أحكام النقض - المكتب الفنى - مدني
الجزء الثانى - السنة التاسعة والأربعون - صـ 627

جلسة 26 من أكتوبر سنة 1998

برئاسة السيد المستشار/ محمد مصباح شرابيه نائب رئيس المحكمة وعضوية السادة المستشارين/ سعيد غريانى، حسين السيد متولى، عبد الحميد الحلفاوى وحسن حسن منصور نواب رئيس المحكمة.

(151)
الطعن رقم 193 لسنة 63 القضائية " أحوال شخصية"

(1، 2) وصية "إحصاء الموصى لهم: بطلان الوصية". بطلان.
(1) الوصية. وجوب تضمنها التعريف بالموصى له تعريفاً واضحاً نافياً عنه الغموض والجهاله. علة ذلك. هى تمليك بعد الموت. الوصية لرجل أو لمن لا يحصون. تجهيل لا يمكن رفعه بالموصى له. الاستثناء. ذكر لفظ ينبئ عن الحاجة كالفقراء. أثره. صحة الوصية. علة ذلك. النص فى المادة 30 من قانون الوصية على صحتها لمن لا يحصون واختصاص المحتاجين منهم بها. لا أثر له. المقصود عدم الإحصاء من حيث العدد لا من حيث التجهيل بالموصى لهم.
(2) الإيصاء للعرب فى مشارق الأرض ومغاربها بالتركة. عدم تضمنه لوصف منضبط للموصى لهم. غموض وتجهيل. أثره. بطلان الوصية.
(3، 4) وصية "نفاذ الوصية: الرجوع فيها". محكمة الموضوع" سلطتها فى تقدير الرجوع عن الوصية".
(3) الوصية تصرف غير لازم لا تنفذ إلا بعد الوفاة. للوصى الرجوع صراحة أو دلالة عنها كلها أو بعضها ما دام حياً. كيفية ذلك. الإيصاء بوصيتين متنافيتين فى محل واحد. أثره. بطلان الأولى. رجوع الموصى فى الوصية اللاحقة عن الوصية الأولى. وجوب الاعتداد به وإن شاب الوصية الثانية بطلان لا يتعلق بإرادته فى الرجوع عن الوصية الأولى.
(4) استخلاص الرجوع عن الوصية. واقع. استقلال محكمة الموضوع بتقديره ما دامت أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها سندها من الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها. المنازعة فى ذلك. جدل فيما لها من سلطة فهم الواقع وتقدير الأدلة تنحسر عنه رقابة محكمة النقض.
1 - النص فى المادة السادسة من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على أنه: "يشترط فى الموصى له أن يكون معلوما"، مفاده أنه يتعين أن تتضمن الوصية التعريف بالموصى له تعريفاً واضحا نافيا عنه الغموض والجهالة، لأن الأصل فى الوصية أنها تمليك بعد الموت، فإذا كان الموصى له مجهولاً لا يتحقق المقصود من الوصية، وهذا هو مذهب الحنفية، وقد ورد بالمذكرة الإيضاحية لذلك النص "والمراد بكونه معلوماً ألا يكون مجهولاً جهالة لا يمكن رفعها كالوصية لرجل أو لمن لا يحصون كالمسلمين إلا إذا ذكر لفظ ينبئ عن الحاجة كالفقراء فإنها تصح لأنها وصية بالصدقة، والصدقة لله تعالى وهو معلوم" ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 30 من قانون الوصية من أنه "تصح الوصية لمن لا يحصون ويختص بها المحتاجون منهم ويترك أمر تنفيذها لاجتهاد من له تنفيذ الوصية....." ذلك لأن عدم إحصاء الموصى لهم يرجع إلى أنهم لا يحصون من حيث العدد لا من حيث التجهيل بهم، إلا أنه ينبغى لصحة الوصية توافر الشروط اللازمة فى الموصى لهم، ومنها عدم التجهيل بهم بأن يكونوا معرفين بوصف يميزهم عن غيرهم، وإن كان القانون قد خص بها بعد بيانهم على هذا النحو المحتاجين منهم أخذاً بمذهب الإمام مالك، كما صرحت بذلك المذكرة الإيضاحية.
