ منهم رقوا إلى رتبة اللواء وأبقوا فى الخدمة.
وبجلسة 10/ 12/ 1989 حكمت محكمة القضاء الإدارى برفض الدعوى وألزمت المدعى بالمصروفات فطعن المدعى فى هذا الحكم بالطعن رقم 798 لسنة 36 ق طالباً الحكم بإلغائه وإلغاء القرار المطعون فيه.
وبجلسة 17/ 1/ 1995 حكمت المحكمة الإدارية العليا (الدائرة الثالثة) بقبول الطعن رقم 798 لسنة 36 ق شكلاً ورفضه موضوعاً وإلزام الطاعن المصروفات وأقامت قضاءها على أنه يستفاد من نص المادتين 17، 19 من القانون رقم 109 لسنة 1971 بشأن هيئة الشرطة أن المشرع فرق فى الترقية من رتبة ملازم حتى رتبة عميد والترقية من رتبة عميد إلى رتبة لواء عامل فجعل الترقية فى الحالة الأولى بالأقدمية وفى الحالة الثانية بالاختيار المطلق مع إحالة الضابط الذى لا يشمله الاختيار فى الترقية إلى رتبة لواء إلى المعاش مع ترقيته إلى رتبة اللواء وأساس هذه التفرقة يرجع إلى أن من يختار لشغل المناصب الرئيسية يجب أن تتوافر عناصر الكفاية والصلاحية وقوة الشخصية ومن لم تتوافر فيه هذه العناصر روعى أن يعوض عن تركه فى الاختيار بترقيته إلى رتبة لواء مع إحالته إلى المعاش. وإذ كان القانون قد أطلق التقدير للإدارة فى اختيار من يرقى إلى رتبة اللواء العامل فلا يعقب عليها فى تقديرها ما دام قد خلا من عيب إساءة استعمال السلطة وهو من العيوب القصدية التى تشوب ركن الغاية فى القرار وعلى من يدعى الانحراف بالسلطة أن يثبته وذلك بأن يثبت أن القرار قد تغيا غايات أخرى بعيدة عن الصالح العام.
وأضافت المحكمة أنه بالتطبيق لما تقدم فإنه يبين من الأوراق أن المجلس الأعلى للشرطة قد قرر بجلسته بتاريخ 28/ 7/ 1986 ترقية الطاعن إلى رتبة لواء مع إحالته إلى المعاش حيث ثبت لدى المجلس عدم توافر الكفاءة الوظيفية والصلاحية المطلوبة لشغل الوظائف القيادية المتطلبة للترقية إلى رتبة اللواء العامل فى الطاعن وبناءً عليه صدر قرار وزير الداخلية بترقية الطاعن إلى رتبة اللواء مع إحالته إلى المعاش اعتبارا من 2/ 8/ 1986 وبذلك فإن جهة الإدارة تكون قد أعملت سلطتها التقديرية فى الاختيار للترقية إلى رتبة لواء طالما خلا هذا التقدير من إساءة استعمال السلطة بحسب ما تراه من توافر عناصر الصلاحية والكفاية وقوة الشخصية إلى جانب البيانات والعناصر الأخرى ذات الأثر الكبير فى التقدير والتى قد تغيب عن التقارير المودعة فى ملف الخدمة. ولم يقم الطاعن دليلاً واحداً تطمئن إليه المحكمة على أن جهة الإدارة قد انحرفت بسلطتها وأساءت استعمالها ولا يكفى فى إثبات ذلك ما أبداه الطاعن من كفايته وقد رأته على النحو الوارد فى مذكراته وحوافظ مستنداته لأن الطاعن كان فى وضع المقارنة مع آخرين من زملائه من ذوى الكفاية أيضاً المرشحين لرتبة اللواء العامل والذين تم اختيارهم للترقية لهذه الرتبة وهو ما يقتضى إثبات أنهم أقل كفاية وأقل جدارة وصلاحية ممن تم إحالتهم إلى المعاش حتى يمكن القول بانحراف الإدارة بسلطتها فى الاختيار وهو ما لم يثبته الطاعن ولم تكشف عنه الأوراق وبالتالى يكون القرار المطعون فيه قد صدر صحيحاً ومطابقاً للقانون ويكون الطعن على غير أساس من القانون جديراً بالرفض.
