أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 16 - صـ 114

جلسة 9 من فبراير سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ توفيق الخشن نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر، ومختار رضوان، ومحمود عزيز الدين، وحسين سامح.

(27)
الطعن رقم 1782 لسنة 34 القضائية

( أ ) تسول:
شرط العقاب على التسول في الطرق والمحال العامة أن يكون مقصوداً لذاته ظاهراً أو مستتراً. المادة الأولى من القانون 49 لسنة 1933 بتحريم التسول. مثال.
(ب) إثبات. "اعتراف". تسول.
الاعتراف الذي يعول عليه: هو ما كان نصاً في اقتراف الجريمة. تقدير الدليل المستمد منه موكول إلى المحكمة. مثال في تسول.
(ج) وصف التهمة. محكمة استئنافية.
تقيد المحكمة الاستئنافية عند نظر الدعوى بالواقعة التي رفعت بها أمام محكمة أول درجة. التزامها بتمحيص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها القانونية وتطبيق نصوص القانون عليها تطبيقاً صحيحاً. حقها في ذلك مقيد بما توجبه المادة 308 إجراءات من تنبيه المتهم إلى التهمة المعدلة ومنحه أجلاً للاستعداد إن طلب ذلك. مثال.
(د) باعة متجولون.
تعريف القانون 33 لسنة 1957 للبائع المتجول في مادته الأولى. خروج كل من يؤدي خدمة للجمهور نظير أجر وكل من يزاول مهنة غير تجارية تقوم على الممارسة الشخصية لبعض العلوم والفنون من طائفة الباعة المتجولين. مثال.
1 - المتسول في صحيح اللغة هو من يتكفف الناس فيمد كفه يسألهم الكفاف من الرزق والعون، وهو في حكم القانون وعلى ما يبين من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1933 بتحريم التسول - هو من وجد متسولاً في الطريق العام أو في المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أي شئ. ويظهر من صراحة هذا النص أنه يشترط للعقاب على التسول في الطرق والمحال العامة أن يكون مقصوداً لذاته ظاهراً أو مستتراً. ولما كان الغناء الشعبي قد أضحى فناً أصيلاً ينبع من بيئة تغذيه بأحاسيسها ومشاعرها وتسعى إليه وتعمل من أجله فلم يعد لهواً أو ترفيهاً أو ترفاً ومجوناً بل سما إلى نوع من الثقافة والأدب الشعبي يتجاوب مع أهله فيعبر به الناس في شتى المناسبات القومية والأعياد الخاصة عما يجول بخواطرهم في مجالاته الطبيعية في سياج أمين من الآداب العامة وعادات القوم وتقاليدهم والعرف المستقر بينهم وفى ظل من رعاية الدولة التي أفسحت آفاق تذوق الناس له بوسائلهم الخاصة ثم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة وسبل التشجيع المتباينة دون أن تفرض عليه من القيود ما يقف في وجه ازدهاره وانتشاره. ولما كان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على أن الأعمال التي قام المطعون ضدهم بها هي أعمال فنية صادقة مقصودة لذاتها وأنها وسيلة تعيش مشروعة وليست استجداءاً مستوراً، فإنه لا يقبل من الطاعنة ما تثيره في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها.
2 - الاعتراف الذي يعول عليه هو ما كان نصاً في اقتراف الجريمة، وتقدير الدليل المستمد منه موكول إلى المحكمة. ولما كان ما قرره المطعون ضده الثاني من احترافه الغناء طلباً للرزق لا يعد اعترافاً بالتسول بل بممارسة فن شعبي على ما يبين من دفاعه وتفهم المحكمة له فلا تثريب عليها إن هي أطرحته ضمناً بعد أن أحاطت بظروف الدعوى وانتهت إلى ما ارتأته بحق في شأنها.
