أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الأول - السنة 16 - صـ 206

جلسة 2 من مارس سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة , وبحضور السادة المستشارين: أديب نصر, ومختار رضوان, ومحمد محفوظ, ومحمد عبد الوهاب خليل.

(44)
الطعن رقم 1815 لسنه 34 القضائية

( أ ) قتل عمد. "نية القتل". حكم. "تسبيبه. تسبيب معيب".
جناية القتل العمد والشروع فيها. تميزها عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص, هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه. على الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجريمة أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. مثال.
(ب) نقض. "الطعن بالنقض". "المصلحة في الطعن".عقوبة. "العقوبة المبررة".
القول بعدم الجدوى من الطعن المؤسس على عدم توافر نية القتل لدى الطاعن في جرائم الشروع في القتل المنسوبة إليه على اعتبار أنه دين بجريمة إحراز سلاح مششخن وذخيرته بغير ترخيص وأن العقوبة المقضى بها مقررة قانوناً لهذه الجريمة. لا محل له. مادام أن الطاعن ينازع في صورة الواقعة بأكملها.
1ـ تتميز جناية القتل العمد والشروع فيها عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه. وهذا العنصر ذو طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم , وهو بطبيعته أمر يبطنه أمر الجاني ويضمره في نفسه. والحكم الذي يقضى بإدانة متهم في هذه الجناية أو بالشروع فيها يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإبداء الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. ولما كان ما استدل به الحكم المطعون فيه على توافر نية القتل لدى الطاعن من حضوره إلى مكان الحادث حاملاً سلاحاً من شأنه إحداث القتل وإطلاقه على المجني عليه في مقتل لا يفيد سوى مجرد تعمد الطاعن ارتكاب الفعل المادي من استعمال سلاح قاتل بطبيعته وإصابة المجني عليه في مقتل وهو ما لا يكفى بذاته لثبوت نية القتل ما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الجاني. ومن ثم يكون الحكم معيباً بالقصور متعيناً نقضه.
2ـ لا محل لتطبيق نظرية العقوبة المبررة والقول بعدم الجدوى من الطعن ـ المؤسس على عدم توافر نية القتل لدى الطاعن في جرائم الشروع في القتل المنسوبة إليه ـ على اعتبار أن الطاعن دين بجريمة إحراز سلاح مششخن وذخيرته بغير ترخيص وأن العقوبة المقضى بها مقررة قانوناً لهذه الجريمة, ما دام أن الطاعن ينازع في صورة الواقعة بأكملها سواء فيما يتعلق بتواجده في أثناء الحادث حاملاً سلاحه أو إطلاقه النار منه على المجني عليه بقصد قتله. وإذ ما كان مؤدى الطعن على هذا النحو متصلاً بتقدير الواقع، فإنه يتعين إعادة النظر في استظهار الواقعة برمتها وتقدير العقوبة على ضوئها. ومن ثم فإنه يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والإحالة.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعن وآخرين بأنهم في يوم 19 يناير سنة 1962 بدائرة مركز البدارى محافظة أسيوط: أولاً ـ قتلوا محمد سيد أحمد عمداً مع سبق الإصرار بأن عقدوا العزم على قتله وأعدوا لهذا الغرض سلاحاً نارياً "مسدساً"حمله أولهم وما أن ظفروا به حتى أطلق عليه المتهم المذكور أعيرة نارية قاصدين قتله فحدثت به الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتي أودت بحياته وقد اقترنت هذه الجناية بجنايتين أخريين هما أن المتهمين في الزمان