أحكام النقض - المكتب الفني - جنائي
العدد الثاني - السنة 16 - صـ 415

جلسة 3 من مايو سنة 1965

برياسة السيد المستشار/ عادل يونس نائب رئيس المحكمة، وبحضور السادة المستشارين:حسين صفوت السركي، ومحمد صبري، وقطب فراج، ومحمد عبد المنعم حمزاوي.

(85)
الطعن رقم 9 لسنة 35 القضائية

( أ ) استئناف. "أثره". "نظره". محكمة استئنافية. "سلطتها عند نظر الاستئناف". وصف التهمة . دعارة. تسهيل البغاء.
الاستئناف. أثره: إعادة طرح الدعوى برمتها على محكمة الدرجة الثانية ولو كان مرفوعاً من المتهم وحده. لهذه المحكمة إعطاء الوقائع السابق طرحها على القاضي الابتدائي وصفها القانوني الصحيح. شرط ذلك: ألا توجه إلى المتهم أفعالاً جديدة أو تشدد عليه العقوبة إذا كان هو المستأنف وحده. مثال.
(ب) اجراءات المحاكمة. "ورقة التكليف بالحضور". دفاع. "الإخلال بحق الدفاع". "ما لا يوفره". بطلان.
حضور المتهم في الجلسة بنفسه أو بواسطة وكيل عنه. ليس له التمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور. حقه في طلب تصحيح التكليف أو استيفاء أي نقص فيه وإعطائه ميعاداً لتحضير دفاعه قبل البدء في سماع الدعوى. على المحكمة إجابته إلى طلبه.
عدم تطلب القانون حضور محام مع المتهم أثناء محاكمته في مواد الجنح والمخالفات.
(ج) حكم."تسبيبه. تسبيب غير معيب".
التناقض الذي يعيب الحكم: هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. مثال.
(د) محكمة الموضوع. "سلطتها في تقدير الدليل". حكم. "تسبيبه. تسبيب غير معيب". نقض. "أسباب الطعن". "ما لا يقبل منها".
للمحكمة الأخذ بأقوال متهم على آخر متى اطمأنت إليها، ولو لم يكن في الدعوى من دليل سواها. لا رقابة لمحكمة النقض عليها في ذلك. ما دام تدليلها سائغاً.
1 - الأصل أن الاستئناف ولو كان مرفوعاً من المتهم وحده يعيد طرح الدعوى برمتها على محكمة الدرجة الثانية - فيكون لها أن تعطى الوقائع التي سبق طرحها على القاضي الابتدائي وصفها القانوني الصحيح وكل ما عليها ألا توجه أفعالاً جديدة إلى المتهم أو أن تشدد عليه العقوبة متى كان هو المستأنف وحده. ولما كان الثابت من تحصيل الحكم لواقعة الدعوى أن الطاعنة اتصلت بالمتهمة الثانية وطلبت إليها الحضور لممارسة الدعارة في البنسيون الذي تديره ثم قدمتها للشخصين اللذين وجدا بالبنسيون وقت الضبط لارتكاب الفحشاء معها نظير جعل تقاضته منهما مما حدا بالمحكمة نظراً إلى عدم توافر ركن العادة إلى استبعاد جريمة إدارة البنسيون للدعارة واعتبار الواقعة منطبقة على نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1951 الذي وقعت الجريمة في ظله - بوصف أن الواقعة مجرد تسهيل للبغاء. وكانت المحكمة فيما ذهبت إليه قد أقامت حكمها على الواقعة المادية ذاتها التي شملها التحقيق ورفعت بها الدعوى وهو ما لم تمار فيه الطاعنة، وكانت عقوبة الجريمة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون المذكور ليست أشد من العقوبة المقررة للجريمة التي كانت مقامه بها الدعوى أصلاً، فلا تثريب على المحكمة إن هي عدلت الوصف على هذا النحو وأنزلت على الواقعة صحيح القانون دون أن تلفت نظر الطاعنة للمرافعة على أساس الوصف المعدل.