3- من المسلم به أنه وإن كان الأصل أن المحكمة الاستئنافية تتقيد عند نظر الدعوى بالواقعة التي رفعت بها أمام محكمة أول درجة غير أنها مكلفة بأن تمحص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها القانونية وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً، وأن حق المحكمة في تعديل التهمة أثناء المحاكمة يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية وهو تنبيه المتهم إلى التهمة المعدلة وأن تمنحه أجلاً يتيح له فرصة تقديم دفاعه إن طلب ذلك, ويتحقق هذا التنبيه بأي كيفية تلفت نظر الدفاع إلى الوصف الجديد سواء أكان هذا التنبيه صريحاً أو ضمنياً - ولما كانت المحكمة الاستئنافية قد استجابت لحكم القانون ولم تقض ببراءة المطعون ضدهم إلا بعد أن محصت الواقعة المطروحة أمامها بجميع أوصافها القانونية وبعد أن عرضت للقانون رقم 33 لسنة 1957 وقالت كلمتها في مدى انطباقه على الواقعة التي رفعت بها الدعوى وهى ممارسة المطعون ضدهم الغناء في حديقة عامة، وكان المتهمون قد ترافعوا على ضوء مذكرة النيابة فقرروا أنهم يكونون فرقة موسيقية ولهم تسجيلات في الإذاعة وطلبوا رفض استئناف النيابة وتأييد حكم البراءة، فإن ما تقوله النيابة من أن المحكمة أغفلت حكم القانون في شأن تمحيص الواقعة بجميع أوصافها لا يصادف محلاً.
4 - عرف القانون رقم 33 لسنة 1957 البائع المتجول في المادة الأولى بفقرتيها (أ، ب) بأنه كل من يبيع سلعاً أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعة في أي طريق عام أو مكان عام دون أن يكون له محل ثابت وبأنه كل من يتجول من مكان إلى آخر أو يذهب إلى المنازل ليبيع سلعاً أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعة بالتجول. ولما كان البائع المتجول يمارس حرفته عن طريق الاتصال بالجمهور والتردد على المساكن فقد نص القانون على أحكام عديدة يتعين مراعاتها قبل الترخيص له بممارسة الحرفة ثم بعد الترخيص بها. فقضت المادة السادسة منه على عدم جواز الترخيص للمصابين بالأمراض المبينة بها، كما نصت المادة الثامنة على جواز تخصيص أماكن معينة أو سويقات لوقوف الباعة المتجولين وتعيين الحد الأقصى لعددهم بكل منها ومنع وقوفهم في غير هذه الأماكن، كما نص في المادة التاسعة على أنه مراعاة لراحة السكان وتوفير الهدوء في مناطق معينة وللحد من المنافسة غير المشروعة يحظر على الباعة ملاحقة الجمهور بعرض سلعهم أو ممارسة حرفهم داخل وسائل النقل أو الوقوف بجوار المحال التي تتجر في أصناف مماثلة لما يتجرون فيه - كما حدد القانون في المادة العاشرة الشروط الواجب توافرها في العربات والصناديق والأوعية التي يستعملها الباعة المتجولون لبيع المواد الغذائية من مأكولات ومشروبات وحظر بيع المأكولات والمشروبات التي يتعذر وقايتها من الفساد. وبذلك دل القانون بما وضعه من أحكام وأخصها ما يتعلق بالشروط الصحية الواجب توفرها في هؤلاء الباعة أو في الأوعية التي يبيعون بضائعهم فيها أو في منع وقوفهم بجوار المحال التي تتجر في أصناف مماثلة لما يتجرون فيه - دل بذلك على أن البائع المتجول هو صاحب رأس مال ضئيل يمارس حرفته عن طريق اتصاله بالجمهور كبداية