والمكان سالفى الذكر قتلوا أحمد محمد سيد وشرعوا في قتل هاشم سيد أحمد عمداً مع سبق الإصرار بأن بيتوا النية على قتلهما وأعدوا لارتكاب جريمتهم سلاحاً نارياً "مسدساً"ولما ظفروا بهما أطلق عليهما المتهم الأول النار قاصدين قتلهما فحدثت بهما الإصابات الموصوفة بتقرير الصفة التشريحية والتقرير الطبي الشرعي والتي أودت بحياة أولهما وخاب أثر الجريمة بالنسبة لثانيهما لسبب خارج عن إرادتهم هو مداركته بالعلاج. ثانياً: ـ المتهم الأول أيضاً: ( أ ) أحرز بغير ترخيص سلاحاً نارياً مششخناً "مسدس" (ب) أحرز ذخيرة "طلقات" مما تستعمل في السلاح الناري سالف الذكر دون أن يكون مرخصاً له بحيازة السلاح أو إحرازه. وطلبت من مستشار الإحالة إحالتهم إلى محكمة الجنايات لمحاكمتهم بالمواد 230 و231 و234/ 2 من قانون العقوبات ومحاكمة الأول أيضاً بالمواد 1 و2 و26/ 1 - 2من القانون رقم 394 لسنة 1954 المعدل بالقانون رقم 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والجدول رقم 3 المرافق بالقسم الأول (أ). فقرر بذلك. وادعى مدنياً كل من (1) سيد أحمد عبد الرحمن والد القتيل محمد سيد أحمد بصفته الشخصية وبصفته ولى أمر أولاد ابنه المجني عليه وهم روحية وفوزية وفاطمة وعطيات وكوثر وحورية وحسين محمد سيد وطلب الحكم له قبل المتهمين الثلاثة متضامنين بمبلغ قرش صاغ على سبيل التعويض المؤقت مع المصاريف (2) والمجني عليه هاشم سيد أحمد وطلب الحكم له قبل المتهمين متضامنين بمبلغ قرش صاغ تعويضاً مؤقتاً مع المصاريف والأتعاب. ومحكمة جنايات أسيوط قضت حضورياً فى19 فبراير سنة 1964 بمعاقبة المتهم الأول (الطاعن) بالأشغال الشاقة لمدة خمسة عشر عاماً وببراءة المتهمين الثاني والثالث مما أسند إليهما. وفى الدعوى المدنية المرفوعة من هاشم سيد أحمد عبد الرحمن بإلزام المتهم الأول بأن يدفع له مبلغ قرش صاغ واحد على سبيل التعويض المؤقت ومصروفات الدعوى ومبلغ خمسة جنيهات مقابل أتعاب المحاماة ورفضت ما عدا ذلك من طلباته. وفى الدعوى المدنية المرفوعة من سيد أحمد عبد الرحمن عن نفسه وبصفته برفضها وإلزامه مصروفاتها وقدرت مبلغ ثلاثة جنيهات أتعاباً للمحاماة. وذلك تطبيقاً للمواد 45 و46 و234/ 1 من قانون العقوبات و1 و6 و26/ 2ـ 4 من القانون 394 لسنة 1954 المعدل بالقانونين رقمي 546 لسنة 1954 و75 لسنة 1958 والقسم الأول (أ) من الجدول رقم 3 المرفق به والمادة 32 عقوبات لأن المتهم الأول وحده ارتكب في الزمان والمكان سالفى الذكر جرائم الشروع في قتل هاشم سيد أحمد عبد الرحمن عمداً وإحراز سلاح ناري وذخيرة بدون ترخيص. فطعن المحكوم عليه في هذا الحكم بطريق النقض...إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى الطعن هو أن الحكم المطعون فيه إذ دان الطاعن بجرائم الشروع في القتل وإحراز سلاح مششخن وذخيرته بغير ترخيص قد شابه القصور في التسبيب ذلك بأن المحكمة مع ما أثبتته في مدونات الحكم من أن الحادث كان وليد مشاجرة لم يتدخل الطاعن فيها بل حضر بعد انتهائها وأطلق النار على المجني عليه، إلا أنها حين تحدثت عن نية القتل أرجعتها إلى النزاع السابق وأنها كانت قائمة في نفس الطاعن قبل حضوره إلى محل الحادث دون أن تستظهر هذا النزاع وسببه. ومع ما انتهت إليه من نفي توافر ظرف سبق الإصرار في حق الطاعن، فإن حضوره إلى مكان الحادث حاملاً سلاحاً من شأنه إحداث القتل لا يكفي لإثبات توافر تلك النية في حقه كما ذهب الحكم إلى ذلك وهو ما يعيبه ويستوجب نقضه.