2 - تنص المادة 334 من قانون الإجراءات الجنائية على أنه "إذا حضر المتهم بنفسه أو بواسطة وكيل عنه فليس له أن يتمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور وإنما له أن يطلب تصحيح التكليف أو استيفاء أي نقص فيه وإعطاءه ميعاداً لتحضير دفاعه قبل البدء في سماع الدعوى وعلى المحكمة إجابته إلى طلبه". ولما كان القانون لا يتطلب في مواد الجنح والمخالفات أن يحضر مع المتهم في أثناء المحاكمة محام يتولى المرافعة عنه, وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الطاعنة حضرت بنفسها في آخر جلسة من جلسات المرافعة وسئلت عن التهمة فأنكرتها ومضت إجراءات المحاكمة في مواجهتها دون أن تتمسك بعدم إعلانها بالحضور أو تطلب من المحكمة ميعاداً لتحضر دفاعها. فإن تعييب الحكم بالإخلال بحق الطاعنة في الدفاع يكون غير سديد.
3 - التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة فإذا كان الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى واستخلص منها عدم توافر ركن العادة في حق الطاعنة - متفقاً في ذلك مع الحكم المستأنف - فإنه لا يعيبه أو يصمه بالتناقض إن هو أقام قضاءه على سند من وصف جديد للواقعة المادية ذاتها ليس من بين عناصره توافر ذلك الركن.
4 - من حق المحكمة أن تأخذ بأقوال متهم على آخر متى اطمأنت إليها ولو لم يكن في الدعوى من دليل سواها ولها أن تلتفت عن عدوله عن أقوال صدرت منه وتعتمد على تلك الأقوال متى رأت أنها صحيحة وصادقة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على تشكك الحكم المستأنف في ذلك الاعتراف - من أنه كان وليد رهبة - رداً سائغاً، فإن ما تثيره الطاعنة بهذا الوجه ينحل إلى مجرد جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقديرها للدليل مما لا شأن لمحكمة النقض به.


الوقائع

اتهمت النيابة العامة الطاعنة وأخرى بأنهما في يوم 4/ 5/ 1960 بدائرة قسم العطارين: - (أولاً) المتهمة الأولى: أدارت البنسيون الخاص بها لأعمال الفجور والدعارة على الوجه المبين بالمحضر. (ثانياً) المتهمة الثانية: اعتادت ممارسة الدعارة. وطلبت عقابهما بالمواد 8 و9 و13 و14 من القانون رقم 68 لسنة 1951. وقضت محكمة العطارين الجزئية في 10/ 12/ 1962 عملاً بالمادة 304/ 1 من قانون الإجراءات الجنائية ببراءة المتهمين. فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم. ومحكمة الإسكندرية الابتدائية - بهيئة استئنافية - قضت بتاريخ 16/ 12/ 1963 حضورياً بالنسبة إلى المتهمة الأولى وغيابياً بالنسبة إلى الثانية عملاً بالمادة الأولى من القانون السالف الذكر مع تطبيق المادتين 55 و56 من قانون العقوبات بالنسبة إلى الطاعنة بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه بالنسبة إلى المتهمة الثانية وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة إليها وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة إلى المتهمة الأولى (الطاعنة) وبحبسها سنة مع الشغل وتغريمها مائة جنيه وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ صدور الحكم، وذلك على اعتبار أن التهمة الموجهة إليها هي تسهيل ومساعدة المتهمة الثانية على ارتكاب الدعارة. فطعنت الطاعنة في هذا الحكم بطريق النقض...إلخ.


المحكمة

حيث إن مبنى ما تنعاه الطاعنة على الحكم المطعون فيه أنه إذ دانها بتهمة تسهيل البغاء بعد أن برأها الحكم المستأنف من جريمة إدارة "البنسيون" لأعمال الفجور والدعارة التي رفعت بها الدعوى الجنائية ابتداء قد أخطأ في القانون وانطوى على إخلال بحق الدفاع وتناقض وفساد الاستدلال، ذلك بأنه فضلاً عن أن الفعل الجديد الذي دينت الطاعنة بمقتضاه، كان يوم أن وجهته المحكمة الاستئنافية إليها قد سقط الحق في رفع الدعوى الجنائية عنه بمضي المدة, فإنه ما كان يجوز لمحكمة ثاني درجة أن تغير الوصف القانوني للواقعة حتى لا يحرم متهم من درجة من درجات التقاضي فضلاً عن أن إدانة الطاعنة على مقتضى الوصف الجديد يناقض ما انتهى إليه الحكم من تأييد حكم محكمة أول درجة في شأن انتفاء ركن الاعتياد في جريمة إدارة محل للدعارة التي أقيمت بها الدعوى ابتداء. هذا إلى أن المحكمة أجرت هذا التغيير بعد حجز القضية للحكم دون أن تنبه الطاعنة إليه لتبدي دفاعها بشأنه، يضاف إلى ذلك أن الطاعنة حين حضرت الجلسة الأخيرة التي حجزت فيها الدعوى للحكم لم تكن قد كلفت بالحضور بل إن وجودها بالجلسة وقت النداء على القضية كان من قبيل المصادفة فلبت النداء واقتصرت على إنكار التهمة دون أن تمكنها المحكمة من الاستعانة بمحام أو تمنحها أجلاً للاستعداد في الوصف الجديد الذي حكمت من بعد على مقتضاه. وأخيراً فقد عول الحكم على اعتراف المتهمة الثانية في محضر ضبط الواقعة على الرغم من عدولها عنه في تحقيق النيابة وما كان يسوغ التعويل عليه لصدوره تحت تأثير الرهبة وإجراءات الضبط والتفتيش، فضلاً عن أنه لا يجوز أن تقام الإدانة على مجرد اعتراف متهم على آخر.