طبيعية يسلكها قبل أن يتحول إلى تاجر أو صانع مقيم وذلك بعد استيفاء شروط معينه لا تتوافر لغيره وقبل الترخيص له بعمله فيخرج عن هذه الطائفة كل من يؤدي خدمة للجمهور نظير أجر وكل من يزاول مهنة غير تجارية تقوم على الممارسة الشخصية لبعض العلوم والفنون. ولما كان الحكم المطعون فيه قد انتهى إلى اعتبار ممارسة الغناء الشعبي في المواسم والأعياد مهنة غير خاضعة لأحكام القانون رقم 33 لسنة 1957 فإنه يكون قد طبق روح القانون تطبيقاً سليماً.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة المطعون ضدهم بأنهم في يوم 20/ 4/ 1962 بدائرة بندر شبين الكوم: (1) وجدوا متسولين في الطريق العام حالة كونهم أصحاء البنية وتزيد أعمارهم عن خمس عشرة سنة. (2) عدوا متشردين بأن لم تكن لهم وسيلة مشروعة للتعيش. وطلبت معاقبتهم بالمواد 1 و9 من القانون رقم 49 لسنة 1933 و1 و2/ 1 من القانون 98 لسنة 1942. ومحكمة شبين الكوم الجزئية قضت حضورياً بتاريخ 30/ 3/ 1963 ببراءة المتهمين مما أسند إليهم. فاستأنفت النيابة هذا الحكم. ومحكمة شبين الكوم الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت حضورياً بتاريخ 11/ 5/ 1963 بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وتأييد الحكم المستأنف. فطعنت النيابة العامة في هذا الحكم بطريق النقض... إلخ.


المحكمة

حيث إن النيابة العامة تنعي على الحكم المطعون فيه في الوجهين الأول والثاني من طعنها، أنه إذ انتهى إلى تأييد الحكم المستأنف الذي قضى ببراءة المطعون ضدهم من جريمة التسول المسندة إليهم قد أخطأ في تطبيق القانون وشابه القصور في التسبيب. ذلك أنها أثارت في مذكرتها المقدمة إلى محكمة ثاني درجة أن ما كان يقوم به المتهمون من غناء في الحدائق العامة لم يكن مقصوداً لذاته بل كان ستاراً لإخفاء تسولهم من مرتادي تلك الحدائق وهو ما كان يستوجب معاقبتهم على مقتضى القانون رقم 49 لسنة 1933 بتحريم التسول كما أن المتهم الثاني أقر بأنه ما وجد إلا ليغني طلباً للزرق ولكن الحكم لم يرد على ذلك ولم يناقش أقوال هذا المتهم وما إذا كانت تعد اعترافاً منه بالتسول أم لا.
وحيث إن النيابة العامة أقامت الدعوى الجنائية على المطعون ضدهم بأنهم في يوم 20 من أبريل سنة 1962 بدائرة بندر شبين الكوم: (1) وجدوا متسولين في الطريق العام حالة كونهم أصحاء البنية وتزيد أعمارهم على خمس عشرة سنة (2) عدوا متشردين بأن لم تكن لهم وسيلة مشروعة للتعيش. وطلبت معاقبتهم بالمادتين 1 و9 من القانون رقم 49 لسنة 1933 والمادتين 1 و2/ 1 من القانون رقم 98 لسنة 1945. وقضت محكمة أول درجة حضورياً ببراءتهم مما اسند إليهم فاستأنف النيابة هذا الحكم وحكمت المحكمة الاستئنافية بحكمها المطعون فيه بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وبتأييد الحكم المستأنف. وقد حصل الحكم المستأنف المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه واقعة الدعوى بالنسبة لهاتين الجريمتين فيما يجمل أنه أثناء مرور شرطي الآداب في منطقة منتزه القاصد لضبط ما يخالف الآداب العامة بمناسبة شم النسيم شاهد المتهمين يجلسون في هذا المنتزه ويقومون بالغناء