2 - لما كانت الوصية المؤرخة 6/ 2/ 1954 قد تضمنت الإيصاء للعرب فى مشارق الأرض ومغاربها بكل التركة، دون بيان لوصف منضبط للموصى لهم، إذ أن عبارة الوصية قد شملت العرب فى جميع بقاع العالم، دونما تحديد مكانى أو وصفى معين، ولم تكشف عما إذا كان المقصود بالعرب هم من ينحدرون من أصل عربى أياً كانت جنسياتهم أو من يحملون جنسية إحدى الدول العربية أياً كانت جذورهم عربية أو غير عربية، ومن ثم فإنه يكون قد شاب الوصية الغموض والتجهيل بما يبطلها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بتأييده الحكم الابتدائى الذى انتهى إلى صحه هذه الوصية فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون.
3 - النص فى المادة 18 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على أنه: "يجوز للموصى الرجوع عن الوصية كلها أو بعضها صراحة أو دلالة ويعتبر رجوعاً عن الوصية كل فعل أو تصرف يدل بقرينة أو عرف على الرجوع عنها......" يدل على أن الوصية بحسب الأصل تصرف غير لازم لا تنفذ إلا بعد الوفاة، ولا يترتب عليها أى حق قبلها، فيجوز من ثم للموصى الرجوع صراحة أو دلالة عنها كلها أو بعضها ما دام حيا، والرجوع الصريح يكون بأى عبارة ينطقها الموصى أو يكتبها تدل بوضوح على أنه غير راغب فى الإبقاء على الوصية، أما الرجوع دلالة فيصح بأى فعل أو تصرف يصدر من الموصى بعد الوصية ينبئ عنه وتقوم القرينة أو العرف على أنه أراد بالفعل نقض الوصية أو يتضمن الفعل من تلقاء نفسه نقضها، فإذا أوصى الموصى بوصيتين متنافيتين فى محل واحد كانت الثانية مبطلة للأولى، وإذ أفصح الموصى فى الوصية اللاحقة عن رجوعه عن الوصية الأولى، فإنه يعتد بذلك، وإن شاب الوصية الثانية بطلان لا يتعلق بارادته فى الرجوع عن الوصية الأولى.
4 - استخلاص الرجوع عن الوصية من مسائل الواقع التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها سندها من الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها. لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب صحة ونفاذ الوصية المؤرخة 23/ 5/ 1950 على ما استخلصه من الأوراق من رجوع الموصى عن هذه الوصية بإصداره الوصية اللاحقة المؤرخة 6/ 2/ 1954 التى تضمنت الإيصاء لجهة أخرى بكل التركة، وهذه أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتكفى لحمل قضاء الحكم، وفيها الرد الضمنى المسقط لما أثاره الطاعنون فى هذا الشأن، فإن هذا الشق من النعى لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع وتقدير الادلة مما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض.

المحكمة

بعد الاطلاع على الأوراق وسماع التقرير الذى تلاه السيد المستشار المقرر والمرافعة وبعد المداولة.
حيث إن الطعن استوفى أوضاعه الشكلية.