وحيث إن الدعوى الجنائية رفعت على الطاعنة وأخرى بوصف أنهما في يوم 4/ 5/ 1960 بدائرة قسم العطارين: الأولى - الطاعنة - أدارت "البنسيون" الخاص بها لأعمال الفجور والدعارة على الوجه المبين بالمحضر - والثانية - اعتادت ممارسة الدعارة. وطلبت النيابة العامة عقابهما بالمواد 8، 9 و13، 14 من المرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1951 الساري على واقعة الدعوى والذي حل محله القانون رقم 10 لسنة 1961. ومحكمة أول درجة قضت حضورياً في 10/ 12/ 1962 ببراءتهما, فاستأنفت النيابة العامة هذا الحكم وظلت الدعوى تؤجل للإعلان إلى أن حضرت الطاعنة بجلسة 18/ 11/ 1963 فحجزت القضية للحكم لجلسة 16/ 12/ 1963 وقضت المحكمة بالحكم المطعون فيه حضورياً للطاعنة وغيابياً للمتهمة الثانية بقبول الاستئناف شكلاً وفى الموضوع برفضه وبالنسبة إلى الثانية وتأييد الحكم المستأنف بالنسبة إليها وبإجماع الآراء بإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة إلى الطاعنة وبحبسها سنة مع الشغل وتغريمها مائة جنيه وأمرت بوقف تنفيذ عقوبة الحبس لمدة ثلاث سنوات تبدأ من تاريخ الحكم وذلك على اعتبار أن الطاعنة سهلت وساعدت المتهمة الأخرى على ارتكاب الدعارة، الأمر المعاقب عليه طبقاً للمادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1951.
وحيث إنه يبين من مراجعة الحكم المطعون فيه أنه حصل واقعة الدعوى بما مؤداه أن معاون مكتب حماية الآداب بالإسكندرية أورد في محضره أنه فاجأ "البنسيون" إدارة الطاعنة بعد استصدار إذن النيابة بالتفتيش لما علمه من أن الطاعنة تديره للدعارة نظير أجر، فوجد شخصاً بالردهة يدعى فؤاد حبشي، وآخر اسمه سعدي حسن محمد، كان يواقع المتهمة الثانية في إحدى الحجرات، وأنه سأل الجميع شفاهاً بما فيهم الطاعنة فاعترفوا بما يفيد إدارة المحل للدعارة وذكر له سعدي حسن أنه دفع للطاعنة ثلاثة جنيهات مقابل ارتكاب الفحشاء مع المتهمة الثانية وأضاف الضابط أن الطاعنة أرشدته عن موضع ذلك المال وأنه اطلع على دفتر قيد النزلاء فتبين أن آخر قيد به كان بتاريخ 26/ 4/ 1960. ثم استطرد الحكم في سرد الواقعة إلى القول بأن المتهمة الثانية اعترفت في محضر ضبط الواقعة بارتكاب الفاحشة مع سعدي حسن بناء على طلب الطاعنة ووعد بإعطائها مبلغاً من النقود، وأن الطاعنة اعترفت بالفعل الذي أتته المتهمة الثانية وإن أولت الوسيلة إليه بأن المتهمة المذكورة على صلة سابقة بمن ضبطت معه وقد حضرت خصيصاً لمقابلته، وأما سعدي حسن محمد وفؤاد حبشي فقد ذكر أولهما أن قواداً صحبه إلى البنسيون حيث طلبت منه الطاعنة ثلاثة جنيهات مقابل مواقعة المتهمة الثانية فأدى لها المبلغ وشهد الثاني بمثل ما شهد به الأول عن كيفية وصوله "البنسيون" وأنه أدى للطاعنة جنيهين وأنه كان قد قضى لبانته عندما حضر رجال الشرطة وبعد أن أشار الحكم إلى إنكار الطاعنة والمتهمة الثانية في تحقيقات النيابة وإلى الدفاع الموضوعي الذي أثير لدى محكمة أول درجة واقتنعت به فقضت بالبراءة واستخلص إتيان