والطبل، يحيط بهم بعض مرتادي الحديقة الذين كانوا يمنحونهم بعض النقود فقام بضبطهم واقتيادهم إلى مقر مكتب الآداب حيث حقق معهم وثبت من محضر التحقيق أنه أثناء تفتيشهم ضبطت جواهر مخدرة مع المتهمين الأول والثاني وقد قيد هذا المحضر برقم 1507 سنة 1962جنايات بندر شبين الكوم ونسخت صورته لواقعة ضبط المتهمين بالحديقة بالصور التي أبلغ بها شرطي الآداب وقد قرر المتهمون في التحقيق أن مهنتهم هي تقديم نوع من الغناء الشعبي في المواسم إلى الناس والارتزاق من هذا السبيل وذكروا أمام المحكمة أنهم يكونون فرقة موسيقية غنائية ولا يقومون بالتسول وأنه سبق اتهامهم بالتسول في القضية رقم 601 لسنة 1962 جنح بندر شبين الكوم وقد أثبتت المحكمة اطلاعها على تلك الجنحة بما يتضمن أن المتهمين الثاني والثالث نسبت إليهما تهمة التسول استناداً إلى ضبط أولهما يحمل ربابة وثانيهما يحمل "دفاً" وينشدان الأغنيات والمواويل بمقهى بالطريق العام وقد قام دفاعهما في تلك الجنحة على أنهما يقدمان فناً شعبياً وعرضاً على المحكمة مجلة آخر ساعة الصادرة بتاريخ 26 من سبتمبر سنة 1962 التي نشرت لهما تحقيقاً صحفياً مصوراً على الغناء الشعبي وقد قضت المحكمة ببراءتهما وبنت هذا القضاء على ما تبينته من أن هذين المتهمين كانا يمارسان نوعاً من الفن الشعبي المتنقل الذي لا يعد تسولاً أو تشرداً وقد تأيد حكمها استئنافياً. ثم انتهت المحكمة في الدعوى الحالية إلى القول " بأن ما قام به المتهمون لا يعدو أن يكون وسيلة يقدمون بها الفن الشعبي الريفي إلى الجمهور وهو نوع يحظى بتشجيع ذوي الشأن من المهيمنين على هذا النوع من الفن الغنائي ولا يعد تسولاً أو تشرداً" وقد تبين من الإطلاع على الطعن 1239 سنة 34 ق المحكوم فيه من هذه المحكمة بجلسة 28/ 2/ 1964 والذي أشارت إليه نيابة النقض في مذكرتها أن جناية المخدرات المنوه عنها في الحكم الابتدائي قدمت إلى مستشار الإحالة فقرر بعدم وجود وجه لإقامة الدعوى وبنى قراره على ما دفع به المتهمان فيها (المطعون ضدهما الأول والثاني في الدعوى الحالية) من بطلان تفتيشهما تبعاً لبطلان القبض عليهما لانتفاء المسوغ له وقد أورد القرار "أنه ثبت أن ضبطهما في يوم الحادث وهو يوم شم النسيم مع باقي أفراد أسرتهما الذين يكونون فرقة تحترف الغناء الشعبي احترافاً ذاع أمره إلى حد أن تحدثت عنه إحدى الصحف الأسبوعية مما يبعد شبهة التسول أو اتخاذ الغناء ستاراً كاذباً لهذا الفعل, وقد رفضت محكمة النقض طعن النيابة في هذا القرار المؤسس على الخطأ في تطبيق القانون وأقرت مستشار الإحالة في إطراحه لتصوير النيابة الذي ألبس تلك الواقعة وفى تكييفه لفعل المتهمين وأنه لا يعد تسولاً بل حرفة فنية مشروعة الأمر الذي انتفت به مبررات القبض، ولم تر المحكمة في هذا التكييف لعمل المتهمين ما يعيبه أو ما يضفي على فعلهما صفة الجريمة". لما كان ذلك, وكان المتسول في صحيح اللغة هو يتكفف الناس فيمد كفه يسألهم الكفاف من الرزق والقوت وهو في حكم القانون وعلى ما يبين من المادة الأولى من القانون رقم 49 لسنة 1933 بتحريم التسول - هو من وجد متسولاً في الطريق العام أو في المحال العمومية ولو ادعى أو تظاهر بأداء