وحيث إن الوقائع - على ما يبين من الحكم المطعون فيه وسائر الأوراق - تتحصل فى أن مورث الطاعنين السبعة الأوائل أقام الدعوى رقم 87 لسنة 1971 كلى أحوال شخصية المنصورة على الطاعن الأول وباقى ورثة..... بطلب الحكم بصحة ونفاذ الوصية المؤرخة 23/ 5/ 1950، وقال بياناً لدعواه، إن المرحوم...... أوصى له بتاريخ 23/ 5/ 1950 بثلثى المنزل المبين الحدود والمعالم بصحيفة الدعوى وتوفى بتاريخ 10/ 1/ 1964 وأقر ورثته هذه الوصية بإقرار مؤرخ 15/ 1/ 1964 وهى لا تجاوز ثلث تركة الموصى، ومن ثم أقاموا الدعوى، كما أقام الطاعن الثامن والمطعون ضدهما الثانى والثالث ومورث المطعون ضدها الرابعة الدعوى رقم 415 لسنة 1977 كلى أحوال شخصية المنصورة على باقى المطعون ضدهم بطلب الحكم ببطلان الوصية المؤرخة 6/ 2/ 1954 وعدم التعرض لهم فى تركة المرحوم...... بموجب هذه الوصية، وقالوا بيانا لذلك، إن الموصى ذكر فى هذه الوصية أنه لعدم حاجة ورثته للمال فإنه يوصى بكل ماله للعائلة العربية فى مشارق الأرض ومغاربها، وفى هذا حرمان لهم من الحق فى الميراث بما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية، ومن ثم أقاموا الدعوى، ضمت المحكمة الدعويين، وبتاريخ 31/ 12/ 1986 حكمت برفضها ورفض الطعن بتزوير توقيع الموصى على الوصية المؤرخة 23/ 5/ 1950 وبصحة التوقيع على الوصية المؤرخة 6/ 2/ 1954، استأنف الطاعنون هذا الحكم بالاستئنافين رقمى 20، 21 لسنة 1987 المنصورة، ضمت المحكمة الاستئنافين، وبتاريخ 22/ 3/ 1993 قضت بتأييد الحكم المستأنف، طعن الطاعنون فى هذا الحكم بطريق النقض وقدمت النيابة مذكرة أبدت فيها الرأى بنقض الحكم. عرض الطعن على المحكمة فى غرفة مشورة فحددت جلسة لنظره وفيها التزمت النيابة رأيها.
وحيث إن مما ينعاه الطاعنون على الحكم المطعون فيه الخطأ فى تطبيق القانون، وفى بيان ذلك يقولون، إنهم تمسكوا أمام محكمة الموضوع ببطلان الوصية المؤرخة 6/ 2/ 1954 لأنها تضمنت الأيصاء لغير معلوم وهو العائلة العربية فى مشارق الأرض ومغاربها إلا أن الحكم قضى بتأييد الحكم الابتدائى فيما قضى به من صحة هذه الوصية، كما أيده فى قضائه برفض طلب صحة ونفاذ الوصية المؤرخة 23/ 5/ 1950 على سند من أن الوصية اللاحقة عليها تتضمن عدولاً من الموصى عن وصيته الأولى، رغم أنه متى بطلت الوصية اللاحقة للتجهيل بالموصى لهم، فإنه كان يتعين القضاء بصحة ونفاذ الوصية السابقة عليها.
وحيث إن هذا النعى سديد فى شقه الأول، ذلك بأن النص فى المادة السادسه من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على أنه: "يشترط فى الموصى له أن يكون معلوماً"، مفاده أنه يتعين أن تتضمن الوصية التعريف بالموصى له تعريفا واضحا نافيا عنه الغموض والجهالة، لأن الأصل فى الوصية أنها تمليك بعد الموت، فإذا كان الموصى له مجهولاً لا يتحقق المقصود من الوصية، وهذا هو مذهب الحنفية، قد ورد بالمذكرة الإيضاحية لذلك النص "والمراد بكونه معلوماً إلا يكون مجهولاً لا يمكن رفعها كالوصية لرجل أو لمن لا يحصون كالمسلمين إلا إذا ذكر لفظ ينبئ عن الحاجة كالفقراء فإنها تصح لأنها وصية بالصدقة، والصدقة لله تعالى وهو معلوم" ولا يغير من ذلك ما نصت عليه المادة 30 من قانون الوصية من أنه "تصح الوصية لمن لا يحصون ويختص بها المحتاجون منهم ويترك أمر تنفيذها لاجتهاد من له تنفيذ الوصية........" ذلك لأن عدم إحصاء الموصى لهم يرجع إلى