المتهمة الثانية للفاحشة مع الشاهدين في البنسيون - إدارة الطاعنة - وراح يناقش حكم القانون في الواقعة فأثبت أن اختلاط المرأة جنسياً بأكثر من رجل في مجلس إثم واحد لا يكفي لتوافر ركن الاعتياد كما أن جريمة إدارة المحل للدعارة هي من جرائم العادة التي لا تقوم إلا بتحقق ثبوتها، انتقل إلى الاتهام الموجه إلى الطاعنة فأورد فيه قوله "وحيث إنه بالنسبة للمتهمة الأولى - الطاعنة - فإن ركن العادة غير متوافر في حقها كما تقدم بيانه... إلا أنه من جهة أخرى فإن الواقعة المطروحة في الدعوى والأفعال التي ثبتت منها في حق المتهمة الأولى حسبما تقدم بيانه تكون ذاتها تهمة ليست أشد من التهمة المنسوبة للمتهمة الأولى في قيد الاتهام وهى تهمة تسهيل ارتكاب الدعارة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون 68 لسنة 1951 والتي لا يشترط فيها توافر ركن الاعتياد.. ومن ثم فإن المحكمة استعمالاً لحقها في إنزال حكم القانون إنزالاً صحيحاً على الواقعة المطروحة عليها تعديل الاتهام بالنسبة للمتهمة الأولى إلى أنها في التاريخ والمكان سالف الذكر سهلت وساعدت على ارتكاب المتهمة الثانية للدعارة ويتعين بالتالي بإجماع الآراء معاقبة المتهمة الأولى عن هذه التهمة الثابتة في حقها طبقاً للمادة الأولى من القانون 68 لسنة 1951 وإلغاء الحكم المستأنف بالنسبة لها تبعاً لذلك". لما كان ذلك، وكانت الواقعة التي رفعت بها الدعوى على الطاعنة وهى إدارة محل للدعارة قد جرت بتاريخ 4/ 5/ 1960 وقد توالت على الدعوى إجراءات المحاكمة فقضى فيها ابتدائياً بالبراءة بتاريخ 10/ 12/ 1962 ثم استأنفت النيابة الحكم بتاريخ 13/ 12/ 1962 ومضت الدعوى في سيرها بغير انقطاع حتى قضى فيها بالحكم المطعون فيه بتاريخ 16/ 12/ 1963 بعد تغيير وصف التهمة إلى تسهيل بغاء الغير دون أن ينال الواقعة التي جرت المحاكمة على أساسها منذ البداية أي تعديل فإنه لا يكون ثمة محل للنعي بسقوط الدعوى بمضي المدة طالما أن المحكمة مضت في مباشرة الدعوى دون أن يقع ما يدرجها في حيز النسيان الذي جعله الشارع علة للسقوط. لما كان ذلك، وكان ما تنعاه الطاعنة على المحكمة الاستئنافية من خطأ في القانون بقوله إنها جاوزت سلطتها حين عدلت وصف التهمة مردوداً بأن الأصل أن الاستئناف - ولو كان مرفوعاً من المتهم وحده - يعيد طرح الدعوى برمتها على محكمة الدرجة الثانية فيكون لها أن تعطي الوقائع التي سبق طرحها على القاضي الابتدائي وصفها القانوني الصحيح وكل ما عليها ألا توجه أفعالاً جديدة إلى المتهم أو أن تشدد عليه العقوبة متى كان هو المستأنف وحده. ولما كان الثابت مما سلف إيراده عن تحصيل الحكم لواقعة الدعوى أن الطاعنة اتصلت بالمتهمة الثانية وطلبت إليها الحضور لممارسة الدعارة في "البنسيون" الذي تديره ثم قدمتها للشخصين اللذين وجدا بالبنسيون وقت الضبط لارتكاب الفحشاء معها نظير جعل تقاضته منهما مما حدا بالمحكمة نظراً إلى عدم توافر ركن العادة على ما سلف بيانه - إلى استبعاد جريمة إدارة "البنسيون" للدعارة واعتبار