خدمة للغير أو عرض ألعاب أو بيع أي شئ. ويظهر من صراحة هذا النص أنه يشترط للعقاب على التسول في الطرق والمحال العامة أن يكون مقصوداً لذاته ظاهراً أو مستتراً. لما كان ما تقدم, وكان الغناء الشعبي قد أضحى فناً أصيلاً ينبع من بيئة تغذيه بأحاسيسها ومشاعرها وتسعى إليه وتعمل من أجله فلم يعد لهواً أو ترفيهاً أو ترفاً ومجوناً بل سما إلى نوع من الثقافة والأدب الشعبي يتجاوب مع أهله فيعبر به الناس في شتى المناسبات القومية والأعياد الخاصة عما يجول بخواطرهم في مجالاته الطبيعية في سياج أمين من الآداب العامة وعادات القوم وتقاليدهم والعرف المستقر بينهم وفى ظل من رعاية الدولة التي أفسحت له آفاق تذوق الناس له بوسائلهم الخاصة ثم عن طريق أجهزة الإعلام المختلفة وسبل التشجيع المتباينة دون أن تفرض عليه من القيود ما يقف في وجه ازدهاره وانتشاره. لما كان ذلك, وكان الحكم الابتدائي المؤيد لأسبابه بالحكم المطعون فيه قد دلل تدليلاً سائغاً على أن الأعمال التي قام المطعون ضدهم بها هي أعمال فنية صادقه مقصودة لذاتها وأنها وسيلة تعيش مشروعة وليست استجداء مستوراً. فإنه لا يقبل من الطاعنة ما تثيره في أمر يتصل بتقدير محكمة الموضوع ومحاولة مصادرتها في عقيدتها. ولا يقدح في ذلك ما قالته النيابة من أن تلك المحكمة التفتت عما قرره المتهم الثاني من أنه كان يغني طلباً للزرق وأن قوله قد يعد اعترافاً منه بالتسول ذلك أن الاعتراف الذي يعول عليه هو ما كان نصاً في اقتراف الجريمة وتقدير الدليل المستمد منه موكول إلى المحكمة. لما كان ذلك، وكان ما قرره المطعون ضده الثاني من احترافه الغناء طلباً للزرق لا يعد اعترافاً بالتسول بل بممارسة فن شعبي على ما يبين من دفاعه وتفهم المحكمة له فلا تثريب عليها إن هي أطرحته ضمناً بعد أن أحاطت بظروف الدعوى وانتهت إلى ما ارتأته بحق في شأنها.
وحيث إن مبنى الوجه الثالث من الطعن هو الخطأ في تطبيق القانون ذلك أنه كان يتعين على المحكمة وقد رأت أن الواقعة لا تتوافر فيه أيا من جريمتي التسول أو التشرد وأن المتهمين يمارسون الغناء في الأماكن العامة أن تعمل في حقهم بما لها من سلطة تعديل وصف الاتهام وعدم التقيد به - أحكام القانون رقم 33 لسنة 1957 بشأن الباعة المتجولين وذلك اعتباراً بأنهم مارسوا حرفة في الطريق العام دون ترخيص - لما هو مقرر من أنه يتعين على قاضي الموضوع أن يبحث الوقائع المطروحة أمامه من جميع نواحيها وأن يقضي بما يثبت لديه منها ولو كان هذا الثابت يستلزم وصف التهمة بوصف آخر غير ما أعطى لها في صيغة الاتهام وأنه ليس له أن يقضي بالبراءة في دعوى قدمت له بوصف معين إلا بعد تقليب وقائعها على جميع الوجوه القانونية والتحقق من أنها لا تقع تحت أي وصف قانوني من أوصاف الجرائم المستوجب قانوناً العقاب. وقول الحكم إن قانون الباعة المتجولين لا ينصرف إلى مهنة المتهمين وهى ممارسة فن الغناء الشعبي في الأعياد والمواسم والموالد هو قول مخالف للقانون طالما كانوا يمارسون حرفتهم في مكان عام دون أن يكون لهم محل ثابت على ما يبين من وقائع الدعوى واعتراف المطعون ضدهما الأول الثاني عند سؤالهما عن صناعتهما بأن كلاً منهما مغن متجول.