أنهم لا يحصون من حيث العدد لا من حيث التجهيل بهم، إلا أنه ينبغى لصحة الوصية توافر الشروط اللازمة فى الموصى لهم، ومنها عدم التجهيل بهم بأن يكونوا معرفين بوصف يميزهم عن غيرهم، وإن كان القانون قد خص بها بعد بيانهم على هذا النحو المحتاجين منهم أخذاً بمذهب الامام مالك، كما صرحت بذلك المذكرة الإيضاحية. لما كان ذلك، وكانت لما كانت الوصية المؤرخة 6/ 2/ 1954 قد تضمنت الإيصاء للعرب فى مشارق الأرض ومغاربها بكل التركة، دون بيان لوصف منضبط للموصى لهم، إذ أن عبارة الوصية قد شملت العرب فى جميع بقاع العالم، دونما تحديد مكانى أو وصفى معين، ولم تكشف عما إذا كان المقصود بالعرب هم من ينحدرون من أصل عربى أياً كانت جنسياتهم أو من يحملون جنسية إحدى الدول العربية أياً كانت جذورهم عربية أو غير عربية، ومن ثم فإنه يكون قد شاب الوصية الغموض والتجهيل بما يبطلها، وإذ خالف الحكم المطعون فيه هذا النظر بتأييده الحكم الابتدائى الذى انتهى إلى صحة هذه الوصية فإنه يكون قد أخطأ فى تطبيق القانون، ومن ثم فإنه يتعين نقضه جزئياً فى هذا الخصوص، دون حاجة لبحث باقى أوجه الطعن المتعلقة بالوصية المذكورة، والنعى مردود فى شقه الثانى، ذلك بأن النص فى المادة 18 من قانون الوصية رقم 71 لسنة 1946 على أنه: "يجوز للموصى الرجوع عن الوصية كلها أو بعضها صراحة أو دلالة ويعتبر رجوعاً عن الوصية كل فعل أو تصرف يدل بقرينة أو عرف على الرجوع عنها........." يدل على أن الوصية بحسب الأصل تصرف غير لازم لا تنفذ إلا بعد الوفاة، ولا يترتب عليها أى حق قبلها، فيجوز من ثم للموصى الرجوع صراحة أو دلالة عنها كلها أو بعضها ما دام حياً والرجوع الصريح يكون بأى عبارة ينطقها الموصى أو يكتبها تدل بوضوح على أنه غير راغب فى الإبقاء على الوصية، أما الرجوع دلالة فيصح بأى فعل أو تصرف يصدر من الموصى بعد الوصية ينبئ عنه وتقوم القرينة أو العرف على أنه أراد بالفعل نقض الوصية أو يتضمن الفعل من تلقاء نفسه نقضها، فإذا أوصى الموصى بوصيتين متنافيتين فى محل واحد كانت الثانية مبطلة للاولى، وإذ أفصح الموصى فى الوصية اللاحقة عن رجوعه عن الوصية الأولى، فإنه يعتد بذلك، وإن شاب الوصية الثانية بطلان لا يتعلق بإرادته فى الرجوع عن الوصية الأولى، واستخلاص الرجوع عن الوصية من مسائل الواقع التى تستقل بتقديرها محكمة الموضوع طالما أقامت قضاءها على أسباب سائغة لها سندها من الأوراق وتؤدى إلى النتيجة التى انتهت إليها لما كان ذلك، وكان الحكم الابتدائى المؤيد بالحكم المطعون فيه قد أقام قضاءه برفض طلب صحة ونفاذ الوصية المؤرخة 23/ 5/ 1950 على ما استخلصه من الأوراق من رجوع الموصى عن هذه الوصية بإصداره الوصية اللاحقة المؤرخة 6/ 2/ 1954 التى تضمنت الإيصاء لجهة أخرى بكل التركة، وهذه أسباب سائغة لها أصلها الثابت بالأوراق وتكفى لحمل قضاء الحكم، وفيها الرد الضمنى المسقط لما أثاره الطاعنون فى هذا الشأن، فإن هذا الشق من النعى لا يعدو أن يكون جدلاً فيما لمحكمة الموضوع من سلطة فهم الواقع وتقدير الأدلة مما تنحسر عنه رقابة محكمة النقض، ومن ثم فإنه يكون على غير أساس.
ولما تقدم، فإنه يتعين نقض الحكم المطعون فيه نقضاً جزئياً فى صدد الوصية المؤرخة 6/ 2/ 1954 وكان الموضوع صالحا للفصل فيه، فإنه يتعين إلغاء الحكم المستأنف فيما تضمنه من قضاء بصحة هذه الوصية فى الدعوى رقم 415 لسنة 1977 كلى احوال شخصية المنصورة.