وقد طعن الطاعن على هذا الحكم بالطعن الماثل بطريق دعوى البطلان الأصلية مستنداً للاسباب الآتية:
أولاً: انعدام ولاية الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا فى إصدار الحكم المطعون فيه وبيان ذلك أن حقيقة الطعن على الحكم الصادر من محكمة القضاء الإدارى فى دعواه رقم 5696 لسنة 40 ق ينصب على قرار تخطيه فى الترقية ومن ثم تكون الدائرة الثانية بالمحكمة الإدارية العليا هى المختصة بالفصل فى هذا الطعن ولما كانت قواعد الاختصاص سواء النوعى أو المحلى أو توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة الواحدة من النظام العام فإن تصدى الدائرة الثالثة للفصل فى الطعن يجعل حكمها منعدماً ويتعين الطعن عليه بدعوى البطلان الأصلية.
ثانياً: إخلال الحكم المطعون فيه بحق من الحقوق الجوهرية للطاعن وهو حق الدفاع عما يفقده صفة الأحكام وذلك على النحو التالي:
1- مخالفة القانون لصدور القرار المطعون فيه على سبب غير صحيح ووهمى ومن ثم فقد صدر مفتقداً لركن السبب حيث نكلت جهة الإدارة عن تقديم ما فى حوزتها من تقارير الجهات الرقابية التى أجريت بمناسبة الاختيار لرتبة لواء عامل رغم تكليف المحكمة مدير إدارة شئون الضباط بتقديرها عدة مرات.
2- الانحراف فى استعمال السلطة حيث أكدت تقارير الجهة الرقابية بمناسبة الاختيار لرتبة لواء عامل أحقية الطاعن فى الترقية لرتبة لواء عامل دون زملائه المستشهد بهم وهم أحدث منه أقدمية وأقل كفاءة وجدارة، وطلب إجراء مقارنة جادة وحقيقية بينه وبينهم على ضوء ما قدمه من مستندات وما قدمته الإدارة من بيانات عنه وعن زملائه المستشهد بهم.
3- إن المحكمة الإدارية العليا قضت فى الطعن رقم 682 لسنة 26 ق بجلسة 2/ 4/ 1986 بأنه لا محل لما أثارته الجهة الإدارية حول مدى الالتزام بتسبيب قرارات مجلس الشرطة لأن القاعدة أنه متى أفصحت الجهة الإدارية عن أسباب قرارها فإن هذه الأسباب تخضع حتماً لرقابة القضاء الإدارى. وأوضح الطاعن أنه بالرغم من هذا المبدأ القاطع فى رقابة المشروعية فإن الحكم المطعون فيه قد أسقط الرقابة القضائية على ما ذكرته جهة الإدارة من أسباب وهمية فاضحة الزيف والبهتان ومجرد قول مرسل لا وجود له ولا سند له من الواقع والقانون حيث لم تذكر واقعة محددة بذاتها ولم تقدم مستنداً واحداً يؤيد هذه الأسباب الوهمية وقد ذهب الحكم إلى التسليم بهذا الزعم الوهمى دون تمحيص واعتبر الوجود المادى للأسباب عنصراً تقديرياً مطلقاً لجهة الإدارة وهذا يخالف قضاء المحكمة الإدارية العليا المستقر فى رقابة الأسباب والتحقق من وجودها مادياً وقانونياً وما إذا كانت تؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها الجهة الإدارية من عدمه.