وحيث إنه يبين من الحكم المطعون فيه أنه أورد فيما أنشأه من أسباب جديدة قوله: "إن النيابة العامة استأنفت حكم محكمة أول درجة تأسيساً على أنه كان يتعين على تلك المحكمة أن توجه إلى المتهمين تهمة مزاولة حرفة في الطريق العام بدون ترخيص عملاً بالقانون رقم 33 لسنة 1957. وحيث إن ما ذهبت إليه النيابة في استئنافها في غير محله ذلك أن القانون رقم 33لسنة 1975 هو أصلاً في شأن الباعة المتجولين وإن كانت الفقرة أ من المادة الأولى منه تقضي بانطباقه على كل من يمارس حرفة أو صناعة في أي طريق دون أن يكون له محل ثابت إلا أن ذلك لا ينصرف بداهة إلى مهنة المتهمين وهى فن الغناء الشعبي في المناسبات كالأعياد والمواسم والموالد في الحدائق والساحات لأن تلك المجالات هي بطبيعتها مسارح ذلك الفن وفقاً لما درجت عليه التقاليد" لما كان ذلك، وكان من المسلم به أنه وإن كان الأصل أن المحكمة الاستئنافية تتقيد عند نظر الدعوى بالواقعة التي رفعت بها أمام محكمة أول درجة غير أنها مكلفة بأن تمحص الواقعة المطروحة أمامها بجميع كيوفها وأوصافها القانونية وأن تطبق عليها نصوص القانون تطبيقاً صحيحاً وأن حق المحكمة في تعديل التهمة أثناء المحاكمة يقابله واجب مقرر عليها بمقتضى المادة 308 من قانون الإجراءات الجنائية وهو تنبيه المتهم إلى التهمة المعدلة وأن تمنحه أجلاً يتيح له فرصة تقديم دفاعه إن طلب ذلك ويتحقق هذا التنبيه بأي كيفية تلفت نظر الدفاع إلى الوصف الجديد سواء أكان هذا التنبيه صريحاً أو ضمناً. لما كان ما تقدم وكانت المحكمة الاستئنافية قد استجابت لحكم القانون ولم تقض ببراءة المطعون ضدهم إلا بعد أن محصت الواقعة المطروحة أمامها بجميع أوصافها القانونية وبعد أن عرضت للقانون رقم 33 لسنة 1957 وقالت كلمتها في مدى انطباقه على الواقعة التي رفعت بها الدعوى وهى ممارسة المطعون ضدهم الغناء في حديقة عامة وكان المتهمون قد ترافعوا على ضوء مذكرة النيابة فقرروا أنهم يكونون فرقة موسيقية ولهم تسجيلات في الإذاعة وطلبوا رفض استئناف النيابة وتأييد حكم البراءة، فإن ما تقوله النيابة من أن المحكمة أغفلت حكم القانون في شأن تمحيص الواقعة بجميع أوصافها لا يصادف محلاً. أما ما انتهت إليه المحكمة من حيث الموضوع فقد أصابت به صحيح القانون ذلك أن القانون رقم 33 لسنة 1957 قد عرف البائع المتجول في المادة الأولى منه بفقرتيها (أ و ب) بأنه كل من يبيع سلعاً أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعه في أي طريق عام أو مكان عام دون أن يكون له محل ثابت وبأنه كل من يتجول من مكان إلى آخر أو يذهب إلى المنازل ليبيع سلعاً أو بضائع أو يعرضها للبيع أو يمارس حرفة أو صناعة بالتجول. ولما كان البائع المتجول يمارس حرفته عن طريق الاتصال بالجمهور والتردد على المساكن فقد نص القانون على أحكام عديدة يتعين مراعاتها قبل الترخيص له بممارسة الحرفة ثم بعد الترخيص بها. فقضت المادة السادسة منه على عدم جواز الترخيص للمصابين بالأمراض المبينة بها كما