الواقعة منطبقة على نص المادة الأولى من المرسوم بقانون رقم 68 لسنة 1951 - الذي وقعت الجريمة في ظله - بوصف أن الواقعة مجرد تسهيل للبغاء - وكانت المحكمة فيما ذهبت إليه قد أقامت حكمها على الواقعة المادية ذاتها التي شملها التحقيق ورفعت بها الدعوى وهو ما لم تمار فيه الطاعنة. وكانت عقوبة الجريمة المنصوص عليها في المادة الأولى من القانون المذكور ليست أشد من العقوبة المقررة للجريمة التي كانت مقامة بها الدعوى أصلاً، فإنه لا تثريب على المحكمة إن هي عدلت الوصف على ذلك النحو وأنزلت على الواقعة صحيح القانون دون أن تلفت نظر الطاعنة للمرافعة على أساس الوصف المعدل. لما كان ما تقدم، وكان تعييب الحكم بالإخلال بحق الطاعنة في الدفاع لعدم إعلانها لحضور المحاكمة الاستئنافية أو منحها أجلاً للاستعداد ولتوكل مدافعاً عنها، مردوداً بأنه لما كانت المادة 334 من قانون الإجراءات الجنائية تنص على أنه "إذا حضر المتهم بنفسه أو بواسطة وكيل عنه فليس له أن يتمسك ببطلان ورقة التكليف بالحضور وإنما له أن يطلب تصحيح التكليف أو استيفاء أي نقص فيه وإعطاءه ميعاداً لتحضير دفاعه قبل البدء في سماع الدعوى وعلى المحكمة إجابته إلى طلبه" وكان القانون لا يتطلب في مواد الجنح والمخالفات أن يحضر مع المتهم في أثناء المحاكمة محام يتولى المرافعة عنه. وكان الثابت من محضر جلسة المحاكمة الاستئنافية أن الطاعنة حضرت بنفسها في آخر جلسة من جلسات المرافعة وسئلت عن التهمة فأنكرتها ومضت إجراءات المحاكمة في مواجهتها دون أن تتمسك بعدم إعلانها بالحضور أو تطلب من المحكمة ميعاداً لتحضر دفاعها. لما كان ذلك, وكان ما تنعاه الطاعنة على الحكم من تناقض غير سديد, ذلك بأنه لما كان من المقرر أن التناقض الذي يعيب الحكم هو ما يقع بين أسبابه بحيث ينفي بعضها ما يثبته البعض الآخر ولا يعرف أي الأمرين قصدته المحكمة. وكان الحكم المطعون فيه بعد أن حصل واقعة الدعوى واستخلص منها على ما سلف بيانه عدم توافر ركن العادة في حق الطاعنة - متفقاً في ذلك مع الحكم المستأنف - فإنه لا يعيبه أو يصمه بالتناقض إن هو أقام قضاءه على سند من وصف جديد للواقعة المادية ذاتها ليس من بين عناصره توافر ذلك الركن. لما كان ذلك، وكان ما تثيره الطاعنة من دعوى فساد الحكم في استدلاله حين عول على اعتراف المتهمة الثانية على الطاعنة على الرغم مما شاب هذا الدليل من عيوب، ما تثيره من ذلك في غير محله، ذلك بأنه من حق المحكمة أن تأخذ بأقوال متهم على آخر متى اطمأنت إليها ولو لم يكن في الدعوى من دليل سواها ولها أن تلتفت عن عدوله عن أقوال صدرت منه وتعتمد على تلك الأقوال متى رأت أنها صحيحة وصادقة. ولما كان الحكم المطعون فيه قد رد على تشكك الحكم المستأنف في ذلك الاعتراف - من أنه كان وليد رهبة رداً سائغاً، فإن ما تثيره الطاعنة بهذا الوجه ينحل إلى مجرد جدل موضوعي حول سلطة محكمة الموضوع في تقديرها للدليل مما لا شأن لمحكمة النقض به.
وحيث إنه لما كان ما تقدم، يكون الطعن برمته على غير أساس ويتعين رفضه موضوعاً.