4- أن تكون جهة الإدارة عند تقديم التقارير التى أجرتها أجهزة رقابية عليا متخصصة أكدت أحقية الطاعن فى الترقية إلى رتبة لواء عامل دون زملائه المستشهد بهم يكشف عن انحرافها فى استعمال سلطتها وعلى الرغم من ذلك فقد صمت الحكم المطعون فيه على الرد على هذه الحقيقة الواقعة فى انحراف الإدارة وتعسفها فضلاً عن أن الطاعن قدم نماذج هذه التقارير الموضح بها عناصر التقييم المختلفة ولم تدحضها جهة الإدارة. كما أن الحكم لم يعمل أثر هذا النكول طبقاً للمبادئ المستقرة من أن ذلك يعد تسليماً بطلبات الطاعن.
5- أن الطاعن أوضح فى مجال المقارنة مع زملائه أن اللواء ...... أحد المستشهد بهم قد جوزى فى رتبة العميد بالإنذار عن عدم إشرافه إشرافاً جدياً على أعمال مرؤسيه وعنصر الإشراف هذا هو أحد عناصره الأساسية للتقييم ومع هذا أورد الحكم المطعون فيه أن الطاعن لم يثبت أن أحداً من زملائه المرشحين أقل منه كفاءة. وبذلك يكون الحكم قد أخل بحق الدفاع بعدم الرد على أوجه دفاع الطاعن مما يترتب عليه بطلان الحكم.
ومن حيث إن قضاء هذه المحكمة قد استقر على أنه لا يجوز الطعن فى أحكام المحكمة الإدارية العليا بأى طريق من طرق الطعن إلا إذا انتفت عنها صفة الأحكام القضائية بأن يصدر الحكم من مستشار قام به سبب من أسباب عدم الصلاحية أو أن يقترن الحكم بعيب جسيم يمثل إهداراً للعدالة يفقد الحكم معه وظيفته ومقوماته وتقدم على أساسه دعوى البطلان الأصلية أما إذا قام الطعن على مسائل موضوعية تندرج كلها تحت احتمالات الخطأ والصواب فى تفسير القانون وتأويله فإن هذه الأسباب لا تمثل إهداراً للعدالة يفقد معها الحكم وظيفته.
ومن حيث إنه عن الوجه الأول من دعوى البطلان الأصلية الماثلة المتعلق بصدور الحكم المطعون فيه من الدائرة الثالثة بالمحكمة الإدارية العليا وهى غير مختصة لأن الاختصاص ينعقد للدائرة الثانية فإن توزيع الاختصاص بين دوائر المحكمة هو أمر تنظيمى لحسن سير العمل ولا يعد هذا التوزيع للاختصاص من النظام العام كما أن مخالفته لا يترتب عليها فقدان الحكم صفته كحكم وبالتالى يكون هذا الوجه على غير أساس من القانون.
ومن حيث إنه عن الوجه الثانى الذى بنيت عليه دعوى البطلان فإن جميع الأسباب التى أوردها الطاعن فى هذا الوجه من فقدان قرار تخطية فى الترقية إلى ربتة لواء عامل لركن السبب ووجوب إعمال الرقابة القضائية على أسباب القرار وانحراف الإدارة بسلطتها والتدليل عليه بعدم تقديم الإدارة لتقارير التقييم التى أجرتها الجهات الرقابية وأن نكون الإدارة عن تقديمها رغم تكليفها بذلك من المحكمة يعد إهداراً للعدالة وأنه كان يتعين إعمال أثر ذلك بالتسليم بصحة طلبات الطاعن كل ذلك أسباب للطعن على الحكم تتعلق بتأويل القانون وتطبيقه وتهدف إلى إعادة مناقشة ما قام عليه قضاء الحكم المطعون فيه مما لا تتوافر فيه شروط دعوى البطلان الأصلية إذ ليس فيما أورده الطاعن ما يعيب الحكم بعيب جسيم يفقده مقوماته الأساسية وصفته كحكم.
ومن حيث إنه بناء على ذلك فإن الطعن على الحكم المطعون فيه بدعوى البطلان الاصلية على غير أساس من القانون متعين الرفض مع إلزام الطاعن المصروفات.

فلهذه الأسباب:

حكمت المحكمة بقبول الطعن شكلا ورفضه موضوعا وألزمت الطاعن المصروفات.