وحيث إن الحكم المطعون فيه حصل واقعة الدعوى في نطاق ما انتهى إليه من إدانة الطاعن بجرائم الشروع في القتل وإحراز السلاح وذخيرته بغير ترخيص - بما مؤداه أن نزاعاً استعر أواره بين فريقي المتهمين والمجني عليهم على زراعة برسيم كان من نتيجة قيام شجار بينهم في اليوم السابق على الحادث أصيب فيه عميد عائلة المجني عليهم بإصابة خطيرة في رأسه وفي صباح يوم الحادث ذهب المجني عليه هاشم عبد الرحمن إلى الزراعة المتنازع عليها ومعه خادمه ثم لحق به شقيقه حيث وجدوا المتهم الثاني وابنه المتهم الثالث أمام منزلهم القريب من الزراعة المتنازع عليها وإذ ما تصدى لهم المتهم الثاني لما رآهم يريدون النزول إلى تلك الزراعة قامت مشاجرة بينه وبينهم أصيب هو فيها فكلف ابنه المتهم الثالث باستدعاء خاله المتهم الأول (الطاعن) الذي حضر حاملاً مسدسه في ملابسه وما أن لوح له المجني عليه بأنه سيعمد إلى شكواه حتى أخرج ذلك السلاح وأطلق منه عياراً على المجني عليه أصابه في كتفه. وقد عرض الحكم لنية القتل في قوله "إن المحكمة ترى أن نية القتل متوفرة لدى المتهم الأول (الطاعن) للنزاع السابق ومن حضوره إلى محل الحادث حاملاً سلاحاً نارياً من شأنه إحداث القتل وإطلاقه على المجني عليه هاشم سيد أحمد عبد الرحمن في مقتل" ثم أوقع على الطاعن العقوبة المقررة لأشد الجرائم التي أسندت إليه مطبقاً المادة 32 من قانون العقوبات للارتباط. لما كان ذلك، وكانت جناية القتل العمد والشروع فيها تتميز قانوناً عن غيرها من جرائم التعدي على النفس بعنصر خاص هو أن يقصد الجاني من ارتكابه الفعل الجنائي إزهاق روح المجني عليه. وكان هذا العنصر ذا طابع خاص يختلف عن القصد الجنائي الذي يتطلبه القانون في سائر الجرائم وهو بطبيعته أمر يبطنه الجاني ويضمره في نفسه، فإن الحكم الذي يقضي بإدانة متهم في هذه الجناية أو بالشروع فيها يجب أن يعنى بالتحدث عن هذا الركن استقلالاً واستظهاره بإيراد الأدلة التي تدل عليه وتكشف عنه. لما كان ما تقدم، وكان ما استدل به الحكم المطعون فيه على توافر نية القتل لدى الطاعن من حضوره إلى مكان الحادث حاملاً سلاحاً من شأنه إحداث القتل وإطلاقه على المجني عليه في مقتل لا يفيد سوى مجرد تعمد الطاعن ارتكاب الفعل المادي من استعمال سلاح قاتل بطبيعته وإصابة المجني عليه في مقتل وهو ما لا يكفي بذاته لثبوت نية القتل ما لم يكشف الحكم عن قيام هذه النية بنفس الجاني، ومن ثم يكون الحكم مشوباً بالقصور متعيناً نقضه - ولا محل في خصوصية هذه الدعوى لتطبيق نظرية العقوبة المبررة والقول بعدم الجدوى من الطعن على اعتبار أن الطاعن دين بجريمة إحراز السلاح المششخن وذخيرته بغير ترخيص وأن العقوبة المقضى بها مقررة قانوناً لهذه الجريمة. لا محل لذلك لأن الطاعن ينازع في صورة الواقعة بأكملها سواء فيما يتعلق بتواجده في أثناء الحادث حاملاً سلاحه أو إطلاقه النار منه على المجني عليه بقصد قتله. وإذ ما كان مؤدى الطعن على هذا النحو متصلاً بتقدير الواقع، فإنه يتعين إعادة النظر في استظهار الواقعة برمتها وتقدير العقوبة على ضوئها. لما كان ما تقدم، فإنه يتعين قبول الطعن ونقض الحكم المطعون فيه والإحالة وإلزام المطعون ضده المصاريف المدنية ومقابل أتعاب المحاماة.