نصت المادة الثامنة على جواز تخصيص أماكن معينة أو سويقات لوقوف الباعة المتجولين وتعيين الحد الأقصى لعددهم بكل منها ومنع وقوفهم في غير هذه الأماكن كما نص في المادة التاسعة على أنه مراعاة لراحة السكان وتوفير الهدوء في مناطق معينة وللحد من المنافسة غير المشروعة يحظر على الباعة ملاحقة الجمهور بعرض سلعهم أو ممارسة حرفهم داخل وسائل النقل أو الوقوف بجوار المحال التي تتجر في أصناف مماثلة لما يتجرون فيه كما حدد القانون في المادة العاشرة الشروط الواجب توافرها في العربات والصناديق والأوعية التي يستعملها الباعة المتجولون لبيع المواد الغذائية من مأكولات ومشروبات وحظر بيع المأكولات والمشروبات التي يتعذر وقايتها من الفساد وبذلك دل القانون بما وضعه من أحكام وأخصها ما يتعلق بالشروط الصحية الواجب توفرها في هؤلاء الباعة أو في الأوعية التي يبيعون بضائعهم فيها أو في منع وقوفهم بجوار المحال التي تتجر في أصناف مماثلة لما يتجرون فيه - دل بذلك على أن البائع المتجول هو صاحب رأس مال ضئيل يمارس حرفته عن طريق اتصاله بالجمهور كبداية طبيعية يسلكها قبل أن يتحول إلى تاجر أو صانع مقيم وذلك بعد استيفاء شروط معينه لا تتوافر لغيره و ذلك قبل الترخيص له بعمل فيخرج عن هذه الطائفة كل من يؤدي خدمة للجمهور نظير أجر وكل من يزاول مهنة غير تجارية تقوم على الممارسة الشخصية لبعض العلوم والفنون يؤيد ذلك ما نصت عليه المذكرة الإيضاحية لهذا القانون من أنه "بتاريخ 6/ 8/ 1943 صدر القانون رقم 73 بشأن الباعة المتجولين متضمناً النص على اختصاص المديرية أو المحافظة بمنح الترخيص بممارسة حرفة البائع المتجول وعلى اختصاص وزارة الصحة العمومية بإصدار القرارات اللازمة لتنفيذه. ولما كانت ممارسة حرفة البائع المتجول هي البداية الطبيعية التي يسلكها صاحب رأس المال الضئيل قبل أن يتحول إلى تاجر أو صانع مقيم, ولما كانت وزارة الشئون البلدية والقروية هي المختصة بتنفيذ القانون الخاص بالمحال التجارية والصناعية لذلك رؤى أن ينقل إليها الاختصاص بتنفيذ القانون الخاص بالباعة المتجولين. ولعل المشرع الجنائي فيما سنه من أحكام في هذا القانون قد اهتدى بما هو متعارف عليه في فقه القانون الضريبي في تفسير المادة 72 من القانون رقم 14 لسنة 1939 المعدلة بالقانون رقم 146 لسنة 1950 والقانون رقم 174 لسنة 1950 من أن المهن غير التجارية هي التي يباشرها الممولون بصفة مستقلة والتي يكون العنصر الأساسي فيها العمل وتقوم على الممارسة الشخصية لبعض العلوم والفنون ولا يمنع من اعتبارها كذلك أن يكون الربح فيها مختلطاً ونتيجة استثمار رأس المال والعمل متى كان العمل هو مصدره الأول والغالب" ومتى كان ذلك, وكان الحكم المطعون فيه قد انتهى بحق إلى اعتبار ممارسة الغناء الشعبي في المواسم والأعياد مهنة غير خاضعة لأحكام القانون رقم 33 لسنة 1957 فإنه يكون قد طبق روح القانون تطبيقاً سليماً. لما كان ما تقدم، فإن الطعن برمته يكون على غير أساس متعيناً رفضه موضوعاً.